كتاب الحج (للشاهرودي) المجلد 4

اشارة

نام كتاب: كتاب الحج

موضوع: فقه استدلالى

نويسنده: شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى

تاريخ وفات مؤلف: 1394 ه ق

زبان: عربى

قطع: وزيرى

تعداد جلد: 5

ناشر: مؤسسه انصاريان

تاريخ نشر: ه ق

نوبت چاپ: دوم

مكان چاپ: قم- ايران

مقرر: شاهرودى، ابراهيم جناتى

تاريخ وفات مقرر: ه ق

ملاحظات: اين كتاب از روى نسخه اى كه در سال 1381 ه ق در چاپخانه قضاء در نجف اشرف به چاپ رسيده افست شده است

[الجزء الرابع]

مقدمة المؤلف

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه رب العالمين و الصّلاة و السّلام على خير خلقه و أشرف بريّته خاتم النبيّين محمّد بن عبد اللّه سليل خليله إبراهيم عليه السّلام رافع القواعد من البيت الّذي جعل مثابة للنّاس و أمنا، و آله الطيّبين الطّاهرين المعصومين الّذين أذهب اللّه عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا.

و بعد: فهذا هو الجزء الرابع من كتابنا: (الحجّ) تقريرا لبحث استاذنا الأعظم سماحة آية اللّه العظمى المرجع الدّيني الأعلى الحاج السيد محمود الحسيني الشاهرودي دام ظله.

و هو يشتمل على مباحث (الوقوف بالمشعر، و اعمال منى، و الطّواف) على نهج ما كتبه المحقّق (طاب ثراه) في شرائعه كالجزء الثّالث من هذا الكتاب.

و اللّه سبحانه و تعالى اسأل ان يتفضّل عليّ بتقبّل هذا الجهد المتواضع بقبوله الحسن، و يجعله خالصا لوجهه الكريم، و أتوسل اليه ان يوفقني لإتمام بقيّة أجزاء هذا الكتاب، فهو وليّي و حسبي «نِعْمَ الْمَوْلىٰ وَ نِعْمَ النَّصِيرُ».

النجف الأشرف 2 رجب 1386 محمّد إبراهيم الجنّاتي

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 7

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه رب العالمين و صلى اللّه على خير خلقه محمد و آله الطّاهرين

[تتمة شرح كتاب الحج من شرائع الإسلام]

[تتمة الركن الثاني في أفعال الحج]

[القول في الوقوف بالمشعر]
اشارة

القول في الوقوف بالمشعر [1] و النظر في مقدمته و كيفيته

[أما المقدمة]

أما المقدمة فيستحب الاقتصاد في سيره إلى المشعر، و ان يقول إذا بلغ الكثيب الأحمر عن يمين الطّريق:

(اللّهم ارحم موقفي، و زد في عملي، و سلّم لي ديني، و تقبّل مناسكي) (1).

كتاب الحج

(1) يدل على جميع ما افاده المصنف «قدس سره» ما في صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال: أبو عبد اللّه عليه السّلام: (إذا غربت الشمس فأفض مع

______________________________

[1] ينبغي هنا التنبيه على أمرين:

(الأول) ان المشعر الحرام أحد للشاعر التي جعلها اللّه تعالى موضع النسك و العمل و قد سمّى ايضا مزدلفة «بكسر اللام» و جمع «بإسكان الميم» ايضا.

قال في الصحاح: (المشاعر مواضع المناسك، و المشعر الحرام أحد المشاعر و كسر الميم لغة.)

قال في القاموس: (المشعر الحرام «و تكسر ميمه»: المزدلفة و عليه بناء اليوم و وهم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 8

..........

النّاس و عليك السّكينة و الوقار و أفض من حيث أفاض النّاس و استغفر اللّه ان اللّه غفور رحيم) فإذا انتهيت الى الكثيب الأحمر عن يمين الطّريق فقل: (اللهم ارحم موقفي و زد في عملي و سلّم لي ديني و تقبّل مناسكي و إياك و الوجيف (الرصف خ ل) الذي يصنعه كثير من النّاس فإنه بلغنا ان الحجّ ليس بوصف الخيل و لا إيضاع الإبل و لكن اتّقوا اللّه تعالى و سيروا سيرا جميلا لا تواطئوا ضعيفا و لا تواطئوا مسلما و اقتصدوا في السير، فان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يقف بناقته حتى كان يصيب رأسها مقدّم الرحل، و يقول: ايّها الناس عليكم بالدّعة فسنة رسول اللّه تتبع، قال معاوية: و

سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «اللّهم أعتقني من النّار» يكرّرها حتى أفاض النّاس. إلخ «1».

______________________________

من ظنّه جبلا بقرب ذلك البناء) و لعله أشار الى القيومي في محكي مصباح المنير- كما افاده صاحب الجواهر، قدس سره قال: «و المشعر الحرام جبل بآخر مزدلفة، و اسمه قزح، و ميمه مفتوح على المشهور، و بعضهم يكسرها على التّشبيه باسم الآلة، و الظاهر: انه تبعه في ذلك صاحب مجمع البحرين حيث قال- بعد ذكر قوله عز و جل: «فَاذْكُرُوا اللّٰهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرٰامِ» هو: (جبل بآخر مزدلفة و اسمه قزح «بضمّ القاف و فتح الزّاء المعجمة و الحاء المهملة» و يسمّى جمعا و مزدلفة و المشعر الحرام) و هو ممّن يقتفي أثره غالبا.

و نقل في الدروس ايضا تفسيره بالجبل المذكور حيث قال في مسألة وطء الصرورة المشعر برجله أو بعيره. (و قد قال الشيخ: هو قزح فيصعد عليه و يذكر اللّه عنده، و قال الحلبي «يستحب وطء المشعر و في حجة الإسلام آكد» و قال ابن الجنيد: «يطأ برجله أو بعيره المشعر الحرام قرب المنارة و الظاهر انه المسجد الآن» أفاد صاحب الجواهر بعد نقل هذا الكلام من الحلبي بقوله: (فيمكن ان يكون من المشترك بين الكل و البعض أو من باب تسمية الكلّ باسم الجزء).

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 9

..........

لا يخفى، ان ظاهر إطلاق الأوامر الواردة فيه بالنسبة إلى الإفاضة بسكينة و وقار و الاقتصاد في السير و الدعاء و الاستغفار هو كونه بداعي الجدّ في الجميع الا ان تسالم الأصحاب على عدم الوجوب قرينة على رفع اليد عن هذا الظهور، و اما الاستحباب

فلا وجه لرفع اليد عنه.

______________________________

قيل: «ان المزدلفة هي فضاء فسيح لا بناء فيه غير المشعر الحرام و هو عبارة عن مسجد عظيم مرتفع عن الأرض يحاط بسور حجري صغير لا سقف له و في وسطه تقريبا مأذنة فخمة بيضاء تنار بالأنوار السّاطعة أيّام الحج و ذرعه (59) ذراعا و شيرا و المزدلفة موضع بين منى و عرفة يبيت فيه الحجّاج بعد وقوفهم بعرفة و موقعه بين مأذمى (الجبلان) عرفة الّذي يقال له: المديق و بين وادي محسّر من جهة منى و طولها ما بين هذين الحدّين (4370) مترا» و سيتضح لك تحقيق الكلام في ذلك عند تعرّض المصنّف له (إن شاء اللّه تعالى).

(الثاني)- ان تسمية المشعر الحرام بالمزدلفة «بضمّ الميم و سكون الزّاء المعجمة و فتح الدّال و كسر اللّام» فإنما ذكروا الأصحاب- قدس اللّه تعالى أسرارهم- لها وجوها:

1- ان المزدلفة اسم فاعل من الازدلاف و هو التّقدم تقول: يزدلف القوم ازدلفوا اى تقدّموا و روى الصدوق- رحمه اللّه تعالى- في العلل بإسنادهم إلى معاوية بن عمّار عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال انما سميت مزدلفة لأنهم ازدلفوا إليها من عرفات «1» و في صحيحة الآخر قال و في حديث إبراهيم عليه السلام ان جبرئيل عليه السلام انتهى الى الموقف و اقام به حتى غربت الشمس ثم أفاض به فقال: يا إبراهيم ازدلف الى المشعر الحرام فسميت مزدلفة «2».

2- باعتبار أنها أرض مستوية منكوسة لكون احدى معانيها في اللغة ذلك.

3- باعتبار مجي ء النّاس إليها في زلف من اللّيل.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 4.

(2) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 5.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص:

10

و ان يؤخر المغرب و العشاء إلى المزدلفة (1)

(1) قد اختلفت كلمات الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) فيه على قولين:

(الأول): استحباب تأخير صلاة المغرب و العشاء إلى المزدلفة و قد صرح بذلك بنو حمزة و إدريس و سعيد و الفاضل و غيرهم من الفقهاء بل هو معقد إجماع العلماء كافة في محكي التذكرة و تبعهم المصنف قدس سره.

(الثاني): وجوب تأخيرهما إلى المزدلفة و هو خيرة الشيخ على هو المحكي عن معظم كتبه و ابن زهرة بل في كشف اللثام حكايته عن ظاهر الأكثر و استدل للقول الأول- مضافا الى الإجماع- بالأخبار، منها:

1- صحيح هشام بن الحكم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا بأس ان يصلي

______________________________

4- باعتبار انه يتقرب فيه الى اللّه قال الصادق عليه السلام في صحيح معاوية بن عمار ما للّه تعالى منسك أحب الى اللّه تعالى من موضع المشعر الحرام و ذلك انه يدل فيه كل جبار عنيد «1».

و اما وجه تسمية تلك المكان بجمع فلما يأتي:

1- لأن آدم عليه السلام جمع في ذلك المكان بين صلاة المغرب و العشاء و يدل عليه قوله عليه السلام في رواية ابن ابي الديلم قال: سميت جمع لان آدم عليه السلام جمع فيها بين الصلاتين المغرب و العشاء «2».

2- لانه يجمع فيه بين المغرب و العشاء بأذان واحد و يدل عليه ما رواه الصدوق مرسلا عن النبي صلى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام انه انما سميت المزدلفة جمعا لانه يجمع فيها بين المغرب و العشاء بأذان واحد و إقامتين «3».

3- ما قاله في الصحاح انه يقال المزدلفة جمع، لاجتماع الناس فيها.

______________________________

(1) ذكر في الجواهر.

(2) الوسائل ج 2 الباب 6

من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 7

(3) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 11

..........

الرجل المغرب إذا أمسى بعرفة «1» و بإسناده عن يعقوب بن يزيد عن بن أبى عمير مثله الا انه حذف لفظ (المغرب).

2- خبر محمد بن سماعة بن مهران قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الرجل يصلي المغرب و العتمة في الموقف؟ فقال: قد فعله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صلاهما في الشعب «2» 3- ما رواه احمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن ربعي ابن عبد اللّه عن محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال: عثر محمل أبى بين عرفة و المزدلفة فنزل و صلى المغرب و صلى العشاء بالمزدلفة «3».

و لكن يعارضها اخبار قد استدل بها على القول الثاني- منها:

1- مضمرة سماعة قال: سألته عن الجمع بين المغرب و العشاء الآخرة بجمع؟

فقال: لا تصليهما حتى تنتهي إلى جمع و ان مضى من الليل ما مضى، فان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جمعهما بأذان واحد و إقامتين كما جمع بين الظهر و العصر بعرفات «4».

2- صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: لا تصل المغرب حتى تأتى جمعا و ان ذهب ثلث الليل «5».

و لكن يمكن ان يقال انه لا معارضة بينهما و ذلك لان الجمع العرفي يقتضي حمل الطائفة الثانية الظاهرة في وجوب التأخير على الاستحباب بقرينة نفى البأس الذي تضمنه صحيح هشام، لكونه نصا في الجواز و حكومة النص على الظاهر من اجلى الحكومات،

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 5.

(2)

الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 4.

(3) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2.

(4) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1.

(5) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 12

..........

كما انه يرفع اليد عن ظهور (لا بأس) في الإباحة بقرينة قوله عليه السلام في مضمرة سماعة:

(لا تصليهما حتى تنتهي إلى جمع) لكونه نصا في رجحان الصلاة في المزدلفة و من المعلوم ان الجواز مع الرجحان هو الاستحباب.

فيما افاده المصنف «قدس سره» متين، و على فرض عدم تماميته فلا مجال للقول الثاني، لأن لازمه هو بطلان صلاته لو فعلها في الوقت في عرفة للنهي عنها المقتضى لفسادها، و من الواضح انه لا يمكن الالتزام به و لم يقل به أحد.

و لكن ظاهر كلام بعض الأصحاب موهم لتحريم الصلاة قبل المشعر، قال الشيخ في النهاية: (لا تصل المغرب و العشاء الآخرة الا بالمزدلفة و ان ذهب من الليل ربعه أو ثلثه فان عاقه عن المجي ء إلى المزدلفة الى ان يذهب من الليل أكثر من الثلث جاز له ان يصلي المغرب في الطريق و لا يجوز ذلك مع الاختيار).

و نحوه كلام بن ابى عقيل حيث قال بعد ان حكى صفة سيرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «و أوجب بسنته على أمته ان لا يصلي أحد منهم المغرب و العشاء بعد منصرفهم من عرفات حتى يأتوا المشعر الحرام).

و نحو ذلك كلام الشيخ، في الخلاف، و قريب منه في الاستبصار حيث ذهب الى انه لا يجوز صلاة المغرب بعرفات ليلة النحر.

لكن يمكن ان يكون مراد الشيخ من قوله:

(لا يجوز) الكراهة لأنه كثيرا ما يطلق هذه العبارة على المكروه- كما أفاده العلامة «رحمه اللّه» في المختلف- فإذا لا يبقى المجال للمناقشة في جواز التقديم، كما ان ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه. بل ظاهر المنتهى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 13

و لو صار الى ربع الليل (1)

دعوى الإجماع عليه حيث قال: (لو تركت الجمع فصلّى المغرب في وقتها و العشاء في وقتها صحت صلاته و لا اثم عليه ذهب إليه علمائنا» نعم يحكم بالكراهة للاخبار الناهية المتقدمة بعد رفع اليد عن ظاهرها بقرينة الأخبار الدالة على الجواز، فيما ذكرنا ظهر لك انه لا مجال لحمل الأخبار الدالة على جواز التقديم على صورة العذر و القول بحرمة التقديم استنادا إلى النهي عنه الظاهر في الحرمة كما هو ظاهر في المنتهى حيث انه خص الأخبار الثّلاثة الأخيرة بصورة العذر على ما في الحدائق، و ذلك لما تقدم من عدم المعارضة بينهما بعد الجمع العرفي الحكم المذكور بينهما.

نعم على فرض ثبوت المعارضة و تمامية القول بكون موردها العذر لم يبق في البين معارض لما دل على التحريم من الاخبار و لكنه مع ذلك لا يمكن الالتزام بالحرمة لأن تسالم الأصحاب على الخلاف يصلح لأن يكون قرينة على رفع اليد عن ظاهرها فتحمل على الكراهة، فتدبر.

(1) يمكن ان يقال بجواز تأخير صلاة المغرب و العشاء إلى المزدلفة و لو صار الى ثلث اللّيل كما هو المحكي عن الأكثر، و منهم الفاضل في محكي ير و كرة و هي بل في الأخيرين إجماع العلماء عليه على ما في الجواهر و يدل عليه- مضافا الى ما ذكر- ذيل صحيح محمد بن مسلم المتقدم و هو قوله عليه السّلام (و ان

ذهب ثلث الليل) بل و ذيل مضمرة سماعة المتقدمة و هو قوله عليه السّلام: (و ان مضى من الليل ما مضى) و لعله أشار في محكي ف بما أرسله من انه روى الى نصف الليل كما أفاده صاحب الجواهر.

ثم انه قال في الجواهر: «و لعلّ المراد تأخيرهما إلى خوف فوات وقت الأداء

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 14

و لو منعه مانع صلى في الطريق (1).

و ان يجمع بين المغرب و العشاء بأذان واحد و إقامتين من غير نوافل بينهما و يؤخر نوافل المغرب الى ما بعد العشاء (2)

بعد تنزيل الربع و الثلث على الغالب»: و يقرب منه قول بن زهرة: «لا يجوز ان يصلي العشاء ان إلا في المشعر الا ان يخاف فوتهما بخروج وقت المضطر.» و ان كان فيه ما لا يخفى.

و في كشف اللثام: «و لعل من اقتصر على الربع نظرا الى اخبار توقيت المغرب اليه و حمل الثلث على ان يكون الفراغ من العشاء عنده» و فيه: (ان المصنف ممن لا يرى ذلك».

(1) لا إشكال في انه لو منعه مانع عن الوصول الى المشعر قبل فوات الوقت يتعين عليه ان يصلي في الطريق و هو المتسالم عليه بين الأصحاب «رضوان اللّه عليهم»

(2) الظاهر انه المتسالم عليه بينهم و لم ينقل الخلاف من أحد منهم و قد ادعى عليه الإجماع- و يدل على ذلك جملة من النصوص المروية عنهم «عليهم السلام»- منها:

1- خبر عبد اللّه بن مسكان عن عنبسة بن مصعب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الركعات التي بعد المغرب ليلة المزدلفة؟ فقال: صلها بعد العشاء الآخرة أربع ركعات «1».

2- صحيح منصور بن حازم عن أبى عبد اللّه

عليه السلام قال: صلاة المغرب و العشاء بجمع بأذان واحد و إقامتين و لا تصل بينهما شيئا و هكذا صلى رسول اللّه «2».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 15

..........

3- ما رواه بن أبى عمير عن معاوية و حماد عن الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: قال: لا تصل المغرب حتى تأتي جمعا فصل بها المغرب و العشاء الآخرة بأذان و إقامتين «1» و نحوها غيرها من الاخبار.

ثم ان تنقيح البحث يتوقف على ذكر أمور: الأول- ان ظاهر بعض الاخبار المتقدمة و ان كان وجوب الجمع بين صلاة المغرب و العشاء و الإتيان بهما في جمع، لظهور النهى عن الإتيان بصلاة المغرب إلا في جمع ذلك الا انه ترفع اليد عنه لأجل تسالم الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» على خلافه و اما الاستحباب فلا موجب لرفع اليد عنه لعدم منافاة التسالم المزبور له كما لا يخفى.

الثاني- انه تقع المعارضة بين الاخبار المتقدّمة الدالة على النهي عن الإتيان بالنوافل بينهما و بين ذيل ما رواه بن ابى عمير عن عبد الرحمن بن الحجاج عن ابان بن تغلب قال: صليت خلف ابى عبد اللّه عليه السّلام المغرب بالمزدلفة فقام فصلى المغرب ثم صلى العشاء الآخرة و لم يركع فيما بينهما ثم صليت خلفه بعد ذلك سنة فلما صلى المغرب قام فتنفل بأربع ركعات «2» قال في الجواهر: «و احتمال كون الثانية في غير المزدلفة كما ترى، نعم الظاهر ارادة بيان الجواز منه و ان كان الفضل في الأول و ليس هو من قضاء النافلة

وقت الفريضة و ان كان الأقوى جوازه بناء على امتداد وقتها بامتداد وقت

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب الوقوف بالمشعر، الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب الوقوف بالمشعر، الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 16

[و أما الكيفية]
اشارة

و أما الكيفية

[فالواجب]

فالواجب النية و الوقوف بالمشعر وحده ما بين المأزمين [1] إلى الحياض إلى وادي محسر (1)

المغرب و ان استحب تأخيرها عن العشاء و انها لا تخرج وقتها بذهاب الشفق».

الثالث- ان للعلامة في المقام أقوالا:

1- الجمع بين المغرب و العشاء بإقامتين.

2- الجمع بينهما بأذان واحد و اقامة واحدة.

3- الجمع بأذان واحد و إقامتين.

4- ان جمع بينهما في وقت الأولى فكما قلنا و الا فباقامتين مطلقا أو إذا لم يرج اجتماع النّاس و الا اذّن.

5- اقامة للأولى فقط و الجميع منها سوى الثّالث الّذي اخترناه باطل، لما عرفته من الأخبار.

(1) ما افاده المصنف «قدّس سرّه» من وجوب النّية و الوقوف بالمشعر ممّا

______________________________

[1] المأزمان «بكسر الزاء و الهمزة و يجوز التخفيف بالقلب ألفا» الجبلان بين عرفات و المشعر.

و عن الجوهري: «المأزم بالهمزة الساكنة ثم كسر الزّاء المعجمة» كل طريق ضيّق بين جبلين و منه سمّي الموضع الذي بين جمع و عرفة مأزمين».

و في القاموس: «المأزم- و يقال المأزمان- مضيق بين جمع و عرفة و آخر بين مكّة و منى، و ظاهرهما أن المأزم اسم لموضع مخصوص و ان كان بلفظ التثنية».

و في رواية عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: يوكل اللّه عز و جل ملكين بمأزمي عرفة فيقولان سلم سلم «1». و في رواية سعيد الأعرج عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: ملكان يفرجان للناس ليلة مزدلفة عند المأزمين الضيّقين «2».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 17

..........

لا اشكال فيه، و هو المعروف بينهم فلو وقف بالمشعر

بلا نية أصلا بطل، انما الكلام في حدّه و المعروف بين الفقهاء انه ما بين المأزمين إلى وادي محسر كما افاده المصنف «قدّس سرّه» بل قد نفى الخلاف عنه، بل في المدارك هو مجمع عليه بين الأصحاب، و يدل عليه جملة من النصوص المروية عنهم «عليهم السلام» في المقام- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار قال: حدّ المشعر الحرام من المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسّر «1».

2- صحيح زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام انه قال للحكم بن عتيبة: ما حد المزدلفة فسكت؟. فقال أبو جعفر عليه السّلام: حدها ما بين المأزمين إلى الجبل الى حياض محسّر «2».

3- ما رواه عبد اللّه بن مسكان عن ابى بصير عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: حدّ المزدلفة من وادي محسّر إلى المأزمين «3».

4- ما رواه ابى علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبّار عن صفوان بن يحيى عن إسحاق بن عمّار عن ابى الحسن عليه السّلام قال: سألته عن حد جمع؟ فقال: ما بين المأزمين إلى وادي محسّر «4».

ينبغي التّنبيه على أمرين: الأول- ان تعيين ما بين المأزمين إلى وادي محسّر الّذي يكون الوقوف فيه واجبا و مجزيا لا يمكن إلا باخبار أهل الخبرة القاطنين في تلك الحدود أو التّواتر الموجب

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 4

(4) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 18

و لا يقف بغير المشعر (1). و يجوز مع الزحام الارتفاع الى الجبل (2)

للقطع و مع

الشك يجب القصر على المتيقن لان اشتغال الذمة اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني و الوقوف في المشكوك الموقفية كما ذكرنا في الوقوف بعرفات يوجب الشك في الامتثال و انطباق المأمور به على المأتي به الذي لا شبهة في مرجعية قاعدة الاشتغال فيه.

الثاني- ان المراد بالوقوف هو مطلق الكون في المشعر فلا يعتبر فيه نحو مخصوص بل كيف ما أنفق سواء كان قائما أم قاعدا جالسا أو راكبا كما ذكرناه في الوقوف بعرفات لصدق الوقوف بالمعنى المذكور على جميع الحالات المزبورة.

(1) يعني لا يجزي الوقوف بغير المشعر اختيارا أو اضطرارا هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و قد نفى عنه الخلاف و الاشكال و ادعى عليه الإجماع في الجواهر.

(2) لا ينبغي الإشكال في ذلك و في الجواهر بعد ما ذكر كلام الماتن قال: (كما عن الفقيه و الجامع و هي و كرة بل لا أجد فيه خلافا. بل في ك هو مقطوع به في كلام الأصحاب بل عن الغنية الإجماع عليه. إلخ) و يدل عليه خبر سماعة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إذا كثر الناس بجمع و ضاقت عليهم كيف يصنعون؟ قال: يرتفعون إلى المأزمين «1» هذا مما لا كلام فيه انما الكلام في انه هل يجوز الارتفاع الى الجبل في غير حال الضرورة أم لا جوز الشهيد و غيره الارتفاع الى الجبل اختيارا مع الكراهة قال في الدروس: (و يكره الوقوف على الجبل إلا لضرورة) على ما نقل صاحب الجواهر بل قد صرح القاضي في المحكي عنه بوجوب ان لا يرتفع اليه الا لضرورة و كذا عن أبي زهرة

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب الوقوف بالمشعر: الحديث 1

كتاب

الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 19

..........

و لكن لا يخفى ما فيه من المناقشة و الاشكال و ذلك لقوله عليه السّلام في صحيح زرارة المتقدّم «حدّها ما بين المأزمين إلى الجبل الى حياض الى محسّر» «1» لان الظّاهر منه هو جعل الجبل من حدود المشعر الخارجة عن المحدود، فعليه لا يجزى الوقوف فيه. نعم، يمكن ان يكون مراده «قدّس سرّه» من الجبل غير المأزمين و انما هو جبل في خلال المشعر لا من حدوده خصوصا بعد قوله «و الظاهر ان ما أقبل من الجبال من المشعر دون ما أدبر منها» و لا ريب في خروج القنة عما أقبل منها كما افاده صاحب الجواهر.

ثم انه ينبغي التنبيه علي أمر و هو انه يقع التهافت بين خبر سماعة المتقدم الدّال على جواز الارتفاع على الجبل اي المأزمين عند الزّحام و بين غيره مما دل على خروج المأزمين عن المشعر و عدم جواز الوقوف فيه و لكن لا تهافت بينهما و ذلك لإمكان القول بان المراد من قوله عليه السّلام: «يرتفعون إلى المأزمين» هو الانتهاء إليهما من غير صعود عليهما.

و يمكن تأييد ذلك بإتيانه ب (الى) دون (على) و من المعلوم ان الالتزام بمقتضى ظاهر ما دل عليه خبر سماعة من جواز الوقوف عند الزّحام في خارج المشعر و هو الوقوف على الجبل مشكل، لما يستفاد من الاخبار ان الوقوف بالمشعر من الأركان و له أهمية فكيف يمكن الالتزام بجواز تركه بمجرد الضّيق و كثرة الناس، فعليه يمكن القول بان المراد من قوله عليه السّلام فيه: «يرتفعون إلى المأزمين» الوقوف الى جنب الجبل فلا يكون في خارج المشعر.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2

كتاب

الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 20

و لو نوى الوقوف ثم نام أو جن أو أغمي عليه صح وقوفه و قيل لا و الأول أشبه (1)

و يؤيد ذلك ايضا من قولهم بكراهة الوقوف المذكور اختيارا لانه لو كان المراد الوقوف في خارج المشعر كان ذلك منافيا للقول بالركنية.

و اما الوجه في كراهة ذلك فلأجل ما يشعر به موثق سماعة من اختصاص ذلك بحال الضرورة فتدبر.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و لا ينبغي الإشكال في ذلك، لان الركن من الوقوف- كما افاده غير واحد من الأصحاب- هو مسماه الذي يحصل بآن يسير بعد النية و ليس الوقوف من بعد طلوع الفجر من ليلة النحر الى طلوع الشمس من قبيل الواجبات الارتباطية التي يبطل الواجب بالإخلال بترك بعضها عمدا بل يكون ما عدا الركن واجبا نفسيا فلو تركه في جزء من الوقت لا يبطل الوقوف و لا الحج و لذا لا يمكن الحكم ببطلان حج من أفاض قبل طلوع الشمس عمدا فضلا عمن خرج عن التكليف بما يوجب خروجه عنه و لم يخالف أحد صريحا في هذا الحكم، و لم نعرف القائل بالخلاف. نعم، ذكر الشيخ في المبسوط عبارة مقتضاها اعتبار الإفاقة من الجنون و الإغماء في الموقفين. ثم قال: «و كذلك حكم النوم سواء و لكن الاولى ان نقول يصح منه الوقوف بالموقفين و ان كان قائما لأن الغرض هو لزوم الكون في الموقف لا الذكر أو اشتغاله بعمل و ليس في كلام الشيخ «رحمه اللّه» دلالة على عدم صحة الوقوف إذا عرض أحد هذه الاعذار بعد النية كما هو المنقول في العبارة» فالتحقيق هو صحة وقوفه إذا أدرك المسمى و البطلان

بدونه كما افاده الشهيد في الدروس و غيره قال:

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 21

و ان يكون الوقوف بعد طلوع الفجر فلو أفاض قبله عامدا بعد ان كان به ليلا و لو قيل لم يبطل حجه إذا كان وقف بعرفات و جبره بشاة (1)

(خامسها اي الواجبات السلامة من الجنون و الإغماء و السكر و النوم في جزء من الوقت) فظهر انه لو جن أو أغمي عليه أو نام بعد حصول مسمى الوقوف يحكم باجزائه و هذا بخلاف ما إذا كان مستوعبا فحينئذ يحكم ببطلان وقوفه و ذلك لفوات النية المعتبرة فيه.

و من هنا ظهر ضعف ظاهر إطلاق ما تقدم في مبحث الوقوف بالعرفة من كفاية وقوف النائم قياسا بما إذا نام الصائم قبل الفجر فتدبر.

(1) وجوب كون الوقوف للرجل المختار بعد طلوع الفجر هو المعروف بين الفقهاء «قدس سرهم» بل في الجواهر: (بل خلاف أجده فيه، بل في المدارك و الذخيرة و كشف اللثام و عن غيرها: الإجماع عليه. إلخ) و استدل له- مضافا الى ما ذكر- بصحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: أصبح على طهر بعد ما تصلي الفجر فقف إن شئت قريبا من الجبل و ان شئت حيث شئت فإذا وقفت فاحمد اللّه عز و جل و أثن عليه، و اذكر من آلائه و بلائه و ما قدرت عليه، و صلي على النبي صلّى اللّه عليه و آله، ثم ليكن من قولك (اللّهمّ رب المشعر الحرام فكّ رقبتي من النّار و أوسع عليّ من رزقك الحلال، و ادرأ عني شر فسقة الجنّ و الانس، اللهم أنت خير مطلوب اليه و خير مدعو و خير مسؤول، و لكل وافد

جائزة، فاجعل جائزتي في موطني، هذا ان تقيلني عثرتي، و تقبل معذرتي و ان تجاوز عن خطيئتي، ثم اجعل التقوى من الدنيا زادي، ثم أفض حيث يشرق لك ثبير و ترى الإبل موضع أخفافها «1» حيث جعل فيه- كما ترى- وقت

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 11 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 22

..........

الوقوف من بعد الفجر. و بمرسل جميل بن دراج عن أحدهما عليه السّلام قال: لا بأس أن يفيض الرجل بليل إذا كان خائفا «1» لأنه كما ترى دل بالمفهوم على ثبوت البأس مع عدم الخوف و استفادوا مما ذكر عدم كون الوقوف الليلي داخلا في الوقوف الاختياري، خلافا للمحكي عن الدروس، حيث انه جعل الوقت الاختياري ليلة النحر الى طلوع الشمس، و نسبه بعضهم الى ظاهر الأكثر نظرا الى حكمهم بجبره الإفاضة قبل الفجر بدم شاة فقط و بصحة الحج لو أفاض قبله. ناقش فيه صاحب المستند فيه بقوله: «و فيه ان الجبر بالدم لو لم يكن قرينة على تحريم الإفاضة لم يشعر بجوازه و لو لم يذكر غيره بل هو بنفسه كاف في الإشعار بعدم الجواز عند الأكثر و صحة الحج مع الإفاضة لا ينافي الإثم مع ان في الصحة كلاما يأتي و يشبه ان يكون النزاع لفظيا فيكون مراد من جعل ما بين الطلوعين خاصة الوقت الاختياري ما يحرم ترك الوقوف فيه و من ضم معه قبل الفجر أراد ما يوجب تركه عمدا بطلان الحج. إلخ).

و لكن يمكن الاستدلال لهذا القول بأمور:

الأول- إطلاق رواية مسمع عن أبي إبراهيم «عبد اللّه خ ل» عليه السّلام في رجل وقف مع الناس بجمع ثم أفاض قبل ان يفيض

الناس قال: ان كان جاهلا فلا شي ء عليه و ان كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة «2» و هو كما ترى لم يذكر فيه لزوم اعادة الرجوع و الحج و لو كان كذلك لكان عليه البيان كما بين الكفارة فمقتضى إطلاقه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 23

..........

عدم لزوم الرجوع و صحة حجه.

الثاني- صحيحة هشام بن سالم و غيره عن أبى عبد اللّه عليه السّلام انه قال: في التقدم من منى الى عرفات قبل طلوع الشمس لا بأس به و التقدم من مزدلفة إلى منى يرمون الجمار و يصلون الفجر في منازلهم بمنى لا بأس «1».

الثالث- إطلاق الاخبار بان من أدرك المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج، و نوقش في الأول:

أولا- بأنه ضعيف سندا، لاشتماله على سهل بن زياد و هو عامي، و بان راويها و هو مسمع غير موثق.

نعم روى بن بابويه في من لا يحضره الفقيه هذه الرواية بطريق صحيح عن علي ابن رئاب عن مسمع، فينتفي الطعن الأول، و يبقى الباقي على ما افاده صاحب المدارك «قدس سره».

و ثانيا- بان عدم الذكر لا يدل على العدم و لذا سكت في اخبار الإفاضة من عرفات قبل غروب الشمس من العود و اكتفى بذكر الكفّارة فقط- كما مر- مع وجوبه.

و في الثاني- بكونه أعم مطلقا مما مر، لاختصاص ما مر بغير المضطر، فيجب التخصيص به.

و في الثالث- بأن إدراك الحج بشي ء لا ينافي وجوب غيره ايضا مع انه ايضا

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر

الحديث 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 24

..........

كالثاني أعم مطلقا مما مر. نعم روى علي بن عطية قال: أفضنا من المزدلفة بليل أنا و هشام بن عبد الملك الكوفي و كان هشام خائفا فانتهيا إلى جمرة العقبة طلوع الفجر، فقال لي هشام: أي شي ء أحدثنا في حجتنا فنحن كذلك، إذ لقينا أبو الحسن موسى عليه السّلام و قد رمى الجمار و انصرف فطابت نفس هشام «1» الا انها قضية في واقعة فلعله عليه السّلام كان ذا عذر- من خوف و غيره- مع ان المراد ادراك الوقوف الشرعي و كونه وقوفا شرعيا ممنوع.

و تفصيل الكلام في هذه المسألة و هي كون الوقوف الليلي داخلا في الوقوف الاختياري أولا، هو انه قد استدل على عدم دخوله فيه بصحيح معاوية المتقدم، لقوله عليه السّلام فيه: «أصبح على طهر بعد ما تصلي الفجر. إلخ» لدلالته على ان وقت الوقوف من بعد طلوع الفجر الا ان يناقش فيه بأنه و ان دل على وجوب الوقوف من بعد الفجر الا انه ليس له مفهوم حتى يدل على عدم وجوب الوقوف في الليل الا ان يقال انه يدل على المفهوم، لكونه في مقام تحديد وقت الوقوف، و من المعلوم دلالة التحديد على المفهوم كما لا يخفى. و بما دل على التفصيل بين الخائف و غيره في الحكم بجواز الإفاضة ليلة النحر للخائف دون غيره كمرسل جميل المتقدم. و ما رواه سهل بن زياد عن احمد بن محمد عن علي بن أبي حمزة عن أحدهما عليهما السّلام قال: أي امرأة أو رجل خائف أفاض من المشعر الحرام ليلا فلا بأس فليرم الجمرة ثم ليمض «2» و بما دل التفصيل بين النساء و الضعفاء

و الصبيان و غيرها الدالة على جواز الإفاضة لهم في ليلة النحر- و سنذكرها في الفرع

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب الوقوف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 25

..........

الآتي ان شاء اللّه تعالى- و كيف كان فيما ان التفصيل قاطع للشركة يستدل بالتفصيل. على ان وقت الوقوف الواجب للرّجل المختار من بعد الفجر من ليلة النّحر و لغيره من اللّيل.

الا ان يناقش فيه بان ظاهر الاخبار هو التفصيل في وجوب البقاء الى طلوع الشّمس لا في وقت الوقوف الذي يكون مسمّاه ركنا فتدل على وجوب البقاء في المشعر للرجل المختار الى قبيل طلوع الشمس و جواز الإفاضة لمن رخّص له قبل طلوع الفجر، فالفرق بينهما ليس في آن وقت الوقوف الذي يكون مسماه ركنا بل الفرق بينهما هو ان من رخّص له الإفاضة قبل الفجر لم يعص بإفاضته و ليس عليه الكفّارة و هذا بخلاف من لم يرخّص له الإفاضة- كالّرجل المختار- فإنه إذا أفاض قبل الفجر عصى و عليه الكفّارة، كما يدل على ذلك ما رواه محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن علي بن رئاب عن مسمع عن أبي إبراهيم (عبد اللّه خ ل) عليه السّلام: (في رجل وقف مع النّاس بجمع ثم أفاض قبل ان يفيض الناس؟ قال: ان كان جاهلا فلا شي ء عليه و ان كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة «1» و رواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب و رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب- و هو كما ترى-

لم يذكر فيه لزوم اعادة الحج و لو كان كذلك لكان عليه البيان كما حكم بثبوت الكفّارة فمقتضى إطلاقه صحة حجه و يدل على ما ذكر أيضا بدلالة أقوى ما رواه محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 26

..........

علي بن رئاب ان الصادق عليه السّلام قال: من أفاض مع الناس من عرفات فلم يلبث معهم بجمع و مضى إلى منى متعمدا أو مستخفا فعليه بدنة «1» فان عدم الحكم بلزوم الإعادة و بطلان الحج مع الترك العمدي و الاقتصار على البدنة كاشف عن عدم اختصاص الوقت الاختياري للوقوف بما بعد طلوع الفجر فالوقوف الليلي كاف في الصحة غايته ان الوقوف فيما بعد طلوع الفجر واجب نفسي يوجب تركه الكفارة لا بطلان الحج.

و بالجملة: مقتضى الجمع بين الاخبار هو ان الوقوف الليلي داخل في الوقوف الاختياري اعني ان وقت الوقوف الذي يكون مسماه ركنا للمختار و هو من أول الليل الى قبيل طلوع الشمس.

لكن ذلك انما يكون مع قطع النظر عن خبر ابى بصير و هو قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك ان صاحبي هذين جهلا ان يقفا بالمزدلفة فقال: يرجعان مكانهما فيقفان بالمشعر ساعة، قلت: فإنه لم يخبرهما أحد حتى كان اليوم و قد نفر الناس؟ قال:

فنكس رأسه ساعة، ثم قال: أ ليسا قد صليا الغداة بالمزدلفة؟ قلت: بلى. قال: أ ليس قد قنتا في صلاتهما؟ قلت: بلى قال: تم حجهما. ثم قال: و المشعر من المزدلفة و المزدلفة من المشعر و انما يكفيهما اليسير من الدعاء «2» و رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن

يعقوب و كذا الذي قبله. و اما بالنظر اليه فيكون المقتضى الجمع بين الاخبار هو التفصيل بين من رخص له في الإفاضة من المشعر قبل طلوع الفجر و من لم يرخص له في ذلك فمن لم يرخص

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 26 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 27

..........

له في الإفاضة قبل طلوع الفجر و هو الرجل المختار يكون وقت الوقوف الذي يكون مسماه ركنا له هو ما بعد طلوع الفجر دون ما قبله و لكن كونه في المشعر في تمام الليل واجب عليه و اما من رخص له ذلك فمسمى الوقوف بالليل يجزيه و ذلك حيث انه ترى قد علق في هذا الحديث صحة حج هذا الجاهل المقصر الذي هو كالعامد على إتيان صلاة الغداة بالمزدلفة فحصل الوقوف بمقدار الصلاة و على انه قنت و دعا فحصل مسمى الدعاء فيعلم منه انه لولا إدراكه الوقوف بعد الفجر لما صح حجه و هو الوقت الذي يكون مسماه ركنا لمكان تعليقه عليه السّلام صحة الحج على ما عرفت و لم يقل: «أ ليسا قد صليا المغرب و العشاء بالمزدلفة» فيدل على بطلان حجه إذا أفاض قبل الفجر فلا بد بواسطة هذا الحديث ان ترفع اليد عن إطلاق خبر مسمع و علي بن رئاب المتقدم الدال على عدم بطلان حجه إذا أفاض قبل الفجر من جهة اقتصاره على الكفارة دون الإعادة الا ان يحمل هذا الحديث على التقية بقرينة سكوت الامام عليه السّلام عن الجواب بساعة فلعل الامام عليه السّلام كان في مجلس التقية فسكت عن الجواب ساعة كي يفهم

أبا بصير صدوره تقية، إذ التصريح بذلك كان مظنة أن ينقله الى صاحبيه. فعليه يتم الجمع المتقدم و هو كون الوقوف الليلي داخلا في الوقوف الاختياري و كون درك مسماه مجزيا، فبناء عليه ظهر ضعف ما ذهب إليه الحلي و ظاهر الخلاف من بطلان الحج إذا أفاض ليلة النحر باعتبار فوات الركن عمدا الذي هو الوقوف بعد طلوع الفجر الى طلوع الشمس و لو في جزء منه، و ذلك ضرورة كون المدار في الركن على ما يستفاد من الاخبار الواردة في المقام و قد عرفت ان الثابت منها مع غض النظر عن خبر ابي بصير و حمله على

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 28

..........

التقية هو البطلان بترك المسمى عمدا في ليلة النحر الى طلوع الشمس و لا ينافي ما ذكر الحكم بوجوب الوقوف بعد طلوع الفجر لكونه واجبا غير ركني و لا ملازمة بينهما كما لا يخفى.

و ظهر ايضا بما ذكرناه ضعف ما في المدارك و هو (ان مجرد الحكم بوجوب الوقوف بعد الفجر كاف في عدم تحقق الامتثال بدون الإتيان به الى ان تثبت الصحة مع الإخلال به من دليل خارج، و ذلك لحسن مسمع المتقدم الدال على الصحة و احتمال كون المراد به بيان حكم الجاهل المفيض بعد طلوع الفجر و قبله فيكون حينئذ من مسألة ذي العذر لا داعي له بعد ثبوت الفتوى على طبق ظاهره.

مضافا الى ان من له عذر لا جبر عليه بشي ء. نعم، قد يقال بعدم دلالته على التقييد الذي أفاده المصنف «قدس سره» في المتن فيصح حجه و ان لم يكن قد وقف بعرفات قال صاحب الجواهر: الا ان الإنصاف عدم خلّوه عن ظهور في ذلك لا

أقل من ان يكون غير متعرض فيه للحكم من غير الجهة المذكورة فيبقى ما يقتضي بفساده مما دل على وجوب وقوف عرفة و انه الحج بحاله.

ثم انه ينبغي هنا التنبيه على أمرين: الأول- انه ينافي ما دل على وجوب المبيت في المشعر ليلة النحر ما يدل على جواز الإفاضة من المشعر قبل طلوع الشمس، و هو صحيح هشام بن سالم المتقدم، حيث انه جعل في هذا الحديث التقدم من مزدلفة مقابلا للتقدم من منى و لما كان التقدم من

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 29

..........

منى جائزا اختيارا فيتضح بقرينة المقابلة ان المقصود هو التقدم عن المزدلفة اختيارا فعليه لا يمكن الجمع بينهما بان يقال ان المقصود فيه هو التقدم من مزدلفة لعذر، و حمله الشيخ على المعذور فنحمله عليه تورعا عن الطرح الا ان يقال: ان المقصود هو التقدم بعد طلوع الفجر.

الثاني- ان ما ذكرنا من الاكتفاء بالوقوف في جزء من ليلة النحر مع الجبر بشاة إذا كان قد أفاض قبل طلوع الفجر غير مسألة وجوب المبيت ضرورة: إمكان القول بذلك و ان لم نقل بوجوبه- كما افاده صاحب الجواهر- فعليه يحكم بكفاية الوقوف ليلا ثم الإفاضة فيه، مضافا الى انه يمكن الاستدلال على وجوبه بما افاده صاحب الجواهر من وجوه:

الأول- التأسي. و لكن فيه ما لا يخفى.

الثاني- قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار: (و يستحب للضرورة ان يقف على المشعر و يطأ برجله و لا يتجاوز الحياض ليلة المزدلفة) «1» و يمكن المناقشة فيه:

أولا- بإمكان عطف قوله (و لا يجاوز) على قوله: (يقف) فيكون مستحبا و ثانيا- ان عدم التجاوز عن الحياض أعم من المبيت في الموقف.

و ثالثا- الى احتماله. النّهي

عن الإفاضة قبل الفجر لأجل كونه ملازما لترك الوقوف الواجب بعد الفجر كما لا يخفى.

و أما المناقشة فيه بأن جملة الخبرية لا تفيد الوجوب ففيه ما لا يخفى.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 صدره في الباب 7 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1 و ذيله في الباب 8 الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 30

..........

الثالث- خبر عبد الحميد بن ابى الديلم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمي الأبطح أبطح لأن آدم عليه السّلام أمر ان يتبطح في بطحاء جمع فتبطح حتى انفجر الصبح ثم أمر ان يصعد جبل جمع و امره إذا طلعت الشمس ان يعترف بذنبه ففعل ذلك فأرسل اللّه قارا من السماء فقبضت قربان آدم «1».

الرابع- ما في ذيل صحيح معاوية بن عمار المتقدم: «ثم أفض حين تشرق لك ثبير و ترى الإبل موضع أخفافها».

الخامس- الأخبار الآمرة بأخير الصلاتين إليها و الإتيان بهما فيهما و لكن قد عرفت عدم بقاء تلك الأوامر على الحقيقة.

السادس- مفهوم مرسل جميل لا بأس ان يفيض الرجل إذا كان خائفا «2» و ناقش فيه صاحب المستند بان عدم الإفاضة أعم من المبيت فيه فيقدم فيه لدرك الوقت الاختياري.

و لكن يمكن الاستدلال على عدم وجوب المبيت فيه بوجوه:

الأول- الأصل و فيه: انّه مقطوع بما عرفت من الاخبار.

الثاني- قوله عليه السّلام في صحيح هشام المتقدم «و المتقدم من المزدلفة إلى منى يرمون الجمار و يصلون الفجر في منازلهم بمنى لا بأس». و فيه انه محمول على حال الضرورة لأنه لم يعلموا بظاهرها فلا يمكن إثبات المدعى به مطلقا.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 6

(2) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث

1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 31

..........

الثالث- قوله عليه السّلام في ذيل حسن مسمع المتقدم و هو: «ان كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة» و فيه انه و ان دل على الاجراء مع تركه المبيت فيه عمدا الا انه مع الإثم بقرينة ما فيه من الجبر بشاة. هذا بناء على ثبوت الملازمة بين الكفارة و الحرمة، فيما ذكرنا يظهر ضعف ما أفاده العلامة «رحمه اللّه تعالى» في التذكرة من عدم وجوب المبيت و كذا ما افاده صاحب المستند.

ينبغي هنا التنبيه على أمور: الأول- انه قد ظهر مما ذكرنا ان وقوفه بالمزدلفة يتصور على أنحاء لأنه تارة يقف فيها ليلا الى ما بعد طلوع الفجر و اخرى: يقف فيها بعد طلوع الفجر خاصة و ثالثة:

يقف فيها ليلا فقط اما النحو الأول: فلا ينبغي الارتياب في اجزائه لحصول الركن من الوقوف حينئذ كما لا يخفى. و اما النحو الثاني: فكذلك و ان أثم بعدم المبيت فيها ليلا بناء على وجوبه و الا فلا اثم في البين كما لا يخفى و اما النحو الثالث: فكذلك لكن اثم بعدم وقوفه بعد الفجر بل اثم بعدم المبيت تمام الليل بناء على وجوبه مع الغض عن خبر ابى بصير الثاني- قال صاحب الجواهر: «لا يخفى عليك ان الاجتزاء بمسمى الوقوف ليلا يستلزم كونه واجبا إذ احتمال استحبابه مع اجزائه عن الواجب بضم الجبر بشاة مناف لقاعدة عدم اجراء المستحب بلا داع و يناقش في تمامية القاعدة لعدم العلم بمقدار الملاك الثابت للمستحب و الواجب حتى يحكم بعدم الاجزاء فيما إذا وقف في المزدلفة ليلا و قلنا باستحباب المبيت من جهة اقلية الملاك» لكن هذه المناقشة مندفعة بان عدم الاجراء

ليس لعدم العلم بمقدار ملاك الواجب بل لكون الشك في الفراغ بعد العلم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 32

..........

بالشغل المقتضي للعلم بفراغ الذمة فالقاعدة المزبورة محكمة إلا إذا ثبت من الخارج تخصيصها كما لا يخفى.

الثالث- قال: «ان الاجتراء به عن الوقوف بعد طلوع الفجر من حيث الركنية مشروط بحصول النية و الا كان كتارك الوقوف بالمشعر كما صرح به في المسالك لكن أشكله سبطه بان الوقوف لغير المضطر و ما في معناه انما يقع بعد الفجر، فكيف تتحقق نيته ليلا، و هو كما ترى، ضرورة: بناء ذلك على حصول الركنية بالوقوف ليلا و ان وجب مع ذلك الوقوف بعد طلوع الفجر، لكنه ليس بركن بمعنى عدم بطلان الحج بتركه عمدا».

الرابع- قال في الجواهر و في المسالك: «إن لم نقل بوجوبه اي المبيت فلا إشكال في وجوب النية للكون عند الفجر و ان أوجبنا المبيت فعدم النية عنده ففي وجوب تجديدها عند الفجر نظر» و يظهر من الدروس عدم الوجوب و ينبغي ان يكون موضع النزاع ما لو كانت النية للسكون به مطلقا اما لو نواه ليلا أو نوى المبيت كما هو الشائع في كتب النيات المعدة لذلك فعدم الاجزاء بها عن نية الوقوف نهارا صحة لأن الكون به ليلا و المبيت عنده مطلقا لا يتضمنان النهار فلا بد من نية أخرى و الظاهر ان نية الكون به عند الوصول كافية عن النية نهارا لانه فعل واحد الى طلوع الشمس كالوقوف بعرفة و ليس في النصوص ما يدل على خلاف ذلك».

و ناقش فيه صاحب الجواهر بقوله: «إذ عدم الوجوب بخصوصه لا ينافي الاجتزاء به باعتبار كونه أحد أفراد الوقوف لو حصل كما ان الوجوب بخصوصه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 33

..........

لا يقتضي الإجزاء بالنيّة الواحدة مع فرض وجوب الكون من طلوع الفجر الى طلوع الشمس بخصوصه على وجه يكون فعلا مستقلا كما هو الظّاهر من نصّهم عليه بالخصوص و منه يعلم ما في قوله و الظاهر. إلخ كقوله فيها ايضا الى ان قال و إطلاق المصنف الاجتزاء بذلك مع جعله الوقوف الواجب بعد طلوع الفجر لا يخلو من تكلّف بل يستفاد من اجتزائه كذلك كونه واجبا لان المستحب لا يجزى عن الواجب. إلخ الا ان يقال لا مانع منه، لعدم السّبيل الى كشف اقليّة ملاك المستحب عن الواجب» لكن قد عرفت ما فيه.

الرابع- انه يستفاد من قول المصنّف: «إذا كان قد وقف بعرفات» ان الوقوف بالمشعر ليلا ليس اختياريا محضا، و الا لأجزأ و ان لم يقف بعرفة إذا كان الترك على غير وجه العمد، و في الجواهر: «و على ما اخترناه من اجزاء اضطراري المشعر وحده يجزي هنا بطريق أولى لأن الوقوف اللّيلي للمشعر فيه شائبة الاختيار للاكتفاء به للمرأة اختيارا و للمضطرّ و للمتعمّد مطلقا مع جبره بشاة و الاضطراري المحض ليس كذلك، إذ قد عرفت ان المراد من التفريع بيان الإثم و عدم الاجتزاء به لعدم ظهور في الدليل و ليس المدار على كونه وقوفا اختياريا كي يستتبع الاجزاء بل في المدارك المناقشة في الأولوية المزبورة و خبر مسمع ظاهر فيمن أدرك مع ذلك عرفة، إذ لا تعرض فيه للجهة المزبورة كما ان المنساق من قوله عليه السّلام «من أدرك جمعا فقد أدرك الحج» ادراك وقت الاختياري منها، كما تقدم بعض الكلام في ذلك.»

ثم انه بعد ما ذكر صاحب المدارك «قدس سره» ما ذكره المصنف

نقل كلام

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 34

..........

الشارح و هو: «و على ما اخترناه من اجزاء اضطراري المشعر وحده يجزى هنا بطريق أولى لأن الوقوف الليلي بالمشعر. إلخ» الى ان قال: و يمكن المناقشة فيه بان الاجتزاء باضطراري المشعر انما يثبت بقوله في صحيحة جميل بن دراج: «من أدرك المشعر الحرام يوم النحر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج» «1» و نحو ذلك و لا يلزم من ذلك بالوقوف الليلي مطلقا، و رواية مسمع المتضمنة للاجتزاء بالوقوف الليلي لا تدل على العموم إذ المتبادر منها تعلق الحكم على من أدرك عرفة نعم قوله: «من أدرك جمعا فقد أدرك الحج» عام فيمكن الاستدلال بعمومه على موضع النزاع الا ان المتبادر من الإدراك تحققه في آخر الوقت لا في قبله أو في اوله» و ستعرف المختار في اجزاء اضطراري المشعر و عدمه في ذيل المبحث ان شاء اللّه تعالى.

الخامس- ان المعروف بين الأصحاب هو ان القدر الواجب من الوقوف هو ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس من يوم النحر مستوعبا له و لكن الركن منه مسماه و الباقي واجب غير ركن كما عرفته سابقا لكن في محكي السرائر: «و يستحب للصرورة أن يطأ المشعر برجله و ان كان الوقوف واجبا ركنا من أركان الحج عندنا من تركه متعمدا فلا حج له و أدناه أن يقف بعد طلوع الفجر اما قبل صلاة الغداة أو بعدها بعد ان يكون قد طلع الفجر الثاني و لو قليلا و الدعاء و ملازمة للموضع الى طلوع الشمس مندوب غير واجب» و لكن يمكن ان يريد ندبية الملازمة لموضع الوقوف حال الدعاء لا الخروج عن المشعر رأسا.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب

23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 35

و يجوز الإفاضة قبل الفجر للمرأة و من يخاف على نفسه من غير جبران (1).

و كيف كان فيمكن الاستدلال على عدم وجوب استيعاب الوقوف ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس من يوم النحر- مضافا الى الأصل و إطلاق الأدلة- بوجهين:

1- قوله عليه السّلام في صحيح هشام بن الحكم: «لا تجاوز وادي محسر حتى تطلع الشمس» «1» الدال على النهي عن تجاوز وادي محسر قبل طلوع الشمس.

2- قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار: «ثم أفض حين تشرق لك ثبير و ترى الإبل موضع أخفافها.» «2» حيث ان الظاهر إرادة الاسفار من الإشراق فيه بقرينة قوله عليه السّلام فيه: «ترى الإبل موضع أخفافها» الذي لا يعبر بذلك عن بعد طلوع الشمس فتدبر.

السادس- انه يجب في الوقوف ان يكون ناويا له مقارنا بها لأوله نحو ما مر في سائر المناسك.

(1) جواز الإفاضة للمرأة و كذا من يخاف على نفسه من المشعر الحرام قبل الفجر مما لا ينبغي الإشكال فيه، و هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل في المدارك: «هو مجمع عليه بين الأصحاب. بل في محكي هي: «يجوز للخائف و النساء و لغيرهم من أصحاب الاعذار، و من له ضرورة الإفاضة قبل طلوع الفجر من المزدلفة، و هو قول كل من يحفظ عنه العلم». و يدل عليه جملة من النصوص المروية في هذا المقام- منها:

1- ما رواه سعيد الأعرج، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 15 من أبواب الوقوف بالمشعر، الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 15 من أبواب الوقوف بالمشعر، الحديث 5

كتاب

الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 36

..........

معنا نساء فأفيض بهنّ بليل؟ فقال: نعم تريد ان تصنع كما صنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟

قلت: نعم قال: أفض بهنّ بليل، و لا تفض بهنّ حتى تقف بهنّ بجمع، ثم أفض بهنّ حتى تأتي الجمرة العظمى، فترمين الجمرة، فان لم يكن عليهنّ ذبح فليأخذن من شعورهنّ، و يقصرن من أظفارهن، و يمضين إلى مكّة في وجوههن، و يطفن بالبيت، و يسعين بين الصّفا و المروة، ثم يرجعن الى البيت، و يطفن أسبوعا، ثم يرجعن إلى منى و قد فرغن من حجّهن، و قال: ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أرسل معهن أسامة «1».

2- ما رواه ابى بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: رخّص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للنساء و الصبيان ان يفيضوا بليل و ان يرموا الجمار بليل، و ان يصلّوا الغداة في منازلهم فان خفن الحيض مضين إلى مكّة و وكّلن من يضحى عنهنّ «2».

3- ما وراه علي بن ابى عن حمزة عن أحدهما عليهما السّلام قال: اي امرأة أو رجل خائف أفاض من المشعر الحرام ليلا فلا بأس فليرم الجمرة ثم ليمض و ليأمر من يذبح عنه و تقصر المرأة و يحلق الرجل ثم ليطف بالبيت و الصّفا و المروة ثم يرجع الى منى فإن اتى منى و لم يذبح عنه فلا بأس ان يذبح هو و ليحمل الشّعر إذا حلق بمكة إلى منى و ان شاء قصر ان كان قد حجّ قبل ذلك «3».

4- مرسل جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السّلام قال: لا بأس ان يفيض الرّجل بليل إذا كان خائفا «4».

5- ما

رواه سعيد السمّان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: ان رسول اللّه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 4

(4) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 37

..........

صلّى اللّه عليه و آله: عجل النّساء ليلا من المزدلفة إلى منى و أمر من كان منهنّ عليها هدي ان ترمي و لا تبرح حتى تذبح و من لم يكن عليها منهنّ هدي أن تمضي إلى مكة حتى تزور «1».

6- ما رواه ابى بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: رخّص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للنساء و الضعفاء ان يفيضوا من جمع بليل، و ان يرموا الجمرة بليل، فإن أرادوا أن يزوروا البيت، و كلوا من يذبح عنهنّ (عنهم خ ل) «2».

7- ما رواه بن مسكان عن ابى بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

لا بأس بأن يقدم النّساء إذا زال الليل، فيفضن عند المشعر الحرام في ساعة، ثم ينطلق بهن إلى منى، فيرمين الجمرة، ثم يصبرن ساعة، ثم يقصرن و ينطلقن إلى مكّة، فيطفن الا ان يكن يردن ان يذبح عنهنّ، فإنّهن يوكّلن من يذبح عنهنّ «3» الى غير ذلك من الاخبار المأثورة عنهم (عليهم السّلام).

ان تنقيح البحث في هذه المسألة يتمّ بذكر أمور: الأول- ان مقتضى قوله عليه السّلام في خبر سعيد الأعرج المتقدم في مقام الجواب عن السؤال: (بان معنا نساء فأفيض بهن بليل؟. قال: نعم).

و مقتضى ما رواه علي بن عطيّة

قال: «أفضنا من المزدلفة بليل أنا و هشام بن عبد الملك و كان هشام خائفا فانتهينا إلى جمرة العقبة طلوع الفجر فقال لي هشام: أيّ شي ء أحدثنا في حجّنا، فنحن كذلك إذ لقينا أبو الحسن موسى قد رمى الجمار و انصرف

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب الوقوف الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب الوقوف الحديث 6

(3) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب الوقوف الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 38

و لو أفاض ناسيا لم يكن عليه شي ء (1)

فطابت نفس هشام «1» هو استثناء مع من يمضي مع الخائف و النساء فلا مانع من إفاضتهم معهن قبل طلوع الفجر.

الثاني- ان مقتضى قوله عليه السّلام في خبر سعيد الأعرج: (و لا تفض بهن حتى تقف بهن بجمع.) هو وجوب الوقوف لهن في المشعر و لو قليلا.

الثالث- ان مقتضى قوله عليه السّلام في خبر ابى بصير «لا بأس بأن يقدم النساء إذا زال الليل فيفضن عند المشعر الحرام في ساعة» هو عدم جواز الإفاضة لهن الا بعد انتصاف الليل كما هو واضح و الصناعة تقتضي تقييد إطلاق الاخبار المتقدمة بهذا الخبر، و لكن إعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» عنه مانع عن الاعتماد عليه، فتدبر.

الرابع- مقتضى قوله عليه السّلام في خبر ابى بصير: «رخص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للنساء و الصبيان ان يفيضوا بليل. إلخ» هو جواز الإفاضة من المشعر قبل الفجر للصبيان كما يجوز ذلك للمرأة و من يخاف على نفسه.

الخامس- ان مقتضى قوله عليه السّلام في خبر ابى بصير ايضا: «رخص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للنساء و الضعفاء ان يفيضوا من جمع

بليل. إلخ» هو جواز الإفاضة قبل الفجر لمن كان ضعيفا ايضا.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل في الجواهر «لا أجد فيه خلافا، كما اعترف به غير واحد، للأصل و رفع الخطأ و النسيان الى ان قال:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 39

..........

نعم لو تمكن من الرجوع لتحصيل الوقوف بعد طلوع الفجر وجب، لما عرفت. بل يمكن ذلك في كل عذر بعد دعوى عدم انصراف الأدلة المزبورة، لمن ارتفع عذره على وجه يدرك الواجب الذي هو الوقوف بعد الفجر فتأمل. إلخ».

و قال صاحب المدارك في شرح قول الماتن: «هذا مما لا خلاف فيه بين الأصحاب و لم أقف على رواية تدل عليه صريحا و ربما أمكن الاستدلال عليه بفحوى ما دل عن جواز ذلك للمضطرّ و ما في معناه».

ظهر مما تقدم ان لذي العذر الإفاضة من المشعر بليل، و عدّ المصنف «قدس سره» النسيان عذرا، لقوله المتقدم و هو: «و لو أفاض ناسيا لم يكن عليه شي ء» هذا مما لا كلام فيه.

انما الكلام في ان الجهل عذر حتى يحكم بعد ثبوت الكفّارة فيما إذا أفاض من المشعر جهلا أو لا؟.

ذهب بعض الى كونه عذرا، بل ربما كان ذلك مقتضى إطلاق خبر مسمع المتقدم و هو: «في رجل وقف مع الناس بجمع ثم أفاض قبل ان يفيض النّاس؟ فقال: ان كان جاهلا فلا شي ء عليه و ان كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة» «1» فيكون مقابله- كما افاده صاحب الجواهر «قدس سره»- العالم العامد الذي يجب عليه الجبر بشاة كما هو ظاهر الأصحاب.

ثم قال صاحب الجواهر: «بل لا

وجه لحمل الأول على ارادة ما قبل طلوع الشمس

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 40

[و يستحب]

و يستحب الوقوف بعد ان يصلّي الفجر، و ان يدعو بالدّعاء المرسوم، أو ما يتضمن الحمد للّه و الثّناء عليه و الصّلاة على النّبي صلّى اللّه عليه و آله (1)

لعدم الفرق في عدم شي ء عليه بين الجاهل و العالم مؤيدا ذلك بما يظهر في غير المقام من معذورية الجاهل في الحج، و لكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط فيجبر بشاة».

(1) يدل على ذلك صحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: أصبح على طهر بعد ما تصلّي الفجر فقف إن شئت قريبا من الجبل و ان شئت حيث تبيت، فإذا وقفت فاحمد اللّه عز و جل، و أثن عليه، و اذكر من آلائه و بلائه ما قدرت عليه، و صلّ على النّبي صلّى اللّه عليه و آله. إلخ» و قد تقدم الحديث بطوله في صدر المبحث.

و في محكي المهذب: «ينبغي لمن أراد الوقوف بالمشعر الحرام بعد صلاة الفجر ان يقف منه بسفح الجبل متوجها الى القبلة، و يجوز له ان يقف راكبا ثم يكبّر اللّه سبحانه و يذكر من آلائه و بلائه ما تمكّن منه، و يتشّهد بالشّهادتين، و يصلّي على النّبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة، و ان ذكر الأئمة «عليهم السلام» واحدا واحدا و دعى لهم، و تبرّء من عدوّهم كان أفضل. و يقول بعد ذلك: «اللهم ربّ المشعر فكّ رقبتي من النّار، و أوسع عليّ من رزقك الحلال، و ادرأ عنّي شر فسقة الجنّ و الانس، اللّهم أنت خير

مطلوب اليه، و خير مرغوب، و خير مسؤول، و لكلّ وافد جائزة، فاجعل جائزتي في موطني هذا ان تقيلني عثرتي و تقيل معذرتي و تجاوز عن خطيئتي، ثم اجعل التّقوى من الدّنيا زادي برحمتك ثم تكبر اللّه سبحانه مأة مرة، و تحمده مائة مرّة، و تسبّحه مأة مرّة، و تهلله مأة مرّة، و تصلّي على النّبي صلّى اللّه عليه و آله و تقول: اللهمّ اهدني من الضّلالة، و أنقذني من الجهالة، و اجمع لي خير الدّنيا و الآخرة، و خذ بناصيتي الى هداك، و انقلني الى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 41

..........

رضاك فقد ترى مقامي بهذا المشعر الذي انخفض لك فرفعته، و ذل لك فأكرمته، و جعلته علما للناس فبلغني فيه مناي و نيل رجائي، اللّهم إني أسألك بحقّ المشعر الحرام ان تحرم شعري و بشري على النّار، و ان ترزقني حياة في طاعتك و بصيرة في دينك و عملا بفرائضك و اتباعا لاوامرك و خير الدارين جامعا و ان تحفظني في نفسي و والدي و ولدي و أهلي و إخواني و جيراني برحمتك و تجتهد في الدعاء و المسألة و التّضرع الى اللّه سبحانه الى حين ابتداء طلوع الشّمس ثم ذكر من الواجبات فيه ذكر اللّه سبحانه و الصّلاة على النّبي صلّى اللّه عليه و آله و عن السيد الرّاوندي: احتماله و ابن الزهرة: الاحتياط به و يمكن ان يكون وجه وجوب ذكر اللّه تعالى في المشعر الآية الشريفة: «فَاذْكُرُوا اللّٰهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرٰامِ» و وجه وجوب الصّلاة على النّبي صلّى اللّه عليه و آله قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمّار المتقدّم «فإذا وقفت فاحمد اللّه و أثن عليه و اذكر

من آلائه و بلائه ما قدرت عليه و صلّ على النّبي صلّى اللّه عليه و آله».

و لكن لا يخفى ما فيه لانه على فرض تسليم كون ظاهره الوجوب الا ان تسالم الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» على خلافه يوجب رفع اليد عن هذا الظهور، فيحمل على الندب، لعدم الموجب لرفع اليد عنه فتدبر.

قال في الجواهر: بل يمكن ارادة الذّكر قلبا الحاصل بنيّة الوقوف فيكون في قوة الأمر بالكون عند المشعر الحرام للّه تعالى بل لو قلنا بوجوب الاستيعاب المستلزم لصلاة الغداة أو الجمع بين المغرب و العشاء كفى ذلك في الذّكر بناء على إرادة مطلقه بل و الصّلاة على محمّد و آله ايضا. الى أن قال قال أبو بصير للصّادق عليه السّلام: جعلت فداك: «ان صاحبي

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 42

..........

هذين جهلا ان يقفا بالمزدلفة؟ فقال: يرجعان مكانهما فيقفان بالمشعر ساعة. قلت: فإنه لم يخبرهما أحد حتى كان اليوم و قد نفر الناس؟ قال: فنكس رأسه ساعة ثم قال: أ ليسا قد صليا الغداة بالمزدلفة قلت: بلى قال: أ ليس قد قنتا في صلاتهما؟ قال: بلى قال: تم حجهما. ثم قال: و المشعر من المزدلفة و المزدلفة من المشعر و انما يكفيهما اليسير من من الدعاء» «1» و ظاهر الجهل بالوقوف الدعائى لا مطلق الكون الحاصل مع النية في ضمن صلاة الغداة و القنوت فيها الذين قد عرفت إمكان الاجتزاء بهما عن الذكر، بل يمكن إرادة القائل ذلك أيضا الا أن هذا و نحوه ظاهر في كون الأمر للندب المناسب لهذا التسامح. و كذا خبر محمد بن حكيم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أصلحك اللّه الرجل الأعجمي و المرأة الضعيفة تكونان

مع الجمال الأعرابي فإذا أفاض بهم من عرفات مرّ بهم كما هم إلى منى لم ينزل بهم جمعا؟ قال: أ ليس قد صلّوا بها فقد أجزأهم. قال: فان لم يصلوا بها قال: فذكروا اللّه فيها فان كان قد ذكروا اللّه فيها قد أجزأهم «2»، إذ يمكن إرادة نيّة الوقوف من الذكر فيه و الأمر في ذلك كله سهل» انتهى كلامه زيد في علو مقامه ينبغي هنا التنبيه على أمرين: الأول- انه يستحب الاجتهاد في الدعاء ليلة المزدلفة و إحيائها ففي صحيح الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: «و لا تجاوز من الحياض ليلة المزدلفة و تقول اللهم هذه جمع إني أسألك أن تجمع لي فيها جوامع الخير اللهم لا تؤيسني من الخير

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب الوقوف بالمشعر: الحديث 7

(2) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب الوقوف بالمشعر: الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 43

و ان يطأ الصرورة [1] المشعر برجله (1)

الذي سألتك أن تجمعه لي في قلبي و أطلب إليك ان تعرفني ما عرفت أوليائك في منزلي هذا و ان تقيني جوامع الشرور و ان استطعت أن تحيي تلك الليلة فافعل فإنه بلغنا ان أبواب السماء لا تغلق تلك الليلة لأصوات المؤمنين لهم ذوي كدوي النحل يقول اللّه جل ثناؤه أنا ربكم و أنتم عبادي أديتم حقي و حق علي ان استجيب لكم فيحط تلك الليلة عمن أراد ان يحط عنه ذنوبه و يغفر لمن أراد ان يغفره «1» الثاني- قال الشهيد الثاني (قدس سره) في المسالك: «ان المراد بالوقوف في نحو عبارة المصنف القيام للدعاء و الذكر، و اما الوقوف المتعارف بمعنى الكون

فهو واجب من أول الفجر فلا يجوز تأخير نيته الى ان يصلي».

و تمامية كلامه «قدس سره» مبنية على وجوب الابتداء من الفجر، و لكنه لا دليل عليه بل ظاهر الأدلة- كما افاده صاحب الجواهر- خلافه حتى صحيح معاوية ابن عمار المتقدم الذي قد أمر فيه بالإصباح على طهر، ثم الصلاة، ثم الوقوف و ان كان يمكن ارادة الوقوف للدعاء فيه، الا ان إطلاق غيره كاف كما صرح به الفاضل و غيره.

قال في المنتهى: «و يستحب ان يقف بعد ان يصلي الفجر و لو وقف قبل الصلاة إذا كان قد طلع الفجر أجزأه» و هذا كما ترى كالصريح في إرادة هذا المعنى- و هو عدم وجوب الابتداء من الفجر- و بالجملة: فما ذكره الشهيد «قدس سره» من الحمل انما يتجه إذا ثبت وجوب مقارنة الوقوف الواجب لطلوع الفجر، و لكنه غير ثابت لعدم دليل عليه، فتدبر.

(1) كما نص عليه جماعة بل عن المبسوط و النهاية، و لا يتركه مع الاختيار كما عن

______________________________

[1] ان المراد بالصرورة من لم يحج، و المراد بوطئه برجله ان يعلو عليه بنفسه.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 44

..........

الحلبيين استحبابه مطلقا، لا في خصوص الصرورة، بل عن ابى الصلاح منهما انه آكد في حجة الإسلام و ان كنا لم نقف على ما يدل عليه برجليه، كما في محكي المبسوط و غيره و عن التهذيب و المصباح و مختصره: يستحب للصرورة أن يقف على المشعر أو يطأه برجله و لعله لما تسمعه من الصحيح ان كان الواو فيه بمعنى (أو) و عن الفقيه: «انه يستحب له ان يطأ برجله أو براحلته ان

كان راكبا» و كذا عن الجامع و ير. إلخ». على ما في الجواهر و يدل على ما افاده المصنف «قدس سره» من استحباب وطء الصرورة المشعر برجله حسن الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: و انزل ببطن الوادي عن يمين الطريق قريبا من المشعر و يستحب للصرورة أن يقف على المشعر الحرام و يطأه برجله «1». و ما رواه ابان بن عثمان عن رجل عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: يستحب للصرورة أن يطأ المشعر الحرام و ان يدخل البيت «2». و ما رواه سليمان بن مهران عن جعفر بن محمد عليه السّلام (في حديث) قال: قلت له: كيف صار الصرورة يستحب دخول الكعبة (الى ان قال): قلت: كيف صار وطئ المشعر عليه واجبا؟ فقال: ليستوجب بذلك وطء بحبوحة الجنة «3».

ثم ان تنقيح البحث يتوقّف على ذكر أمرين: الأول- ان مقتضى قوله عليه السّلام في ذيل حسن الحلبي: «و يطأ المشعر برجله» هو اختصاص استحباب الوطي بالرجل دون غيره و اما ما دل على استحبابه مطلقا كما في

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب الوقوف الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب الوقوف الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب الوقوف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 45

و قيل يستحب الصعود على قزح و ذكر اللّه عليه (1)

ما رواه بن عثمان «يستحب ان يطأ الصرورة المشعر الحرام» فيقيد بما دل على انه يطأ المشعر برجله لكون الحكم فيها على نحو صرف الوجود لا مطلق الوجود، فعليه يتعين الاقتصار على الوطي برجله فعليه ظهر ضعف ما أفاده في المسالك و المدارك و هو:

«و الظاهر

ان الوطي بالرجل يتحقق مع النعل و الخف بل في الأولى المراد بوطئه برجله ان يعلو عليه بنفسه فان لم يكن فببعيره على ما افاده صاحب الجواهر «قدس سره» إلا إذا قلنا بان ما دل على وطئ المشعر بالرجل انما يكون لأجل تأكد الاستحباب فيه.

الثاني- انه خص الحكم المذكور- و هو استحباب وطء المشعر بالرجل- في كتاب أحكام النساء بالرجال، و لكن فيه ما لا يخفى، لكون الأخبار مطلقة.

مضافا الى التعليل في رواية سليمان بن مهران المتقدمة بقوله عليه السّلام: «ليستوجب بذلك وطء بحبوحة الجنة» حيث انه كالصريح في الإطلاق، لدلالته علي كون نفس وطء المشعر موجبا لوطي بحبوحة الجنة، من غير فرق في ذلك بين الرجل و المرأة، فتدبر.

(1) و القائل الشيخ «رحمه اللّه تعالى» في محكي المبسوط، قال و إليك نص عبارته على ما هو المحكي عنه في الجواهر: «يستحب للصرورة أن يطأ المشعر الحرام، و لا يتركه مع الاختيار و المشعر الحرام جبل هناك يسمى: (قزح) و يستحب الصعود عليه، و ذكر اللّه عنده، فان لم يمكنه ذلك فلا شي ء عليه لما روته العامة عن الصادق عليه السّلام عن أبيه عليه السّلام عن جابر من ان النبي صلّى اللّه عليه و آله ركب القصوا حتى اتى المشعر الحرام، فرقي عليه و استقبل القبلة فحمد اللّه تعالى، و هلله، و كبره، و وحده، فلم يزل واقفا حتى أسفر

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 46

..........

جدا و روى ايضا انه أردف الفضل بن العباس و وقف على (قزح) و قال: «هذا قزح و هو الموقف و جمع كلها موقف». الى ان قال صاحب الجواهر: و لعل ذلك و نحوه كاف في ثبوت الاستحباب المسامح

فيه و ان كان ظاهر المصنف و غيره التوقف فيه دون الوطي مع انك سمعت ما في الصحيح من استحباب الوقوف عليه و الوطي. إلخ»:

لا يخفى انه إذا أمكن استفادة استحباب الصعود على قزح من قوله عليه السّلام في حسن الحلبي المتقدم: «و يستحب للصرورة أن يقف على المشعر الحرام و يطأه برجله».

فهو، و الا فالحكم باستحبابه لأجل رواية جابر و نحوه مشكل.

اللهم الا ان يقال: انه يمكن إثباته بقاعدة التسامح في أدلة السنن المستفادة من اخبار من بلغ. لكن فيه: ما عرفت مرارا و كرارا من تطرق الاحتمالات الكثيرة فيها و اختلاف الآثار المترتبة عليها، و قد بينا في محله ان اخبار من بلغ ليست ظاهرة في إنشاء حكم أصولي- و هو حجية خبر الضعيف- و حكم فقهي- أعني استحباب نفس العمل- بل ظاهرة في كونها اخبارا عن ترتب الثواب الموعود بعد البناء على عدم إجمالها على الفعل الذي بلغ عليه الثواب زائدا على ثواب أصل الانقياد و هذا المعنى كما ترى أجنبي عما افادوه من قاعدة التسامح.

فتلخص ان الاخبار التي تقدمت في كلام صاحب الجواهر «قدس سره» لا يمكن إثبات استحباب الصعود على قزح بها لكونها ضعيفا سندا فيسقط عن الاعتبار.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 47

[مسائل خمس]
[الأولى وقت الوقوف بالمشعر ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس]

مسائل خمس الأولى وقت الوقوف بالمشعر ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس و للمضطر الى زوال الشمس (1)

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم». و في الجواهر:

«لا خلاف معتد به عندنا في ان وقت الوقوف بالمشعر ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس و للمضطر الى زوال الشمس بل الإجماع بقسميه عليه مضافا الى النصوص. إلخ» لكن قد عرفت الإشكال في الحكم

بوجوب الوقوف ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس في المباحث السابقة و من أراد الوقوف عليها فليراجعها.

و كيف كان فاما ما حكى بن إدريس عن السيد امتداد وقت المضطر الى الغروب فأنكره في المختلف أشد إنكار و ان أطلق في بعض عباراته التي لم تسق لذلك «ان من فاته الوقوف بعرفة حتى أدرك المشعر يوم النحر فقد أدرك الحج خلافا للعامة مستدلا عليه بالإجماع» لكن مراده من اليوم الى الزوال بقرينة حكاية الإجماع، فإن أحدا من الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» لم يقل بذلك، لكن حكى هو عنه في غير المختلف ذلك ايضا على ما افاده صاحب الجواهر «رحمه اللّه تعالى» و على كل حال فلا عبرة به، لمخالفته للنصوص و الفتاوي.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 48

[الثانية من لم يقف بالمشعر ليلا و لا بعد الفجر عامدا بطل حجّه]

(الثانية) من لم يقف بالمشعر ليلا و لا بعد الفجر عامدا بطل حجّه و لو ترك ذلك ناسيا لم يبطل ان كان وقف بعرفات (1) و لو تركهما جميعا بطل حجه عمدا أو نسيانا (2)

[الثالثة من لم يقف بعرفات و أدرك المشعر قبل طلوع الشمس صح حجه]

(الثالثة) من لم يقف بعرفات و أدرك المشعر قبل طلوع الشمس صح حجه ة و لو فاته بطل على الأصح و لو وقف بعرفات جاز له تدارك المشعر الى قبل الزوال (3)

(1) مقتضى كلام المصنف «قدّس سرّه» القطع بإدراك الحج باختياري عرفة وحده، كما يجترئ باختياري المشعر وحده و هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و لكن صاحب المدارك استشكل في الأوّل حيث قال عند شرح قول الماتن: «. الأظهر عدم الاكتفاء باختياري العرفة خاصة كما اختاره في المنتهى. إلخ» و لعله من جهة قوله عليه السّلام في صحيح: «إذا فاتك المزدلفة فقد فاتك الحج» «1» و نحوه غيره من الاخبار و سيتّضح لك تحقيق الكلام و بيان ما هو المختار بعد ذكر المسألة الثالثة (ان شاء اللّه تعالى).

(2) بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه و يدل عليه- مضافا الى عدم صدق الامتثال مع الإخلال بذلك- قوله عليه السّلام في رواية عبيد اللّه و عمران ابني على الحلبيين: «إذا فاتتك المزدلفة فقد فاتك الحجّ» «2» و مفهوم قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمّار: «من أدرك جمعا فقد أدرك الحج «3».

(3) و في المدارك: «بل الأظهر إدراك الحج بإدراك اضطراري المشعر خاصة،

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2

كتاب الحج

(للشاهرودي)، ج 4، ص: 49

..........

لقوله عليه السّلام في حديث جميل بن دراج: «من أدرك الموقف بجمع يوم النحر من قبل ان تزول الشمس فقد أدرك الحج» و قد تقدّم الكلام في ذلك.

قال في الجواهر عند شرح قول المصنف: «من لم يقف بعرفات و أدرك المشعر قبل طلوع الشمس صح حجّه»: (إجماعا و نصوصا). و قال عند كلامه (و لو فاته بطل على الأصح) إذا لم يكن قد أدرك اضطرارية، و الا ففيه البحث السابق. و قال عند كلامه «جاز له. إلخ) بل وجب عليه ذلك، بل هو كذلك لو أدرك اضطراري عرفة ايضا. نعم لو لم يدرك شيئا منهما لم يجزه التّدارك قبل الزّوال. إلخ» أقسام الوقوفين قد سبق منّا الوعد في آخر مبحث الوقوف بعرفات «في الجزء الثالث» و هنا ان نفصّل الكلام في البحث عن الصّور البسيطة و المركبة من ادراك الوقوف فنقول: ان أقسام الوقوفين من الاختياري و الاضطراري و المركب منهما تبلغ ثمانية أقسام إذا لم يجعل الوقوف اللّيلي بالمشعر قسما علي حدة و الا تبلغ أحد عشر قسما، خمسة مفردة و ستة مركبة.

خمسة مفردة: 1- ادراك وقوف اختياري عرفات خاصة.

2- ادراك وقوف اضطراري عرفات خاصة.

3- ادراك وقوف اختياري المشعر خاصة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 50

..........

4- ادراك وقوف اضطراري ليلي المشعر خاصة.

5- ادراك وقوف اضطراري نهاريّ المشعر خاصة.

ستة مركبة: 1- أن يدرك اختياري عرفات و اختياري المشعر.

2- ان يدرك اضطراري عرفات و اضطراري المشعر.

3- ان يدرك اختياري عرفات مع ليلي المشعر.

4- ان يدرك اختياري عرفات مع نهاري المشعر.

5- ان يدرك اضطراري عرفات مع اضطراري المشعر الليلي.

6- أن يدرك اضطراري عرفات مع اختياري المشعر.

(بيان الصور البسيطة من الوقوف) اما الصور البسيطة

من الوقوف، فنقول:

اما الاولى- و هي ان يدرك اختياري عرفات فقط، فقد وقع الخلاف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» في صحة الحج معه و عدمها. فقد ذهب بعضهم إلى صحّة الحج مع درك اختياري عرفات خاصة- كالشهيد الثاني. و اختاره في الجامع و الفاضل في التبصرة و الشهيد الأول في الدروس و اللمعة على ما حكاه صاحب المستند «قدس سره» و قد نفى عنه الخلاف في التنقيح بل نسبه جماعة إلى الشهرة منهم المحدث المجلسي «رحمه اللّه» و السيد نعمة اللّه الجزائري «قدس سره» في شرح التهذيب

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 51

..........

و شارح المفاتيح بل عن الأخير عن بعضهم الإجماع عليه و في الذّخيرة و المختلف: انه المعروف بين الأصحاب. بل في الرياض انه عزّاه في الذخيرة إليهم مشعرا بعدم خلاف فيه، كما هو ظاهر المختلف و الدروس ايضا- و ذهب بعض آخر منهم الى عدم صحة الحج بدرك اختياري عرفات خاصة- كالفاضل في المنتهى و تبعه صاحب المدارك و المفاتيح من المتأخرين. و صاحب الجواهر بعد ان نقل كلام المسالك و هو: «لا خلاف في الاجتزاء بأحد الموقفين الاختياريين» قال: (لكن أشكله سبطه بانتفاء ما يدل على الاجتزاء بإدراك اختياري عرفة خاصة مع ان الخلاف في المسألة متحقق فإن العلامة «رحمه اللّه تعالى» في المنتهى صرح بعدم الاجتزاء بذلك، و هذه عبارته: «و لو أدرك أحد الموقفين اختيارا وفاته الآخر مطلقا فان كان الفائت هو عرفات فقد صح حجه لإدراك المشعر و ان كان المشعر ففيه تردد أقربه الفوات» و قال في التحرير:

«و لو أدرك أحد الاختياريين وفاته الآخر اختيارا أو اضطرارا فان كان الفائت هو عرفة صح الحج و ان

كان هو المشعر ففي إدراك الحج اشكال» و به يظهر ان الاجتزاء بإدراك اختياري عرفة ليس إجماعيا كما ذكره الشارح الى ان قال، قد نفى عنه الخلاف في التنقيح. بل ستسمع تصريح المصنف و الفاضل في القواعد و غيرهما بعدم بطلان الحج مع نسيان الوقوف بالمشعر ان كان قد وقف بعرفة كالمحكي عن السرائر و الجامع و القواعد و التبصرة و الدروس و اللمعة و غيرها بل هو صريح الفاضل في التحرير و المنتهى ايضا فيكون رجوعا عن الأول و به يتم نفي الخلاف حينئذ. إلخ».

و كيف كان فاستدل مضافا الى ما ذكر- بعدة اخبار- منها:

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 52

..........

1- عن عوالي اللئالي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله الحج عرفة «1».

2- ما رواه بن ابى عمير عن عمر بن أذينة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: سألته عن قول اللّه تعالى: «الْحَجِّ الْأَكْبَرِ»؟ قال: الحج الأكبر الموقف بعرفة و رمي الجمار الحديث «2».

3- ما رواه محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن علي بن رئاب ان الصادق عليه السّلام قال: «من أفاض من عرفات مع الناس فلم يلبث معهم بجمع و مضى إلى منى متعمدا أو مستخفا فعليه بدنة «3».

4- صحيح أو حسن محمد بن يحيى الخثعمي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام انه قال:

في رجل لم يقف بالمزدلفة و لم يبت بها حتى اتى منى؟ فقال: «أ لم ير الناس لم يكونوا بمنى حين دخلها؟. قلت: فإنه جهل ذلك. قال: يرجع. قلت: ان ذلك قد فاته؟.

قال: لا بأس به «4».

5- مرسل محمد بن يحيى الخثعمي عن ابى عبد عليه السّلام فيمن جهل و لم يقف بالمزدلفة و

لم يبت حتى اتى منى؟ قال: يرجع. قلت: ان ذلك قد فاته؟ فقال:

لا بأس به «5».

______________________________

(1) المستدرك ج 2 الباب 18 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب العود إلى منى الحديث 1 و في الباب 19 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 9

(3) الوسائل ج 2 الباب 26 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

(4) الوسائل ج 2 الباب «2 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 6

(5) الوسائل ج 2 الباب «2 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 53

..........

و لكن جميعها لا يخلو من المناقشة و الاشكال:

اما «في الأول و الثاني» فلضعف سندهما و على فرض التسليم لا يتم دلالتهما على المطلوب لكون الإطلاق مجازا و الا يلزم صحة الحج بمجرد الوقوف بعرفات و ترك سائر المناسك عمدا و هو كما تري فالروايتان في مقام التّشريع فقط.

و اما (في الثالث) فلعدم استلزام وجوب البدنة لصحة الحج و كذا السكوت عن بطلان الحج.

مضافا الى أعمية ترك اللّبث مع الناس عن ترك اللّبث مطلقا.

الا ان يقال ان الظاهر هنا عدم اللّبث مطلقا لظهور قوله عليه السّلام: «و لم يلبث معهم بجمع و مضى إلى منى» في العبور على المشعر و عدم المكث فيه رأسا، فتدّبر.

و اما (في الرّابع و الخامس) فلكونهما ضعيفين من حيث السّند.

ان قلت انهما و ان كانا ضعيفين من حيث السّند الا ان ضعفهما منجبر بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» فعليه لا يصغى الى المناقشة فيهما بضعف السّند.

قلت: انه لم يعلم استنادهم في مقام العمل الى هذين الحديثين حتى يتمّ ما ذكر، لاحتمال استنادهم في مقام العمل إلى باقي الرّوايات.

و لكن

الظاهر ان سند الحديث الرّابع معتبر و اما الخامس و ان كان مرسلا الا ان ناقله موّثق و لذا قد يحصل الاطمئنان منه فلاحظ و تأمّل.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 54

..........

ثم ان تنقيح البحث يتوقف على ذكر جهات: الاولى- انه بناء على تماميتهما سندا لا يمكن الحكم بالإجراء مطلقا، بل يختص بما إذا أدرك الوقوف بعرفات و ترك الوقوف بالمزدلفة جهلا و لم يمكنه التدارك لضيق الوقت، و لا يمكن التعدي عن مورد الحديثين- اعني الجهل- الى غيره، اعني العامد و الناسي و المضطر اما عدم شمولهما لصورة العمد، لان القول بجواز ترك الوقوف بالمشعر مناف لتشريع جزئيته و اما صورة النسيان و الاضطراري فلاحتمال خصوصية فيه اي الجهل، إذ لا قطع بالمناط، إلا إذا قام دليل تعبدي من الخارج على جواز التسرية، و هو لم يثبت ظاهرا، فلا بد من الاقتصار على موردهما.

ان قلت: انه يمكن التعدي عن المورد الى غيره بتنقيح المناط. و فيه: ان المعتبر منه هو القطعي دون الظني، و غاية ما يحصل منه في المقام هو الظن، و هو لا يغني من الحق شيئا، فلا يخرج هذا الوجه عن كونه قياسا، لاحتمال خصوصية في الجهل دون غيره من النسيان و الاضطرار.

نعم إذا قطعنا بملاك الحكم و عدم مانع من الجعل ايضا، فلا مانع من التعدي، و لكنه مجرد فرض لعدم العلم بملاكات الأحكام و موانعها كما لا يخفى.

و لكن في الجواهر بعد ما حكم بتخصيص العمومات الآتية الدالة على فوت الحج بفوت المزدلفة بغير الجاهل الذي أدرك اختياري عرفة قال: «الملحق به الناسي و المضطر بعدم القول بالفصل، و باحتمال ارادة الجهل بالحكم، بل هو الظاهر و لا ريب

في

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 55

..........

أولوية الناسي منه بل يمكن ارادة ما يعم النسيان من الجهل فيه خصوصا بعد ملاحظة ما عرفت من الشهرة العظيمة و عدم الخلاف المحقق نقلا ان لم يكن تحصيلا».

و لا يخفى ان مجرد عدم القول بالفصل لا يجدي ما لم يرجع الى الإجماع التعبدي على عدم الفصل بين الجهل و النّسيان.

و اما أولوية النسيان عن الجهل بالحكم فهي ظنيّة لعدم القطع بعدم دخل خصوصيّة الجهل و مع احتماله لا يخرج التّعدي عنه الى النّسيان عن القياس المسدود بابه في الشرعيات فينحصر الوجه في كون النسيان كالجهل بإرادة ما يعم النسيان من الجهل لكنه يحتاج إلى إثبات ظهور الجهل فيه.

ثم انه لا يمكن الاستدلال على جواز التعدي من المورد الى غيره بقوله صلّى اللّه عليه و آله:

«رفع الخطأ و النسيان» و ذلك لان غاية ما يدل ذلك عليه هو ارتفاع التكليف بالمنسي، و اما كون الباقي من ذلك تمام المأمور به فلا- على ما قرّر في محله- فيتّجه الاجزاء في خصوص صورة الجهل دون غيرها فتدبر و اللّه الهادي إلى الصواب.

الثانية- انه لا تقع المعارضة بين هذين الحديثين و بين عموم ما رواه الحسين بن سعيد عن القاسم بن عروة عن عبيد اللّه و عمران ابني علي الحلبيين عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا فاتك المزدلفة فقد فاتك الحج» «1». و مرسل بن فضال عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: «الوقوف بالمشعر فريضة و الوقوف بعرفة سنة» «2». و مفهوم جملة من

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 19 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة

الحديث 14

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 56

..........

الأخبار الدالة على ان من أدرك جمعا اما مطلقا أو قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج، و ذلك لتخصيصها بهما.

و اما مرسل فضال فأولا ضعيف سندا.

و ثانيا- ان المراد من قوله: «الوقوف بالمشعر فريضة. إلخ» هو ان وجوبه مستفاد من القرآن الكريم من قوله تعالى: «فَإِذٰا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفٰاتٍ فَاذْكُرُوا اللّٰهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرٰامِ» و هذا بخلاف الوقوف بعرفة لاستفادة وجوبه من السنّة.

الثالثة- ان ما ذكره الشيخ «قدس سره» من الطعن في خبر محمد بن يحيى الخثعمي بأنه (تارة): رواه بواسطة و (اخرى): بدونها و إنه محمول على ما إذا وقف بالمزدلفة شيئا يسيرا دون الوقوف التام الذي متى وقفه الإنسان كان أفضل و أكمل لا داعي له.

اما أوّلا- فلعدم الشاهد عليه.

و اما ثانيا- فلانجباره بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» كما افادوه مضافا الى انه لا حاجة الى حمله على ما ذكر بعد كونه موافقا لقول المشهور الصّريح في عدم وقوفه شيئا من الوقوف الاختياري.

نعم قد يقال باعتبار وقوف شي ء يسير من اللّيل في المشعر و لو في حال المرور فيه في الصحة فيما نحن فيه، و ربما يؤيّده في الجملة ما رواه محمد بن الحكيم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أصلحك اللّه الرّجل الأعجمي و المرأة الضعيفة تكونان مع الجمال الأعرابي فإذا أفاض بهم من عرفات مرّ بهم كما هم إلى منى لم ينزل بهم جمعا. قال: أ ليس

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 57

..........

قد صلّوا بها فقد أجزأهم؟. قلت: فان لم يصلوا بها قال: فذكروا اللّه فيها فان كانوا ذكروا اللّه فيها فقد اجزئهم «1» و خبر ابى بصير قال: قلت لأبي

عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك ان صاحبي هذين جهلا ان يقفا بالمزدلفة؟ فقال: يرجعان مكانهما فيقفان بالمشعر ساعة قلت: فان لم يخبرهما أحد حتى كان اليوم و قد نفر الناس قال: فنكس رأسه ساعة ثم قال: أ ليسا قد صليا الغداة بالمزدلفة؟ قلت بلى قال: أ ليس قد قنتا في صلاتهما؟ قلت بلى، قال: تم حجهما. إلخ «2». و لكنه حينئذ يخرج عن موضوع المسألة الذي هو ادراك موقف عرفة خاصة ضرورة: كونه على الفرض المزبور أدرك الموقفين، لما عرفت من ان موقف المشعر الركني الكون آنا ما من أول ليلة النحر الى طلوع الشمس و ان وجب مع ذلك الكون الى بعد طلوع الفجر لكنه ليس ركنا بحيث لو أخل به لصار موجبا للبطلان.

هذا بناء على التّقريب الأول الّذي تقدّم.

و أما بناء علي التقريب الآخر و هو مع ملاحظة خبر ابى بصير المتقدّم فيكون الرّكن هو مسمى الوقوف من طلوع الفجر الى طلوع الشمس دون أوّل اللّيل الى طلوع الفجر من أراد الوقوف عليهما فليراجعهما.

و اما الصورة الثّانية من الصور البسيطة و هي ما إذا أدرك اضطراري عرفات فقط فملخص الكلام فيها انه غير مجز قولا واحدا كما في الدروس و المفاتيح و في الذخيرة: «انه لا اعرف فيه خلافا» و نقل بعضهم عن جماعة الإجماع عليه الا ان في شرح المفاتيح نسبه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب الوقوف بالمشعر، الحديث 3.

(2) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب الوقوف بالمشعر، الحديث 7.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 58

..........

الى المشهور و هو مشعر بالخلاف فيه.

و كيف كان فيمكن الاستدلال للصحة في المقام بإطلاق رواية محمد بن يحيى الخثعمي و بمرسلته

التي تقدم ذكرهما.

و فيه: انه لم يعمل بهما أحد من الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) بالنسبة إلى مفروض المقام و ذلك يوجب سقوطهما عن الحجيّة بالنّسبة اليه، و اما الصورة الثالثة من الصور البسيطة و هي ان يدرك اختياري المشعر فيما بين الطلوعين خاصة فنخبة الكلام فيها انه لا ينبغي الارتياب في صحة حجه حينئذ و يدل عليه جملة من النصوص الواردة في المقام- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: قال في رجل أدرك الامام و هو بجمع؟ فقال: انه يأتي عرفات فيقف بها قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها، و ان ظن انه لا يأتيها حتى يفيضوا فلا يأتها و ليقم بجمع فقد تم حجه «1» و رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه و عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن صفوان بن يحيى و ابن ابي عمير عن معاوية بن عمار مثله.

2- ما رواه موسى بن القاسم عن ابن ابي عمير عن حماد عن الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات؟ فقال: ان كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل ان يفيضوا فلا يتمّ حجّه حتى يأتي عرفات و ان قدم رجل و قد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام،

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 59

..........

فان اللّه تعالى أعذر لعبده فقد تم حجه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشّمس و قبل ان يفيض الناس فان لم بدرك المشعر الحرام فقد

فاته الحج فليجعلها عمرة مفردة و عليه الحج من قابل «1».

3- ما رواه سهل عن أبيه عن إدريس بن عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أدرك الناس بجمع و خشي ان مضى الى عرفات ان يفيض الناس من جمع قبل ان يدركها؟ فقال: ان ظنّ ان يدرك الناس بجمع قبل طلوع الشمس فليأت عرفات فإن خشي ان لا يدرك جمعا فليقف بجمع ثم ليفض مع النّاس فقد تمّ حجّه «2».

4- صحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في سفر فإذا شيخ كبير فقال: يا رسول اللّه ما تقول في رجل أدرك الإمام بجمع؟ فقال له: ان ظن انه يأتي عرفات فيقف قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها، و ان ظن انه لا يأتيها حتى يفيض النّاس من جمع فلا يأتها و قد تمّ حجّه «3».

و اما الصورة الرابعة من الصور البسيطة و هي ان يدرك الوقوف بالمشعر ليلا خاصة فقد وقع فيها الخلاف بين الفقهاء (قدّس اللّه تعالى أسرارهم).

ففي الذخيرة: «الظاهر انه لا يصح حجّه، لعدم الإتيان بالمأمور به، و عدم الدّليل على الصحّة» و عن الشهيد الثاني القول بالصّحة، لصحّة حج من أدرك اضطراري المشعر بالنّهار، فهذا يصح بالطريق الأولى، لأن الوقوف الليلي فيه شائبة الاختيار، للاكتفاء به للمرأة اختيارا و للمضطر و للمتعمّد مطلقا مع الجبر بشاة.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص:

60

..........

و ظاهر المدارك التردد على ما أفاده في المستند «قدس سره».

قال في المستند: «الظاهر عدم الاجزاء لمن ترك عرفة عمدا و الاجزاء لغيره مطلقا سواء كان ممن رخص له الإفاضة قبل الفجر مطلقا أو مع عذر أولا و سواء أفاض قبل الفجر عمدا أو اضطرارا، اما الحكم الأول فلمعارضة عمومات نفي الحج عن أصحاب الأراك مع عمومات ادراك الحج بإدراك مزدلفة بالعموم من وجه و لا مرجح فيرجع الى قاعدة عدم الصحة لعدم الإتيان بالمأمور به، و يدل عليه ايضا صريح صحيحة الحلبي المتقدمة. المصرحة بأنه ان كان يتمكن من إدراك اضطراري عرفة و لم يدركه لم يتم حجه «1» و إذا كان كذلك بالنسبة إلى الاضطراري فالاختيارى اولى بالحكم. و اما الحكم الثاني فلصحيحة الحلبي المذكورة و سائر الأخبار. المصرحة بان من فاتته عرفات و وقف بالمشعر الحرام أو أقام به أو أدرك الناس به تم حجه، فإنها بإطلاقها شاملة لما نحن فيه و أخص مطلقا من عمومات أصحاب الأراك و التخصيص بما بين الطلوعين لا وجه له.

و يؤيده مطلقات: «من أدرك المشعر فقد أدرك الحج» منطوقا أو مفهوما و انما جعلناها مؤيده لإمكان الدخل فيها بان المتبادر من ادراك المشعر و نحوه غير الكون به بل المراد ادراك أمر فيه فهو اما إدراك وقوفه الشرعي أو في وقت خاص أو جمع خاص أو غيره فيكون الكلام مقتضيا و مقتضاه غير معلوم و لا قدر مشترك يقينا بحيث يشمل المورد فيدخله الإجمال المنافي للاستدلال».

و لكن تحقيق الكلام انه بناء على القول بكونه داخلا في الوقوف الاختياري

______________________________

(1) تقدم في الصورة الثالثة من الصور البسيطة فراجعها.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 61

..........

فلا ينبغي الإشكال

في اجزائه، لما دل على ان «من أدرك جمعا فقد أدرك الحج» و الا فلا دليل على اجزائه.

و اما الصورة الخامسة من الصور البسيطة و هي ان يدرك اضطراري المشعر النهاري خاصة، فقد وقع الخلاف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» فيها.

قال في المستند: «فالمشهور بين الأصحاب فتوى كما صرح به جماعة عدم صحة الحج، بل و كذلك رواية على ما ذكره المفيد قال الاخبار بعدم ادراك الحج به متواترة و جعل القول المخالف رواية نادرة بل عليه الإجماع في المختلف كما قيل، و في التنقيح و قيل لا خلاف في عدم إجزاء اضطراري عرفة و ان بن الجنيد قال بإجزاء اضطراري جمع لا غيره و به قال ايضا الصدوق و على التقديرين فالإجماع منعقد اليوم على عدم اجزاء واحد من الاضطراريين لانقراض بن الجنيد و من قال بمقالته انتهى.

و نقل في المدارك الإجماع عن المنتهى ايضا و لم أجده فيه انه قال: اما لو أدرك أحد الاضطراريين خاصة فإن كان المشعر صحّ حجّه و بطل على قول الشيخ، و يؤيد قول السيّد روايتا عبد اللّه بن المغيرة الصحيحة و جميل الحسنة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام لكن الشيخ تأولهما بتأويلين بعيدين».

و ذهب الصدوق في العلل الى الاجتزاء به و هو قول الإسكافي و الظّاهر من كلام السيّد و الحلبي و اختاره الشهيد الثّاني و صاحب المدارك من المتأخّرين و قال الشهيد الأول في نكت الإرشاد: «و لعل الأقرب أجزائه ثم قال: و لولا ان المفيد نقل ان الأخبار الواردة بعدم الإجزاء متواترة و ان الرّواية بالاجزاء نادرة لجعلناه أصحّ

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 62

..........

لا أقرب» و الأقوى عندي هو القول المشهور.

إلخ» تنقيح هذا البحث متوقف على ذكر الروايات الواردة في المقام و الاخبار الواردة في هذا المقام متعارضة، لدلالة جملة منها على الاجزاء و جملة أخرى منها على عدم الاجزاء فهنا طائفتين من الأخبار:

اما الطائفة الأولى منها- فهي:

1- ما رواه علي بن إبراهيم عن أبيه عن بن ابى عمير عن جميل عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: «من أدرك المشعر الحرام يوم النّحر من قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج» «1» و رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب مثله و رواه الصدوق بإسناده عن ابن ابى عمير الا انه قال: «من أدرك الموقف بجمع يوم النّحر».

2- ما رواه احمد بن محمد بن عيسى عن بن فضال عن عبد اللّه بن المغيرة عن إسحاق بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: «من أدرك المشعر الحرام و عليه خمسة من النّاس قبل ان تزول الشمس فقد أدرك الحج» «2» و رواه الصّدوق بإسناده عن عبد اللّه بن المغيرة و رواه أيضا بإسناده عن إسحاق بن عمار الا انه ترك قوله: «و عليه خمسة من الناس».

3- ما رواه محمد بن الحسن الصفار عن عبد اللّه بن عامر عن ابن ابى نجران عن محمد بن ابى عمير عن عبد اللّه بن المغيرة قال: جائنا رجل بمنى؟ فقال: اني لم أدرك الناس بالموقفين جميعا (الى ان قال): فدخل إسحاق بن عمار على ابى الحسن عليه السّلام

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الوقوف الحديث 9

(2) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الوقوف الحديث 11

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 63

..........

فسأله عن ذلك فقال: إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل ان تزول الشمس يوم

النحر فقد أدرك الحج «1» حمله الشيخ «قدس سره» على ادراك ثواب الحج و ان لم يسقط فرضه و جوز كونه مخصوصا بمن أدرك عرفات ايضا و هو بعيد.

4- ما رواه علي بن الحسين بإسناده عن معاوية بن عمار قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إذا أدرك الزوال فقد أدرك الموقف» «2».

5- صحيح جميل عن ابى عبد اللّه عليه السّلام المتمتع له المتعة إلى زوال الشمس من عرفة و له الحج الى زوال الشمس من يوم النحر «3».

و اما الطائفة الثانية منها- فهي:

1- ما رواه حرير قال سأل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن مفرد الحج فاته الموقفان جميعا فقال له الى طلوع الشمس من يوم النحر فان طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حج و يجعلها عمرة و عليه الحجّ من قابل، قلت: كيف يصنع؟ قال: يطوف البيت و يسعى بين الصفا و المروة و ان شاء أقام بمكة و ان شاء اقام بمنى مع النّاس و ان شاء ذهب حيث شاء ليس من الناس في شي ء «4».

2- ما رواه محمد بن فضيل قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الحدّ الذي أدركه الرّجل أدرك الحج؟ فقال: إذا اتى جمعا و النّاس في المشعر قبل طلوع الشمس فقد

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 6

(2) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 15

(3) الوسائل ج 2 الباب 20 من أبواب أقسام الحج الحديث 14

(4) الوسائل ج 2 الباب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 64

..........

أدرك الحج و لا عمرة له و ان لم يأت جمعا حتى تطلع

الشمس فهي عمرة مفردة و لا حج له فان شاء أقام بمكة و ان شاء رجع و عليه الحج من قابل «1».

3- ما رواه محمد بن سهل عن إسحاق بن عبد اللّه قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل دخل مكة مفردا للحج فخشي ان يفوته الموقف؟ فقال: له يومه الى طلوع الشمس من يوم النحر فإذا طلعت الشمس فليس له حج، فقلت له: كيف يصنع بإحرامه؟ قال:

يأتي مكة فيطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة، فقلت له: إذا صنع ذلك فيما يصنع بعد؟ قال: ان شاء أقام بمكة و ان شاء رجع الى الناس بمنى و ليس منهم في شي ء و إن شاء رجع الى اهله و عليه الحجّ من قابل «2».

4- صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات؟ فقال: ان كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل ان يفيضوا فلا يتم حجّه حتى يأتي عرفات و ان قدم و قد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام، فان اللّه تعالى أعذر لعبده فقد تم حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشّمس و قبل أن يفيض النّاس فان لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج فليجعلها عمرة مفردة و عليه الحجّ من قابل «3» و لا يضرّ قوله عليه السّلام فيه أخيرا: «فان لم يدرك المشعر الحرام. إلخ» لأن المتبادر منه بعد ما سبق من قوله عليه السّلام: «إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس» انه لم يدركه قبل الطلوع كما لا يخفى.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر

الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 5

(3) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 65

..........

5- ما رواه ابن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا اتى جمعا و الناس بالمشعر الحرام قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج و لا عمرة له و ان أدرك جمعا بعد طلوع الشمس فهي عمرة مفردة و لا حجّ له فان شاء ان يقيم بمكة أقام و ان شاء ان يرجع الى أهله رجع و عليه الحجّ من قابل «1».

6- صحيح ضريس بن أعين قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل خرج متمتّعا بالعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكة إلا يوم النّحر فقال: يقيم على إحرامه و يقطع التّلبية حتى يدخل مكّة فيطوف و يسعى بين الصّفا و المروة و يحلق رأسه و ينصرف إلى اهله ان شاء و قال هذا لمن اشترط على ربّه عند إحرامه فان لم يكن اشترط فان عليه الحجّ من قابل «2» و رواه الصدوق ايضا كذلك الا أنه زاد فيه بعد قوله: «و يحلق رأسه»: «و يذبح شاته» فعلى هذا تقع المعارضة بين هذه الطّائفة من الرّوايات و بين الطّائفة الأولى منها و يمكن الجمع بينهما بوجوه:

الأول- ان يجمع بينهما بتقييد كل من الطّائفتين بما دل على الاجزاء في خصوص المصدود و المحصور و هو ما رواه الفضل عن ابي الحسن قال: سألته عن رجل عرض له سلطان فأخذه ظالما له يوم عرفة قبل ان يعرف فبعث به الى مكة فحبسه فلما كان يوم النّحر خلّى سبيله كيف يصنع؟ قال: يلحق فيقف بجمع ثم ينصرف إلى

منى و يرمي و يذبح و لا شي ء عليه، قلت: فان خلّى عنه يوم النّفر، كيف يصنع؟ قال: هذا مصدود عن الحجّ ان كان دخل مكّة متمتعا بالعمرة إلى الحجّ فليطف بالبيت أسبوعا ثم يسعى أسبوعا

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 66

..........

و يحلق رأسه و يذبح شاته و ان دخل مكة مفردا للحجّ فليس عليه ذبح و لا شي ء عليه «1» و ليس المراد من قوله عليه السّلام: «فلما كان يوم النحر خلّى سبيله» انه خلّى سبيله قبل طلوع الشمس بل المقصود انه خلّى سبيله بعده بقرينة مقابلة ذلك بقوله: «فإن خلّى عنه يوم النّفر» و ما رواه زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام قال: إذا أحصر الرجل بعث بهديه فإذا أفاق و وجد في نفسه خفّة فليمض ان ظنّ انه يدرك النّاس فان قدم مكّة قبل ان ينحر الهدى فليقم على إحرامه حتى يفرغ من جميع المناسك و لينحر هديه و لا شي ء عليه و ان قدم مكّة و قد نحر هديه فان عليه الحجّ من قابل و العمرة، قلت: فان مات و هو محرم قبل ان ينتهي إلى مكة؟ قال يحجّ عنه ان كانت حجّة الإسلام و يعتمر انما هو شي ء عليه «2» و رواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب نحوه الا انه قال: ان ظن انه يدرك هديه قبل ان ينحر. و أنت ترى دلالة هذين الحديثين على الاجزاء في خصوص المصدود و المحصور، فتقيّد الطائفة الاولى من الاخبار الدالة

على الاجزاء مطلقا إذا أدرك اضطراري المشعر النهاري خاصة بهما، و كذا الطّائفة الثّانية الدالة على عدم الاجزاء مطلقا في المحلّ المفروض، فيتّجه الاجزاء في خصوص المصدود و المحصور دون غيرهما بمقتضى الإطلاق و التقييد، فلا يبقى بناء عليه تعارض بين الاخبار.

و لكن لا يخفى ما فيه ضرورة: عدم تماميّة ضابط حمل المطلق على المقيّد و هو

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 3 من أبواب الإحصار و الصدر الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 3 من أبواب الإحصار و الصدر الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 67

..........

التنافي الموجب لذلك فلا يمكن تقييد الطائفة الأولى الدالة على الاجزاء بهذين الحديثين لكونهما مثبتين.

الثاني- و هو ان هذين الحديثين يقيدان الطّائفة الثانية الدالة على عدم الاجزاء فتصير النتيجة بعد هذا التّقييد عدم الاجزاء، الا في المصدود و المحصور، فبناء عليه تصير الطائفة الثانية الدالة على عدم الإجزاء أخص من الطائفة الأولى الدالة على الاجزاء و ذلك لدلالة الطّائفة الأولى على الاجزاء مطلقا، سواء كان في المصدود و المحصور أو غيرهما، و هذا بخلاف الطائفة الثّانية. لدلالتها بعد تقييدها بالحديثين المزبورين على عدم الإجزاء في خصوص غير المصدود و المحصور، و هذا يوجب انقلاب النسبة، لعدم التّباين على هذا بين الطّائفتين من الاخبار فبعد انقلاب النسبة بين الطّائفتين من التّباين و العامين الى العموم و الخصوص فنقيد الطّائفة الأولى بالثّانية، فيتّجه الاجزاء في خصوص المصدود و المحصور، و عدمه في غيرهما، و لكن انقلاب النسبة بهذا النحو غير صحيح على ما حقّق في محلّه.

الا ان يقال به بنحو آخر بتقريب: انه بعد ما دل هذين الحديثين على الاجزاء في خصوص المصدود و المحصور نعلم ان الطائفة الثانية الدالة

على عدم الاجزاء لا تشمل المصدود و المحصور من أوّل الأمر، فهذه الاخبار كانت في الحقيقة أخص من الطّائفة الاولى من أوّل الأمر فعليه يمكن ان يقال بتخصيص هذه الاخبار للطائفة الاولى.

الثالث- ان يقيد كلتا الطائفتين بما رواه موسى بن القاسم عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن الحسن العطّار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا أدرك الحاجّ عرفات قبل طلوع الفجر فاقبل من عرفات و لم يدرك النّاس بجمع و وجدهم قد أفاضوا فليقف

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 68

..........

قليلا بالمشعر الحرام و ليلحق الناس بمنى و لا شي ء عليه «1» فعليه تقيد الطائفة الأولى الدالة على الاجزاء مطلقا بما إذا أدرك مع اضطراري المشعر النهاري اضطراري عرفة و تقيد الطائفة الثانية الدالة على عدم الاجزاء مطلقا بما إذا لم يدرك معه اضطراري عرفة فتصير النتيجة الاجزاء إذا أدرك اضطراري المشعر النهاري مع اضطراري عرفة و عدم الاجزاء إذا أدرك اضطراري المشعر النهاري خاصة، نعم في خصوص المصدود و المحصور لأجل النصوص الخاصة يحكم بالاجزاء مطلقا.

لكن هذا الجمع انما يتمّ مع الغضّ عما دلت عليه رواية عبد اللّه بن المغيرة التي تقدّم ذكرها في الطائفة الاولى من الاخبار- و اما مع ملاحظتها فلا يتم أصلا، لأن المستفاد منها انه لم يدرك الموقفين و انما أدرك اضطراري المشعر النّهاري خاصة، حيث قال فيها: «جائنا رجل بمنى فقال: اني لم أدرك الناس بالموقفين جميعا الى ان قال: فدخل إسحاق بن عمّار على ابى الحسن عليه السّلام فسأله عن ذلك؟ فقال: إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل ان تزول الشمس يوم النّحر فقد أدرك الحج».

لكن يمكن ان يقال بعدم ارتباط هذا الحديث

بما دل على اجزاء اضطراري المشعر النّهاري فقط لإدراكه اضطراري عرفة و مشعر، فيدل على الاجزاء في خصوص هذه الصّورة و هذا بعينه حديث العطّار المتقدّم لدلالته على انه أدرك اضطراري عرفة و اضطراري المشعر لانه لو لم يدرك ذلك ايضا لم يصدق انه لم يجد النّاس فيه.

لكن يمكن المناقشة في دلالة هذا الحديث على كفاية ادراك الاضطراريين

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 24 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 69

..........

لاحتمال كون المقصود من درك المشعر دركه قبل طلوع الشمس بان كان الناس قد أفاضوا قبل طلوع الشمس فاتى المشعر بعده و قد أفاض الناس فعليه ليس له ظهور معتدّ به في انه أدرك الوقوف بعد طلوع الشمس، فلا ربط له بالمقام، لإدراكه اضطراري عرفات و اختياري المشعر، و لكنه بعد يحتاج إلى التأمل، لشموله الاضطراري أيضا بمقتضى إطلاقه، فتدبر.

و كيف كان فعلى فرض تماميّة المناقشة فيه كفانا في الجمع المذكور رواية المغيرة المستفاد منها ادراك الاضطراريّين.

اللهم الا ان يقال: ان رواية المغيرة- المتقدمة- لا تنفي صحة الحج في فرض ادراك اضطراري المشعر النّهارى فقط حتى يقيّد بها الطّائفة الأولى الدّالة على الاجزاء مطلقا و القول باختصاص الحكم بالاجزاء في خصوص درك الاضطراريين، لكون دليليهما مثبتين، و لا يقيّد أحدهما بالآخر فتأمل.

ثم ان ما توهم بعض من ان الطّائفة الثانية أرجح من الاولى فلا يمكن المساعدة عليه، لعدم كون الطّائفة الأولى نادرة و قاصرة الدّلالة.

و اما فتوى المشهور و ان كان مطابقا للطائفة الثّانية الدّالة على عدم الاجزاء الا ان القول بالخلاف ليس مما لا يعتنى به.

و كيف كان فإذا أمكن الجمع بينها بما ذكرناه أو بغيره فهو، و الا

فالمرجع التخيير أو التّعارض و التّساقط و الرجوع الى الأصلي العملي، كل على مبناه في باب تعارض الرّوايات.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 70

..........

ثم انه ينبغي التّنبيه على أمر: و هو انه لا يشترط في اضطراري المشعر النهاري ان يدرك المشعر و عليه خمسة من النّاس. و أمّا ما رواه احمد بن محمد بن عيسى عن ابى فضال عن عبد اللّه بن المغيرة عن إسحاق بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: «من أدرك المشعر الحرام و عليه خمس من الناس قبل ان تزول الشمس فقد أدرك الحجّ» «1» و رواه الصدوق بإسناده عن عبد اللّه بن المغيرة و رواه أيضا بإسناده عن إسحاق بن عمار الا انه ترك قوله: «و عليه خمس من الناس» ففيه ما لا يخفى، لكون نسخته مختلفة.

و اما ما رواه احمد بن محمد عن بن ابى عمير عن هشام بن الحكم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: «من أدرك المشعر الحرام و عليه خمسة من النّاس فقد أدرك الحجّ» «2» و رواه الصدوق بإسناده عن بن ابى عمير مثله الا انه قال: «على خمسة من الناس» فلانه كما ترى ليس في ذكر عنوان ما بعد طلوع الشمس فلعله ناظر الى ما قبله فعليه يكون ناظرا الى الوقت الاختياري و لعل نظره من قوله: «و عليه خمسة من الناس» هو كون خمسة من الناس علامة على بقاء الوقت فتأمل.

بيان الصّور المركّبة من الوقوف و اما الصور المركبة من الوقوف فنقول:

اما الأولى- و هي ان يدرك الاختياريين (اختياري عرفة و اختياري المشعر)

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الوقوف الحديث 11

(2) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب

الوقوف الحديث 10

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 71

..........

درك الحج به ضروري و لا ينبغي الكلام فيه.

و اما الصورة الثانية- و هي ان يدرك الاضطراريين اعني اضطراري عرفات و اضطراري المشعر النهارى قال في المستند: «و الأقوى صحة الحج وفاقا للشيخ و الصدوق و السيد و الإسكافي و الحلبيين و المحقق و أكثر كتب الفاضل و أكثر المتأخرين بل الأكثر مطلقا كما قيل. إلخ» و استدل بحديث الحسن العطار المتقدم، لقوله عليه السّلام: «إذا أدرك الحاج عرفات قبل طلوع الفجر فاقبل من عرفات و لم يدرك الناس بجمع و وجدهم قد أفاضوا فليقف قليلا بالمشعر الحرام و ليلحق الناس بمنى و لا شي ء عليه» «1».

و لكن يمكن المناقشة بأنه يحتمل ان يكون المراد من قوله عليه السّلام: «و لم يدرك الناس بجمع و وجدهم قد أفاضوا» هو إفاضة الناس قبل طلوع الشمس و أدرك المشعر قبل طلوع الشمس لعدم لزوم بقائهم إلى طلوع الشمس، فعليه أدرك هذا الشخص اختياري المشعر الذي هو من طلوع الفجر الى طلوع الشمس لا اضطرارية الذي يكون من طلوع الشمس الى الزوال، فيخرج عن المحل المفروض و هو ما إذا أدرك اضطراري المشعر النهاري و اضطراري عرفة، و على فرض عدم تمامية ما ذكر ليس له ظهور معتد به في إدراكه المشعر بعد طلوع الشمس، كما لا يخفى.

و يمكن الاستدلال لذلك برواية المغيرة- التي تقدمت ذكرها- قال: فيها جائنا رجل بمنى فقال: اني لم أدرك الناس بالموقفين جميعا. الى ان قال: فدخل إسحاق بن عمار الى ابى الحسن عليه السّلام فسأله عن ذلك فقال: إذا أدرك مزدلفة فوقف

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 24 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

كتاب

الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 72

..........

بها قبل ان تزول الشمس يوم النحر فقد أدرك الحج «1».

و اما العمومات المتقدّمة في صدر المبحث المتضمنة لان من لم يدرك الناس بمشعر قبل طلوع الشمس من يوم النّحر فلا حجّ له الشّاملة بعمومها لمحل النزاع، فتقيّد برواية المغيرة فيحكم بعدم الاجزاء مع دركه اضطراريّ المشعر إذا لم يدرك معه اضطراري عرفة فتدبر.

و مما ذكرنا ظهر لك ما في كلام صاحب المستند «قدّس سرّه» في هذا المقام، حيث قال بعد ما استدل على كفاية الاضطراريين بصحيحة العطّار: «و اما العمومات المتضمنة لان من لم يدرك الناس بمشعر قبل طلوع الشّمس من يوم النّحر فلا حج له الشّاملة بعمومها لمحل النّزاع. فإنها معارضة لمثلها من العمومات القائلة بان من أدرك المشعر قبل زوال الشّمس من يوم النّحر فقد أدرك الحج، و تقييد الأخيرة بمن أدرك اختياري عرفة ليس بأولى من تقييد الاولى بمن لم يدرك عرفة مطلقا و لو اضطراريها بل الأخيرة أولى بوجوه كثيرة منها شهادة صحيحة العطّار له. إلخ» و اما الصورة الثالثة- و هي ان يدرك اختياري عرفات مع ليلي المشعر فبناء على كون الوقوف اللّيلي بالمشعر داخلا في الوقوف الاختياري، فلا ينبغي الارتياب في صحّة الحجّ، لإدراكه الاختياريين حينئذ و درك الحج به ضروريّ، و الا فبناء على القول بأن اختياري عرفات بنفسه مجز، فأيضا لا إشكال في الصحّة. و قد تقدّم الكلام عنه في الصّورة الاولى من الصّور البسيطة من الوقوف و من أراد الوقوف عليها فليراجعها.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 73

..........

و اما بناء على عدم كفايته فيشكل الحكم بالاجزاء، فتدبّر.

و اما الصّورة

الرابعة- و هي ان يدرك اضطراري عرفة مع ليلي المشعر هذه الصورة غير مجز إلا إذا قلنا بان الوقوف الليلي للمشعر داخل في الوقوف الاختياري فعليه يحكم بالاجزاء لما دلّ على انّ من أدرك جمعا فقد أدرك الحجّ.

و اما الصّورة الخامسة- و هي ان يدرك اختياري عرفات مع نهاريّ المشعر قد ادّعى الاتفاق على صحّة الحجّ كما عن المنتهى و التّذكرة و في التّنقيح و غيره بلا خلاف فيه يمكن الاستدلال على ذلك بصحيح معاوية بن عمّار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: «من أفاض من عرفات إلى منى فليرجع و ليأت جمعا و ليقف بها و ان كان قد وجد النّاس قد أفاضوا من جمع «1» الا ان يناقش فيه بأنه من المحتمل ان يكون المراد من قوله عليه السّلام:

«فليرجع و ليأت جمعا و ليقف بها. إلخ» هو الرّجوع قبل طلوع الشمس كي يدرك اختياري المشعر لا بعده بان كانت إفاضته قبل طلوع الشّمس فوجدهم قد أفاضوا.

لا يمكن الاستدلال على الصّحة بما رواه محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن ابن فضال عن يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل أفاض من عرفات فمرّ بالمشعر فلم يقف حتى انتهى الى منى فرمى الجمرة و لم يعلم حتى ارتفع النهار قال: يرجع الى المشعر فيقف به ثم يرجع و يرمي الجمرة «2». ضرورة: ان المفروض فيه هو مروره بالمشعر فقد أدرك الوقوف اللّيلي هذا بناء على كونه داخلا في الوقوف الاختياري.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 21 من أبواب الوقوف بالمشعر، الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 21 من أبواب الوقوف بالمشعر، الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 74

[الرابعة) من فاته الحج تحلل بعمرة مفردة ثم يقضيه ان كان واجبا]

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 4، ص: 74

(الرابعة) من فاته الحج تحلل بعمرة مفردة ثم يقضيه ان كان واجبا على الصفة التي وجبت تمتعا أو قرانا أو افرادا (1)

و كيف كان فقد مر أن إدراك اضطراريين يوجب الإجزاء ففي مفروض المقام يجزي بالأولوية القطعية فتدبر.

و اما الصورة السادسة- و هي ان يدرك اضطراري عرفات مع اختياري المشعر لا ينبغي الإشكال في الاجزاء لما عرفت من دلالة الاخبار على الاجزاء إذا أدرك اختياري المشعر فقط فتدبر.

(1) بلا خلاف فيه بل في المنتهى الإجماع عليه و يدل عليه قوله عليه السّلام صحيح معاوية بن عمار. أيما حاج سائق للهدي أو مفرد للحجّ أو متمتع بالعمرة إلى الحج قدم و قد فاته الحج فليجعلها عمرة و عليه الحج من قابل «1» و رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن صفوان بن يحيى و ابن ابى عمير عن معاوية بن عمار نحوه الا انه قال: «و ليحّل بعمرة». و يدل على ما افاده المصنف ايضا قوله عليه السّلام في صحيح حريز. (فان طلعت الشمس يوم النحر فليس له حج و يجعلها عمرة و عليه الحج من قابل.) «2» و نحوهما غيرهما من الاخبار المأثورة عنهم عليهم السّلام التي وصلت الى حد الاستفاضة ان لم يكن متواترة و لذا قطع في ير:

«بأنه لو أراد البقاء على إحرامه إلى القابل ليحج به لم يجز» و استظهره في محكي التّذكرة و جعله الشّهيد أشبه.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

(2)

الوسائل ج 2 الباب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 75

..........

قال في الجواهر: «لم أجد فيه خلافا بيننا. نعم، يحكى عن مالك جوازه و ستسمع ما عن ابني حمزة و البراج مع عدم الاشتراط و حينئذ فلا محلل له الا الإتيان بها فلو بقي على إحرامه و رجع الى بلاده و عاد قبل التحلل لم يحتج إلى إحرام مستأنف من الميقات و ان بعد العهد، فيجب عليه إكمال العمرة أولا ثم يأتي بما يريد من النسك حتى لو كان فرضه التمتع وجب عليه الخروج الى أحد المواقيت للعمرة فإن تعذر فمن أدنى الحل كما في حكم من لم يتعمد مجاوزة الميقات و لو صد عن الرجوع من بلاده لإتمام العمرة كان له حكم المصدود عن إكمالها من التحلل بالذبح و التقصير في بلاده كما ستعرف ان شاء اللّه. إلخ» ثم ان تنقيح البحث يتوقّف على ذكر جهات: الاولى- انه هل يجب عليه نية الاعتمار بمعنى قلب إحرامه السابق إليه بالنية أولا، لصيرورته عمرة قهرا فينقلب إحرامه السابق إليها ثم يأتي بباقي أفعالها؟ ظاهر بعض الاخبار المتقدمة من جهة تضمنها، لقوله عليه السّلام «فهي عمرة مفردة». كما في خبر محمد ابن فضيل الذي تقدم ذكره «1» في الأخبار الدّالة على عدم إجزاء ادراك اضطراري المشعر النهاري خاصة. و قوله عليه السّلام في خبر إسحاق بن عمار: «فإذا طلعت الشمس فليس له حج، فقلت له كيف يصنع بإحرامه؟ قال: يأتي مكّة فيطوف و يسعى بين الصفا و المروة. إلخ «2» و قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار «. يقيم مع الناس

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب

الوقوف بالمشعر الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 76

..........

حراما أيام التشريق و لا عمرة فيها فإذا انقضت طاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة و أحل و عليه الحج من قابل «1» و قوله عليه السّلام في صحيح ضريس يقيم على إحرامه و يقطع التلبية حتى يدخل مكة فيطوف و يسعى بين الصفا و المروة و ينصرف إلى اهله ان شاء «2» عدم وجوب قلب إحرامه السابق الى الاعتمار بالنية، لانقلاب إحرامه عمرة قهرا.

من غير توقف على نية الاعتمار، فلو اتى بأفعالها من غير نية العمرة لكفى حيث انه ترى دلالتها على وجوب الإتيان بأفعال العمرة على من فاته الحج من غير تعرض لنقل النية فلا تكون معتبرة كما نقله في الذخيرة عن موضع من القواعد و عن الدروس و اختاره هو لما ذكر.

و لا ينافي ذلك قوله عليه السلام في صحيحة معاوية بن عمار المتقدم «فليجعلها عمرة» لإمكان القول بان المفهوم من هذا، الإتيان بأفعالها لا نيتها كذلك.

و لكن عن التحرير و المنتهى اعتبار النيّة، للأصل و قوله: «إنما الأعمال بالنيّات» و عدم وضوح دلالة نحو قوله عليه السّلام: «فهي عمرة و يطوف و يسعى» على الانقلاب القهري، لجواز ان يكون المعنى فالواجب عليه هذه الأمور و أفعاله التي يجب عليه الإتيان بها أفعال العمرة» و لكن كلها لا يخلو من المناقشة و الاشكال.

أما الأصل: ففيه ما لا يخفى.

و اما قوله: «إنما الأعمال بالنيّات» فقال في الجواهر: «و كون الأعمال بالنيّات مع انه بالنسبة إلى نيّة القربة انما يقتضي ابتدائه بها لا اعتبارها فيما يتفق له

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب

27 من أبواب الوقوف بالمشعر، الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر، الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 77

..........

من الأحكام على انه إذا كان متمتّعا فقد نوى العمرة الا انه فاته الحج فاتصفت عمرته بالإفراد قهرا نحو صلاة الجماعة التي مات الإمام في أثنائها على ان الإحرام السابق لا تؤثر فيه النيّة اللّاحقة فليس هو حينئذ إلا حكما شرعيا، و لعله لذا مال اليه بعض، و لكن مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط في نيّة العدول. إلخ» و لكن اختار صاحب المستند القول الثاني حيث قال في ذيل المبحث: «و لكن الإنصاف ان المتبادر من الجعل عمرة النقل إليها بالاختيار اما بالقصد أو بأمر اختياري مشعور به و هو ايضا لا ينفكّ عن قصدها و الا لم يكن جعلا منه و هو ظاهر فالحق هو القول الثّاني».

الثّانية- ان هذه العمرة صارت واجبة بالفوات فلا يجزى عن عمرة الإسلام كما صرّح به في الدّروس و غيرها بل هو ظاهر غيرهم ايضا بل يمكن دعوى ظهور النّصوص فيه.

الثالثة- ان مقتضى قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمّار المتقدم: «. فليجعلها عمرة و عليه الحجّ من قابل.» وجوب الحج على من فاته الحجّ في العام القابل مطلقا سواء استقرّ عليه الحجّ أولا و لكن لا يمكن الالتزام به بعد أعراض المشهور عنه حيث انهم حكموا بوجوب الحجّ عليه في العام القابل إذا كان الحجّ مستقرا عليه و الا فحكموا بالاستحباب و في الذخيرة: «انه لا اعرف خلافا بين الأصحاب في ذلك» و نحوه غيره.

لكن في تهذيب الشيخ «قدّس سرّه»: «ان من اشترط في حال الإحرام يسقط

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص:

78

[الخامسة) من فاته الحج سقطت]

(الخامسة) من فاته الحج سقطت عنه أفعاله (1)

عنه القضاء و ان لم يشترط وجب» مستدلا عليه بصحيح ضريس بن أعين قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل خرج متمتعا بالعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكّة إلا يوم النّحر؟

فقال: يقيم على إحرامه و بقطع التّلبية حين يدخل مكة فيطوف و يسعى بين الصفا و المروة و يحلق رأسه و في الفقيه: و يذبح شاته و ينصرف إلى اهله ان شاء و قال: هذا لمن اشترط على ربه عند إحرامه فان لم يكن اشترط فعليه الحجّ من قابل «1» و هذا مما لا يمكن المساعدة عليه بعد ذهاب المشهور الى عدم وجوب الحجّ في العام القابل على من فاته الحج ان كان ندبا و ان لم يشترط، و وجوبه إذا كان واجبا (اي مستقرا) و ان اشترط فعليه يمكن حمله على شدّة استحباب الإتيان به في العام القابل إذا لم يشترط و كان مندوبا أو غير مستقر الوجوب و لا مستمرة و يمكن حمله على ما أفاده ابني حمزة و البراج من جعل فائدة الاشتراط جوازا للتّحلّل فيكون المراد حينئذ ان عليه البقاء على إحرامه الى ان يأتي بالحج من قابل ان لم يشترط و الا جاز له التّحلّل، و لكن لا يخفى ما في هذين الحملين من المناقشة و الاشكال:

اما في الأوّل- فواضح. و اما في الثّاني- فلأنه مناف لظاهر النصوص المتقدمة الآمرة بجعله عمرة، فتدبر.

(1) انه لا ينبغي الاشكال ان من فاته الحجّ يسقط عنه أفعاله و في الجواهر: «بلا خلاف معتد به أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه إلخ.» و يدل على ذلك ما تقدّم من الاخبار الآمرة بجعلها عمرة.

______________________________

(1) ذكره

صاحب الجواهر و في الوسائل ج 2 الباب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 79

..........

و لكن ذهب بعض من الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) إلى وجوب الهدى عليه قياسا على المحصر. (و فيه) ما لا يخفى.

أما أولا- فلكونه قياسا مع الفارق، فلا يمكن التعدي عن المورد الى مفروض المقام.

و اما ثانيا- فيدل على خلافه صحيح ضريس المتقدّم على ما في الفقيه.

و اما ذكر الشاة فيه و إضافته إليه- كما ذكره صاحب الجواهر- (قدس سره) يشعر بأنه كانت معه شاة عينها للهدي بنذر و نحوه مع احتماله النّدب و لكنه لا يخلو من تأمل و العمدة إعراض الأصحاب عن العمل به الموجب لخروجه عن حيّز دليل الاعتبار و اما ما ورد في خبر داود بن كثير الرّقي قال: كنت مع ابى عبد اللّه عليه السّلام إذ دخل عليه رجل فقال: قدم اليوم قوم قد فاتهم الحج؟ فقال: نسأل اللّه العافية، قال: ارى عليهم ان يهريق كل واحد منهم دم شاة و يحلّون «يحلق» و عليهم الحج من قابل ان انصرفوا الى بلادهم و ان أقاموا حتى تمضي أيام التشريق بمكة ثم خرجوا الى بعض مواقيت أهل مكة فأحرموا منه و اعتمروا فليس عليهم الحج من قابل «1» ففيه:

أولا- انه ضعيف سندا.

و ثانيا- على فرض تماميّته من حيث السّند لا عبرة به، لإعراض الأصحاب عنه الموجب لخروجه عن حيّز دليل الحجّية و الاعتبار.

و ثالثا- بعد الغضّ عمّا ذكر يحمل على التقية، لأن وجوب الحج على فائت

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 80

..........

الحج محكي عن الشافعي و أكثر العامّة، كما

ان ما فيه من وجوب الحج في العام القابل محكيّ عن ابن عباس و ابن الزّبير و مروان و أصحاب الرأي ان كان الحج مندوبا، و قد عرفت ان الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» لم يلتزموا به فلا يمكن الاعتماد عليه.

و في كشف اللثام على ما حكاه صاحب الجواهر (قدس سره): «فليحمل على انهم كانوا مصدودين أم محصورين فان عليهم حينئذ هدي التّحلل و معنى قوله عليه السّلام:

«و عليهم الحجّ. إلخ» انهم ان استطاعوا ان يرجعوا الى بلادهم ثم يعودوا كان عليهم الحجّ من قابل و الا لم يكن عليهم إلا عمرة فليعتمروا ثم يرجعوا الى بلادهم أو على انهم لم يجب عليهم الحجّ كما فعله الشّيخ «قدّس سرّه» و يمكن ان يكونوا قد أحرموا بعمرة أو لا يكونوا أحرموا بعمرة و لا حجّ، لما علموا انهم لا يدركون الموقف فكان يستحب لهم ذبح شاة و الحلق تشبيها بالحّاج فان كانوا أحرموا بحج فبعد الانتقال إلى العمرة و الإتيان بمناسكها و ان كانوا أحرموا بعمرة فبعد الإتيان بمناسكها و الا فعلوا ذلك ابتداء. ثم ان وافقوا الحاج فأقاموا و لم ينصرفوا الى بلادهم ثم أتوا بعمرة من أحد مواقيت أهل مكّة فلا يتأكّد عليهم الرّجوع في القابل و الإتيان فيه بالحجّ، فهذه العمرة تكفيهم و هي عمرة ثانية ان كانوا قد قدموا محرمين، و الا فلا، و ان لم يقيموا أيام التّشريق و عجّلوا الانصراف الى بلادهم تأكّد عليهم الإتيان في القابل يحجّ. الى ان قال صاحب الجواهر: و ان كان هو كما ترى نحو المحكي عن الشّيخ من جمله على خصوص من اشترط، و ما عن الفاضل من انّ وجوب العود عليهم مع كون

الحجّ مندوبا، للإتيان بأفعال العمرة الّتي تركوها أو غير ذلك من المحامل البعيدة الّتي هي خير من الطّرح

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 81

و يستحب له الإقامة بمنى الى انقضاء أيام التشريق ثم يأتي بأفعال العمرة الّتي يتحلّل بها (1)

الذي لا بأس بالتزامه مع فرض تعذرها اجمع بعد منافاته لغيره و الاعراض عنه، فإنه لم نعرف القائل به بخصوصه بالنسبة إلى وجوب فيها. نعم، في دروس: أوجب الهدى على بن بابويه و ابنه على المتمتّع بالعمرة يفوته الموقفان العمرة و دم شاة و لا شي ء على المفرد سوى العمرة، و لا ريب في ضعفه و ان كان هو الأصل انتهى».

الخامسة- لا شبهة في اعتبار طواف النّساء في عمرة الإسلام المفردة، اما هذه العمرة فلم يتعرض أحد من الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) بلزوم اعتباره فيها، كما انه لم يتعرّض ذلك الأخبار الواردة في المقام، بل ظاهر النّصوص المتعرّضة لافعالها هو عدم اعتباره فيها، فتدبر.

(1) لا ينبغي الإشكال في استحباب الإقامة لمن فاته الحج بمنى الي انقضاء أيام التشريق ثم الإتيان بأفعال العمرة، و يدل عليه صحيح معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل جاء حاجا ففاته الحج و لم يكن طاف؟ قال: يقيم مع الناس حراما أيام التشريق و لا عمرة فيها فإذا انقضت طاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة و أحل و عليه الحج من قابل و يحرم من حيث أحرم «1».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 82

[خاتمة- ما يستحب في المشعر الحرام]
اشارة

خاتمة- ما يستحب في المشعر الحرام

[إذا ورد المشعر استحب له التقاط الحصى منه]
اشارة

إذا ورد المشعر استحب له التقاط الحصى منه، و هو سبعون حصاة و لو أخذه من غيره جاز لكن من الحرم عدا المساجد و قيل عدا المسجد الحرام و مسجد الخيف (1)

(1) هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قديما و حديثا.

بل في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه، بل عن ظاهر التّذكرة و المنتهى: الإجماع عليه. إلخ» و يدل عليه- مضافا الى اتفاق الأصحاب- صحيح معاوية بن عمار قال: (خذ حصى الجمار من جمع. و ان أخذته من رحلك بمنى أجزأك) «1» و ما رواه مثنى الحناط عن زرارة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الحصى الّتي يرمى بها الجمار؟ فقال: تؤخذ من جمع، و تؤخذ بعد ذلك من منى «2».

ينبغي هنا التنبيه على أمور: الأول- ان مقتضى قوله عليه السّلام في حديث زرارة: «و تؤخذ بعد ذلك من منى» هو استحباب أخذها من منى بعد المشعر على ما في الجواهر.

الثاني- ان ما افاده المصنف «قدّس سرّه» بقوله: «و هو سبعون حصاة» فستعرف تفصيلها، و لكن لو زاد على ذلك احتياطا حذرا من سقوط بعضها أو عدم اصابته كان اولى.

الثالث- ان مقتضى الخبرين المتقدمين و غيرهما هو جواز أخذ الحصى من غير المشعر و هو المعروف بين الأصحاب، و قد نفى عنه الخلاف، و من هنا يظهر ضعف

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 83

..........

القول بعدم جواز الأخذ من وادي محسر و ضعف ما عن «هي»: «من انه لو رمى بحصاة محسّر

كره له ذلك و هل يكون مجزيا أم لا؟ فيه تردّد أقربه الإجزاء عملا بالعموم».

الرابع- انه يجوز أخذ الحصى من غير المشعر، الا انه يجب ان يكون من الحرم من ايّ جهات شاء، فلا يجوز له ان يأخذه من غيره، و هذا مما لا ينبغي الكلام و الاشكال فيه، و يدلّ عليه- مضافا الى اتفاق الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) ما رواه محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن ابى عمير عن جميل عن زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: حصى الجمار ان أخذته من الحرم أجزأك و ان أخذته من غير الحرم لم يجزئك. «1» و ما رواه محمد بن احمد عن محمد بن عيسى عن يس الضرير عن حريز عمن أخبره عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته من أين ينبغي أخذ حصى الجمار؟ قال: لا تؤخذ من موضعين من خارج الحرم و من حصى الجمار و لا بأس بأخذه من سائر الحرم «2».

الخامس- انه عرفت مقتضى الأخبار الواردة في المقام هو جواز أخذ الحصى من الحرم من أيّ جهة شاء، و لكن يستثني من ذلك المسجد الحرام و مسجد الخيف فلا يجوز أخذ الحصى منهما، و يدل عليه ما رواه محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن محمد بن إسماعيل عن حنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: يجوز أخذ حصى الجمار من جميع الحرم الا من المسجد الحرام و مسجد الخيف «3» و ما رواه علي بن الحسين بإسناده

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 19 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 19 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3

(3)

الوسائل ج 2 الباب 19 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 84

..........

عن حنان بن سدير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: يجزيك ان تأخذ حصى الجمار من الحرم كله الا المسجد الحرام و مسجد الخيف «1».

السادس- انه لم يستثن القدماء على ما ذكره الشهيد الأول في الدروس من الحكم المزبور- و هو جواز أخذ الحصى من جميع الحرم- سوى المسجدين بل في المختلف- على ما حكاه صاحب المستند «قدس سره»- التصريح بالجواز عن غيرهما عن الصدوق و الشيخ و الحلبي و الحلّي و ابن حمزة، بل ظاهر التّذكرة و المنتهى الإجماع عليه، و ان كان فيهما بعد ذلك الإجماع نسبة التعدّي إلى سائر المساجد الى بعض علمائنا و لكن استثنى جماعة من الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» سائر المساجد ايضا، منهم المصنف «قدس سره» و العلامة في القواعد و لكن لم يذكروا دليلا على ذلك.

يمكن ان يكون وجه ذلك دعوى انه ذكر المسجدين فقط من باب المثال و لا خصوصية فيهما و انما ذكرا لأنهما الفرد المتعارف.

و لكن فيه ما لا يخفى، لان مورد الأخبار المتقدمة هو المسجد الحرام و مسجد الخيف و مع احتمال دخل خصوصيّة المورد في الحكم لا وجه للتعدي إلى غيره.

ان قلت يمكن التّعدي من المورد- و هو المسجد الحرام و مسجد الخيف- الى غيره- و هو سائر المساجد- بوحدة المناط أو بغلبة اشتراك المساجد في الأحكام لندرة الأحكام المختصّة بكل منها فإذا شكّ ان الحكم الكذائي مختص بالمسجد الحرام

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 19 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 85

..........

أو مشترك بينه و بين غيره فيلحق المشكوك

بالأعمّ الأغلب، في كليهما ما لا يخفى:

اما في الأول- فلما تقدم غير مرّة: من ان المعتبر منه هو القطعي و هو غير حاصل في الشرعيات، و غاية ما يحصل منه في المقام هو الظن بالحكم، و من المعلوم انه لا يغني من الحق شيئا، لعدم دليل على اعتباره، فلا يخرج هذا الوجه عن كونه قياسا باطلا عندنا، لاحتمال خصوصية للمسجد الحرام و مسجد الخيف دون غيرهما، و لا دافع لهذا الاحتمال الا فهم المثالية من ذكرهما، بدعوى: ظهوره فيها و لكنها غير مسموعة، لكون الظاهر على خلافها، فتدبر.

و اما في الثاني- فلعدم الدّليل على اعتبار الظن الحاصل من الغلبة في الشّرعيّات و نفس الشّك في اعتباره كاف في عدم جواز ترتيب آثار الحجّة عليه.

و كيف كان فتنقيح هذه المسألة- و هي جواز إخراج حصى المساجد منها و عدمه- مبتن على النهي عن إخراج حصى المساجد و عدمه، فيحرم على الأول، دون الثاني.

قال في الجواهر: «. قيل: (ان إخراج الحصى من المساجد منهي عنه و هو يقتضي الفساد) و ان كان فيه: أولا: ان الذي تقدم سابقا في أحكامها كراهة الإخراج و ثانيا- ان حرمة الإخراج لا تقتضي حرمة الرمي الا على مسألة الضد، إذا قلنا بوجوب المبادرة إلى العود المنافي له، كما ان وجوب عودها إليها أو الى غيرها من المساجد لا ينافيه الرمي المقتضي لالتباسها بغيرها لولا إمكان تعليمها بما لا تشتبه به، فالعمدة حينئذ ما عرفت).

السادس- ان المراد بحصى الحرم- كما هو المتبادر- هو المتكون فيه أو لم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 86

[واجبات الرّمي]

واجبات الرّمي و يجب فيه شروط ثلاثة: ان يكون مما يسمى حجرا (1)

يعلم نقله اليه من غيره، فلا

يكفي ما علم انه نقل اليه من غيره فتأمل.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) بل في الجواهر: «عند علمائنا في محكي كرة و هي و الانتصار بل في الأخير صريح الإجماع و لكن الموجود في النصوص و الفتاوى الحصى و الحصيات، بل قد سمعت ما في حسن زرارة من النهي عن رمي الجمار الا بالحصى، و من هنا قال في المدارك: «الأجود تعين الرمي بما يسمى حصاة، فلا يجزى الرمي بالحجر الكبير الذي لا يسمى حصاة، خلافا للدروس و كذا الصّغير جدّا بحيث لا يقع عليه اسم الحصاة، و سبقه الى ذلك جده، قال «احترز باشتراط تسميتها حجرا على نحو الجواهر و الكحل و الزرنيخ و العقيق، فإنها لا تجزى، خلافا للخلاف، و يدخل فيه الحجر الكبير الذي لا يسمى حصاة عرفا، و ممن اختار جواز الرمي به في الدروس و يشكل بأن الأوامر الواردة إنما دلت على الحصاة. إلخ» لا ينبغي الإشكال في انه يجب ان يكون مما يصدق عليه الحصى، وفاقا للأكثر لأن المأمور به فما افاده المصنف (قدس سره) بقوله: «ان يكون مما يسمى حجرا» على إطلاقه لا يستقيم، و لكن يمكن ان يكون مراده جنس الحصى لا الاجتزاء بمطلق الحجر، و مما يؤيد ذلك ما ذكره في صدر المبحث بقوله: «إذا ورد المشعر استحب له التقاط الحصى منه» فتدبر.

و كيف كان فلا يجوز بغير الحجر- كالمدر و الآجر و الزرنيخ و الذهب و الفضة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 87

و من الحرم (1) و أبكارا (2)

و نحو ذلك- خلافا للمحكي عن أبي حنيفة من الجواز بالحجر و بما كان من نفس الأرض- كالطين و المدر و

الكحل و الزرنيخ- و عن أهل الظاهر: من الجواز بكل شي ء- حتى لو رمى بالخزف و العصافير الميتة أجزأ- فتدبر.

(1) وجوب كون الحصى من الحرم مما لا ينبغي الإشكال فيه، و هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و يدل عليه قوله عليه السّلام في مرسل حريز:

«لا تأخذه من موضعين، من خارج الحرم من حصى الجمار» «1».

ان قلت: انه ضعيف سندا، لإرساله.

قلت: انه و ان كان ضعيفا سندا، الا انه منجبر بعمل الأصحاب، فلا يصغي الى المناقشة فيه بضعف السند بعد الانجبار الموجب للاطمئنان بصدور الحكم عن المعصوم عليه السلام الذي هو مناط الحجية و الاعتبار. مضافا الى حسن زرارة أو صحيحة المتقدم الى غير ذلك من الاخبار المأثورة عنهم (عليهم السلام).

(2) وجوب كون الحصى أبكارا مما لا شبهة فيه، و قد نفى عنه الخلاف و ادعى عليه الإجماع، و يدل عليه- مضافا الى اتفاق الأصحاب- مرسل حريز المتقدم، و خبر الأعلى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام «في حديث» قال: لا تأخذ من حصى الجمار «2».

و رواه الصدوق (قدس سره) مرسلا، الا انه قال: «لا تأخذ من حصى الجمار الذي رمى».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 88

[مستحبّات الرّمي]

مستحبّات الرّمي و يستحب ان يكون برشاء [1] رخوة، بقدر الأنملة، كحلّية منقّطة، ملتقطة (1)

ينبغي هنا ذكر أمور: الأول- ان المراد من كون الحصى أبكارا: لم يرم بها رميا صحيحا، فلو رمى بها بغير نيّة، أو لم يصب الجمرة و نحو ذلك جاز الرّمي بها ثانيا، و لم يخرج من كونها بكرا».

الثاني-

انه عرفت انجبار ضعف سند مدرك الحكم بعمل الأصحاب، (رضوان اللّه تعالى عليهم) فلا يبقى مجال للمناقشة في مدرك الحكم المزبور.

الثالث- انه هل يشترط طهارة الحصى أولا؟ فيه قولان- كما في الذّخيرة، على ما حكاه صاحب المستند (قدس سره)- أقربهما العدم، وفاقا للأكثر، لعدم دليل معتبر عليه.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب و الظاهر انه المتسالم عليه فيما بينهم.

______________________________

[1] و المراد من كلمة (برشاء) ان يكون في الحصى نقط يخالف لونه، كما نسب الى المشهور و لكن أقوال أرباب اللغة فيها مختلفة: حكى عن الجوهري ما نسب الى المشهور و هو: «ان فيه نقط يخالف لونه».

و حكى عن ابن فارس: انه خصوص نقط بيض.

و حكى عن النّهاية هو ما فيه لون مختلط حمرة و بياضا و غيرهما.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 89

..........

اما استحباب كون الحصى برشاء و رخوة فاستدل له بحسن هشام بن الحكم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في حصى الجمار؟ قال: كره الصم منها و قال عليه السّلام خذ البرش «1».

و اما استحباب كون الحصى منقّطة و مثل إلا نملة، و كحلية، فاستدل بما رواه البزنطي عن ابى الحسن عليه السّلام قال: حصى الجمار تكون مثل الأنملة، و لا تأخذها سوداء و لا بيضاء، و لا حمراء خذها كحلية منقطة «2».

و اما استحباب كون الحصى ملتقطة فاستدل له بما رواه ابى بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: التقط الحصى و لا تكسّرن منه شيئا «3».

لا يخفى: انّ ظاهر هذه الاخبار- كما ترى- هو وجوب كون الحصى برشاء و غيره من العناوين التي تضمّنها الأخبار الواردة في المقام، الا ان تسالم الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» على عدم الوجوب

قرينة على رفع اليد عن هذا الظّهور، و اما الاستحباب فلا موجب لرفع اليد عنه، فتدبر.

______________________________

و حكى عن المحيط: هو مختلط بحمرة.

عن تهذيب اللغة: هو ما فيه ألوان و خلط.

و لا يخفى انه على التفسير الأول يكون مساويا للمنقطة، فتغنى عنها و لعله لذلك اقتصر الشّيخ في النّهاية و التّهذيب و الجمل على البرش و على الثاني: يكون اخصا منها، و على البواقي يكون أعما و المراد من كلمة: «ملتقطة» ان يكون كل واحدة مأخوذة من الأرض منفصلة و لا تكون مكسورة من حجر.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 20 من أبواب الوقوف بالمشعر، الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 20 من أبواب الوقوف بالمشعر، الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 20 من أبواب الوقوف بالمشعر، الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 90

و يكره ان يكون صلبة (1) أو مكسرة (2)

و يستحب لمن عدا الإمام الإفاضة قبل طلوع الشمس بقليل (3)

ينبغي هنا التّنبيه على أمر: و هو انه يحكم باستحباب كون الحصى واجدا للعناوين المذكورة بناء على تمامية أحاديث المتقدّمة من حيث السّند، و الا فلا يمكن الحكم باستحباب ما تقدم بقاعدة التسامح في أدلة السنن المستفادة من اخبار: «من بلغ»، لما ذكرناه غير مرّة من عدم إمكان استفادة الحكم منها، لأن غاية ما تدل عليه- بعد البناء على عدم إجمالها- هو ترتب الثّواب على العمل الموعود عليه ذلك، فتدبر.

(1) لا ينبغي الإشكال في ذلك. و استدل لذلك بقوله عليه السّلام في حسن هشام بن الحكم المتقدم: (كره الصم).

(2) استدل له بقوله عليه السّلام في رواية أبي بصير المتقدّمة: «و لا تكسرن منهن شيئا» و لكن يمكن المناقشة فيها بأنها انما تدل بظاهرها على حرمة

الكسر لا الرمي بالمكسرة.

اللهم الا ان يفهم ان النهى عن ذلك لذلك، كما افاده صاحب الجواهر «قدس سره» فتدبر.

ثم انه لا يخفى ان الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) لم يعملوا بظاهر ما دلت عليه الرواية و انما استفادوا منها الكراهة، و حكى عن الغنية الإجماع عليه.

(3) هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) قديما و حديثا بل عن المنتهى: «لا نعلم فيه خلافا» و يدل عليه ما رواه صفوان بن يحيى عن إسحاق بن عمار

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 91

و لكن لا يجوز وادي محسر الا بعد طلوعها «اي الشمس» (1)

قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام ايّ ساعة أحبّ إليك ان أفيض من جمع؟ قال: قبل ان ان تطلع الشمس بقليل فهو أحب السّاعات اليّ، قلت: فان مكثنا حتى تطلع الشّمس؟

قال: لا بأس «1». و نحوه غيره من الاخبار.

و من هنا ظهر ضعف ما حكى عن الصدوقين و المفيد و السيد و سلار و الحلبي من عدم الجواز، بل عن الأولين وجوب شاة عن من قدمها على طلوع الشمس، لقوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار المتقدم: «ثم أفض حين يشرق لك ثبير و ترى الإبل موضع أخفافها» بناء على ارادة طلوع الشمس من الإشراق فيه و في ذيل الخبر، قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: كان أهل الجاهلية يقولون أشرق ثبير كيما يغير و انما أفاض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خلاف أهل الجاهلية. «2».

و كيف كان فلا يمكن الاستدلال به على عدم الجواز و ذلك لما عرفته سابقا من ان المراد من الإشراق هو الاسفار بقرينة قوله عليه السّلام: «و ترى الإبل موضع أخفافها» الذي لا

يعبر بذلك عن بعد طلوع الشمس. نعم، لا يجوز التجاوز عن وادي محسر قبل طلوع الشمس للنصوص، كما ستعرفه الآن. و لما حكى عن المنتهى و التّذكرة من الإجماع على عدم إثمه لو أفاض بعد طلوع الفجر أو قبل طلوع الشمس. فلا عبرة بأصل الصحيح فضلا عن ذيله

(1) يدل عليه ما رواه هشام بن الحكم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تجاوز وادي محسر حتى تطلع الشمس «3».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 15 من أبواب الوقوف بالمشعر، الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 15 من أبواب الوقوف بالمشعر، الحديث 5

(3) الوسائل ج 2 الباب 15 من أبواب الوقوف بالمشعر، الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 92

و الامام يتأخر حتى تطلع (1) و السعي بوادي محسر و هو يقول: اللهم سلم عهدي و اقبل توبتي و أجب دعوتي و اخلفني فيمن تركت بعدي (2)

(1) و استدل عليه بما رواه حماد بن عثمان عن جميل بن دراج عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: ينبغي للإمام ان يقف بجمع حتى تطلع الشمس و سائر الناس ان شاءوا عجلوا و ان شاءوا تأخروا «1» فينبغي للإمام ان يتأخّر الإفاضة من المشعر إلى منى حتى تطلع الشمس، و قد صرح بذلك غير واحد من الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل عن الشيخ و ابن حمزة و القاضي و ظاهر ابني حمزة و سعيد على ما افاده صاحب الجواهر «قدس سره» الوجوب.

و لكن لا يخفى ما فيه، و ذلك لمنافاة هذا القول مع ظاهر الخبر المتقدم المستفاد منه جواز الإفاضة له قبل ان تطلع الشمس مضافا الى الأصل.

و لا يخفى ايضا ما في المحكي عن ابن

إدريس من استحباب ذلك (أي التأخير) لغير الامام، و ذلك لمنافاته ما عرفته من موثق إسحاق بن عمار الدّال على استحباب الإفاضة من المشعر لغير الامام قبل ان تطلع الشّمس، فتدبر.

(2) هذا هو المعروف بين الأصحاب قديما و حديثا بل في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه. إلخ».

و يدل عليه ما رواه محمد بن الحسن بإسناده عن موسى بن القاسم عن إبراهيم الأسدي عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) «في حديث الإفاضة من المشعر» قال: فإذا مررت بوادي محسّر و هو واد عظيم بين جمع و منى و هو الى منى أقرب فأسع

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 15 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 93

و لو ترك السعي فيه رجع فسعى استحبابا (1)

فيه حتى تجاوزه، فان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حرك ناقته و يقول: «قال خ ل» اللّهم سلّم لي عهدي، و اقبل توبتي، و أجب دعوتي، و اخلفني «بخير» فيمن تركت بعدي «1» و ما رواه عبد اللّه بن مسكان عن عبد الأعلى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا مررت بوادي محسّر فأسع فيه، فان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سعى فيه «2» و ما رواه محمد بن إسماعيل عن ابى الحسن عليه السّلام قال: الحركة في وادي محسر مأة خطوة «3» و نحوه غيره من الاخبار الواردة في المقام.

ينبغي هنا بيان أمرين: 1:- ان ظاهر قوله عليه السّلام فيه: «فاسع فيه» هو كونه بداعي الجدّ، الا انه ترفع اليد عنه لأجل تسالم الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» على خلافه، لكونه قرينة على ذلك،

و اما الاستحباب فلا موجب لرفع اليد عنه.

2:- ان السّعي هنا انما يكون بمعنى الهرولة اي الإسراع في المشي للماشي، و تحريك الدّابة للرّاكب، على ما افاده صاحب الجواهر «قدس سره».

(1): و استدل بما رواه حفص البختري و غيره عن ابي عبد اللّه عليه السّلام انه قال لبعض ولده: هل سعيت في وادي محسّر؟ فقال: لا، فأمره ان يرجع حتى يسعى.

إلخ «4» و مرسل الحجال قال: مرّ رجل بوادي محسّر، فأمره أبو عبد اللّه عليه السّلام

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1.

(2) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2.

(3) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3.

(4) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 94

[القول في نزول منى و ما بها من المناسك]
اشارة

القول في نزول منى [1] و ما بها من المناسك فإذا هبط بمنى استحب له الدعاء بالمرسوم (1) و مناسكه يوم النحر ثلاثة، و هي: رمي جمرة العقبة ثم الذبح ثم الحلق (2)

بعد الانصراف إلى مكة ان يرجع فيسعى «1» و هذين الحديثين- كما ترى- يدلان على وجوب السعي الا انه ترفع اليد عنه، لأجل التسالم على خلافه.

ثم انه بناء على عدم تمامية السند لا يمكن إثبات الحكم- و هو استحباب السعي في وادي محسر- بقاعدة التسامح في أدلة السنن المستفادة من اخبار من بلغ، لما ذكرناه غير مرة من ان غاية دلالتها بعد البناء على إجمالها هو ترتب الثواب علي العمل الموعود عليه ذلك لا الحكم فتدبر.

(1) قال في الجواهر: «لم أقف على دعاء مأثور في ذلك كما اعترف به في مدارك

1 رمى جمرة العقبة

(2) اما

الأول و هو وجوب رمي جمرة العقبة فهو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) قديما و حديثا بل في المنتهى و التذكرة: (لا نعلم فيه خلافا)

______________________________

[1] منى- بكسر الميم و القصر- و هي المكان المعروف و سمى بها لوجوه:

1- لما بمنى بها من الدماء.

2- إن جبرائيل عليه السلام لما أراد ان يفارق آدم عليه السلام هناك قال له: تمن؟ قال:

أتمنى الجنة، فسميت بذلك لا منية آدم.

3- لما في خبر ابن سنان المروي عن العلل عن الرضا عليه السلام لما سئل عن ذلك قال:

لأن جبرائيل قال: هناك لإبراهيم عليه السلام: تمن على ربك- ما شئت فتمنى ان يجعل اللّه مكان ولده إسماعيل كبشا يأمره بذبحه فداء له فأعطاه اللّه مناه.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 95

..........

بل في السرائر (لا خلاف فيه بين أصحابنا).

و اما ما في عبارة جمل الشيخ (قدس سره) من انه مسنون محمول على انه مستفاد وجوبه من السنة لا من الكتاب، لان الكتاب لا يدل على ذلك فلا يكون المراد منه انه مندوب فتدبر.

و كيف كان فيدل عليه- مضافا الى اتفاق الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) جمله من النصوص المأثورة عنهم عليهم السلام- منها:

1- صحيح سعيد الأعرج قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام معنا نساء، قال:

أفض بهن بليل و لا تفض بهن حتى تقف بهن بجمع، ثم أفض بهن حتى تأتي الجمرة العظمى فيرمين الجمرة فان لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن و يقصرن من أظفارهن ثم يمضين إلى مكة الحديث «1».

2- خبر علي بن أبي حمزة عن أحدهما عليهما السّلام قال: اي امرأة أو رجل خائف أفاض من

المشعر الحرام بليل فلا بأس فليرم الجمرة ثم ليمض و ليأمر من يذبح عنه و تقصر المرأة و يحلق الرجل «2».

3- حسنة بن أذينة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: و سألته عن قول اللّه عز و جل الحج الأكبر فقال: الحج الأكبر الوقوف بعرفة و رمي الجمار «3».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث 2

(3) الوسائل ج الباب 19 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 96

[اما الأول]
[فالواجب فيه]

اما الأول فالواجب فيه النية (1) و العدد و هو سبع (2)

4- حسن معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: خذ حصى الجمار ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها من قبل وجهها و لا ترمها من أعلاها.

إلخ «1» الى غير ذلك من الاخبار التي تقدمت بعضها في مسألة جواز الإفاضة بليل من المشعر الحرام للنساء و الخائف و غيرهما المتضمنة للرمي على وجهه.

(1) لا ينبغي الكلام في ذلك، لما عرفته غير مرة من اعتبارها في كل عبادة.

(2) هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) قديما و حديثا بل في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه). بل عن المنتهى: (عليه إجماع المسلمين) و استدل لذلك بعدة اخبار- منها:

1- ما رواه علي بن أبي حمزة عن ابي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

ذهبت أرمي فإذا في يدي ست حصيات؟ فقال: خذ واحدة من تحت رجليك «2».

2- خبر عبد الأعلى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: رجل رمى الجمرة بست حصيات فوقعت واحدة في الحصى؟

قال: يعيدها ان شاء من ساعته و ان شاء من الغد إذا أراد الرّمي و لا يأخذ من حصى الجمار «3».

3- صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام انه قال: في رجل أخذ احدى و عشرين حصاة فرمى بها فزادت واحدة فلم يدر أيّهن نقص؟ قال: فليرجع و ليرم كل واحدة بحصاة فإن سقطت عن رجل حصاة فلم يدر أيّهن هي فليأخذ من تحت قدميه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 3 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب العود ان منى و رمي الجمار و المبيت و النفر. الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب العود ان منى و رمي الجمار و المبيت و النفر. الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 97

و إلقائها بما يسمى رميا (1) و اصابة الجمرة بها بفعله، فلو وقعت على شي ء و انحدرت على الجمرة جاز (2)

حصاة و يرمي بها «1» 4- صحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: و قال في رجل رمى الجمار فرمى الأولى بأربع و الأخيرتين بسبع سبع؟ قال: يعود فيرمي الأولى بثلاث و قد فرغ، و ان كان رمى الاولى بثلاث و رمى الأخيرتين بسبع سبع فليعد و ليرمهن جميعا بسبع سبع، و ان كان رمى الوسطى بثلاث ثم رمى الأخرى فليرم الوسطى بسبع، و ان كان رمى الوسطى بأربع رجع فرمى بثلاث «2».

5- ما حكى عن فقه الرّضا (عليه السّلام): «و ارم جمرة العقبة في يوم النحر بسبع حصيات».

(1) هذا ايضا مما هو المعروف بين الأصحاب قديما و حديثا. بل في الجواهر:

بلا خلاف أجده فيه

بل و لا اشكال، لما سمعته من الأمر به المتوقف صدق امتثاله على تحقق مسماه، فلا يجزى الوضع و نحوه مما لا يسمى رميا قطعا، بل إجماعا بقسميه، خلافا للعامة، بل لا يجزى المشكوك فيه ايضا فضلا عن المقطوع به».

(2) هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم». بل قد نفى الخلاف عنه- كما في المدارك و الذخيرة- و ادعى عليه الإجماع- كما في شرح المفاتيح- ليتحقق الواجب المأمور به في النصوص و غيرها- و هو مفهوم الرمي- فلا يجزى إذا

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب العود إلى منى و رمى الجمار و المبيت و النّفر الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب العود إلى منى و رمي الجمار و المبيت و النّفر الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 98

و لو قصرت فتممها حركة غيره- من حيوان أو إنسان- لم يجزه (1) و كذا لو شك فلم يعلم وصلت الجمرة أو لا (2) و لو طرحها على الجمرة من غير رمي لم يجزه (3)

رماها و لم يصبها و يدل عليه- مضافا الى عدم صدق رمي الجمرة مع عدم الإصابة- قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار الآتي: «و ان رميت بحصاة فوقفت في محمل فأعد مكانها».

و كذا لا يجزي فيما لو رماها و أصابت حيوانا و تحرك و وقعت الإصابة بحركته لكونها بغير فعله- كما لا يخفى- و حتى لو وقعت على حصاة فارتفعت الثانية إلى الجمرة لم تجزه، و ان كانت الإصابة عن فعله، لخروجه عن مسمى رميته، كما هو واضح.

نعم لو وقعت على شي ء ثم خرجت إليها أو تجاوزت عنه إليها كما إذا وقعت على

ارض صلبة ثم رجعت منها إليها، فالوجه الاجزاء، لصدق الامتثال بعد ان كانت الإصابة بفعله.

و استدل لذلك ايضا بصحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال «في حديث» فان رميت بحصاة فوقفت في محمل فأعد مكانها، و ان أصابت إنسانا أو جملا ثم وقعت على الجمار أجزأك «1».

(1) هذا مما لا ينبغي الإشكال فيه، لعدم صدق الإصابة بفعله، كما لا يخفى.

(2) هذا ايضا مما لا ينبغي الإشكال فيه و ذلك تحصيلا للبراءة اليقينية.

(3) لما عرفته غير مرة من أن المأمور به هو الرمي و يجب أمثاله و لا يصدق

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 99

..........

ذلك إلا بالإلقاء، فلو وضع بكفه في المرمى لم يجزه، لعدم صدق الرمي الواجب، كما لا يخفى.

ينبغي هنا التنبيه على أمور: الأول- انه يجب التفريق في الرمي، فلو رمى بها دفعة واحدة لم يحسب إلا واحدة، و هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» بل في الجواهر:

«بلا خلاف أجده فيه. بل عن الخلاف و الجواهر: الإجماع عليه، و استدل لذلك بالسيرة، و التأسي و الأخبار الآمرة بالتكبير مع كل حصاة: و لا بأس بذكر بعضها تيمنا و هو:

1- ما رواه يعقوب بن شعيب عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: قلت:

ما أقول إذا رميت؟ قال كبر مع كل حصاة «1».

2- ما رواه ابن ابي عمير عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: خذ حصى الجمار (الى ان قال) ثم ترمي، فتقول مع كل حصاة اللّه أكبر «2».

و كيف كان فيمكن الاستدلال لعدم كفاية الرمي دفعة

واحدة بوجوه:

3- دعوى انصراف الإطلاقات الدالة على وجوب الرمي إليه.

يمكن المناقشة فيه: انه لا انصراف في البين أولا، و على فرض ثبوته فبدوى ثانيا فلا عبرة به في تقييد الإطلاق، لعدم كونه كالقرينة الحاقة بالكلام الذي هو الضابط في

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 11 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1.

(2) الوسائل ج 2 الباب 11 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 2.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 100

..........

الانصراف الصالح التقييد.

2- ما افاده صاحب الجواهر «قدس سره» و هو السيرة.

يمكن المناقشة فيه بما ذكرناه غير مرة بأن المعتبر منها هو ما إذا كانت متصلة إلى زمان الأئمة عليهم السلام و كونها كذلك في ما نحن فيه أول الكلام، لعدم معلوميته.

3- ما عرفته في كلام صاحب الجواهر و هو التأسي بفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله.

و فيه: انه قد ذكرنا غير مرة عدم دلالة الفعل على الوجوب.

4- قوله صلّى اللّه عليه و آله: «خذوا عنّي مناسككم» يمكن المناقشة فيه:

اما أولا: فلعدم مسلمية كون الرمي من المناسك و جزء الحج لاحتمال كونه واجبا على الحاج- كما احتمله بعض.

و اما ثانيا- فلاحتمال ان يكون معناه هو وجوب أخذ المناسك- المشتملة على واجبات و مستحبات- عنه و نتيجة ذلك هو وجوب الإتيان بالحج على النهج الذي قرره الإسلام لا على النهج الذي كان قبل الإسلام، فلا دلالة فيه بناء عليه على وجوب التعاقب.

نعم انما يتم الاستدلال به بناء على القول بان المراد منه هو وجوب الإتيان بها بمثل ما كان يأتي به صلّى اللّه عليه و آله، فيجب الإتيان بالرمي و نحوه بالكيفية التي كان يأتي بها إلا إذا قام دليل على استحباب شي ء فعليه يكون قوله

صلّى اللّه عليه و آله: «خذوا عنى مناسككم نظير قوله صلّى اللّه عليه و آله «صلوا كما رأيتموني أصلي».

5- استظهار ذلك عن الاخبار الواردة في كيفية الرمي- من الرمي خذفا،

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 101

..........

و الدعاء بالمأثور، و التكبير مع كل واحدة من الحصى- و من الواضح انه لا يتحقق ذلك مع الرمي دفعة.

و فيه ان ظاهر إطلاق الأوامر الواردة بالنّسبة الى ما ذكر و ان كان بداعي الجد في الجميع الا ان تسالم الأصحاب «قدس اللّه تعالى أسرارهم» على عدم الوجوب قرينة على رفع اليد عن هذا الظهور فيحمل على النّدب، لعدم الوجه في رفع اليد عنه، فعليه لا يبقى مجال للاستدلال بها على الحكم المزبور- و هو وجوب التفريق و التعاقب في الرمي.

6- الإجماع. و فيه ما ذكرناه غير مرة ان الإجماع إنما يعتمد عليه إذا كان موجبا للقطع بصدور الحكم عن المعصوم عليه السّلام دون المدركي، فلا عبرة به في مفروض المقام، لاحتمال ان يكون مدرك المجمعين في الحكم بوجوب تعاقب الرّمي بعض الوجوه المتقدمة.

نعم إذا حصل الوثوق و الاطمئنان بالحكم فيكون الاطمئنان حجة حينئذ كما لا يخفى.

ثم انه شك في وجوب التّعاقب فيجري البراءة، و ذلك لان أصل وجوب الرّمي معلوم، و اما التّعاقب فهو قيد زائد يحتاج إلى مؤنة زائدة ثبوتا و إثباتا، و حيث لم تثبت ذلك فنحكم بعدم اعتباره بمقتضى البراءة.

و لكن مع ذلك كله لا يمكن الفتوى به (اي عدم اشتراط وجوب التّعاقب) لتسالم الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» على اشتراط ذلك في الرّمي، فتدبر.

الثاني- ان يرميها باليد فلو رماها بفمه أو رجله، لم يجزه و ذلك لانصراف المطلق الى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 102

..........

ما هو المتعارف. مضافا الى ما رواه محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن علي بن الحكم عن علي بن أبي حمزة عن ابى بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: خذ حصى الجمار بيدك اليسرى و ارم باليمنى «1».

الثالث- ان الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» التزموا بان المعتبر في تحقق الرمي الذي أمر به الشارع هو تلاحق الرمي لا الإصابة، فلو أصابت اللاحقة و السابقة دفعة أجزأت، و لو رمى دفعة فتلاحقت في الإصابة لم يجزه.

و يمكن تأييدهم بدعوى ان المستفاد من الأدلة هو لزوم أصل الرمي مع كون إرساله متعاقبا. و اما لزوم تعاقب الإصابة فلا دلالة فيها على ذلك.

اللهم الا أن يقال: انه يستفاد منها ان الواجب هو رمي الجمرة لا التلاحق، و لا يتحقق ذلك الا بالجزء الأخير، و هو إصابة الحصاة الجمرة، فعليه نقول: انه كما يجب التعاقب و التلاحق في الرمي كذلك يعتبر ذلك في الإصابة فإذا لا يحصل الشرط مع الإصابة دفعة واحدة فلا يجزى.

مضافا الى انه قد يقال في تأييده استقرار السيرة على رمى الثانية بعد اصابة الاولى، فلا يترك الاحتياط، فتأمل.

الرابع- ان المراد من الجمرة البناء المخصوص أو موضعه ان لم يكن كما في كشف اللثام.

الخامس- انه سمى بذلك لأجل أمور:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 103

[مستحبات الرمي]

مستحبات الرمي و المستحب فيه ستة، الطهارة (1)

1- رميه بالحجار الصغار المسماة بالجمار.

2- كونه من الجمرة بمعنى اجتماع القبيلة لاجتماع الحصى عندها.

3- كونه من الاجمار بمعنى الإسراع لما روى ان آدم عليه السّلام رمى فاجمر إبليس من بين يديه.

(1) استحباب الطهارة من الأحداث في حال

الرمي مما لا اشكال فيه، و هو المشهور بين الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) و استدل بما رواه ابن ابى عمير عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: «و يستحب ان ترمى الجمار على طير» «1» و ما رواه احمد بن محمد بن عيسى عن البرقي عن ابى جعفر عن ابى غسان حميد بن مسعود قال. سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رمي الجمار على غير طهور؟ قال:

الجمار عندنا مثل الصفا و المروة حيطان، ان طغت بهما على غير طهور لم يضرك و الطهر أحب الى فلا تدعه و أنت قادر عليه «2».

و لا يعارضهما ما رواه علي بن الحكم عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الجمار؟ فقال: لا ترم الجمار الا و أنت على طهر «3»، و ما رواه على بن الفضل الواسطي عن ابي الحسن عليه السّلام قال: لا ترم الجمار الا و أنت طاهر «4» و ذلك لحملهما على الاستحباب بقرينة قوله عليه السّلام في رواية معاوية بن عمار، «و يستحب

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب رمي الجمرة العقبة الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب رمي الجمرة العقبة الحديث 5

(3) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب رمي الجمرة العقبة الحديث 1

(4) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب رمي الجمرة العقبة الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 104

..........

ان ترمى الجمار على طهر» و لأجله يضعف ما عن المفيد من الوجوب.

و اما صحيح الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام، قال. سألته عن الغسل إذا رمى الجمار؟ فقال. ربما

فعلت فأما السنة فلا و لكن من الحر و العرق «1» و نحوه صحيحة الآخر قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الغسل إذا أراد ان يرمي فقال: ربما اغتسلت فاما من السنة فلا «2» و ان دل على عدم استحباب الغسل له بخصوصه لنفي السّنة عنه، الا انه قال في الجواهر بعد ذكرهما: «اللّهم الا ان يكون المراد من نفي السنّة انه لم يرد عن النبي صلّى اللّه عليه و آله فعله لأمور رجحت ذلك بالنسبة اليه و ان كان هو راجحا في نفسه، كما يدل عليه فعل الامام عليه السّلام له في بعض الأوقات. و في دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد عليهما السّلام: «انه استحب بالغسل لرمي الجمار» مضافا الى ان أعراض الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) عنهما مانع عن الاعتماد عليهما فتأمل.

و كيف كان فقد يقال بوجوب الطّهارة في حال الرّمي بمقتضى ظاهر قوله عليه السّلام في صحيح محمد بن مسلم المتقدم. «لا ترم الجمار الا و أنت على طهر».

و اما كلمة «يستحبّ» في حديث معاوية بن عمار- المتقدم- فيمكن ادعاه كونه بمعنى مطلق المحبوبية لا المعنى الاصطلاحي، فعليه لا يبقي مجال لحمل ما ظاهره الوجوب على الندب.

و اما خبر ابى عسفان- المتقدم- و ان دل على عدم وجوب الطّهر، لقوله عليه السّلام في ذيله. «و الطهور أحبّ الي.» الا انه ضعيف سندا، فلا عبرة به.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 105

و الدعاء عند إرادة الرمي (1) و ان يكون بينه و بين الجمرة عشرة أذرع

إلى خمسة عشر ذراعا (2)

نعم إذا ثبت استناد الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» في حكمهم باستحباب الطهارة في حال الرمي إليه تحقق انجبار ضعف سنده و كان موجبا لحمل ما ظاهره الوجوب على الاستحباب لكن الكلام في ثبوت الاستناد اليه.

و لكن مع ذلك كله لا مجال للمناقشة في الحكم المزبور بعد ثبوت الوفاق و الاتفاق عليه قديما و حديثا مضافا الى تمامية الدليل.

(1) استدل على استحباب الدّعاء عند إرادة الرمي، و عند رمي كل حصاة، و عند الرجوع الى المنزل، بصحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: خذ حصى الجمار، ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها من قبل وجهها و لا ترمها من أعلاها، و تقول و الحصى في يدك: «اللهم هؤلاء حصياتي فأحصهن لي و ارفعهن في عملي» ثم ترمي فتقول مع كل حصاة: «اللّه أكبر اللهم ادحر عنى الشيطان، اللهم تصديقا بكتابك و على سنة نبيك، اللهم اجعله حجا مبرورا و عملا مقبولا و سعيا مشكورا و ذنبا مغفورا و ليكن فيما بينك و بين الجمرة قدر عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعا، فإذا أتيت رحلك و رجعت من الرمي فقل: «اللّهم بك وثقت و عليك توكلّت، فنعم الرّب و نعم المولى و نعم النّصير. إلخ» «1».

(2) و استدل لذلك بقوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار- المتقدم-:

«و ليكن فيما بينك و بين الجمرة قدر عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعا.»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 3 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 106

و ان يرميها خذفا (1)

ينبغي هنا التنبيه على أمرين: الأول- ان مقتضى ظاهر قوله عليه السّلام في

صحيح معاوية المتقدم: «فليكن.»

هو الوجوب، الا ان اتفاق الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» على عدم الوجوب قرينة على رفع اليد عن هذا الظهور. و اما الاستحباب فلا وجه لرفع اليد عنه، فتدبر.

الثاني- انه لا يمكن الأخذ بظاهره و ذلك لان التحديد بالناقص- و هو عشرة أذرع- و الزائد- و هو خمسة عشر ذراعا- غير ممكن، فيمكن ان يحمل على التخيير، أو على مراتب الفضل، و بناء على الأخير تارة يقال: ان رأس عشرة أذرع حد الفضيلة و رأس خمسة عشر ذراعا حد الأفضل و اخرى: ان رأس عشرة أذرع حد الفضيلة، و لكن كلما كثر البعد كان أفضل الى ان بلغ خمسة عشر ذراعا، و لكن في النحو الثاني ما لا يخفى، فتدبر.

(1) استحباب رمي المحصى خذفا [1] مما لا ينبغي الإشكال فيه و هو المعروف

______________________________

[1] الحذف «بإهجام الحروف» الرمي بأطراف الأصابع- كما عن الخلاص، و نسبه الحلي في السر الى أهل اللسان- و عن الصحاح و الديوان و غيرهما (الرمي بالأصابع) و الظاهر رجوعه إلى الأول إذ لا يكون الرمي بالأصابع غالبا إلا بأطراف الأصابع، و كذا يتحد معهما ما عن المجمل و المفصل: «أنه الرمي من بين إصبعين» إذ الرمي بالأصابع و بأطرافها لا يكون غالبا الا من بين إصبعين.

ثم ان ذلك يتصور على أنحاء شتى:

عن العين و المحيط و المقاييس و الغريبين- بالإعجام- و النهاية الأثيرية: (من بين السبابتين). و عن الأخيرين: (أو يتخذ مخذفة- من خشب- ترمى بها بين إبهامك و السبابة)

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 107

..........

بين الأصحاب بلى قال في الجواهر: «على المشهور بين الأصحاب شهرة كادت تكون إجماعا بل لم يحك الخلاف فيه الا عن السيد

و ابن إدريس. إلخ» و استدل له بما رواه البزنطي عن ابي الحسن عليه السّلام قال: حصى الجمار تكون مثل الأنملة و لا تأخذها سوداء و لا بيضاء و لا حمراء خذها كحلية منقطة تخذفهن خذفا و تضعها على الإبهام و تدفعها بظفر السبابة. إلخ «1» و هذا الحديث- كما ترى- يدل بظاهره على وجوب رمي الجمرة خذفا، الا ان تسالم الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» على خلافه يوجب رفع اليد عن هذا الظهور، فيحمل على الندب، لعدم الموجب لرفع اليد عنه، عنه، فتدبر.

______________________________

و في القاموس «الخذف- كالصرب- رميك بحصاة أو نواة أو نحوهما تأخذ بين سبابتك و تخذف به».

و عن المصباح المنير: «خذفت الحصاة و نحوها خذفا- من باب ضرب- رميتها بظفري الإبهام و السبابة».

و لكن الاولى العمل بما في الخبر المزبور بأن يرمي من طرفي السبابة و الإبهام بان يضعها على الإبهام- اي باطنه- و الدفع بظفر السبابة- كما صرح به غير واحد، و انما حصصناه مع إطلاق الخبر بباطن الإبهام لأن الدفع بظفر السبابة كما أمر به في الخبر لا يتيسر الا بوضعها على بطن الإبهام.

و اما ما قيل من انه بضعها على ظفر إبهامه و يدفعها بالمسبعة و ما قيل ايضا: «انه يضعها على بطن الإبهام و يدفعها بظفر الوسطى» فمخالف للخبر قال عن الدليل.

ثم انه لا يضر مخالفة جمع من اللغويين في تفسير الحذف بما ذكر بعد بيان الحديث لكيفيته.

______________________________

(1) صدره في الوسائل ج 2 الباب 20 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2 و ذيله في باب 7 من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 108

و الدعاء مع كل حصاة (1) و ان يكون ماشيا

(2)

ثم ان هذا كله بناء على تماميته من حيث السند و الا فالحكم باستحبابه مشكل.

ان قلت: انه يمكن إثباته بقاعدة التسامح في أدلة السّنن المستفادة من اخبار (من بلغ). قلت: قد ذكرنا غير مرة من ظهورها في كونها اخبارا عن ترتب الثواب الموعود- بعد البناء على عدم إجمالها- على الفعل الذي بلغ عليه الثواب فلا يمكن إثبات الحكم بها، فتدبر.

(1) لقوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار المتقدم: «و تقول مع كل حصاة اللّه أكبر اللهم ادحر عني الشيطان اللهم تصديقا بكتابك و على سنة نبيك. إلخ».

(2) استحباب كونه في حال الرّمي ماشيا مما هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) و استدل لذلك بما رواه علي بن جعفر عن أخيه عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال كان رسول اللّه عليهما السّلام يرمي الجمار ماشيا «1». و ما رواه عنبسة بن مصعب قال: رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام بمنى يمشى و يركب فحدثت نفسي ان أسأله حين ادخل عليه، فابتدأني هو بالحديث فقال: ان علي بن الحسين عليهما السّلام كان يخرج من منزله ماشيا إذا رمى الجمار و منزلي اليوم أنفس (أبعد) من منزله فاركب حتى اتى إلى منزله، فإذا انتهيت إلى منزله مشيت حتى أرمي الجمار «الجمرة» «2». و ما رواه على بن مهزيار قال: رأيت أبا جعفر عليه السّلام يمشي بمد يوم النحر حتى يرمي الجمرة ثم ينصرف راكبا و كنت أراه ماشيا بعد ما يحاذي المسجد بمنى «3» الى غير ذلك من النصوص المأثورة عنهم (عليهم السلام).

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب رمى جمرة للعقبة الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب رمى جمرة

للعقبة الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب رمى جمرة للعقبة الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 109

و لو رمى راكبا جاز (1) و في جمرة العقبة يستقبلها و يستدبر القبلة (2) و في غيرها يستقبلها و يستقبل القبلة (3)

(1) و استدل لذلك بما رواه احمد بن محمد بن عيسى انه رأى أبا جعفر عليه السّلام رمى الجمار راكبا «1». و مرسلة محمد بن الحسين: «ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رمى الجمار راكبا على راحلته «2». و ما رواه عبد الرحمن بن ابى نجران انه رأى أبا الحسن الثاني عليه السّلام رمى (يرمي) الجمار و هو راكب حتى رماها كلها «3». و ما رواه معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل رمى الجمار و هو راكب؟ فقال: لا بأس «4»

(2) استحباب استقبال الجمرة، و استدبار القبلة مما صرح به غير واحد من الأصحاب بل في الجواهر: «بل عن هي نسبته الى أكثر أهل العلم بل لعله لا خلاف فيه. إلخ» و لكن دليله غير ظاهر.

و اما صحيح معاوية بن عمار المتقدم الآمر فيه يرميها من قبل وجهها و النهي عن رميها من أعلاها فلا يخلو من الاشكال.

(3) كما عن الشيخ و بنى حمزة و إدريس و سعيد و القاضي لكن دليله ايضا غير ظاهر. نعم، هو أفضل الهيئات خصوصا في العبادات و عند الذكر و الدعاء، و لذا حكى عن الشيخ «قدس سره» انه قال جميع أفعال الحج يستحب يكون مستقبل القبلة من الموقف بالموقفين و رمي الجمار إلا جمرة العقبة يوم النحر.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث

1

(2) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث 3

(4) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 110

[و اما الثاني- و هو الذبح]
اشارة

و اما الثاني- و هو الذبح- فيشتمل على أطراف

[الأول في الهدى]

الأول في الهدى و هو واجب على المتمتع (1)

(2- الذبح)

(1) هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قديما و حديثا.

بل في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه بل في «هي» إجماع المسلمين عليه، و هو الحجة. إلخ» و استدل لذلك- مضافا الى قوله تعالى «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ، تِلْكَ عَشَرَةٌ كٰامِلَةٌ ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ»- بعدة اخبار:

1- صحيح زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الذي يلي المفرد للحج في الفضل فقال: المتعة، فقلت: و ما المتعة؟ قال: يهمل بالحج في أشهر الحج الى ان قال:

فإذا كان يوم التروية أهل بالحج و نسك المناسك و عليه الهدي فقلت: و ما الهدى؟.

فقال: أفضله بدنة، و أوسطه بقرة، و أخسه شاة «1».

2- خبر سعيد الأعرج قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: من تمتع في أشهر الحج ثم أقام بمكة حتى يحضر الحج من قابل فعليه شاة و من تمتع في غير أشهر الحج ثم جاور بمكة حتى يحضر الحج فليس عليه دم انما هي حجة مفردة و انما الأضحى على أهل الأمصار «2» و رواه الشيخ «قدس سره» بإسناده عن محمد بن يعقوب مثله إلا أسقط

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب أقسام الحج الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب أقسام الحج الحديث 1 و في الباب 1 من أبواب الذبح الحديث 11

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 111

..........

قوله «من قابل» و قال في الوسائل:

«و على تقدير وجودها لعله مخصوص بالحج المندوب أو المراد (من قابل): الشهر لا السنة، لئلا ينافي ما تقدم».

و كيف كان فيكون المراد من قوله عليه السّلام: «و من تمتع في غير أشهر الحج.

فليس عليه دم» ان حجه ليس حج التمتع، لانه اتى بعمرته في غير أشهر الحج و لا متعة إلا فيها، و بناء على هذا ما أتى به من العمرة اما تكون عمرة مفردة و اما باطلة.

3- صحيح العيص عن ابى عبد اللّه عليه السّلام انه قال: في رجل اعتمر في رجب؟

فقال: ان كان أقام بمكة حتى يخرج منها حاجا فقد وجب عليه هدي فإن خرج من مكة حتى يحرم من غيرها فليس عليه هدى «1». و في الوسائل: «أقول المراد بخروجه منها حاجا الإحرام منها بحج التمتع بعد العمرة و المراد بآخره الإحرام بغير التمتع، أشار إليه الشيخ، و جوزه على الاستحباب» و فيه: ان كان حجة تمتعا فكيف حيث ان عمرة التمتع لا تقع إلا في أشهر الحج و المفروض وقوع هذه العمرة في رجب، و ان كان افرادا فلا إشكال في استحباب هديه و لا يحتاج الى الخروج للإحرام و كيف كان فأولا لا بد من تصحيح الحج ثم حمل هديه على الاستحباب. و حمل هذا الحديث على محامل اخرى:

1- على من اعتمر عمرة أخرى بعمرة التمتع ثم أحرم بعنوان الحج من مكة.

و لكن لا يخفى ما فيه حيث ان مرجعه الى رفع اليد عنه لمنافاته لظاهرة.

2- على ان هذا الهدي كفارة ان كان عليه ان يحرم من خارج مكة وجوبا أو ندبا فأحرم من مكة نسيانا، و اما مع العمد فيبطل حجه الى غير ذلك من المحامل.

______________________________

(1) الوسائل ج

2 الباب 1 من أبواب الذبح الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 112

و لا يجب على غيره سواء كان مفترضا أو متنفلا (1) و لو تمتع المكي وجب عليه الهدي (2)

4- خبر إسحاق بن عبد اللّه قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المعتمر المقيم عليه مجرد الحج أو يتمتع مرة أخرى؟. فقال يتمتع أحب الي و ليكن إحرامه من مسير ليلة أو ليلتين فإذا اقتصر على عمرته في رجب لم يكن متمتعا لا يجب عليه الهدي «1» الى غير ذلك من النصوص الدالة مفهوما أو منطوقا على وجوب الهدي على المتمتع.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل قال في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه الا ما يحكى عن سلّار. إلخ» و يدل عليه قوله عليه السلام في خبر إسحاق المتقدّم: «و إذا لم يكن متمتعا لا يجب عليه الهدى» و في صحيحة ابن عمار: «و اما المفرد للحج فعليه طواف. الى ان قال و ليس عليه هدى و لا أضحية» «2» و نحو ذلك في صحيحته الأخرى الى غير ذلك من الاخبار الدالة على ذلك.

و اما ما دل من الاخبار بظاهره على وجوب الهدي على غير المتمتع ايضا فيحمل على الاستحباب جمعا.

(2) هذا هو المعروف بين الأصحاب (قدس اللّه تعالى أسرارهم) بل في الجواهر «. بل لم يحك الخلاف فيه الا عن الشيخ في المبسوط و الخلاف احتمالا، بناء على رجوع اسم الإشارة في قوله تعالى: «ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ

______________________________

(1) المذكور في الجواهر

(2) ذيله في الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب الذبح الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 113

و لو كان المتمتع مملوكا

باذن مولاه كان بالخيار بين ان يهدي عنه و ان يأمره بالصوم (1).

» «1» إلى الهدي لا الى التمتّع، لانه كقوله: «من دخل داري، فله درهم ذلك لمن لم يكن عاصيا» في الرّجوع الى الجزاء دون الشرط و وافقه عليه المصنف سابقا في المكي و من في حكمه إذا عدل الى التمتّع. و في الدّروس: «احتمال وجوبه علي المكي ان كان لغير حجة الإسلام» و لعله لاختصاص الآية به و فيه: بعد التسليم عدم انحصار الدليل فيها، و على كل حال فلا ريب في ضعف القول المزبور، إذ هو مع انه اجتهاد يمكن منعه عليه في نفسه باعتبار أولويّة الرجوع الى الأبعد في الإشارة ب «ذلك» مدفوع بتعيين النصوص كصحيح زرارة المشتمل على سئواله لأبي جعفر عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل: «ذٰلِكَ لِمَنْ. إلخ» فقال: يعني أهل مكة ليس عليهم متعة. «2»

و قول الصادق عليه السّلام في خبر سعيد الأعرج ليس لأهل سرف، و لا لأهل مرو، و لا لأهل مكة متعة، يقول اللّه تعالى «ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ» «3» فعموم الأدلة و إطلاقها حينئذ كتابا و سنة بحاله مؤيّدا بالاحتياط) ما افاده صاحب الجواهر «قدّس سرّه» تبعا للمصنّف متين، فلا فرق في وجوب الهدى على المتمتّع بين من أتاه فرضا أو نفلا، و لا بين المكّي و غيره، لإطلاق الاخبار، فتدبر.

(1) لا ينبغي الإشكال فيه، و هو المعروف بين الأصحاب. بل قال في الجواهر: «بلا خلاف محقق معتد به أجده فيه عندنا. بل في ظاهر المنتهى و التّذكرة الإجماع

______________________________

(1) سورة البقرة 192 الآية.

(2) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب أقسام الحج الحديث 3.

(3) الوسائل ج

2 الباب 6 من أبواب أقسام الحج الحديث 6.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 114

و لو أدرك المملوك أحد الموقفين معتقا لزمه الهدى مع القدرة و مع التعذر الصوم (1)

عليه. بل في صريح مدارك. إلخ» و يدل عليه النصوص الواردة في المقام- منها 1- ما رواه ابن ابى عمير عن جميل بن دراج قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام: عن رجل أمر مملوكه ان يتمتع، قال: فمره فليصم، و ان شئت فاذبح عنه «1» 2- ما رواه سعد بن ابي خلف قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام قلت: أمرت مملوكي أن يتمتع؟ فقال: ان شئت فاذبح عنه و ان شئت فمره فليصم «2».

3- ما رواه الحسن العطار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أمر مملوكه ان يتمتع بالعمرة إلى الحج أ عليه ان يذبح عنه؟ قال عليه السّلام: لا، لان اللّه تعالى يقول:

«عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ» «3» بناء على تمامية ما افاده الشيخ «قدس سره».

و هو حمله على انه لا يجب عليه الذبح تعيينا و انما هو مخير بينه و بين ان يأمره بالصوم لما مر.

و اما صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام «في حديث» قال: سألته عن المتمتع المملوك؟ فقال: عليه مثل ما على الحر إما أضحية و اما صوم «4» فقد حمله الشيخ «قدس سره» على من أدرك أحد الموقفين معتقا، و جوز حمله على إرادة المماثلة في كمية ما يجب عليه لئلا يظن ان عليه نصف ما على الحر و ان اختلف في الكيفية.

(1) لا ينبغي الكلام و الاشكال في ذلك و قد نفى عنه الخلاف، و ادعى عليه الإجماع ضرورة أنه بالإدراك

المزبور يكون حجة حجة الإسلام فيكون كالحر في الكيفية في وجوب الهدى عليه مع القدرة و مع التعذر الصوم.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب الذبح، الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب الذبح، الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب الذبح، الحديث 3

(4) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب الذبح، الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 115

و النية شرط في الذبح (1) و يجوز ان يتولاها عنه الذبح (2)

(1) كما في غيره من الأفعال لأنه عبادة و كل عبادة يشترط فيها النية و لان جهات الذبح متعددة فلا يتمحض المذبوح هديا إلا بالنية، فيجب مقارنتها لأول جزء من الذبح، فتدبر.

(2) قد نفى عنه الخلاف و ادعى الإجماع عليه و استدل لذلك بصحيحتا ابي بصير و روايته و رواية علي بن أبي حمزة المتقدم جميعا في بيان الوقوف بالمشعر.

يمكن ان يقال: ان المستفاد من الاخبار هو ان المطلوب وقوع الذبح في الخارج لا المباشرة، مضافا الى انه استدل لذلك بخبر علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال: سألت عن الضحية يخطئ الذي يذبحها فيسمى غير صاحبها أ تجزي عن صاحب الضحية؟. فقال: نعم انما له ما نوى «1» و نحوه غيره من الاخبار.

هذا كله مع غيبة المنوب عنه و اما مع حضوره فالظاهر ايضا مشروعيته كالتوكيل في الزكاة و الخمس فينوي النائب حينئذ النية.

نعم قد يقال لو كان التوكيل في الفعل نفسه خاصة نوى الأصل حينئذ، و لا يقدح كونه غير مباشر بعد مشروعية التوكيل في الفعل الذي صار به بمنزلة فعله، فينوي القربة به و لعل المراد بالجواز في المتن الإشارة الى ذلك

و الاولى مع حضوره جمع النيتين منهما.

اللهم الا ان يقال: ان الحكم المذكور لما كان علي خلاف القاعدة لاقتضاء إطلاق الأمر المباشرية كاقتضائه العينية و التعينية فلا بد من الاقتصار على القدر المتيقن

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 29 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 116

و يجب ذبحه بمنى (1)

و هو صورة الضرورة، و اما في حال الاختيار فلا، و لا يمكن قياس المقام بباب التوكيل في الخمس و الزكاة لعدم حصول تنقيح المناط القطعي في الشرعيات- كما ذكرناه غير مرة- فتدبر.

(1) عند علمائنا في محكي التذكرة، و عندنا في كشف اللثام، و هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب في المدارك، و استدل لذلك بعدة اخبار- منها:

1- ما رواه الحسن بن محبوب عن إبراهيم الكرخي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في رجل قدم بهديه مكة في العشر فقال؟: ان كان هديا واجبا فلا ينحره الا بمنى و ان كان ليس بواجب فلينحره بمكة ان شاء و ان كان قد أشعره أو قلده فلا ينحره الا يوم أضحى «1».

2- رواية عبد الأعلى قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا هدي الا من الإبل و لا ذبح الا بمنى «2».

3- صحيح منصور بن حازم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في رجل يضل هديه فيجده رجل آخر فينحره؟ قال: ان كان نحره بمنى فقد اجزء عن صاحبه الذي ضل عنه و ان كان نحره بغير منى لم يجز عن صاحبه «3» الى غير ذلك من الاخبار المأثورة عنهم (عليهم السلام).

و لا ينافي ما تقدم صحيحة ابن عمار في رجل نسي أن يذبح بمنى حتى زار

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب

4 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب الذبح الحديث 6

(3) الوسائل ج 2 الباب 28 من أبواب الذبح الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 117

و لا يجزي واحد في الواجب الا عن واحد و قيل يجزي مع الضرورة عن خمسة و عن سبعة إذا كانوا أهل خوان واحد و الأول أشبه (1)

البيت فاشترى بمكة ثم ذبح؟ قال: لا بأس قد اجزء عنه «1» و ذلك لعدم صراحتها في كون الذبح أيضا بمكة و حمل على غير الهدى الواجب، كحسن معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام ان أهل مكة أنكروا عليك انك ذبحت هديك في منزلك بمكة؟

فقال: ان مكة كلها منحر «2».

(1) و استدل لذلك- مضافا الى أنه المطابق لظاهر الأوامر العامة- بصحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن النفر تجزيهم البقرة قال: اما الهدي فلا، و اما في الأضحى فنعم «3» و صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: لا تجوز البدنة و البقرة إلا عن واحد بمنى «4» و خبر الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال تجزى البقرة أو البدنة في الأمصار عن سبعة و لا تجزي بمنى الا عن واحد «5».

و لا ينافيها خبر معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال يجزى البقرة عن خمسة بمنى ان كانوا أهل خوان [1] واحد «6» و خبر أبي بصيرة عن ابى عبد اللّه

______________________________

[1] الخوان: «بكسر الخاء المعجمة- ككتاب- ذكره الجوهري و زاد في- ق- ضمّها ايضا «كغراب: ما يوكل عليه الطّعام، و المراد بكونهم أهل خوان واحد ان يكون برفقة مختلطين في المأكل، و

اعتبر بعضهم ان يكونوا أهل بيت و جعل الخوان كناية عنه على ما افاده صاحب الجواهر (قدس سره)

______________________________

(1) ذكرها صاحب المستند.

(2) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب الذبح الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب الذبح، الحديث 3

(4) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب الذبح، الحديث 1

(5) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب الذبح، الحديث 4

(6) الوسائل ج 3 الباب 18 من أبواب الذبح الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 118

و يجوز ذلك في النّدب (1)

عليه السّلام البدنة و البقرة يضحي بها تجزى عن سبعة إذا اجتمعوا من أهل بيت واحد و من غيرهم «1». و خبر إسماعيل بن ابى زياد عن ابى عبد اللّه عليه السّلام عن أبيه عن علي (عليهم السلام) قال: البقرة الجذعة تجزى عن ثلاثة من أهل بيت واحد و المسنة تجزى عن سبعة متفرقين و الجزور تجزى عن عشرة متفرقين «2» و ما في خبر حمران قال عزت البدنة سنة بمنى حتى بلغت البدنة مأة دينار فسئل أبو جعفر عليه السّلام عن ذلك؟ فقال: اشتركوا فيها، قال: قلت: كم؟ قال: ما خف فهو أفضل، قال: فقلت: عن كم يجزى؟ فقال:

عن سبعين «3» و خبر الحسين بن خالد المروي عن العلل و العيون عن ابى الحسن الرضا عليه السّلام قال. قلت له: عن كم تجزئ البدنة؟ قال: عن نفس واحدة قلت: فالبقرة؟

قال: تجزي عن خمسة إذا كانوا يأكلون على مائدة واحدة، قلت: كيف صارت البدنة لا تجزى الا عن واحدة و البقرة تجزى عن خمسة قال: لأن البدنة لم يكن فيها من العلة ما كان في البقرة ان الذين أمروا قوم موسى بعبادة العجل كانوا

خمسة و كانوا أهل بيت. يأكلون على خوان واحد و هم الذين ذبحوا البقرة «4» و ذلك لانه- كما ترى- لا تصريح في شي ء منها بالهدي الواجب فيمكن حملها على الأضحيّة المندوبة كما حملوا على ذلك باقي الأخبار الواردة في المقام.

فالأقوى في النّظر عدم الاجزاء في الهدي الواجب مطلقا، فما افاده المصنف (قده) بقوله: «و الأول أشبه» متين.

(1) بلا كلام في ذلك و يدل عليه الاخبار السابقة بلا فرق في ذلك بين كونهم

______________________________

(1) الوسائل ج الباب 18 من أبواب الذبح الحديث 6

(2) الوسائل ج الباب 18 من أبواب الذبح الحديث 7

(3) الوسائل ج الباب 18 من أبواب الذبح الحديث 11

(4) الوسائل ج الباب 18 من أبواب الذبح الحديث 18

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 119

و لا يجب بيع ثياب التجمل في الهدي بل يقتصر على الصوم (1)

من أهل خوان واحد أو لا و بين كونهم من أهل بيت واحد أولا.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب. بل في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه بل في المدارك و غيرها انه مقطوع به في كلام الأصحاب، لفحوى استثنائها في دين المخلوق الذي هو أهم في نظر الشارع من دين الخالق، و لصدق عدم الوجدان عليه الذي هو عنوان الصوم، و انتفاء صدق الاستيسار الذي هو عنوان وجوب الذبح.

إلخ».

و استدل لذلك مضافا الى ما أفاده صاحب الجواهر (قدّس سرّه)- بمرسل علي بن أسباط- المنجبر ضعفه بما عرفت- عن ابى الحسن الرضا عليه السّلام قال: قلت له: رجل تمتّع بالعمرة إلى الحجّ و في عيبته ثياب له، أ يبيع من ثيابه شيئا و يشتري هديه؟. قال عليه السّلام: (لا) هذا يتزيّن به المؤمن، يصوم، و لا يأخذ من ثيابه

شيئا «1» و بما رواه البزنطي قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المتمتع يكون له فضول من الكسوة بعد الّذي يحتاج اليه فتسوي بذلك الفضول مأة درهم هل يكون ممّن يجب عليه؟. فقال:

له بد، من كراء و نفقة قلت له: كرى أو ما يحتاج اليه بعد هذا الفضل من الكسوة، فقال: و أي شي ء كسوة بمأة درهم هذا ممّن قال اللّه: (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحجّ و سبعة إذا رجعتم) «2».

تفصيل الكلام في هذه المسألة هو انه لا كلام من حيث الفتوى في عدم وجوب بيع ثياب التّجمّل لشراء الهدى انما الكلام في دليله و مدركه يمكن الاستدلال

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 57 من أبواب الذبح. الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 57 من أبواب الذبح. الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 120

..........

لذلك بوجوه:

الأول- بما عرفت في كلام صاحب الجواهر «قدس سره» من ان ثياب التجمل مستثناة في دين المخلوق فكذلك في مفروض المقام، بالفحوى فان دين المخلوق أهم من دين الخالق.

و فيه أولا- ان أهمية دين المخلوق من دين الخالق أول الكلام، و قد تقدم تفصيل ذلك في الجزء الأول من هذا الكتاب عند ذكر مسألة (ما إذا كان له مال بمقدار يكفيه لحجة و لكن عليه دين بمقداره ايضا) و من أراد الوقوف عليها فليراجعها و ثانيا: انه قياس، لاحتمال خصوصية هناك دون ما نحن فيه. نعم، إذا حصل القطع بعدم الخصوصية، تمّ كلامه و لكن انى لنا ذلك و غاية ما يحصل لنا الظّن بالحكم و هو لا يغني من الحق شيئا، فلا يخرج هذا الوجه عن كونه قياسا، فتدبّر.

الثاني- تنظير المقام بباب الاستطاعة بأن يقال:

انه كما يستثني ثياب التّجمّل و نحوها في الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج، كذلك الأمر في مفروض المقام.

و فيه: ما عرفته في جواب الوجه الأول.

الثالث- ما عرفت في كلام صاحب الجواهر «قدس سره» من عدم صدق عنوان الاستيسار الوجوب الذبح.

و فيه: انه و ان كان ذلك من حيث الكبرى مسلما و انما الكلام في الصغرى و هي انه هل يصدق ذلك مع وجود ثياب التجمّل له أولا، و صدقه في مفروض المقام أوّل الكلام.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 121

..........

الرابع- انه قد يقال ان العمدة في وجه اشتراط كون المستطيع واجدا لمقدار الرجوع الى الكفاية و استثناء ثياب التجمّل و نحوها في باب الاستطاعة انما هي قاعدة نفي العسر و الحرج فنقول به أيضا في مفروض المقام.

و فيه: انه انما يصحّ فيما إذا كان بيعه لها موجبا لهتكه بحيث يستلزم العسر و الحرج و الا فلا عبرة به، و عليه فإذا كان محتاجا إليها و كانت دخيلة في حفظ شأنه و حيثيّته و كانت من قبيل الثّياب الضروريّة من غير جهة التجمّل، فلا ينبغي الإشكال في عدم وجوب بيعها عليه، و الا فيحكم بوجوبه عليه، فتدبر.

الخامس- قوله عليه السّلام في مرسل علي بن أسباط المتقدّم: (لا).

و فيه- ان هذا الحديث و ان كان واضح الدلالة على المقصود، و لكنه مرسل فلا عبرة به.

نعم يتم الاستدلال به إذا ثبت انجباره بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و هو أوّل الكلام، لاحتمال ان يكون مستندهم في الحكم المذكور سائر الوجوه و بالجملة لو حصل الاطمئنان بالصدور صح التمسك به، و الا فلا.

السادس- قوله عليه السّلام في صحيح البزنطي (و أيّ شي ء كسوة بمأة درهم).

و فيه- انه يمكن

ان يكون قوله عليه السّلام: «و أي شي ء كسوة بمأة درهم» من جهة عدم كفاية الثمن لشراء الهدي و هذا لا يدل على عدم وجوبه فيما إذا كان كافيا لذلك.

اللهم الا ان يقال انه لو لم تف المأة درهم بثمن الهدي لم يكن وجه لسؤال السائل، و لا لقوله عليه السّلام أولا: «له بد من كراء و نفقة» بل كان يقول من أول

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 122

..........

الأمر انه غير واجد للهدي، فهو داخل في قوله تعالى «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ» و قد دل الدليل على كفاية أقل من ذلك المقدار للهدي، فإنه ورد من عبد اللّه بن عمر: «قال: كنا بمكة فأصابنا غلافي الأضاحي فاشترينا بدينار ثم بدينارين ثم بلغت سبعة «1» و أنت ترى انه جعل المرتبة الاولى من الغلاء دينارا و هو عبارة عن عشرة دراهم فعليه يكون هذا الحديث دليلا على المدعى فيكون المراد من قوله عليه السّلام: «و أي شي ء كسوة بمأة درهم» ان هذه الكسوة كسوة تسوى بمأة درهم بمعنى ان هذه القيمة قيمة غالية، فتكون كسوة تجمل لا فضول من ثياب بدنه المتعارفة، و لاتباع فهذا داخل في قوله تعالى: «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ.

إلخ» فتأمل.

ينبغي هنا التّنبيه على أمر: و هو- انه هل يحرم بيع ثياب التجمل و تفسد المعاملة أولا؟ و التحقيق:

عدم حرمته، لعدم كونه منهيا عنه. و أما ما مر في مرسل علي بن أسباط من النهي بقوله عليه السّلام: «لا، هذا يتزين به المؤمن، يصوم.» فهو وارد في مقام توهم الوجوب، فلا دلالة له على الحرمة، كما ان الأمر الوارد في مقام توهم الحظر لا يدل

على الوجوب.

نعم قول السائل: «إله ان يبيع من ثيابه» و قوله عليه السّلام (لا) و ان كان يتوهم

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 58 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 123

..........

نفي الجواز، الا ان الظاهر ان المراد انه هل يجب عليه بيعه، فقال عليه السّلام: (لا).

مضافا الى اختلاف النسخ فيه فإنه و ان كانت في نسخة الجواهر هكذا لكن في نسخة الوسائل غيره ليس فيها كلمة (إله) بل قال: (أ يبيع من ثيابه شيئا) فقال عليه السّلام: (لا) فقوله عليه السّلام بناء على هذه النسخة ليس نفيا للجواز هذا على ان قوله عليه السّلام:

«هذا يتزين به» قرينة على ان ذلك إرفاق من الشارع، لا نهي تحريمي، فتدبر.

هذا مضافا الى انه مع قطع النظر عن جميع ذلك فنقول: انه من المعلوم ان بيع ثوب التجمل في نفسه ليس من المحرمات، فله بيعه، و إذا باعه و اشترى الهدى و ذبحه و لم يصم أجزأه ذلك فتأمل.

و لكن يمكن الاستدلال على خلافه بوجهين:

1- ان الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضده، فهو مأمور بالصوم، و منهي عن الهدي، فلا يجزى هديه، لأنه منهي عنه.

و فيه أولا- لا يكون مفروض المقام من ذلك الباب، و ثانيا- انه قد حقق في محله خلافه.

2- انه لا يجتمع البدل و المبدل، كما في الوضوء و التيمم و قد قرر في محله ان من كان وظيفته التيمم و توضؤ يحكم ببطلان وضوئه لعدم كونهما في عرض واحد فكذلك في مفروض المقام حيث ان وظيفته الصوم، فإذا اشترى هديا و ذبح لا يجزى.

و فيه- ان قياس المقام بذلك الباب قياس مع الفارق، لأنه في مفروض المقام بعد ان باع ثياب

تجمله صار واجدا لثمن الهدي، و تبدل الموضوع، و دخل في عنوان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 124

و لو ضل الهدي عن صاحبه فذبحه غير صاحبه لم يجز عنه (1)

ما استيسر من الهدي، و هو نظير من فقد الماء أولا ثم وجده قبل الصلاة، فيكون تكليفه حينئذ مخصرا بالإتيان بالمبدل منه، و هذا بخلاف المقيس عليه، لأن النهي فيه عن الإتيان بالمبدل منه انما كان من جهة المرض مثلا أو غيره و هو موجود.

فالتحقيق هو وجوب الهدي عليه حينئذ.

نعم إذا كان محتاجا الى ثياب التجمل في ذلك المكان و ليس له مهلة الى ان يرجع الى بلده و يشتريه و يكون بحيث لو لم يكن له ذلك في ذلك المكان كان حرجا عليه فما فعله من بيع ثيابه و ان لم يكن حراما لكن لا يجب عليه الهدي حينئذ، لمكان الحرج، فله ان يشتري ثوب التجمل ثانيا و يصوم بدل الهدي، و لكن لا يخفى انه مع ذلك كله لو اشترى الهدي اجزء عنه، فتدبر.

(1) تفصيل الكلام في هذه المسألة هو انه تارة: يتكلم فيها على ما تقتضيه القاعدة، و اخرى: على ما تقتضيه النصوص المرويّة عنهم (عليهم السّلام).

اما على الأول- فمحصل الكلام فيه هو انه لا ينبغي الإشكال في عدم الاجزاء لا عنه و لا عن صاحبه، اما عنه فلعدم الملكيّة، و اما عن صاحبه فلعدم الوكالة عنه و عدم الاذن.

و اما على الثاني- فمحصل الكلام فيه هو الاجزاء، لاقتضائه صحيح منصور ابن حازم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في رجل يضل هديه فيجده رجل آخر فينحره؟ فقال:

ان كان نحره في منى فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضلّ عنه و ان كان

نحره في غير منى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 125

..........

لم يجز عن صاحبه «1» ينبغي هنا التنبيه على أمور: الأول- ان مقتضى إطلاق الصحيح المتقدم هو الاجزاء و ان لم ينوه عن صاحبه و اما دعوى انصرافه إلى صورة النيّة، ففيه ما لا يخفى، لعدم الانصراف في البين أولا و على فرض ثبوته فبدوى ثانيا، فلا عبرة به.

الا انه يقيد إطلاقه و يحكم باعتبار النيّة في الحكم بالاجزاء بصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام «في حديث» قال: و قال: إذا وجد الرجل هديا ضالا فليعرفه يوم النحر و الثاني و الثالث، ثم ليذبحها عن صاحبها عشية الثالث «2» و ذلك لما في ذيله من قوله عليه السّلام: «ليذبحها عن صاحبها عشيّة الثّالث» فعليه لو لم ينوه لا يجزى، لا عنه و لا عن صاحبه، اما عنه فلعدم كونه مالكا له، للنهي عنه، و اما عن صاحبه فلعدم النية، فبناء عليه لا نحتاج في إثبات اعتبار النيّة عن صاحبه بما قيل من ان عدم ذكر النيّة في صحيح منصور بن حازم انما كان من جهة الاتّكال على وضوحه، فيحمل إطلاقه على الأصل المسلم في حمل فعل المسلم على الصحة، فلا يتصور منه الذبح بغير النية عن صاحبه و ذلك لكونه قابلا للمنع و الاشكال، لعدم كون المورد من موارد جريان أصالة الصّحة، لإمكان تخيّل الواجد للهدي ان له التملّك و صيرورته ملكا له.

الثاني- ان مقتضى إطلاق قوله عليه السّلام في صحيح محمد بن مسلم المتقدّم:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 28 من أبواب الذبح الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 28 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 126

..........

«فليعرفه يوم النحر

و الثاني و الثالث.» هو وجوب تعريفه إلى ثلاثة أيام على الواجد للهدي لاقتضاء الأمر ذلك لكن في الجواهر قوى الندب لوجه غير ظاهر فتدبر.

و استدل لذلك- مضافا الى ما ذكر- بوجوه:

1- التحرز عن النيابة بلا ضرورة فإن النيابة على خلاف الأصل على ما ذكرناه غير مرة.

2- ان المنوب عنه غير معين فيجب تعريفه لكي يعين.

3- إطلاق الذبح عما في الذمة إطلاقا محتملا للوجوب و الندب و للهدي و غيره و للمتمتع و غيره حجة الإسلام و غيرها.

و لكن كلها لا يخلو من المناقشة و الاشكال و كيف كان فالعمدة هي صحيح محمد ابن مسلم و به ايضا يقيد إطلاق صحيح منصور بن حازم- المتقدم- الدال على الاجزاء مطلقا، فنقول بالاجزاء عن صاحبه إذا ذبحه بعد تعريفه ثلاثة أيام.

الثالث- انه لم يذكر في صحيح محمد بن مسلم- كما ترى- الذبح في خصوص منى الا انه أفاد بعض بان عدم ذكره كان لأجل وضوحه فتأمل.

الرابع- انه يجب التعريف إلى ثلاثة أيام إذا وجد الهدي يوم النحر، و الا فإذا وجده في اليوم الثاني فيعرفه يومين، و إذا وجده في اليوم الثالث فيعرفه الى عشيته و الا لانقضى وقت الذبح فيذبحه.

السابع- انه ذهب بعض من الفقهاء إلى انه بعد ان ذبحه يتصدق منه و يهدي و يسقط وجوب الأكل منه الا ان إطلاق الدليل ينفيه، كما لا يخفى.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 127

..........

الثامن- انه قد تحصل ان مقتضى الجمع بين الخبرين المتقدمين هو اجزاء الهدي الذي ضل عن صاحبه إذا عرفه الواجد إلى ثلاثة أيام و نواه عن صاحبه وقت ذبحه.

و لكن يمكن ان يقال بمعارضتهما للأخبار الدالة على انه لو سرق الهدي أو هلك أو

ضاع يجزى بنفس السرقة و الهلاك و الضياع و ان كان بعضها قابلا لان يقال بورودها في الأضحية المستحبة لا في الهدي الواجب، و لا بأس بذكرها- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اشترى أضحية فماتت أو سرقت قبل ان يذبحها؟ قال: لا بأس، و ان أبدلها فهو أفضل، و ان لم يشتر فليس عليه شي ء «1».

2- ما رواه احمد بن عيسى في كتابه عن غير واحد من أصحابنا عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في رجل اشترى شاة فسرقت منه أو هلكت؟ فقال: ان كان أوثقها في رحلها فضاعت فقد اجزءت عنه «2».

3- ما رواه سعد بن عبد اللّه، عن احمد بن محمد، عن العباس بن معروف، عن علي بن مهزيار، عن الحسين بن سعيد، و عن إبراهيم بن عبد اللّه عن رجل يقال له:

الحسن، عن رجل سماه قال: اشترى لي أبي شاة بمنى فسرقت، فقال لي أبي: ائت أبا عبد اللّه عليه السّلام فاسأله عن ذلك، فأتيته فأخبرته، فقال لي: ما ضحى بمنى شاة أفضل من شاتك «3».

و هذه الاخبار- كما ترى- تدل على الاجزاء بصرف السرقة و الهلاك.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 30 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 30 من أبواب الذبح الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 30 من أبواب الذبح الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 128

..........

و لا يخفى ان قوله عليه السّلام في مرسلة أحمد بن عيسى المتقدمة (فضاعت) أعم من الضلال و الهلاك و السرقة، فيدل على الاجزاء بصرف تحقق الضلال بمقتضى عمومه من دون احتياج الى تحقق الذبح، فضلا عن القول باعتبار النية عن

صاحبه أو وجوب التعريف إلى ثلاثة أيام، فعليه يقع التعارض بين هذه الاخبار و ما تقدم منها.

و لكن يمكن ان يقال انه لا معارضة بينها، بتقريب ان ثبوت الإجزاء بالسرقة و الهلاك لا يكون مستلزما لثبوته بالضلال بمجرد ذبح الغير له، لإثبات الحكم في الأولين بالتعبد، لكن هذا بخلاف الأخير، فلا تهافت بينها.

ان قلت: انه: يعارض مع ما مر قوله عليه السّلام (فضاعت) لشموله مفروض المقام.

قلت: انه لا معارضة بينهما، لشموله صورة ما إذا وجده صاحبه أو غيره و ما إذا لم يوجد، فيقيد إطلاقه بما دل من الاخبار على انه إذا وجده صاحبه أو غيره لم يكن نفس الضياع موجبا للاجزاء، بل يجب عليه ذبحه بعنوان صاحبه بعد تعريفه إلى ثلاثة أيام، فيتحصل ان الضياع موجب للإجزاء إذا لم يوجد الهدي الى تمام الوقت، و الا يجب على صاحبه ذبحه إذا وجده صاحبه، و على غيره إذا وجده بعد تعريفه إلى ثلاثة أيام و النية عن صاحبه ايضا.

اللهم الا ان يقال باختصاص ما دل على وجوب التعريف إلى ثلاثة أيام و وجوب النية و حديث النحر بمنى بصورة الاشعار و التقليد الخارج عما نحن فيه لانه لو لم يكن أشعر أو قلد فمن اين عرفه الواجد أنه هدي، فتدبر.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 129

..........

و اما قوله (لمتعته) في رواية محمد بن عيسى، فإنما ذكر في نسخة الجواهر، و لكنه ليس موجودا في نسخة الوسائل، فليس في البين قرينة على اختصاصها بالمتعة.

ثم على فرض عدم تماميته فيمكن حمله على الندب أو على ما كان واجبا بالنذر و شبهه.

ينبغي هنا التّنبيه على أمرين: الأول- ان من ضلّ هديه وجب عليه شراء آخر كما هو المشهور،

لقاعدة الاشتغال.

و اما ما تقدّم في مرسل محمد بن عيسى فيما لو ضاع أو هلك من الاجتزاء بها ان كان أوثقها في رحله فضاعت، فلا مجال للعمل به، لضعف السّند من دون جابر.

مضافا الى ما دل على وجوبه من الاخبار و سيأتي في الفرع الآتي.

و اما صحيح محمد بن مسلم و رواية إبراهيم بن عبد اللّه ففيهما ما لا يخفى.

الثاني- انه إذا اشترى هديا آخر ثم وجد الضالّ فالظاهر انه يجب عليه ذبح الأول دون الثّاني فله ان يبيعه أو يتصّدق به أو غيرهما من الأمور المباحة له، و يدل عليه خبر ابي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اشترى كبشا فهلك منه؟ قال:

يشتري مكانه آخر، قلت: فان اشترى مكانه آخر ثم وجد الأول؟ قال: ان كانا جميعا قائمين فليذبح الأول و ليبيع الأخير و ان شاء ذبحه، و ان كان قد ذبح الأخير ذبح الأول معه «1».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الذبح الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 130

و لا يجوز إخراج شي ء مما يذبحه عن منى بل يخرج الى مصرفه بها (1).

مقتضى إطلاق ذيله و هو قوله عليه السّلام: «و ان كان قد ذبح الأخير ذبح الأول معه» هو وجوب ذبح الأول عليه و ان كان لم يشعره و لم يقلده. و لكن الأصحاب «رضوان اللّه تعالى» في مقام العمل قد تسالموا على خلافه.

و يمكن تقييده بما في صحيح الحلبي و هو، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يشتري البدنة ثم تضل قبل ان يشعرها و يقلدها فلا يجدها حتى يأتي منى فينحر و يجد هديه؟ قال: ان لم يكن قد أشعرها

فهي من ماله ان شاء نحرها و ان شاء باعها و ان كان أشعرها نحرها «1».

اللهم الا ان يقال بعدم ارتباط هذا الحديث بالأول، و ذلك لكون مورد الحديث الأول هدي التمتع، و هذا بخلاف مورد الحديث الثاني، لاختصاصه بالهدي المسبوق في الحج القران الذي هو خارج عن محل البحث.

بل يمكن ان يقال بخروج الأول عن مفروض المقام، لاحتمال ان لا يكون المراد منه الهدي الواجب فتأمل.

(1) هذا هو المشهور المنسوب الى مذهب الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و استدل له بعدة اخبار- منها:

1- صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: سألته عن اللحم أ يخرج به من الحرم؟ فقال: لا يخرج منه بشي ء إلا السنام بعد ثلاثة أيام «2». و لكن يمكن

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 3 الباب 42 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 131

..........

المناقشة فيه:

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 4، ص: 131

اما أولا- فلاختصاصه باللحم غير السنام فلا يمكن التعدي عنه الى غيره، لاحتمال خصوصية فيه.

و أما ثانيا- فلدلالته على حرمة إخراجه من الحرم- كما لا يخفى- فما فعله صاحب الوسائل «قدس سره» من ذكر هذا الحديث في باب كراهة إخراج لحوم الأضاحي من منى الا السنام اشتباه عجيب.

قد يقال بدلالته على المدعي، بدعوى: ان التخصيص بالحرم كان في سؤال السائل و هو لا يعارض ما ظاهره المنع عن الإخراج الظاهر في الإخراج من منى، فتأمل 2- ما رواه موسى بن القاسم عن فضالة عن معاوية بن عمار قال: قال

أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا تخرجن شيئا من لحم الهدى «1». و فيه: ايضا ما لا يخفى، و ذلك لانه- كما ترى- لم يذكر فيه المحل الذي نهى عن إخراجه منه، فلعله الحرم لا منى.

ان قلت: ان عدم ذكر المتعلق يدل على العموم.

قلت: ان عدم ذكر المتعلق لا يدل على العمومية، لعدم فهم العرف ذلك.

3- ما رواه حماد عن علي بن أبي حمزة عن أحدهما عليهما السّلام، قال: لا يتزود الحاج من أضحيته، و له ان يأكل منها بمنى أيامها، قال: و هذه مسألة شهاب كتب اليه فيها «2». و هذا- كما ترى- يدل على النهي عن التزود من الأضحية لا الإخراج 4- ما رواه محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن ابى عمير

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 42 من أبواب الذبح الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 42 من أبواب الذبح الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 132

..........

عن جميل عن محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن إخراج لحوم الأضاحي من منى؟. فقال: كنا نقول لا يخرج منها بشي ء لحاجة الناس اليه فاما اليوم فقد كثر الناس فلا بأس بإخراجه «1» و هذا الحديث كما ترى يدل على انه كان إخراج اللحم من منى حراما سابقا و لكن ارتفعت حرمته لانتفاء ملاكها.

5- ما رواه محمد بن نجران عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام قال: قال:

ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى ان تحبس لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام «2». و هذا- كما ترى- يدل على حرمة الحبس لا حرمة الإخراج.

مضافا الى ان حرمة الحبس ايضا قد ارتفعت،

و يدل عليه الاخبار الواردة عنهم عليهم السلام- منها:

1- ما رواه ابي الصباح عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث ثم اذن فيها و قال: كلوا من لحوم الأضاحي بعد ذلك و ادخروا «3».

2- ما رواه محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام قال: كان النبي صلّى اللّه عليه و آله نهى ان تحبس لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام من أجل الحاجة فأما اليوم فلا بأس به «4» 3- ما عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي (عليهم السلام) قال: قال:

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهيتكم عن ثلاث، نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها، و نهيتكم عن

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 42 من أبواب الذبح الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 41 من أبواب الذبح، الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 41 من أبواب الذبح، الحديث 1

(4) الوسائل ج 2 الباب 41 من أبواب الذبح، الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 133

..........

إخراج لحوم الأضاحي من منى بعد ثلاث ألا فكلوا و ادخروا و نهيتكم عن النبيذ ألا فانبذوا و كل مسكر حرام. «1» و بالجملة: إخراج لحوم الأضاحي من منى ليس بحرام لعدم الدليل على الحرمة، بل الدليل على خلافه.

ينبغي هنا التنبيه على أمرين: الأول- انه على فرض تسليم حرمة إخراج الهدي المذبوح عن منى فيقع الكلام في انه هل تختص بصورة وجدان المستحق في منى و الا فلا بد من إخراجه و إيصاله إلى المستحق أو لا؟؟

قال في الجواهر: «نعم ينبغي القطع بالجواز (جواز الإخراج) إذا لم يكن مصرف له الا في خارجها

كما صرح به في المسالك مستثنيا له من إطلاق المنع و نحوه.

و لكن تنقيح البحث متفرع على ملاحظة دليل الحرمة من ان ظاهره الإطلاق أو الاختصاص، و ملاحظة وجه الجمع بين دليل الحرمة و ما دل على لزوم الإيصال إلى المستحق، و مراعاة كون المورد مورد ملاحظة الأهم و المهم و عدمه، و على فرض كونه من ذلك فهل يظهر من الأدلة أهمية الإيصال إلى المستحق أو أهمية عدم الإخراج، و مع الشك في الحكم تصل النوبة إلى التخيير.

الثاني- في انه هل يحرم إخراج ما يذبحه من منى حتى على غير صاحب الهدي أو لا؟؟ تنقيح هذا البحث ايضا متفرع على ملاحظة دليل الحرمة، و على فرض عدم الظهور يرجع الى البراءة.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 41 من أبواب الذبح الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 134

و يجب ذبحه يوم النحر (1)

الثالث- انه لو اشتراه من مسكين بعد ان ملكه، يمكن ان يقال بجواز إخراجه، بل في الجواهر ادعى القطع بجوازه لخروجه عن نصوص المنع، فتأمل.

الرابع- انه صرح الشهيد الثاني «قدس سره»- على ما هو المحكي عنه- بعدم جواز إخراج شي ء من الهدي الذي ذبحه من منى حتى الجلد، بل حكم بوجوب التصدق بجميعه من اللحم و الجلد و غيرهما من الأطراف و الأمعاء. و لكن لا يمكن المساعدة عليه، لاختصاص دليل المنع على فرض تماميته باللحم.

مضافا الى موثق إسحاق بن عمار «1» الدال على جواز إخراج الجلد و السنام و الشي ء ينتفع به.

و اما الاستدلال له بصحيح معاوية قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الإهاب؟

فقال: تصدق به، أو تجعله مصلى تنتفع به في البيت، و لا تعطه الجزارين، و قال نهى

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان يعطي جلالها و جلودها و قلائدها الجزارين و أمر ان يتصدق بها «2» و صحيح علي بن جعفر عن أخيه عليهما السّلام قال: سألته عن جلود الأضاحي هل يصلح لمن ضحى بها ان يجعلها جرابا؟ قال: لا يصلح ان يجعلها جرابا الا ان يتصدق بثمنها «3» ففيه ما لا يخفى لعدم دلالتهما على عدم جواز الإخراج من منى، بل الأخير منهما في الأضاحي التي يمكن القول بجواز إخراج لحومها اختيارا و ان كره كما عن الفاضلين و غيرهما التصريح به.

(1) وجوب ذبح الهدي يوم النحر مما لا ينبغي الإشكال فيه، و هو المعروف

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب الذبح الحديث 6

(2) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب الذبح. الحديث 5

(3) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب الذبح. الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 135

مقدما علي الحلق (1) فلو أخره أثم (2) و اجزء و كذا لو ذبحه في بقية ذا الحجة جاز (3)

بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قديما و حديثا، بل في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به بعضهم. بل في المدارك: «انه قول علمائنا و أكثر العامة للناسي» لكن المسلم منه كونه بمعنى عدم جواز تقديمه على يوم النحر الذي يمكن تحصيل الإجماع عليه، كما ادعاه بعضهم. اما عدم جواز تأخيره عنه فهو و ان كان مقتضى العبارة، لكن ستعرف القائل بالجواز صريحا و ظاهرا، بل قد يشكل الدليل عليه فإنهم لم يذكروا له الا التأسي الذي يمكن الاشكال فيه بعد تسليم وجوبه في غير معلوم الوجه بأنه لم يعلم كون ذبحه في ذلك اليوم نسكا، ضرورة:

احتياج الذبح الى وقت و ان كان هو خلاف ظاهر الحال.»

(1) القول بوجوب كون الذبح مقدما على الحلق انما يتم بناء على وجوب الترتيب الذي سيتضح تحقيق الكلام فيه عند تعرض المصنف «رحمه اللّه تعالى» له.

(2) هذا بناء على الوجوب.

(3) و في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه. بل في كشف اللثام: قطع به الأصحاب من غير فرق بين الجاهل و العالم و العامد و الناسي، و لا بين المختار و المضطر.

بل عن النهاية و الغنية و السرائر الجواز، بل عن الثاني: الإجماع عليه، و لكن يمكن ارادة الجميع الاجزاء منه كما في المتن» و استدلوا لذلك بعدة اخبار- منها:

1- رواية النضر بن قرواش قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تمتع

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 136

[صفات الهدي]
اشارة

(صفات الهدي) الثاني: في صفاته،

[و الواجب ثلاثة]
اشارة

و الواجب ثلاثة:

[الأول الجنس]

الأول الجنس و يجب ان يكون من النعم: الإبل و البقر و الغنم (1)

بالعمرة إلى الحج فوجب عليه النسك فطلبه فلم يجده، و هو موسر حسن الحال، و هو يضعف عن الصيام، فما ينبغي له ان يصنع؟ قال: يدفع ثمن النسك الى من يذبحه بمكة ان كان يريد المضي إلى اهله، و ليذبح عنه في ذي الحجة، قلت: فان دفعه الى من يذبح عنه فلم يصب في ذي الحجة نسكا و اصابه بعد ذلك؟ قال: لا يذبح عنه الا في ذي الحجة و لو أخره إلى قابل «1».

2- ما رواه حريز عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في متمتع يجد الثمن و لا يجد الغنم؟

قال: يخلف الثمن عند بعض أهل مكة و يأمر من يشتري له و يذبح عنه و هو يجزي عنه فان مضى ذو الحجة أخر ذلك الى قابل من ذي الحجة «2» الى غير ذلك من الاخبار المروية عنهم (عليهم السلام) و في هذين الحديثين بحث سيأتي ذكره في المباحث الآتية

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه مضافا الى ما يحكى عن المفسرين في قوله تعالى «لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلىٰ مٰا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعٰامِ» من أنها الثّلاثة المزبورة. و الى صحيح زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام في المتمتع قال: عليه الهدي قلت: و ما الهدي؟ فقال: أفضله بدنة و أوسطه بقرة و أخسّه شاة «3» و غيره

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 44 من أبواب الذبح الحديث 2.

(2) الوسائل ج 2 الباب 44 من أبواب الذبح الحديث 1.

(3) الوسائل ج 2 الباب

5 من أبواب أقسام الحج الحديث 3.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 137

..........

من النصوص و كونه المعهود و المأثور من فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة (عليهم السّلام) و الصّحابة و التابعين، بل هو كالضّروري بين المسلمين. إلخ» ان قلت: انه و ان كان السّؤال عن جنس الهدي لكنه عليه السّلام ليس في مقام الحصر، لكونه في مقام بيان الأفضلية.

قلت: ان كلامه عليه السّلام لا يخلو عن ظهور في الحصر جوابا لسؤال السائل عن جنس الهدي، و اما بيانه عليه السّلام الأفضلية فيكون تفضلا منه، كما لا يخفى. هذا مضافا الى انه مع قطع النّظر عن صحيح زرارة يجب الاقتصار في الهدي على الأنعام الثّلاثة- الإبل و البقر و الغنم- و ذلك بتقريب ان يقال: انه ليس هنا إطلاق بالنسبة إلى جنس الهدي حتى يرجع إليه في صورة الشّك، فالمرجع في صورة الشك هو الأصل العملي، و هو- في مفروض المقام- الاشتغال، كما لا يخفى.

ان قلت: ان المورد مورد جريان أصالة البراءة، و ذلك بدعوى: ان أصل وجوب الذبح ثابت، غاية الأمر يشك في اعتبار خصوصيته زائدة، و هو كونه من الأنعام الثّلاثة لا غيرها، و الأصل البراءة، و بمقتضاها يحكم بكفاية الذّبح و لو كان من غير الأنعام الثّلاثة.

قلت: انك قد عرفت عدم وجود إطلاق بالنسبة إلى جنس الهدي، فليس المقام من قبيل ما إذا علم بوجوب أصل شي ء و شك في الخصوصية و انما يكون من قبيل ما إذا كان التكليف مرددا من أول الأمر بين المطلق و الخاص، ففي هذا الفرض لا مجال لجريان البراءة و المتعين فيه جريان الاشتغال و في مفروض المقام يكون من قبيل الثّاني لا

الأوّل

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 138

[الثاني: السن]

الثاني: السن فلا يجزى من الإبل إلا الثني و هو الذي له خمس و دخل في السادسة و من البقر و المعز ما له سنة و دخل في الثانية و يجزى من الضأن الجذع لسنة (1)

- كما لا يخفى- و ذلك لان أصل التكليف بالهدي معلوم و لكنه مردد بين كونه من الأنعام الثلاثة أو مطلقا سواء كان منها أو من غيرها فعليه إذا شك فيما إذا ذبح من غير الأنعام الثلاثة فيكون مرجع ذلك الى الشك في أصل سقوط التكليف و المرجع هو الاشتغال لا البراءة فتدبر.

مضافا الى انه يمكن ان يقال: بما انه لا عين و لا أثر في اخبار الباب لغير الأنعام الثلاثة يستكشف عن عدم اجزاء غيرها قطعا فتدبر.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل في الجواهر: «بلا خلاف أجده في الحكم و التفسير للأول الذي هو المعروف عند أهل اللغة أيضا. بل على الحكم في الثلاثة الإجماع صريحا في كلام بعض و ظاهرا في كلام آخر.

إلخ» و استدل لذلك كله بعدة اخبار- منها:

1- صحيح عيص بن القاسم عن ابي عبد اللّه عن علي عليهما السّلام انه كان يقول:

الثنية من الإبل و الثنية من البقر و الثنية من المعز و الجذع من الضأن [1] «1». بناء على ظهوره في ان ذلك أقل المجزي.

______________________________

[1] الثني من الإبل هو ما كمل له خمس سنين و دخل في السادسة، بلا خلاف، و ادعى عليه الإجماع بقسميه.

و اما من البقر و الغنم ففي الوافي: ان الأشهر انه ما دخل في الثالثة و هو المطابق للصحاح و القاموس، و به قال الشيخ على ما

هو المحكي عنه.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 11 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 139

..........

2- صحيح ابن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: يجزى من الضأن الجذع و لا يجزى من المعز إلا الثني «1».

3- ما رواه محمد بن يحيي عن حماد بن عثمان قال، سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام أدنى ما يجزى من أسنان الغنم في الهدي؟ فقال: الجذع من الضأن. قلت: فالمعز؟

قال عليه السّلام: لا يجوز الجذع من المعز قلت: و لم؟ قال عليه السّلام لان الجذع من الضأن يلقح و الجذع من المعز لا يلقح «2».

4- ما رواه معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام «في حديث» قال:

و يجزى في المتعة الجذع من الضأن و لا يجزي الجذع من المعز «3» 5- خبر سلمة أبي حفص عن ابى عبد اللّه عن أبيه عليهما السّلام قال: كان علي عليه السّلام

______________________________

و لكن في المدارك و الذخيرة و المفاتيح و شرحه: «ان المشهور انه ما دخل في الثانية» و به صرح به المحكي في السرائر.

و اما الجذع من الضأن فمن التذكرة و المنتهى موافقا لكلام الجوهري على ما قيل: «انه ما كمل له ستة أشهر».

و عن الدروس «انه ما كمل له سبعة أشهر».

و حكى ايضا القول بأنه إذا لم يكمل ثمانية أشهر لا يطلق عليه الجذع، و أسند ذلك الى الشيخ و ابن الأعرابي.

و في المفاتيح و شرحه: «ان المشهور ان الجذع من الضأن و المعز ما دخل في الثانية» و هو الظاهر من القاموس و النهاية الى غير ذلك من الأقوال.

و حيث لا دليل تاما يمكن التعويل عليه في التعيين في المقام فالواجب

بمقتضى الاشتغال الأخذ بالاحتياط و ذبح الأعلى سنا من هذه الأقوال (في المستند).

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 11 من أبواب الذبح، الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 11 من أبواب الذبح، الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 11 من أبواب الذبح، الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 140

[الثالث: ان يكون تاما]

الثالث: ان يكون تاما، فلا يجزي العوراء، و لا العرجاء البين عرجها (1).

يكره التشريم: «التشقيق» في الآذان، و الخرم لا يرى به بأسا ان كان ثقب في موضع المواسم كان يقول: يجزى من البدن الثني و من المعز الثني و من الضأن الجذع «1».

6- في دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد عليهما السّلام انه قال: «الذي يجزى في الهدي و الضحايا من الإبل الثني و من البقر المسن و من المعز الثني و يجزى من الضأن الجذع و لا يجزى الجذع من غير الضأن و ذلك لان الجذع من الضأن يلقح و لا يلقح الجذع من غيره» الي غير ذلك من الاخبار المروية عنهم (عليهم السلام).

ثم انه قد عرفت ان مقتضى الاخبار انه لا يجزى الا الثني من الأنعام الثلاثة نعم. في الصحيح اما في البقر لا يضرك بأي أسنانها «2» الا انه مهجور و لم يعمل أحد به من الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» فيخرج عن حيز دليل الحجية و الاعتبار فلا عبرة به.

(1) الظاهر انه المتسالم عليه، و قد نفى عنه الخلاف، و ادعى عليه الإجماع.

و استدل لذلك بما في صحيح علي بن جعفر انه سأل أخاه موسى بن جعفر عليهما السّلام: عن الرجل يشتري الأضحية عوراء فلا يعلم الا بعد شراءها هل تجزى عنه؟ قال عليه السّلام نعم، الا ان يكون هديا واجبا،

فإنه لا يجوز ان يكون ناقصا «3» و رواه الحميري في «قرب الاسناد» عن عبد اللّه بن الحسن عن علي بن جعفر مثله الا انه قال: «نعم»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 11 من أبواب الذبح الحديث 9

(2) الوسائل ج 2 الباب 11 من أبواب الذبح الحديث 5

(3) الوسائل ج 2 الباب 21 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 141

..........

الا ان يكون هديا فإنه لا يجوز في الهدي» و يؤيده ما ورد في المجبوب و مقطوعة الاذن و مكسورة القرن الداخل و سيأتي ذكره في الفروع الآتية.

و في السرائر و المنتهى عن البراء بن عازب قال: قام فينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خطيبا فقال: اربع لا يجوز في الأضحى: العوراء البين عورها [1] و المريضة البين مرضها [2] و العرجاء البين عرجها [3] و الكبيرة التي لا تنقي [4].

ينبغي هنا التّنبيه على أمور: الأول- ان بين الناقص و المعيب عموم مطلق، لان كل ناقص معيب و لكن ليس كل معيب ناقصا- كالعور- فإنه عيب و لكنه ليس بنقص. نعم، ان مرجع العيب في الحقيقة و ان كان الى النقص لانه لو كان تام لما طرء عليه ذلك و به يستكشف ان في الحيوان نقص نشأ منه هذا العيب و لذلك يطلق في الاستعمالات كل واحد منهما على الآخر، و لكن المفهوم من النقص عرفا أعم من المفهوم من العيب عرفا، فتدبر،

______________________________

[1] فسر بانخساف العين.

[2] فسر بالجرباء و فسر ايضا بمطلق المرض الموجب لهزالها.

[3] فسر بالعرج الشديد، بحيث كان موجبا لمنعه عن السير مع الأغنام و مشاركتهن في العلف.

[4] فسر بالتي لا مخ لها. لهزالها، لأن «النقي»- بالنون المكسورة

و القاف الساكنة- إلخ.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 142

..........

الثاني- ان صحيح علي بن جعفر- كما ترى- و كذا خبر البراء وارد في الأضحية، فلا يمكن التعدي عن مورده الى غيره، الا إذا حصل القطع بالمناط.

الثالث- ان مقتضى قوله صلّى اللّه عليه و آله: «و الكبيرة التي لا تنقى» عدم اجزائها في الهدي بناء على التعدي، و هو المشهور بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل في الجواهر نفي الخلاف فيه. و عن المنتهى و غيره: الاتفاق عليه.

الرابع- انه يمكن ان يقال عدم دليل على اعتبار انخساف العين و غروب الحدقة في البين عورها بل يحكم بعدم الاجزاء و لو لم يكن كذلك، بل انه لا يبعد الاكتفاء بمطلق العور في الحكم بعدم الإجزاء، لإطلاق صحيح علي بن جعفر المعتضد بإطلاق كلام المصنف «قدس سره» و غيره من الأصحاب كما اعترف به في المدارك، و لكن تردد بعض فيه، و لعله من التقييد بالبين في خبر البراء المتقدم و خبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لا يضحى بالعرجاء بين عرجها، و لا بالعوراء بين عورها، و لا بالعجفاء و لا بالخرفاء «و لا بالخرقاء بالجرباء خ ل» و لا بالجدعاء و لا بالعضباء. «1» و ان كان في خبر آخر له ابدال العوراء بالجرباء و إليك نص عبارته قال النبي صلّى اللّه عليه و آله: لا يضحى بالعرجاء بين عرجها، و لا بالعجفاء و لا بالجرباء و لا بالخرقاء. إلخ «2» الخامس- انه لا يضر الحكم المزبور- و هو عدم كون الهدي معيبا و ناقصا- عدم ذكر جميع العيوب في الاخبار الخاصة-

كالعمى و نحوه- لكفاية المطلقات، فلا

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 21 من أبواب الذبح الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 21 من أبواب الذبح الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 143

..........

نحتاج في إثبات اشتراط عدم العمى و نحوه في الهدي بالتمسك بالأولوية القطعية حتى يشكل بعدم حصولها في الشرعيات و غاية ما يحصل هو الظن و هو لا يفيد لعدم الدليل على اعتباره.

السادس- ان ظاهر قوله عليه السّلام في صحيح علي بن جعفر: «فإنه لا يجوز ان يكون ناقصا» يدل على ان عدم النقص شرط واقعي لا علمي الا انه ترفع اليد عنه بما دل على انه شرط علمي، و هو قوله عليه السّلام في صحيح الحلبي: «من اشترى هديا و لم يعلم ان به عيبا حتى فقد ثمنه ثم علم فقد تم» «1» و مقتضاه- كما ترى- ان عدم النقص شرط علمي مع استثناء العلم الحاصل بعد نقد الثمن، و كذا مقتضى قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار: «ان كان نقد ثمنه فقد اجزء عنه و ان لم يكن نقد ثمنه رده و اشترى غيره» «2» و لكن لا يخفى ان أكثر الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» لم يعملوا بهذا المضمون، لعدم افتائهم بالتفصيل بين ما إذا علم بالعيب بعد نقد الثمن و بين ما إذا علم قبله في الحكم بالاجزاء في الأول، و بعدمه في الثاني.

نعم، ان الشيخ «قدس سره» على ما هو المحكي عنه أفتى به في تهذيبه، و لكن تردد في كتابه الآخر و هو الاستبصار. نعم صاحب المدارك عمل بهما مشيا على طبق مبناه من العمل بالأخبار الصحيحة و لو كان مخالفا للأصحاب.

و كيف كان فإذا

كان عدم عمل الأصحاب بمضمون الحديثين من جهة الإعراض عنهما، فيشكل الاعتماد عليهما، و اما إذا كان ذلك من جهة معارضتهما مع ما مر من

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 24 من أبواب الذبح الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 24 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 144

..........

صحيح علي بن جعفر ففيه كلام.

لا بأس بذكر بيان المعارضة فنقول: انه- كما ترى- انه دل صحيح علي بن جعفر على عدم إجزاء الهدي فيما إذا كان ناقصا مطلقا سواء تبيّن النّقص و العيب قبل نقد الثّمن أو بعده و لكن هذا بخلاف الصّحيحين، لدلالتهما على عدم الاجزاء فيما إذا تبيّن النقص و العيب قبل نقد الثّمن فعليه تكون الصحيحتان أخصّ منه من هذه الجهة إلا أنهما أعم من صحيح علي بن جعفر من جهة شمولهما للهدي الواجب و المستحب و هو لا يشمل إلا الهدي الواجب فتكون المعارضة بينهما بالعموم من وجه مادّة الاجتماع هو ما إذا كان الهدي الواجب المعلوم كونه ناقصا و معيبا بعد نقد الثّمن فيتساقطان في مادّة الاجتماع و تصل النّوبة بعد تساقطهما الى الأصل.

فيقع الكلام في انّ المرجع حينئذ هو البراءة أو الاشتغال؟.

يمكن ان يقال بان المرجع هو الاشتغال للعلم باشتغال الذّمة بالهدي و هو يستدعي الفراغ اليقيني و لا يحصل ذلك بذبح هذا المعيب فعليه ان يذبح الهدي الّذي لم يكن ناقصا حتى بعد نقد الثّمن.

و لكن الأقوى في النّظر هو ان المرجع بعد التّساقط هو البراءة بتقريب: ان التّكليف بأصل ذبح الهدى- من الأنعام الثّلاثة: «الإبل و البقر و الغنم»- معلوم و هو على الفرض في المقام محرز غاية الأمر يشكّ في اعتبار وصف زائد على

سائر الأوصاف المعلوم اعتبارها- و هو اعتبار ان لا يكون معيبا و ناقصا مع تبيّنه بعد نقد الثّمن لا قبله- فتجري البراءة و تحكم بمقتضاها عدم اعتبار شرط الزّائد، و لكن مع ذلك كلّه مخالفة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 145

و لا التي انكسر قرنها الدّاخل (1) و لا المقطوعة الأذن (2)

الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» تمنع عن الإفتاء بذلك، فإنه و ان لم يحصل لنا العلم بان مخالفتهم انما كان من جهة إعراضهم عن الصّحيحين، و لكن عدم عملهم بمضمونهما يوجب سلب الاطمئنان تكوينا عنّا عنهما فيسقطان و يخرجان عن حيّز دليل الحجّية و الاعتبار، فعليه يتّجه الرجوع الى ما دلّ على اشتراط عدم النّقص في الهدي.

(1) ان عدم إجزاء الهدي الذي انكسر قرنها الداخل مما هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا و استدل له بصحيح جميل عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في الأضحية يكسر قرنها الدّاخل؟ قال: ان كان القرن الدّاخل صحيحا فهو يجزى «1» و بصحيح جميل بن دراج عن ابى عبد اللّه عليه السّلام انه قال: في المقطوع القرن أو المكسور القرن إذا كان القرن الدّاخل صحيحا فلا بأس و ان كان القرن الظّاهر الخارج مقطوعا «2» و لا يخفى ان الصّحيح الأول و ان كان واردا في الأضحية الّا انّه يكفي في الحكم المزبور إطلاق الصحيح الثّاني.

ثم انه لا يخفى ان المراد من انكسار القرن الدّاخل هو الأبيض الذي في وسط الخارج و اما الخارج فلا عبرة به.

(2) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل في الجواهر: «بلا خلاف أجده في ذلك.» و استدل لذلك بعدة اخبار- منها:

1- خبر السكوني،

عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السّلام، قال: قال:

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لا يضحى بالعرجاء بيّن عرجها، و لا بالعوراء بيّن عورها، و لا

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الذبح الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 146

..........

بالعجفاء و لا بالخرفاء «بالخرقاء، خ ل» و لا بالجدعاء و لا بالعضباء، العضباء مكسورة القرن و الجدعاء المقطوعة الاذن «1» 2- ما رواه أبو إسحاق عن شريح بن هاني عن علي عليه السّلام قال أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الأضاحي: أن نستشرف العين و الأذن، و نهانا عن الخرقاء، و الشّرقاء و المقابلة و المدابرة «2» و روي عن محمد بن احمد مثله ثم قال: الخرقاء ان يكون في الاذن ثقب مستدير و الشرقاء المشقوقة الأذن باثنين حتى ينفذ الى الطرف و المقابلة أن يقطع في مقدم أذنها شي ء ثم يترك ذلك معلقا لاثنين «لا تبين ظ» كان زعبة و المدابرة أن يفعل مثل ذلك بمؤخّر أذن الشاة «3».

3- في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السّلام انّه قال في خطبة له: و من تمام الأضحية استشراف اذنها، و سلامة عينها، فإذا سلمت الاذن و العين سلمت الأضحية و تمت. إلخ «4».

4- ما رواه محمد بن ابى نصر بإسناد له عن أحدهما عليهما السّلام، قال: سئل من الأضاحي إذا كانت الأذن مشقوقة أو مثقوبة بسمة؟ فقال: ما لم يكن مقطوعا فلا بأس «5».

5- ما رواه الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الضحية تكون الأذن مشقوقة؟ فقال: ان كان شقها و سما فلا بأس،

و ان كان شقا فلا يصلح «6».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 21 من أبواب الذبح الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 21 من أبواب الذبح الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 21 من أبواب الذبح الحديث 4

(4) الوسائل ج 2 الباب 21 من أبواب الذبح الحديث 6

(5) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الذبح الحديث 1

(6) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الذبح الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 147

..........

6- ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال: سألته عن الأضحية؟ فقال: ضح بكبش أملح. و اشتره سليم الأذنين و العينين. «1» الى غير ذلك من الاخبار المرويّة عنهم (عليهم السّلام).

و لكن لا يخفى انه لا يمكن التمسّك بها في المحل المفروض- و هو الهدي- لورودها في الأضاحي، إلّا إذا ادّعى القطع بالأولويّة، فإنه يغتفر في المستحب ما لا يغتفر في الواجب، فإذا كانت الأضحية مشروطة بخلوها عمّا ذكر فكذلك في الهدي بالطريق الأولى، لأن التشدّد و التضيق في الهدي أزيد منه في الأضحية، أو لعلها أعمّ من الهدي، فتأمل.

ينبغي هنا التنبيه على أمور: الأول- قال في الجواهر: «و في المدارك. قد قطع الأصحاب باجزاء الجماء «و هي التي لم يخلق لها قرن» و الصهناء «و هي الفاقدة الاذن خلقة» للأصل، و لان فقد هذه الأعضاء لا توجب نقصا في قيمة الشّاة و لا في لحمها و استقرب العلّامة في المنتهى اجزاء التّبراء ايضا: «و هي مقطوعة الذّنب» و لا بأس به، و عنه ايضا فيه و في التحرير القطع باجزاء الجمّاء، و عن الخلاف و الجامع و الدّروس كراهتها، قيل و ذلك لاستحباب الأقرن لنحو قول

أحدهما عليهما السّلام لمحمّد بن مسلم في الصحيح في الأضحية: «أقرن فحل.» «2»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 60 من أبواب الذبح الحديث 12

(2) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب الذبح الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 148

..........

و ناقش في جميع ما ذكره صاحب الجواهر (قدس سره) بقوله: «قلت ان كان إجماع على اجزاء المزبورات فذاك، و الا فقد يمنع، لانه مناف لإطلاق عدم جواز كون الهدي ناقصا في الصّحيح المزبور الشّامل: للجمّاء و التّبراء و الصمعاء و لو خلقة، ضرورة: كون المراد النّقص بالنسبة إلى غالب النوع، لا خصوص الشّخص، و عدم النّقصان في القيمة و اللّحم لا يمنع صدق النّقص الذي ينقطع به الأصل المزبور، مع انه قد يمنع عدم النّقص في القيمة، و لعله لذا نسب الاجزاء في الدّروس الى قول مشعرا بتمريضه، بل ينبغي القطع بفساده في التّبراء، إذا كان المراد ما يشمل مقطوعة الذّنب، ضرورة: صدق النّقص عليه، و لعله لذا قطع به في الرّوضة مدرجا له إدراج غيره. الى ان قال: و بالجملة الظّاهر اتحاد حكم التّبراء مع الصمعاء و الجمّاء، ان أريد التّبر خلقة، و ان أريد مقطوعة الذنب- كما هو ظاهر عبارة السابقة- فالمتجه عدم اجزائها. بل قد يقال بعدم اجزائها و لو خلقة و ان قلنا باجزاء الجماء و الصمعاء باعتبار غلبة تعاون الصفتين المزبورتين بخلافها، فتعد التبراء ناقصة دون الجمّاء و الصمعاء، و مع ذلك كله فالاحتياط لا ينبغي تركه في الجميع» ما افاده صاحب الجواهر «قدّس سرّه» متين لصدق النقص المانع من الاجزاء في الجميع.

3- ان مقتضى ما تقدّم من الاخبار عدم الفرق في الحكم بعدم الاجزاء بين ما إذا قطع بعض الاذن

أو جميعها، لإطلاقها، و لذا قال في المنتهى: العضباء «و هي التي ذهب نصف اذنها أو قرنها» لا تجزى. الى ان قال: و كذا لا يجزى عندنا قطع ثلث اذنها، نعم لا بأس بمشقوق الاذن و مثقوبتها على وجه لا ينقص منها شي ء، و قد نفى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 149

و لا الخصي من الفحول (1)

عنه الخلاف و يشهد له مرسل البزنطي و غيره، و لكن موردها الأضاحي، و لعلها أعم من الهدي، أو يتعدى اليه منها أو يتمسّك فيه بالإطلاق، لعدم صدق النّقص بمجرد ذلك و لكنه مع ذلك كلّه لا يخلو من تأمّل.

(1) عدم إجزاء الهدي إذا كان خصيا مما هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) بل قد ادعى عليه الإجماع، و يدل عليه- مضافا الى ما دل على اشتراط عدم النقص في الهدي- صحيح عبد الرحمن بن الحجاج- المتقدم- سئل الكاظم عليه السّلام عن الرجل يشتري الهدي فلمّا ذبحه إذا هو خصي محبوب و لم يكن يعلم ان الخصي المجبوب لا يجوز في الهدي هل يجزيه أم يعيده؟؟ قال: لا يجزيه الا ان يكون لا قوة به عليه «1».

تحقيق الكلام في هذا المقام يتوقّف على ذكر أمور: الأول- ان ظاهر قوله عليه السّلام: «الا ان يكون لا قوّة به عليه» هو عدم القوّة بمعنى عدم اليسار، فلا يشمل عدم وجدان غير الخصيّ و في صحيح عبد الرحمن الآخر عن الرجل يشتري الكبش فيجده خصيا مجبوبا؟ قال: ان كان صاحبه موسرا فليشتر مكانه «2».

الثاني- انه قد عرفت عدم كفاية الخصي في الهدي- و هو مسلول الخصية (بضم الخاء و كسرها)- و اما الموجوء (و هو مرضوض عروق الخصيتين حتى

تفسد)

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب الذبح الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب الذبح الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 150

و لا المهزولة: و هي الّتي ليس على كليتها شحم (1)

فسيأتي حكمه عند تعرض المصنف (قدّس سرّه) له.

الثالث- ان مقتضى ما رواه حماد عن الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: النعجة من الضأن إذا كانت سمينة أفضل من الخصى من الضأن و قال: الكبش السّمين خير من الخصي و من الأنثى، و قال: و سألته عن الخصي و عن الأنثى فقال: الأنثى أحبّ اليّ من الخصي «1»- كما ترى- جواز جعل الخصي هديا، غاية الأمر على كراهة، فيعارض مع ما مرّ من الاخبار الدّالة على عدم الاكتفاء به، و لكن لا يمكن الاعتماد عليه في قبال صحيح عبد الرحمن بن الحجاج المتقدم المعتضد بالشّهرة، و يمكن حمله على الأضحية المندوبة.

الرابع- ان مقتضى صحيح عبد الرّحمن بن الحجّاج هو اشتراط عدم قوّة المكلف على غيره في الحكم المزبور و لكن ينافيه خبر ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: فالخصيّ يضحّى به؟ قال: لا الا ان لا يكون غيره «2» و ذلك لدلالته على اشتراط عدم وجود غيره و دلالة الصحيحة على عدم قوة المكلف على غيره و لكن حمل على الأضحية المندوبة فتأمل.

(1) هذا مما هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديث و قد نفى عنه الخلاف و ادعى عليه الإجماع و استدل عليه- مضافا الى الأصل بجملة من النصوص- منها:

1- صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام «في حديث» قال: و ان اشترى أضحية و هو ينوي

أنها سمينة فخرجت مهزولة أجزأت عنه، و ان نواها مهزولة فخرجت

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب الذبح الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب الذبح الحديث 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 151

..........

سمينة أجزأت عنه و ان نواها مهزولة فخرجت مهزولة لم يجز عنه «1» بناء على ان المراد بالأضحية فيه الهدى و لو بقرينة ذكر الاجزاء و عدمه.

2- ما رواه منصور عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: و ان اشترى الرجل هديا و هو يرى انه سمين أجزأ عنه، و ان لم يجده سمينا، و من اشترى هديا و هو يرى انه مهزول فوجده سمينا اجزء عنه و ان اشتراه و هو يعلم انه مهزول لم يجز عنه «2».

3- حسن الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا اشترى الرجل البدنة مهزولة فوجدها سمينة فقد أجزأت عنه، و ان اشتراها مهزولة فوجدها مهزولة، فإنها لا تجزى عنه «3» الى غير ذلك من الاخبار المروية عنهم (عليهم السلام) و المستفاد منها- كما ترى- التفصيل بين ما إذا اشتراها باعتقاد كونها سمينة فبانت مهزولة و بالعكس، و ما إذا اشتراها باعتقاد كونها مهزولة و بانت مهزولة، في الحكم بالاجزاء في الأولين و بعدمه في الأخير.

ثم ان البحث يتم بذكر أمور: الأول- ان العبرة في كون الحيوان مهزولا أو سمينا بالصدق العرفي و مع الشّك فيه فهل يمكن التمسّك بهذه الاخبار في رفعه أو لا؟ و الأقوى عدمه، لمكان الإجمال و لكن يقع الكلام حينئذ في ان المرجع هو الأصل- و هو الاشتغال- أو إطلاق الأدلّة يمكن ان يقال: بالثاني، و لكن التّحقيق عدم كونه المرجع، لتقيّده بعنوان مجمل

______________________________

(1)

الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب الذبح الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب الذبح الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 152

..........

- و هو المهزول- فلا بد من ذبح ما يعلم منه الفراغ اليقيني بعد العلم باشتغال الذمة بذبح هدي غير مهزول، هذا كله لو لم يرد من الشّارع المقدّس تحديد شرعي للهزال.

الثاني- انه قد ورد تحديد شرعي للهزال، و هو ان حد الهزال ان لا يكون على كليته شحم، فعن الفضل قال: حججت بأهلي سنة فعزّت الأضاحي، فانطلقت فاشتريت شاتين بغلاء فلما ألقيت إهابيهما ندمت ندامة شديدة لما رأيت بهما من الهزال فأتيته فأخبرته بذلك، فقال: ان كان على كليتهما شي ء من الشحم أجزأت «1».

و المستفاد من هذا الحديث- كما ترى- ان حد الهزال ان لا يكون على كليته شحم.

الثالث- ان الحديث المتقدم- الدّال على ثبوت حد شرعي للهزال- و ان كان ضعيفا سندا و مضمرا، و من هنا اعرض عنه بعض متأخر المتأخرين و أحال الأمر إلى العرف الا انه منجبر بعمل جماعة كثيرة من الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» فلا بأس بالعمل به.

الا ان يقال: ان عدم عمل جماعة أخرى به مانع عن الاعتماد عليه.

الرابع- في انه على فرض اعتباره فلا إشكال في الاجزاء فيما صدق عرفا هذا العنوان- و هو ان على كليته شحم- و عدمه فيما إذا لم يصدق ذلك انما الكلام فيما إذا كان الشّحم بمقدار حصل الشّك في الاجزاء، فهل يكون المرجع حينئذ إطلاق الأدلّة أو الأصل- و هو الاشتغال- لا ينبغي الإشكال في كون المرجع حينئذ هو الاشتغال، لان اشتغال الذمة اليقيني يستدعي

الفراغ اليقيني و الشّك في الاجزاء في

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 15 من أبواب الذبح الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 153

..........

مفروض المقام يوجب الشّك في الامتثال و انطباق المأمور به على المأتيّ به الّذي لا ينبغي الارتياب في مرجعيّة قاعدة الاشتغال فيه.

الخامس- انه لا يخفى ان هذا الحديث ليس معارضا لما دل على اجزاء المهزول فيما إذا لم يعلم بهزاله قبل الشّراء و ذلك من جهة ان مورده عدم العلم و اما حديث الفضل و ان كان مورده عدم العلم لكن يمكن ان يقال ان المراد منه ان الامام عليه السّلام قد بيّن له ان الهزال الّذي كان عدمه شرطا في الهدي حدّه عدم الشّحم على الكلية فيما اشتريته ما كان مهزولا حتى تندم فندمك ليس في محله فتأمل.

السادس- انه قد عرفت ان حد الهزال عدم الشحم على كليته و لكن يقع الإشكال في ذلك و هو انه كيف يحصل العلم بذلك قبل الذبح للمكلف: نعم يمكن ان يحصل ذلك للأوحدي الذي هو من أهل الاطلاع، و كيف كان فكيف يمكن ان يقال:

انه لو اشتراه و هو يرى انه مهزول فبان سمينا أو كان يرى انه سمين فبان مهزولا أجزأ و الا فلا.

الا ان يقال: ان المراد من المهزول الذي تضمّنه الرواية هو العرفي و المراد من أنه بان مهزولا هو الشّرعي الّذي عرفت تحديده فيصير المعنى حينئذ انه لو اشتراه و هو يرى انه مهزول عرفا فبان انه غير مهزول شرعا أجزأ، و كذا إذا اشتراه و هو يرى انه سمين عرفا فبان مهزولا شرعا، و هذا بخلاف الصّورة الثّالثة و في ما إذا اشتراه و هو يراه غير سمين عرفا

و بان مهزولا شرعا لا يجزى.

و لكن التحقيق: ان هذا الاشكال غير وارد من أصله، و ذلك لانه عليه السّلام بين

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 154

و لو اشتراها على أنها مهزولة فخرجت كذلك لم تجزء (1). و لو خرجت سمينة أجزأته (2)

الكبرى الكلية و هي أنه لو كان يراه مهزولا فكذا، و أما عدم معرفة هزاله فغير مربوط بكلامه عليه السلام فإنه بين على نحو القضية الحقيقية أنه لو عرفه كان حكمه كذا.

السابع أنه لو اشترى سمينا و بان أنه لم يكن على كليته شحم مع كونه سمينا و لكن لم يكن عدم الشحم على الكلية لأجل المرض فهل يجزي أو لا؟ و الظاهر أنه يجزى، فإن ما في الحديث من وجود الشحم و عدمه حد للهزال لا للسمن فعليه في ظرف السمن لا بد أن يحكم بالإجزاء مطلقا كان على كليته شحم أو لا فتأمل.

و لكن يمكن أن يقال إنه لا يتفق أن يكون سمينا و لكن لم يكن على كليته شحم، فإن أول درجة من الهزال الغير المجزي عدم الشحم على كليته فمهما كان سمينا كان على كليته الشحم.

إلا أن يقال إن عدم الشحم على الكلية يمكن أن يكون لأجل مرض في الكلية فلا يجزى حينئذ، لا من جهة الهزال بل من جهة المرض، و لكن مع ذلك لا يمكن الحكم بعدم الإجزاء فيما إذا كان مرضه قليلا إذ لا يقال عرفا أنه معيب فتأمل.

الثامن أنه لو ظهر الهزال قبل الذبح لم يجزه كما هو واضح.

(1) قد نفي عنه الخلاف و ادعي عليه الإجماع و يدل عليه الأخبار المتقدمة.

(2) كما هو المشهور، للنصوص المتقدمة خلافا للعماني فلم يجتزء به للنهي عنه

المنافي لحصول التقرب به حال الذبح و هو اجتهاد في مقابل النص و يمكن حصوله بالرجاء.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 155

و كذا لو اشتراها على أنها سمينة فخرجت مهزولة (1) و لو اشتراها على أنها تامة فبانت ناقصة لم يجزه (2)

(1) لما سمعته من الأخبار في صدر المبحث.

(2) كما عن الأكثر، لإطلاق صحيح ابن جعفر عليه السلام الدال على عدم الاجتزاء بالناقص، لكن في التهذيب: «إن كان نقد الثمن ثم ظهر النقصان أجزأه» و لعله لقول الصادق عليه السلام في صحيح عمران الحلبي من اشترى هديا و لم يعلم به عيبا حتى نقد ثمنه ثم علم به فقد تم «1» و قوله عليه السلام في حسنة معاوية عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل اشترى هديا و كان به عيب عور أو غيره؟ فقال: إن كان نقد ثمنه فقد أجزأ عنه و إن لم يكن نقد ثمنه رده و اشترى غيره «2» بعد حمله على عجزه عن نقد الثمن بعد ظهور العيب و تقييد الصحيح المتقدم و هو صحيح علي بن جعفر بغير صورة نقد الثمن، و قد نفى عنه البأس في المدارك، و احتمل في محكي الاستبصار أن يكون هذا في الهدي الواجب، و ذاك في المندوب و الإجزاء إذا لم يقدر على استرجاع الثمن.

و لكن لا يخفى عليك ما في الجميع بعد إعراض الأصحاب رضوان الله تعالى عليهم عنه حتى الشيخ في غير الكتاب المزبور الموجب لخروجه عن محل الاعتبار قال في الجواهر: «نعم في الدروس اجزاء الخصي إذا تعذر غيره أو ظهر خصيا بعد ما لم يكن يعلم، و قد عرفت البحث في الأول، و اما الثاني فلا أعرف به

قولا و لا سندا كما اعترف به في كشف اللثام، و لو اشتراها على أنها ناقصة فبانت تامة قبل الذبح أجزأه لصدق الامتثال، و لو كان بعد الذبح ففي الاجزاء و عدمه إشكال ينشأ من

______________________________

(1) الوسائل ج 14 الباب 24 من أبواب الذبح الحديث 3

(2) الوسائل ج 14 الباب 24 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 156

..........

فحوى ما ورد في المهزول و من عدم النيّة حال الذبح مع حرمة القياس و لعله الأقوى.»

و لا يخفى انه قد تقدم البحث عن هذين الحديثين بصورة مفصلة عند شرح كلام المصنف: «الثالث ان يكون تاما.».

تذييل و هو انه إذا لم يجد الهدي الكامل فهل يجب عليه شراء الهدي النّاقص أو ينتقل قرضه الى الصّوم؟؟ يمكن الاستدلال للأول بوجوه:

الأول- الاستصحاب. و فيه ما لا يخفى.

الثاني- قاعدة الميسور و فيه: انه لم يلتزم أحد بجريانها في صورة ما إذا تعذر القيد فإذا قال المولى: «أعتق رقبة مؤمنة» و فرض انه لم يتمكن منها لم يقل أحد بوجوب رقبة كافرة عليه.

الثالث- انه يمكن ان يقال بوجوب شراء النّاقص بقاعدة الميسور و لكن لا بالقاعدة الميسور الكبيرة التي تجري في كثير من الموارد بل بقاعدة الميسورة الصغيرة الواردة في خصوص ما نحن فيه في حسن معاوية عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: ثم اشتر هديك ان كان من البدن أو من البقر و الا فاجعله كبشا سمينا فحلا فان لم تجد كبشا فحلا فموجأ من الضأن، فان لم تجد فتيسا، فان لم تجد فما تيسّر عليك و عظم شعائر اللّه «1». و عنه أيضا: إذا رميت الجمرة فاشتر هديك ان كان من البدن أو البقر،

______________________________

(1)

الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 157

[مستحبات الهدي]

(مستحبات الهدي) و المستحب فيه ان يكون سمينا (1)

و الا فاجعله كبشا سمينا فحلا، فان لم تجد فموجوء من الضأن، فان لم تجد فتيسا فحلا فان لم تجد فما تيسّر عليك و عظّم شعائر اللّه عزّ و جلّ. إلخ» «1» و قوله عليه السّلام:

(ما تيسّر عليك) دليل على المدّعي اللّهمّ الا ان يناقش فيه بأنه لعلّ المراد من قوله عليه السّلام: (ما تيسّر عليك) الأنثى من المعز فعليه يكون الحديث واردا لبيان مراتب الفضل من افراد الصحيح و يؤيّد ذلك ما ترى انه من أول الحديث الى قوله عليه السّلام (ما تيسّر عليك) بيان لمراتب الفضل و لا إشكال في اجزاء الجميع.

و لكن الإنصاف ان حمل قوله (ما تيسّر عليك) على أنثى المعز خلاف الظّاهر فيتّجه اجزاء النّاقص مع عدم وجدان الكامل فلا تصل النّوبة إلى الصّوم.

ثم انه بناء على تماميّة هذا التّقريب ليس الهدي الناقص بدلا عن الهدي الكامل- كما يكون الصّوم بدلا عنه- بل يكون قوله عليه السّلام (ما تيسّر عليك) معهما للموضوع كما ان قوله عليه السّلام: (امسح على المرارة) ليس ذلك بدلا عن الوضوء- كما ان التيمّم بدل عنه- لما عرفت من تعميم الموضوع بخبر عبد الأعلى، فيكون الهدي حين عدم وجدان الكامل ذلك، فلا تصل النّوبة إلى الصّوم، و لكن مع ذلك كله هذه المسألة بعد تحتاج إلى التأمل.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل في الجواهر

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب الذبح الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 158

تنظر في سواد و تبرك في سواد

و تمشي في مثله اى يكون لها ظلّ تمشي فيه و قبل ان تكون هذه المواضع منها سوداء (1)

: «بلا خلاف أجده فيه نصا و فتوى، بل الإجماع بقسميه عليه مضافا الى الاعتبار.»

(1) كما في التواعد و النافع بل و محكي الجامع، و لعله لصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام انه سأل عن الأضحية؟ فقال: اقرن فحل سمين عظيم العين و الأذن الى ان قال: ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: كان يضحّي بكبش أقرن عظيم فحل يأكل في سواد و ينظر في سواد، فان لم تجدوا من ذلك شيئا فاللّه اولى بالعذر «1» و صحيح عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام، قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يضحي بكبش أقرن فحل، ينظر في سواد، و يمشي في سواد «2» و صحيح محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر عليه السّلام أين أراد إبراهيم عليه السّلام ان يذبح ابنه؟ قال: على الجمرة الوسطى، و سأله عن كبش إبراهيم عليه السّلام ما كان لونه و اين نزل؟ قال: أملح، و كان أقرن و نزل من السماء على الجبل الأيمن من مسجد منى، و كان يمشي في سواد و يأكل في سواد و ينظر و يبهر و يبول في سواد «3» و في حديث الحلبي: «حدّثني من سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: ضحّ بكبش أسود أقرن فحل فان لم تجد أسود فأقرن فحل يأكل في سواد و يشرب في سواد و ينظر في سواد «4».

ينبغي هنا التّنبيه على أمور: الأول- ان الأخبار المقدمة- كما ترى- لم يذكر فيها (البروك في السواد)

______________________________

(1) الوسائل ج

2 الباب 13 من أبواب الذبح الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب الذبح الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب الذبح الحديث 6

(4) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب الذبح الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 159

..........

و لعله لذا قال في كشف الرموز: «لم أظفر بنص فيه» و لكن عن المبسوط و التذكرة أنه صلى الله عليه و آله أمر بكبش أقرن يطأ في سواد و ينظر في سواد و يبرك في سواد فأتي به فضحى به.

الثاني أنه هل يكون الحكم مختصا بالكبش أو لا؟ و الظاهر عدم اختصاصه به، و ذلك لما في صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: النعجة من الضأن إذا كانت سمينة أفضل من الخصي من الضأن و قال: الكبش السمين خير من الخصي و من الأنثى. إلخ «1» الثالث- إنه هل يكون الحكم مختصا ببعض أفراد الهدي أو يعم الجميع؟

و التحقيق أنه يعم الجميع لقوله عليه السلام في صحيح الحلبي الآتي تكون ضحاياكم سمانا. إلخ الرابع- إن الأخبار المتقدمة موردها الأضحية فلو كنا نحن و الأخبار المتقدمة لنحكم بالاقتصار على موردها لو لا الأخبار المطلقة الدالة على ثبوتها في غيرها أيضا الخامس إن قوله عليه السلام في ذيل صحيح محمد بن مسلم: (فالله أولى بالعذر) بظاهره يدل على الوجوب إلا أنه ترفع اليد عنه بما ورد عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: تكون ضحاياكم سمانا فإن أبا جعفر عليه السلام كان يستحب أن تكون أضحيته

______________________________

(1) الوسائل ج 14 الباب 12 من أبواب الذبح الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 160

..........

سمينة «1»، لأن قوله عليه السّلام

فيه: «يستحبّ» قرينة على الاستحباب اى انه كان يحب ذلك و من المعلوم ان كلمة: «يستحب» ليست مثل كلمة «يجب» حتى يقال انه هل المراد منه الوجوب الاصطلاحي أو اللغوي و كيف كان فبقرينة هذا الحديث يحمل ما دل بظاهره على وجوب كونه سمينا على الاستحباب.

السادس- انه لا نحتاج في إثبات الحكم المزبور الى ما دل على انه «ينظر في سواد و يمشي في سواد.» حتى يقال ان فيه احتمالات عديدة بل يكفينا في إثباته ما تقدّم من الاخبار الدّالة على استحباب كونه سمينا مطلقا.

الثامن- انه اختلف الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» في تفسير ذلك- اي ما تضمنه الاخبار من السواد- و هو عبارة عما يلي:

1- قيل ان المراد بذلك كون هذه المواضع سوداء- اى العين التي ينظر بها و القوائم التي يمشي عليها و البطن الذي يبرك عليه و هكذا سائر المواضع المذكورة و هو خيرة ابن إدريس على ما حكاه صاحب الحدائق «قدّس سرّه» و لكن لا يخفى ما فيه:

اما أولا- فلانه لا يمكن استفادة ذلك منها، لظهورها في غير هذا المعنى.

و اما ثانيا- فلانه- كما ترى- عزيز الوجود، حيث انه ما نرى الى الآن و ما سمعنا شاة ان تكون متّصفة بسواد هذه المواضع.

2- ان يكون المراد من ذلك هو ما افاده المصنف «قدّس سرّه» بقوله:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب الذبح الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 161

..........

«ان تكون لها ظلّ تمشي فيه» بمعنى ان يكون لها ظلّا عظيما باعتبار عظم جسمها و سمنها فتنظر في ظلّ جثّتها و تمشي و تأكل فيها فلا يكون المراد مطلق الظّل، فإنه لازم لكل ذي جسم كثيف، و كيف كان فبناء

على هذا التّفسير فتكون كناية عن المبالغة في السّمن.

و لكن لا يخفى ما فيه من المناقشة و الاشكال، لعدم كونه كذلك دائما- اي يمشي و ينظر و يأكل في سواد- نعم يمشى و ينظر في ظلّه فيما إذا كان ذهابه خلاف الشمس و ما إذا كان الشمس فوقه و هذا- كما ترى- لا يختص بعظيم الجثّة لكون صغيرها ايضا كذلك حينئذ، الّا ان يقال بعدم لزوم المشي فيه و انما هو تتمّة للمبالغة في عظم الظلّ، فإن المشي فيه حقيقة لا يتحقّق الا عند مسامتة الشمس لرأس الشخص و حينئذ يتساوى الجسم الصّغير و الكبير في الظّل باعتبار مطابقته له فتأمل.

3- قيل ان السواد كناية عن المرعى و المنبت فإنه يطلق عليه ذلك لغة فيكون المراد ان الهدى رعى و مشى و نظر و برك و بعر في الخضرة و المرعى فسمن لذلك و هذا المعنى هو أظهر انطباقا بالأخبار السّابقة.

4- ان يكون المراد من ذلك عدم كونه مريضا أو ضعيفا أو اعرجا بحيث يتأخر عن القطيع، بل يمشي فيهم، و يأكل فيهم، و ينظر فيهم.

فتحصّل مما ذكرنا انه لا نحتاج في الاستدلال على المطلوب- و هو استحباب كونه سمينا بهذه الأحاديث، بل يكفينا غيرها من المطلقات، فتدبر.

5- نقل عن القطب الراوندي انه قال: «ان التّفسيرات الثّلاث مرويّة عن أهل

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 162

..........

البيت (عليهم السلام) و بذلك صرح شيخنا الشهيد الثاني في المسالك و الظاهر انه تبع فيه ما نقل عن القطب الرّاوندي و يحتمل وقوفه على ما دل ذلك من الاخبار و في الدروس نسب النّقل الى القطب الرّاوندي و كيف كان فان المعنى الثالث يرجع الى الثّاني و هو

الكناية عن السّمن و اما التفسير الأول فإنه يكون وصفا برأسه.

التاسع- انه يمكن ان يقال ان الاولى الجمع بين الأوصاف التي تضمنها الرّوايات المتقدّمة بالنسبة إلى الهدي- من كونه أسود أقرن فحل- كما افاده صاحب الجواهر «قدس سره» حيث قال في ذيل المبحث: «و لعل الاولى الجمع بين الجميع، فإن أمر الاستحباب مما يتسامح فيه، و ان كان قد سمعت ان لون كبش إبراهيم عليه السّلام كان أملح. بل في المرسل: «ان النبي صلّى اللّه عليه و آله ضحّى بالأملح» الذي عن ابى عبيدة ان المراد به: «ما فيه سواد و بياض، و البياض أغلب» بل عن ابن أبي الأعرابي: «أنه الأبيض النقي البياض» الا ان ذلك كله- كما ترى- مناف للعرف، و لما سمعت من الأمر بكونه اسود، فالأولى مراعاة السّواد مع إمكانه، و الا فالاملح عرفا، كل ذلك للتّسامح الّذي منه ايضا يقوى عدم الاختصاص بالكبش و الأضحيّة) و لكن لا يخفى ان الظاهر مما ورد في هذه الأحاديث من الأمر بالأوصاف هو الوجوب و لكن ترفع اليد عنه لأجل التّسالم على خلافه.

ثم انه إذا فرض دوران الأمر بين وصفين- كما إذا كان أحدهما مثلا اسود و الآخر أقرن- فالمرجع التّخيير، لعدم ذكر أهميّة بعض هذه الأوصاف على الآخر في هذه الأحاديث، لأنه ذكر فيها دخالة الجميع على نهج واحد.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 163

و ان تكون مما عرف به (1)

ثم ان ما ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) بقوله «فالأولى مراعاة السّواد مع إمكانه، و الا فالاملح.» فهو غير موجود في الاخبار، و لكن يمكن استفادة ذلك بملاحظة الجمع بين ما دل من الأمر بذبح الأسود- و هو مرسل الحلبي المتقدم ذكره

في صدر المبحث- و ما دل على انه كان كبش إبراهيم عليه السّلام أملح الدّال على ثبوت الرّجحان في الاملحية و هو صحيح محمد بن مسلم المتقدم ذكره أيضا في صدر المبحث، فيمكن ان ان يقال- بناء على ذلك-: انه مع عدم إمكان الأسود يقوم مقامه الأملح الذي هو قريب منه، و لكن مع ذلك كله التّرتيب بينهما غير ظاهر بل يكون مقتضى الجمع بينهما التخيير لا الترتيب- كما لا يخفى- فتدبر.

و اما ما أفاده صاحب الجواهر «قدّس سرّه» بقوله: «فإن أمر الاستحباب مما يتسامح فيه.» ففيه ما لا يخفى.

و اما ما افاده بقوله أخيرا: «يقوّى عدم الاختصاص بالكبش و لا بالأضحيّة» فقد عرفت انه لا نحتاج في الحكم المزبور بالنسبة الى غير الكبش الى الرّوايات المتقدمة حتى يقال بلزوم الاقتصار على المورد بل نحكم في غيره بغيرها ممّا دلّ ذلك.

(1) استحباب كون الهدى مما عرف به مما هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل عن التّذكرة الإجماع عليه و استدل لذلك بما رواه محمد بن احمد بن يحيى، عن احمد بن محمد عن احمد بن محمد بن ابى نصر قال: سئل عن الخصي يضحى به؟ قال: ان كنتم تريدون اللّحم فدونكم، و قال: لا يضحي الا بما قد

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 164

..........

عرف به «1». و ما رواه ابي بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا يضحي بما قد عرفت به «2» و ظاهرهما- كما ترى- هو الوجوب و لكن ترفع اليد عنه بما دل على عدم لزوم ذلك و هو ما رواه سعد بن عبد اللّه عن احمد بن محمد عن محمد بن سنان عن عبد اللّه

بن مسكان عن سعيد بن يسار، قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عمن اشتراه شاة لم يعرف بها قال: لا بأس بها عرف أم لم يعرف «3»، و ذلك لان الجمع العرفي يقتضي حمل ظاهرهما الدّال على وجوب كون الهدى مما عرف به على الاستحباب، بقرينة نفي البأس الّذي تضمّنه حديث سعيد بن يسار، لكونه نصا في الجواز، و حكومة النّص على الظّاهر من أجل الحكومات كما انه ترفع اليد عن ظهور (لا بأس) في الإباحة، بقرينة قوله عليه السّلام في حديث احمد بن محمد بن ابى نصر، و خبر ابي بصير: «لا يضحى الا بما قد عرف»، لكونه نصا في رجحان كون الهدي مما قد عرف، و من المعلوم ان الجواز مع الرجحان هو الاستحباب.

ينبغي هنا ذكر أمور: الأول- ان المراد من التعريف به- كما في الجواهر- إحضاره في عشية عرفة بعرفات كما صرح به الفاضل و غيره و ان أطلق غيره، الا انه هو المنساق منه.

الثاني- قال: ان الظاهر الاكتفاء بإخبار البائع فيه- كما أشار إليه في حديث سعيد بن يسار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: انا نشتري الغنم بمنى و لسنا ندري عرف

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب الذبح الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب الذبح الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 165

و أفضل الهدي من البدن و البقر الإناث و من الضأن و المعز الذكران (1)

بها أم لا؟ فقال: انهم لا يكذبون، لا عليك، ضحّ بها «1» و ربما كان ذلك مناسبا للاستحباب كما انه ربما يومي الى قبول اخباره في

سنّه و ان كان لا يخلو من اشكال).

الثالث- انه ليس المراد من قوله عليه السّلام: «إنهم لا يكذبون» انهم لا يكذبون في شي ء أصلا فيقع الكلام في انه هل المراد انهم لا يكذبون في خصوص اخبارهم عن التعريف أو انهم لا يكذبون في مطلق أوصاف الهدي؟؟ القدر المتيقّن: هو الأول فيؤخذ به، فيحكم بكفاية اخبار البائع في خصوص التعريف دون غيره.

الرابع- الظاهر ان قوله عليه السّلام: «لا يكذبون» ليس تعبدا بل يكون اخبارا عن مطابقة اخبارهم الواقع، فيوجب الاطمئنان.

الخامس- ان حديث سعيد بن يسار ضعيف سندا، فلا عبرة به، فلا يبقى مجال- بناء عليه- لما تقدّم من الأمور- اللهم الا ان يقال بانجبار سنده بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» هذا انما يتمّ إذا لم يكن القول المخالف ممن اعتنى به، فتدبر.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا و استدل لذلك بصحيح معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: أفضل البدن ذوات الأرحام من الإبل و البقر، و قد تجزي الذكورة من البدن و الضحايا من الغنم الفحولة «2» و رواه المفيد في «المقنعة» مرسلا، الا انه قال: (و أفضل الضحايا) و صحيح

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب الذبح الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 166

..........

عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه قال: تجوز ذكورة الإبل و البقر في البلدان إذا لم يجدوا الإناث و الإناث أفضل «1» و حسن أو صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الإبل و البقر أيهما أفضل ان يضحى بهما؟. قال: ذوات

الأرحام «2» الى غير ذلك من الاخبار المروية عنهم (عليهم السلام).

و المستفاد منها- كما ترى- هو اجزاء غير الإناث كما دل على ذلك صحيح محمد ابن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام «في حديث» قال: الإناث و الذكور من الإبل و البقر تجزى «3».

قال في الجواهر: نعم عن (ية) لا يجوز التضحية بثور و لا جمل بمنى و لا بأس بهما في البلاد.» و يمكن الاستدلال لذلك بما رواه احمد بن محمد بن عيسى عن الحسن ابن محبوب عن العلاء عن ابى بصير قال: سألته عن الأضاحي؟ فقال: أفضل الأضاحي في الحج الإبل و البقر و قال: ذوا الأرحام و لا تضحي بثور و لا جمل «4» لكنه أولا- كما ترى- ورد هذا الحديث في الأضحية و لا يمكن التّعدي عن مورده الى مفروض المقام- و هو الهدي الواجب- الا ان يقال بذلك فيه أيضا بالأولويّة القطعيّة و ثانيا انه يحمل على الكراهة بقرينة سائر الأخبار.

(إيقاظ): و هو انه ليست الكراهة في الأمور العباديّة إلا بمعنى مفضوليته عن صنف آخر من ذلك النوع.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب الذبح الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب الذبح الحديث 5

(3) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب الذبح الحديث 3

(4) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب الذبح الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 167

و ان ينحر الإبل قائمة (1)

(1) استحباب نحر الإبل قائمة مما قد نفى عنه الخلاف، و ادعى عليه الإجماع، لقوله تعالى «فَاذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلَيْهٰا صَوٰافَّ» و قد ورد في تفسير (صوّاف) بكونها قائمة على قوائمها و استدلوا لذلك- مضافا الى ما ذكر- بعدة اخبار- منها:

1- صحيح عبد

اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عز و جل:

«فَاذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلَيْهٰا صَوٰافَّ» قال: ذلك حين تصف للنحر يربط يديها ما بين الخفّ إلى الرّكبة، و وجوب جنوبها إذا وقعت علي الأرض «1».

2- رواية أبي الصّباح الكناني قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام كيف تنحر البدنة فقال: تنحر و هي قائمة من قبل اليمين «2».

3- ما رواه محمد بن الحسين، عن عبد الرّحمن بن ابى هاشم العجلي عن ابي خديجة قال: رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام و هو ينحر بدنته معقولة يدها اليسرى ثم يقوم به من جانب يدها اليمنى، و يقول: (بسم اللّه و اللّه أكبر، اللّهمّ هذا منك و لك، اللّهم تقبّل منّي) ثم يطعن في لبتها، ثم يخرج السكّين بيده، فإذا وجبت قطع موضع الذّبح بيده «3».

و لا يخفى ان ظاهر بعض الاخبار المتقدّمة و ان كان وجوب نحر الإبل قائمة الا انه ترفع اليد عنه بما دل على جواز نحره باركة و هو ما رواه عبد اللّه بن جعفر الحميري في (قرب الاسناد) عن عبد اللّه بن الحسن، عن جده علي بن جعفر عن أخيه قال: سألته عن البدنة كيف ينحرها قائمة أو باركة؟؟ قال: يعقلها و ان شاء قائمة و ان شاء باركة «4»،

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 35 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 35 من أبواب الذبح الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 35 من أبواب الذبح الحديث 3

(4) الوسائل ج 2 الباب 35 من أبواب الذبح الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 168

قد ربطت بين الخف و الركبة (1) و يطعنها من الجانب الأيمن (2)

و ان يدعو اللّه تعالى عند الذبح (3) و يترك يده مع يد الذابح (4)

و لكن سنده ضعيف، الا ان يقال بانجبار سنده بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» فتأمل.

(1) لا ينبغي الإشكال فيه، لقوله عليه السّلام في صحيح ابن سنان المتقدم: (.

يربط يديها ما بين الخف إلى الركبة.).

(2) لقوله عليه السّلام في خبر الكناني: (تنحر و هي قائمة من قبل اليمين).

(3) استحباب الدعاء بالمأثور عند الذبح مما لا ينبغي الإشكال فيه في صحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا اشتريت هديك فاستقبل به القبلة و انحره أو اذبحه، و قل «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً مسلما وَ مٰا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ- إِنَّ صَلٰاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيٰايَ وَ مَمٰاتِي لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ، لٰا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذٰلِكَ أُمِرْتُ و انا من المسلمين، اللّهمّ منك و لك، بسم اللّه و باللّه و اللّه أكبر، اللّهم تقبّل منّى» ثم أمر السّكين و لا تنخعها حتى تموت «1» و نحوه غيره من الاخبار الواردة في المقام.

(4) استحباب ترك يده مع يد الذابح إذا استناب مما هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) و استدل له في الجواهر و غيرها بصحيح معاوية ابن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: و كان علي بن الحسين عليهما السّلام يضع السكين في يد الصبي ثم يقبض على يديه (يدي الصبي خ ل) الرّجل فيذبح «2» قال

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 37 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 36 من أبواب الذبح الحديث 2 و 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 169

و أفضل منه ان

يتولى الذبح بنفسه إذا أحسن (1) و يستحب ان يقسمه أثلاثا، يأكله ثلثه، و يهدي ثلثه، و يتصدق بثلثه (2)

صاحب الجواهر بعد ذكر هذا الحديث: «و ليس بواجب شرعا و لا شرطا، و عن الوسيلة و الجامع: انه يكفى الحضور عند الذبح، و لعله لما عن المحاسن من قول النبي صلّى اللّه عليه و آله في خبر بشر بن زيد لفاطمة عليهما السّلام: «اشهدي ذبح ذبيحتك، فإن أول قطرة منها يغفر اللّه لك بها كل ذنب عليك و كل خطيئة عليك (الى ان قال:) و هذا للمسلمين عامّة «1» و ان كان الظاهر عدم اعتباره ايضا.)

(1) قال في الجواهر: «و أفضل منه اي وضع اليد ان يتّولى الذّبح أو النّحر بنفسه إذا أحسن للتأسي و لقول الصّادق عليه السّلام: (فان كانت امرأة فلتذبح لنفسها) «2» لكن التّحقيق ان تولي الذبح أو النحر واجب، و انما تصل التوبة إلى الاستنابة إذا لم يتمكّن منه، كما ان الأمر كذلك في الطّواف و نحوه، أو قام الدّليل على جوازها ثم ان الصّبي الغير المتمكن من الذّبح بنفسه يستحب ان يؤخذ بيده مع كون السّكين بيده، فيذبح لما عرفته في صحيح معاوية بن عمّار، و لا يمكن التّعدي في هذا الحكم الى غيره، لاحتمال خصوصيّة فيه، نعم يمكن التعدي إذا حصل القطع بالمناط أو قام دليل على جواز التّسرية فتدبر.

(2) كما هو ظاهر جماعة و صريح أخرى، بل في كشف اللّثام نسبته إلى الأكثر.

و الظاهر ان محل البحث هنا في هدى التمتع، لأنه سيأتي حكم القرآن و الأضحية، و لكن الاخبار وردت في القرآن و الأضاحي و لم نرى منها ما يدل على التثليث

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب

36 من أبواب الذبح الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 36 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 170

..........

فيه بخصوصه.

ثم ان الاخبار الواردة في القرآن و الأضاحي: مختلفة بحسب المضمون، و لا بأس بذكرها- منها:

1- صحيح سيف التمّار قال قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ان سعيد بن عبد الملك قدم حاجا فلقي أبي، فقال: اني سقت هديا فكيف اصنع؟ فقال له أبي: أطعم أهلك ثلثا، و اطعم القانع و المعتر ثلثا، و اطعم المساكين ثلثا، فقلت: المساكين هم السؤال؟

فقال: نعم، و قال: القانع الذي يقنع بما أرسلت إليه من البضعة فما فوقها، و المعتر:

ينبغي له أكثر من ذلك هو اغنى من القانع يعتريك فلا يسألك «1» بناء على إرادة الإهداء من إطعام القانع و المعترّ و ان كان بعيدا، بل هو مقتضى حينئذ لاعتبار الفقر في ثلث الإهداء، مع ان ظاهر الإطلاق خلافه، كما صرح به بعض الأصحاب.

2- خبر شعيب العقرقوفى قلت: لأبي عبد اللّه عليه السّلام سقت في العمرة بدنة فأين أنحرها؟ قال: بمكة، قلت: ايّ شي ء أعطي منها؟ قال: كل ثلثا، و اهد ثلثا، و تصدّق بثلث «2» و يمكن ان يكون المراد من قوله عليه السّلام في هذا الخبر (كل ثلثا) اكله مع اهله حيث انه بنفسه لا يمكنه أكل تمام الثلث.

3- خبر ابي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن لحوم الأضاحي؟ فقال: كان علي بن الحسين و أبو جعفر عليهما السّلام يتصدقان بثلث على جيرانهم و ثلث على السؤال، و ثلث يمسكانه لأهل البيت «3» بناء على إرادة الإهداء من التصدق

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 3

(2) الوسائل

ج 2 الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 13

(3) الوسائل ج 2 الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 18

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 171

..........

على الجيران.

4- مرسلة جميل بن دراج عن ابى جعفر و ابي عبد اللّه عليهما السّلام انهما قالا: ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمر ان يؤخذ من كل بدنة بضعة فأمر بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فطبخت فأكل هو و علي و حسوا من المرق و قد كان النبي صلّى اللّه عليه و آله أشركه في هديه «1».

ثم انه يمكن استفادة التثليث من دلالة مجموع الآيتين و هما قوله تعالى (فَكُلُوا مِنْهٰا وَ أَطْعِمُوا الْبٰائِسَ الْفَقِيرَ) «2» و قوله تعالى (فَكُلُوا مِنْهٰا وَ أَطْعِمُوا الْقٰانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ) «3» و لكن ظاهر الآيتين- كما ترى- لا يدل على التثليث، لدلالتهما بظاهرهما على لزوم إعطاء اللحم الى الفقير و الأكل، فعليه يقع التهافت بين ظاهر الآيتين و ظاهر اخبار التثليث، بناء على تماميّة دلالتها، و لكن لا تهافت بينها، لان المستفاد منها هو لزوم الا كل بمقدار المسمى و الإعطاء بمقدار المسمى، و من الواضح ان ذلك لا ينافي ما ثبت من الاخبار من التثليث.

ينبغي هنا بيان أمور: الأول- قال صاحب الجواهر (قدس سره) في ذيل المبحث: (و على كل حال فلا ريب في استحباب التثليث المزبور في هدى التمتع، فان النصوص و ان لم تنصّ عليه بخصوصه، الا انه مع إمكان شمول أخبار الأضاحي له قد يقال: ان المراد منها بيان

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 2

(2) سورة 21 «الحج» الآية 28 و 29 و 37.

(3) سورة 21 «الحج» الآية 28 و

29 و 37.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 172

..........

الكيفية التي لا تفاوت فيها بين الواجب و الندب) ما افاده صاحب الجواهر (قدس سره) لا يخلو من تأمل.

الثاني- انه لا ريب في عدم اعتبار الفقر في ثلث الإهداء، لإطلاق خبر العقرقوفي الذي هو المستند.

الثالث- انه ان لم يكن إجماع يحكم بعدم اعتبار الايمان في من يصرف عليه الثلثين كما افاده صاحب الجواهر «قدس سره».

و اما القول باعتباره فيه حملا للمقام بالزكاة، و الصحيح: «كره عليه السّلام ان يطعم المشرك من لحوم الأضاحي» ففيه: ما لا يخفى.

الرابع- انه لا يشترط الفقر في الأهل، لإطلاق قوله عليه السّلام في صحيح سيف التمار «أطعم أهلك ثلاثا» الخامس- انه لا يعتبر الفقر في الجيران في الأضحيّة، لإطلاق قوله عليه السّلام في خبر ابى الصباح الكناني: «يتصدقان بثلث على جيرانهم».

و اما دعوى انصرافه الى الفقير و فيه: ما لا يخفى، لعدم الانصراف في البين أو لا، و على فرض ثبوته فبدوى ثانيا، فلا عبرة في تقييد الإطلاق فتدبر، فلا يشترط الفقر في الجيران إلا إذا ثبت بالدّليل حرمة الصدقة مطلقا على الغنيّ، فعليه يحكم فيه اعتبار الفقر الشّرعي لا العرفي.

السادس- انه لا يعتبر كون من يتصّدق اليه لحم هدي العمرة و القانع و المعتر و السؤال من أهل بلد التّصدق بل يجزى الإعطاء الى من أتى من الخارج ايضا لعدم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 173

و قيل يجب الأكل منه و هو الأظهر (1)

الدليل على التقييد.

السابع- قد يقال: ان قوله عليه السّلام في حديث شعيب العقرقوفي: «و اهد ثلثا» بظاهره خلاف صحيح التمّار الذي لم يذكر فيه الإهداء، لأنه جعل فيه كلا القسمين صدقة فينا فيه. اللّهم الا ان يقال:

ان المراد من الإهداء هنا ايضا هو الصّدقة و انما ذكر عنوان الإهداء فيه لأجل تأنّف بعض عن اسم الصّدقة. أو يقال: ان المراد ارادة الإهداء من إطعام القانع و المعتر المذكور في صحيح سيف التمّار- كما أشرنا إليه عند ذكر الحديث- و لكن يظهر ضعف هذين القولين بما تقدم في صدر المبحث في ذيل صحيح سيف التمّار.

الثامن- انه يمكن الجمع بين ما مر من الاخبار الثلاثة الواردة في تقسيم الهدى بان يقال ان الحديث الأول- و هو صحيح سيف التمار- وارد في هدى السّياق في الحج و الثاني- و هو خبر شعيب العقرقوفي- وارد في هدى السياق في العمرة و الثالث- و هو خبر ابي الصّباح الكناني- وارد في الأضحية المندوبة، و يمكن ان يقال: ان قوله عليه السّلام: «يتصدقان بثلث على جيرانهم» قرينة على انه كان في البلد.

(1) و تبعه عليه بعض من تأخر عنه كالفاضل و غيره، للأمر به في قوله تعالى:

«فَكُلُوا مِنْهٰا وَ أَطْعِمُوا الْقٰانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ» و في الصحيح «إذا ذبحت أو نحرت فكل و اطعم كما قال اللّه تعالى (فَكُلُوا مِنْهٰا.) «1» لكن يمكن المناقشة فيه- مضافا الى عدم اختصاصه بهدي التمتّع- بأنه في مقام نفي توهّم الحظر حيث حكى عن صاحب الكشّاف

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 174

..........

و الفاضل المقداد و غيرهما ان الأمم الماضية يمتنعون من أكل نسكهم فرفع اللّه الحرج عنه فلا يفيد سوى الإباحة و لكن لم يثبت ذلك.

ثم انه بعد رفع اليد عن ظاهر الأمر لما ذكر فيقع الكلام في انه هل يمكن إثبات استحباب الأكل به أو لا؟ يمكن الاستدلال لذلك بوجوه:

الأول-

ما ذكره صاحب الجواهر بقوله: «و يجوز ان يكون ندبا لما فيه من مواساة الفقراء و مساواتهم من استعمال التواضع» و لكن فيه ما لا يخفى.

الثاني- ان الهدى للّه تعالى و وصوله إليه بأكل الفقراء له- كما افاده صاحب الجواهر- فيستحب اكله. و فيه: ان كونه للّه تعالى لا يدل على استحباب أكله أيضا للّه تعالى كما لا يخفى.

الثالث- انه يمكن إثباته منه بتقريب: ان الأمر دالّ على شيئين على مطلق الرّجحان و على كونه بداعي الجدّ. و في الأول يبقى ظهوره على حاله، لعدم وجود قرينة على الخلاف، و هذا بخلاف الثاني لانتفاء ظهوره، لما عرفته من كونه في مقام نفى توهم الحظر. و لكن فيه: انه قد حقق في محله عدم كون الوجوب امرا مركبا حتى يقال: بأنه ذهب الفصل لأجل الدليل و بقي الجنس، لعدم القرينة على الخلاف، بل هو أمر بسيط و بعد انتفائه ينتفي الحكم فلا يبقى في البين حكم.

تحقيق الكلام في هذه المسألة يتوقف على ذكر أمور: الأول- انه بناء على تماميّة انتفاء ظهور الأمر بالأكل في الوجوب لكونه في مقام نفى توهّم الحظر يكون ظهور الأمر بالإطعام في الوجوب باقيا على حاله إلا إذا قام

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 175

..........

الدّليل على الخلاف.

الثاني- ان القسمة أثلاثا فلم اعرف قولا بوجوبها كما افاده صاحب الجواهر الثالث- قال في الجواهر: انه بناء على الوجوب لا يضمن مع الإخلال بالأكل- كما صرح به غير واحد من غير تردّد- لعدم تعلق حق لغيره به، بل في الذّكرى ايضا بعدمه لو أخل بالإهداء- بأن تصدق بالجميع- و قربه في محكي «هي» و جعله الوجه في «ير» و لعله لتحقق الإطعام الذي ليس

في الآيتين غيره مع الأكل، و لكون التصدق إهداء. نعم لو أخل به بالأكل ضمن قطعا كما انه كذلك لو أخل بثلث الصدقة، بل قد يحتمل الضمان لو أخل بالإهداء و لو للصدقة للأمر به و هو مباين لها، و لذا حرمت عليه صلّى اللّه عليه و آله الصدقة دون الهدية، و لو باع أو تلف فلا إشكال في الضمان، و لكن هل هو من الثلث أو الثلثان أو الجميع؟ وجوه ظاهر «ير»: الأخير منها و فيه: منع و المتجه ضمان شي ء للهدية و للصدقة لما عرفت من عدم وجوب التّثليث.)

و كيف كان فما افاده من عدم ضمانه مع الإخلال بالأكل متين. و اما لو أخلّ بالإهداء و التصدق بان فرط فيهما أو أتلفهما يمكن ان يقال بضمانه الثلثين لتعلق حق الغير بهما.

اللّهم الا ان يقال: ان الوجوب لو تمّ لا يلازم الحقّ.

نعم بناء على القول بان ظاهر الأدلّة الشّرطيّة، فيتجه الحكم بإعادة هديه في مفروض المقام، لعدم اجزاء هديه كذلك و هذا الفرض- كما تري- غير ضمان الثّمن، كما لا يخفى.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 176

و يكره التضحية بالجاموس (1)

الرابع- انه لو نهبه غير المؤمن- بناء على اعتبار الايمان- أو أخذه قهرا أو تلف فلا ضمان عليه للأصل.

الخامس- انه لو اهدى جميعه الى غنى، فالأحوط ضمانه للفقير، للإتلاف و أما لو تصدّق به للفقير فقد يقال بعد ضمانه- كما حكى عن العلّامة في التّذكرة و غيرها- لكن قد يناقش بأنه لا يتمّ بناء على وجوب الإهداء، لأنه تصرّف ممنوع عنه و هذا لا يخلو من تأمل.

(1) كما في القواعد و غيرها من دون نقل خلاف، و يمكن ان يستدل لذلك بفحوى ما في

مضمر ابى بصير الآتي: (و لا تضحى بثور و لا جمل) و فيه: ما لا يخفى و كيف كان فاستدل لاجزاء الجاموس- مضافا الى انه من البقر- بخبر علي بن الريان الصلت عن ابي الحسن الثالث عليه السّلام، قال كتبت إليه أسأله عن الجاموس عن كم يجزى في الضحية؟ فجاء في الجواب: ان كان ذكرا فعن واحد و ان كان أنثى فعن سبعة «1» و لا يخفى ان هذا الخبر- كما ترى- وارد في الأضحية المستحبة. لاختصاص إجزاء الأنثى عن سبعة بها، و لا يمكن التعدي عن مورده الى غيره لاحتمال خصوصية فيه.

و اما القول بان الظاهر من أصل سؤال السائل كون اجزاء الجاموس أمرا مفروغا عنه عنده في الأضحية، و هي تعم الهدى، غاية الأمر سأل عن كم يجزى فأجاب عليه السّلام بما أجاب فالكفاية عن سبعة و ان كانت مختصّة بالأضحية المستحبة لكن أصل الاجزاء ليس مختصا بها، ففيه: ما لا يخفى.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 15 من أبواب الذبح الحديث 1 و في الباب 18 الحديث 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 177

و بالثور (1)

و لكن العمدة في تنقيح هذه المسألة هي صدق عنوان البقر عليه و عدمه في الحكم بالاجزاء على الأول و بعدمه على الثاني.

و اما إذا شك فيه فالمرجع هو الاشتغال و عدم الاكتفاء به، لان الشك في الاجزاء في مفروض المقام يوجب الشك في الامتثال و انطباق المأمور به على المأتي به الذي لا شبهة في مرجعية قاعدة الاشتغال فيه.

(1) اما كراهة الثور في الهدي فاستدل لها بذيل ما رواه احمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن العلاء عن ابي بصير قال: سألته عن الأضاحي؟

فقال:

أفضل الأضاحي في الحج الإبل و البقر، و قال: ذو الأرحام و لا تضحي بثور و لا جمل «1» و لكن فيه ما لا يخفى مضافا الى اختصاصه بالأضحية.

ثم انه لا يخفى ما في افاده صاحب المستند (قدس سره) بقوله: «الا ان بعد فتوى جماعة لا بأس به في مقام التسامح» من المناقشة و الاشكال:

أما أولا- فلان قاعدة التسامح في أدلة السنن المستفادة من اخبار (من بلغ) فقد ذكرنا غير مرة ان غاية دلالتها- بعد الغض عن تعدد الاحتمالات المتطرقة في مفادها- هي ترتب الثواب على العمل الموعود عليه ذلك لا الحكم.

و اما ثانيا- فعلى فرض تسليم دلالتها على ذلك، فإنها تختص بالمستحبات، و لا يمكن التعدي عن موردها الى مفروض المقام- و هو المكروهات- و التعدي عن موردها الى المكروهات بان يكون الخير الضعيف حجة في المكروهات أو يكون الفعل مكروها

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب الذبح الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 178

و بالموجوء (1)

محتاج الى الدليل و هو مفقود.

(1) أما كراهة الموجوء (و هو مرضوض الخصيتين حتى تفسد) في الهدي فهو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) قديما و حديثا. بل في المدارك:

نسبته الى قطع الأصحاب. و لكن استفادة كراهة التضحية به من الأخبار محل نظر، لان فيها ما رجح بعض الأصناف على الموجوء و الموجوء على بعض أخر، كما في حسن معاوية بن عمار «في حديث» قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: اشتر فحلا سمينا للمتعة فان لم تجد فموجوءا، فان لم تجد فمن فحولة المعز، فان لم تجد فنعجة، فان لم تجد فما استيسر من الهدي «1» و نحوه غيره من الاخبار المروية عنهم

«عليهم السلام».

(تذييل) و هو انه هل يجزي الإبل البخاتي. و البقر الجبلية أو لا؟؟ يمكن ان يقال بعدم اجزائه، لما رواه إبراهيم بن محمد، عن السلمي عن داود الرقى قال: سألني بعض الخوارج عن هذه الآية «مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ، وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ، وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ» ما الذي أحل اللّه من ذلك، و ما الذي حرم؟ فلم يكن عندي فيه شي ء، فدخلت على ابى عبد اللّه عليه السّلام، و انا حاج فأخبرته بما كان، فقال: ان اللّه عز و جل أحل في الأضحية بمنى الضأن و المعز الأهلية، و حرم ان يضحى بالجبلية، و اما قوله «وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ» فان اللّه تعالى

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب الذبح الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 179

..........

أحل في الأضحية: الإبل العراب، و حرم فيها البخاتي و أحل البقر الأهلية ان يضحى بها و حرم الجبلية، فانصرفت الى الرجل فأخبرته بهذا الجواب، فقال: هذا شي ء حملته الإبل من الحجاز «1» و ما رواه صفوان الجمال قال: كان متجري إلى مصر، و كان لي بها صديق من الخوارج فأتاني في وقت خروجي إلى الحج فقال لي: هل سمعت شيئا من جعفر بن محمد عليهما السّلام في قوله تعالى «ثَمٰانِيَةَ أَزْوٰاجٍ: مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ، قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحٰامُ الْأُنْثَيَيْنِ- وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ» أيا أحل و أيا حرم؟؟ قلت: ما سمعت منه في هذا شيئا، فقال لي أنت على الخروج فأحب أن تسأله عن ذلك، قال: فحججت فدخلت

على ابي عبد اللّه عليه السّلام فسألته عن مسألة الخارجي فقال: حرم من الضأن و من المعز الجبلية و أحل الأهلية و حرم من البقر الجبلية و من الإبل البخاتي يعني في الأضاحي، قال فلما انصرفت أخبرته. إلخ «2» مقتضى هذين الحديثين- كما ترى- عدم اجزائهما- اي البقر الجبلية و الإبل البخاتي- و لكن لا يخفى ما فيه لكون السند ضعيفا فلا عبرة به، فيتعين في الإبل البخاتي الرجوع الى الإطلاقات.

و اما الجبلي فبما انه صيد محرم لا بد ان يقال بعدم الاجزاء و لو كان صيده قبل الإحرام حيث انه يجب عليه بالإحرام إطلاقه و بذلك يخرج من ملكه نعم إذا صاد جبليا و تولد منه الولد عنده فولده ليس صيدا مع انه جبلي فطريق إثبات عدم إجزائه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب الذبح الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 اباب 8 من أبواب الذبح الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 180

[الثالث في البدل]

الثالث في البدل من فقد الهدي و وجد ثمنه: قيل يخلفه عند من يشتريه طول ذي الحجة و قيل: ينتقل فرضه الى الصوم و هو الأشبه (1)

منحصر في التمسك بالنص ثم هنا اشكال آخر في النص و هو وروده في الأضحية فلا بد من الاقتصار على المورد لاحتمال خصوصية فيه.

(بدل الهدى: و هو الصّوم)

(1) من فقد الهدي و كان عنده ثمنه قيل و القائل المشهور، بل عن ظاهر الغنية الإجماع عليه بل قد يشهد عليه التتبع لانحصار المخالف في ابن إدريس و المصنف «قدس سرهما» يخلف ثمنه عند من يشتريه في ذي الحجة فيذبحه فان لم يتمكن منه أخر ذلك الى العام القابل في ذي الحجة.

و قيل: و القائل

ابن إدريس ينتقل فرضه الى الصوم، و هو الأشبه عند المصنف «قدس سره» بأصول المذهب و قواعده باعتبار صدق قوله تعالى «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ، تِلْكَ عَشَرَةٌ كٰامِلَةٌ «1» و دعوى: ان تيسير الهدي و وجدانه يعمان العين و الثمن تحقيق الكلام في هذه المسألة يتوقّف على ذكر جهات: الاولى- ان عنوان (من لم يجد) هل يشمل مفروض المقام أم لا؟.

و الجواب انه لو كنّا نحن و ظاهر الآية المباركة لقلنا بدخوله في هذا العنوان،

______________________________

(1) صورة البقرة الآية 19

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 181

..........

و اما القول بان وجدان الهدي أعم من وجدان عينه و وجدان ثمنه، فلا عبرة به، لان الظاهر منها هو وجدان العين فعليه بمقتضى الآية يحكم بوجوب الصوم عليه كما يحكم بذلك فيما إذا لم يكن واجدا للهدي و لا لثمنه فيتم بناء عليه كلام المصنف و ابن إدريس «قدس سرهما».

لكن في صحيح حريز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في متمتع يجد الثمن و لا يجد الغنم قال: يخلف الثمن عند بعض أهل مكة و يأمر من يشتري له و يذبح عنه و هو يجزى عنه فان مضى ذو الحجة أخر ذلك الى قابل من ذي الحجة «1» و هذا الحديث- كما ترى- يدل على عدم تعين الصوم عليه بل عليه ان يخلف الثمن عند بعض أهل مكة و يأمر من يشترى له و يذبح عنه و لا يخفى ان المراد من جملة: «و لا يجد الغنم» انه لا يجد الهدي و ذكر الغنم يكون من باب المثال.

و يمكن تأييد الصحيحة بما رواه

احمد بن محمد بن عيسى، عن احمد بن محمد بن ابي نصر عن النضر بن قرواش قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج، فوجب عليه النسك فطلبه فلم يجده و هو مؤسر حسن الحال و هو يضعف عن الصيام، فما ينبغي له ان يصنع؟ قال: يدفع ثمن النسك الى من يذبحه بمكة ان كان يريد المضي إلى اهله و ليذبح عنه في ذي الحجة، فقلت: فإنه دفعه الى من يذبح عنه فلم يصب في ذي الحجة نسكا و اصابه بعد ذلك؟ قال: لا يذبح عنه الا في ذي الحجة و لو أخره إلى قابل «2».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 44 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 44 من أبواب الذبح الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 182

..........

ثم انه يمكن ان يقال ان جعل ذلك مؤيدا لما تقدم متوقف على غمض العين مما ورد فيه من جملة: «و هو يضعف عن الصيام» فيدل بناء عليه على ما دلت عليه الصحيحة، و لكن غمض العين عنها كما ترى و عندئذ هذا الحديث يعارض الصحيحة المتقدمة بالأخصية، لتخصيصه الحكم- و هو دفع الثمن الى من يشتري و يذبح عنه بمكة- بمن يضعف عن الصيام، فلا بد من تخصيص الصحيحة به، و عليه فمن لم يضعف عن الصيام يجب ان يصوم و ان كان واجدا للثمن.

و يمكن ان يقال ان عدم التزام الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بالقيد المزبور ليس لأجل الإعراض بل لأجل انهم لم يروا لهذا القيد الموجود في كلام السائل مفهوما فتدبر. و كيف كان فمقتضى التحقيق انه لا محيص عما ذهب اليه المشهور من ان

واجد الثمن عليه الذبح لا الصوم ضعف عن الصوم أولا و ذلك لعدم عمل الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) بجملة «يضعف عن الصيام» فعليه يخرج عن حيز دليل الحجية و الاعتبار.

ان قلت انه ضعيف سندا بوجود النضر بن قرواش، فلا عبرة به في جعله مؤيدا قلت: أولا ان ضعفه منجبر بما سمعته من الشهرة.

و ثانيا- ان المروي عنه احمد بن محمد بن ابي نصر و هو من أصحاب الإجماع، فلا يضر ضعف من بعده على ما افاده بعض، و لكن في ذلك كلام، فتأمل.

فقد تحصل مما ذكرنا ان الواجد للثمن دون الهدي داخل في عنوان (من يجد) وفاقا للمشهور و خلافا لابن إدريس حيث انه ذهب الى ان الواجد للثمن دون الهدى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 183

..........

داخل في عنوان (من لم يجد) و عليه الصوم بمقتضى الآية المتقدمة خلافا للمشهور.

و لا يخفى ان ما ذهب اليه «قدس سره» هو الحق بناء على مبناه من عدم حجية خبر الواحد، و أما بناء على حجيّته- على ما قرر في محله- فلا.

مضافا الى ما ذكره صاحب الجواهر «قدس سره» فيها «و هو اعتبار اعتضاده بعمل رؤساء الأصحاب الذين هم الأساس في حفظ الشريعة- كالشيخين و الصدوقين و المرتضى (قدس اللّه أسرارهم) و كفى بذلك قرينة على صحة مضمونه» فتأمل.

الثانية- انه لا يعارض ما مر خبر ابى بصير عن أحدهما عليهما السّلام قال: سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان يوم النّفر وجد ثمن شاة، أ يذبح أو يصوم؟

قال: بل يصوم، فإن أيام الذبح قد مضت «1» و ذلك لوروده فيما إذا لم يكن واجدا للثمن في أيام الذبح و لكن صار واجدا

له بمنى يوم النفر و هذا بخلاف صحيح حريز المتقدم لوروده فيما إذا كان واجدا له في أيام الذبح و لكن لم يجد الهدي، فهو غير ما نحن فيه الثالثة- حكى عن ابي علي التخيير بين الصوم و التصدق بالثمن بدلا عن الهدي و وضعه عند من يشتريه فيذبحه الى آخر ذي الحجة جمعا بين ما تقدم و بين خبر عبد اللّه ابن عمر قال: كنا بمكة فأصابنا غلا في الأضاحي، فاشترينا بدينار، ثم بدينارين، ثم بلغت سبعة، ثم لم توجد بقليل و لا كثير، فرقع هشام المكاري رقعة الى ابى الحسن عليه السّلام فأخبره بما اشترينا ثم لم نجد بقليل و لا كثير، فوقع: انظروا الى الثمن الأول

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 44 من أبواب الذبح الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 184

و إذا فقدهما صام عشرة أيام (1)

و الثاني و الثالث ثم تصدقوا بمثل ثلثه «1» و لكن فيه ما لا يخفى.

أما أولا: فلكونه ضعيفا سندا، فلا عبرة به حتى يحتاج الى الجمع بينه و بين ما دل على تعيين الصوم بالتخيير.

و أما ثانيا: فلما قيل من كونه ظاهرا في المندوب، و اما ثالثا: فلان عدم عمل الأصحاب مانع عن الاعتماد عليه، فتدبر.

(1) اي الهدي و الثمن بما بصدق عليه عدم الوجدان عرفا و في المسالك (يتحقق العجز عن الثمن بان لا يقدر على تحصيله و لو بتكسب لائق بحاله، و بيع ما زاد على المستثنى في الدين) و ناقش فيه صاحب الجواهر «قدس سره» بقوله: «و لا يخفى عليك ما في الأول نعم المعتبر القدرة في موضعه لا في بلده إلا إذا تمكن من بيع ما في بلده بما لا

يتضرر به أو من الاستدانة عليه، فإنه لا يبعد الوجوب بل في المسالك أطلق البيع بدون ثمن المثل».

تفصيل الكلام فيه يتوقف على ذكر أمرين: الأول- انه إذا لم يكن لديه مال لشراء الهدي و لكن كان قادرا على الكسب و تحصيله فهل يجب ذلك عليه أو لا؟

يمكن ان يقال بوجوبه عليه، لكونه مقدمة للواجب المطلق- و هو الهدي الواجب- فيجب تحصيله و لو بالكسب إلا إذا كان مستلزما لهتكه و ذهاب شرفه و حيثيّته

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 58 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 185

ثلاثة أيام في الحج متتابعات (1)

فيجب عليه الصّوم حينئذ.

لكن التحقيق: عدم وجوب الكسب عليه في مفروض المقام، لعدم كون الكسب مقدّمة وجوديّة للواجب المطلق، بل يكون مقدّمة وجوبية، فإن موضوع وجوب الهدي هو اليسار، فليس عليه ان يكتسب حتى يدخل في قوله تعالى «فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ».

الثاني- انه إذا كان له مال في بلده و تمكّن من الاستقراض هناك فهل يجب عليه ذلك لتحصيل الهدي، لكونه واجدا و موسرا عرفا أولا؟.

يمكن ان يقال بالتفصيل بين ما امكنه الاستقراض بمجرد الإشارة، لكونه ذا ثروة كثيرة و كان من قبيل أخذ ماله من صندوقه، فحينئذ يحكم بوجوب القرض عليه لان العرف يراه موسرا، كما يحكم بوجوب أخذ المال من صندوقه إذا كان له مال في صندوقه الذي كان عنده مثلا و من المعلوم انه لا يعد أخذ المال من صندوقه الذي عنده تحصيلا للقدرة على الهدي، و بين ما إذا كان استقراضه متوقفا على التماس لا يصل الى مرتبة الهتك و ذهاب الحيثيّة و الشّرف، فلا يحكم في هذا الفرض بوجوب القرض عليه.

و اما إذا استلزم الهتك

و الحرج فلا إشكال في عدم وجوبه، كما لا يخفى.

و التحقيق: هو وجوب القرض عليه مطلقا ما لم يوجب الهتك و العسر و الحرج، لصدق اليسار عرفا، و لا يعد ذلك تحصيلا للقدرة على الهدي كما لا يخفى.

(1) لا ينبغي الإشكال في وجوب صوم عشرة أيّام على من فقد الهدي و ثمنه ثلاثة أيام في سفر الحج قبل الرجوع الى اهله، و يجب ان يكون- كما افاده المصنف

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 186

يوما قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة (1)

(قدس سره)- متواليات و هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا بل في الجواهر: «بلا خلاف، بل عن المنتهى و غيره الإجماع عليه.

إلخ» و يدل عليه- مضافا الى ما ذكر- ما رواه علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السّلام قال سألته عن صيام الثلاثة أيام في الحج و السبعة أ يصومها متوالية أم يفرق بينهما؟ قال: يصوم الثلاثة لا يفرق بينها. إلخ «1» و خبر إسحاق بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا يصوم الثلاثة متفرقة «2».

(1) يدل عليه جملة من النصوص المأثورة عنهم (عليهم السلام)- منها:

1- خبر رفاعة بن موسى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتمتع لا يجد الهدي؟ قال: يصوم قبل التّروية، و يوم التّروية، و يوم عرفة، قلت: فإنه قدم يوم التروية؟ قال: يصوم ثلاثة أيام بعد التشريق، قلت: لم يقم عليه جماله؟ قال: يصوم يوم الحصبة و بعده يومين، قال: قلت: و ما الحصبة؟ قال: يوم نفره قلت: يصوم و هو مسافر؟ قال: نعم أ ليس هو يوم عرفة مسافرا إنا أهل بيت نقول ذلك لقول اللّه

عز و جل «فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ» يقول في ذي الحجة «3».

2- صحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن متمتع لم يجد هديا؟ قال: يصوم ثلاثة أيام في الحج يوما قبل التّروية و يوم التّروية و يوم عرفة، قال: قلت: فان فاته ذلك؟ قال: يتسّحر ليلة الحصبة و يصوم ذلك اليوم و يومين بعده

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 17

(2) الوسائل ج 2 الباب 53 من أبواب الذبح الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 187

..........

قلت: فان لم يقم عليه جماله أ يصومها في الطريق؟ قال: ان شاء صامها في الطريق، و ان شاء رجع الى أهله «1».

3- المرويّ في قرب الاسناد عن حماد بن عيسى قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: قال على في قول اللّه عز و جل «فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ» قال: قبل التّروية و يوم التّروية و يوم عرفة، فمن فاتته هذه الأيّام فلينشئ يوم الحصبة و هي ليلة النّفر «2» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم (عليهم السلام).

تحقيق الكلام في هذه المسألة يتوقّف على بيان جهات: الاولى- انه لا يجوز تقديم الصيام على ذي الحجة، بأن يصوم إذا أحرم بالعمرة قبلها بتقريب: ان عمرة التمتع جزء للحج فيصدق عليه انّه في الحج أو يقال بجوازه قبلها و ان لم يحرم بالعمرة بدعوى صدق عنوان كونه في الحج لان شوال و ذي القعدة أيضا من أشهر الحج، و ذلك لما دل من الاخبار على عدم جواز صيامها في غير ذي الحجّة.

الثانية-

ان الاخبار الواردة في المقام مختلفة في وقت الصّوم، فقد دل بعضها على انه يصوم قبل التّروية و يوم التّروية و يوم عرفة، و هو خبر رفاعة بن موسى و غيره مما تقدّم و قد دل بعض منها على جواز الصوم من أول ذي الحجّة و هو ما رواه زرارة عن أحدهما عليهما السّلام انه قال: من لم يجد هديا و أحبّ ان يقدّم الثّلاثة الأيام في

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 14

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 188

..........

أول العشر فلا بأس «1». و قد دلّ بعض آخر منها على جواز تأخير صومه الى العشر الآخر من ذي الحجة، و هو ما عن زرارة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام انه قال: من لم يجد ثمن الهدي، فأحبّ أن يصوم الثّلاثة الأيام في العشر الأواخر فلا بأس بذلك «2» فعلى هذا تقع المعارضة بين الاخبار، و لكن يمكن ان يقال انه لا معارضة بينها، و ذلك لان الجمع العرفي يقتضي حمل الأخبار المتقدمة في صدر المبحث الظاهرة في وجوب الصوم لمن لا يجد الهدي و لا ثمنه في يوم قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة على الاستحباب، بقرينة نفي البأس في صومه من أول العشر من ذي الحجة الذي تضمنه خبر زرارة الأول، و نفي البأس في صومه من العشر الآخر الذي تضمّنه خبره الثّاني لكونه نصّا في الجواز، و قد ذكرنا غير مرّة ان حكومة النّص على الظّاهر من اجلى الحكومات، كما انه ترفع اليد عن ظهور: (لا بأس) في الإباحة بقرينة قوله عليه السّلام في الاخبار

المتقدّمة في صدر المبحث: «يصوم قبل التّروية و يوم التّروية و يوم عرفة، لكونه نصّا في رجحان الصوم في الأيّام الثّلاثة المذكورة، و من المعلوم ان الجواز مع الرجحان هو الاستحباب.

فظهر انه للصوم: وقتين، وقت فضيلة و وقت اجزاء، أما وقت الفضيلة: و هو قبل التّروية و يوم التّروية و يوم عرفة، أما وقت الاجزاء و هو تمام ذي الحجّة، إلا ما استثنى منها من الأيّام و سيأتي ذكرها عند تعرض المصنّف «قدّس سرّه» له.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 2 و 8 و في الباب 54 الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 13

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 189

..........

الثالثة- انه قد يشكل ما تقدم في الجهة الثّانية من حمل الأخبار المتقدمة في صدر المبحث الظاهرة في وجوب الصوم في الأيّام الثّلاثة المتقدّمة على الاستحباب، و ذلك لعدم كون بعض الاخبار ظاهرا في التّعيين حتى يحمل على الاستحباب بقرينة: (لا بأس) الّذي تضمّنه خبر زرارة، بل يكون نصّا أو أظهر في التّعيين، و هو ما رواه عبد الرحمن الحجّاج قال: كنت قائما أصلّي و أبو الحسن قاعد قدّامي، و انا لا أعلم فجائه عباد البصري فسلم ثم جلس فقال له: يا أبا الحسن ما تقول: في رجل تمتّع و لم يكن له هدي؟

قال: يصوم الأيّام الّتي قال اللّه تعالى، قال: فجعلت سمعي إليهما، فقال له عباد: و أي أيام هي؟ قال: قبل التّروية بيوم، و يوم التّروية و يوم عرفة قال: فان فاته ذلك؟ قال:

يصوم صبيحة الحصبة و يومين بعد ذلك. إلخ «1» و هذا الحديث- كما ترى- نصّ في التعيين، لانه فسر الثّلاثة الأيّام التي

في الآية بأنها قبل التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة، فعليه لا يتأتى فيه ما عرفته من الجمع الذي تقدّم ذكره- و هو حمل ما دل بظاهره على التّعيين على الاستحباب- فتدبر.

اللّهمّ الا ان يقال في مقام الجمع: ان الأيّام الثّلاثة المأمور بها للصوم: قبل يوم التّروية بيوم و يوم التّروية و يوم عرفة، و لكن الثّلاثة الأيام من باقي الأيام من أول ذي الحجّة إلى آخرها غير الأيّام المستثناة منها بدل لها، فيحمل ما دل على جواز الصّوم في غير الأيّام الثّلاثة المذكورة على الثّاني.

و بعبارة اخرى: ان حديث عبد الرّحمن بن الحجّاج نصّ في مطلوبيّة ذلك

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 54 من أبواب الذبح الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 190

..........

الأيام لا في تعيينها، لكونه ظاهرا أو أظهر فيه، و هذا يرفع بما دل على انه إذا أحب ان يصوم الثلاثة الأيام في العشر الأواخر فلا بأس به، و ما دل على انه إذا أحب ان يصوم الثلاثة الأيام في العشر الأول فلا بأس، و نتيجة ذلك: هي ان المأمور به هو الأيام الثلاثة المذكورة و لكن لا بنحو التعينية و من جهة الدليل جعل لها بدل فتأمل.

الثالثة- ان هنا اشكال و هو ان الهدي بعد لم يجب و تقدم البدل على المبدل منه محال فلا معنى للخطاب بالبدل قبل تحقق الخطاب بالمبدل منه، خصوصا بعد ظهور الآية في عدم الوجدان عند الأمر بالذبح، كما دل عليه خبر احمد بن عبد اللّه الكرخي قال: قلت للرضا عليه السّلام: المتمتّع يقدّم و ليس معه هدى أ يصوم ما لم يجب عليه؟ قال:

يصبر الى يوم النّحر، فان لم يصب فهو ممن

لم يجد «1» و عن علي بن إبراهيم في تفسيره: «ان من لم يجد الهدى صام ثلاثة أيام بمكّة يعني بعد النّفر و لم يذكر صومها في غير ذلك.

و كيف كان فموضوع حكم الذبح هو خصوص يوم النّحر لا قبله فقبل يوم النّحر ليس الحكم ثابتا للذّبح، و إذا كان كذلك فكيف يكون الصّوم الذي هو بدل عنه ثابتا و يصوم الحاج قبل يوم التّروية و يوم التّروية و يوم عرفة أو ثلاثة أيام من أول ذي الحجّة ان قلت: ان ذلك كله اجتهاد في قبال النّص.

قلت: انه قد حقّق في محله انه مهما تعارض النّقل مع الدّليل العقلي المنتهى الى الضّروري، فلا بد من الأخذ بحكم العقل، و الا فيلزم طرح العقل و النّقل معا، و في

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 54 من أبواب الذبح الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 191

..........

ما نحن فيه قد تحقق اشكال عقلي ينتهي الى الأمر الضّروري، و هو ما عرفت من ان الحكم لا يتقدم على موضوعه و انه لا يتقدم البدل على المبدل منه، لانه لو تقدم عليه لزم ان لا يكون دخيلا في ثبوت الحكم، لثبوت الحكم بدونه، و المفروض انه دخيل، و يلزم بناء عليه اجتماع الدّخل و اللادخل، و محاليّة اجتماع النّقيضين ضرورية عند الكل، فظهر: ان الموضوع بالنسبة إلى الحكم يكون كالعلة بالنسبة إلى معلولها، و من المعلوم انه لا انفكاك بين العلّة و المعلول زمانا آنا واحدا، فبملاك استحالة تقدم المعلول على علّته يستحيل تحقّق الحكم أو البدل قبل تحقّق الموضوع أو المبدل منه.

و لا يخفى ان هذا الاشكال انما يتوجه بناء على عدم الالتزام بالواجب المعلّق و الا فلا

يبقى في البين اشكال، و قد حقق في الجزء الأول من هذا الكتاب عند شرح كلام صاحب العروة الوثقى: «لو توقف ادراك الحج بعد حصول الاستطاعة على مقدمات من السفر و تهيئة أسبابه وجب المبادرة إليها على وجه يدرك الحج في تلك السنة.»: عدم استحالة واجب المعلق، لعدم كون الوقت جزء للموضوع، لكونه من قيود المتعلّق.

نعم يلزم الاشكال بناء على القول بان ظرف المتعلق لا بد و ان يكون متّحدا مع ظرف الحكم و موضوعه و استحالة التفكيك الزّماني بينهما كما انه لا إشكال في لزوم اتحاد ظرف الموضوع مع ظرف الحكم و استحالة التفكيك الزماني بينهما و لكن ليس الأمر كذلك، و كيف كان فالموضوع قبل الوقت متحقق و الحكم ثابت عليه و متعلق الوجوب هو ذلك الأفعال المقيدة بالوقت الخاص الذي لم يجي ء وقتها.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 192

..........

ان قلت: ان الوقت ليس داخلا تحت قدرة المكلف حتى يمكن جعله من قيود المتعلق، و لا يمكن له جر الزمان فلا يتعلق الخطاب بالمتعلق الا بعد وجوده كي يصير مقدورا للمكلف، فقبل الوقت المضروب للعمل لا وجود للحكم، كما لا وجود له قبل وجود موضوعه.

قلت: انه لا ينبغي الارتياب في ان الخطاب لا يتعلق الا بالمقدور، و لكن يكفي في جواز تعلّق الحكم بإتيان الأفعال في خصوص الوقت الخاص: كون ذلك داخلا تحت القدرة، و من المعلوم ان الإتيان بالمتعلق في وقته مقدور، و المعيار فيها هو المقدورية في وقت الواجب، فلا مانع من تحقق التكليف به.

و بعبارة اخرى: ان جرّ الزمان و ان لم يكن داخلا تحت قدرة المكلف، لكن الفعل المقيد بوقت الكذائي مقدور له في ظرف الامتثال و ان لم

يكن مقدورا له في أول أزمنة الوجوب و هو كاف في صحته اي التكليف.

إذا عرفت ذلك فنقول: ان الظاهر من أدلّة وجوب الحج على المستطيع هو ان الاستطاعة تمام الموضوع للوجوب، لان الاستطاعة إنما فسرت في الأخبار الواردة في تفسيرها بأمور و ليس منها الموسم، و كيف كان فما لم يثبت دخالة شي ء آخر بدليل خاص لا نقول بدخالته فيه، فمهما تحقق الموضوع يتحقق الحكم لاستحالة التخلف، إلا إذا قام الدليل على كون الوقت قيدا في الموضوع، و لا يكون صرف عدم مقدوريّة جرّ الزمان كاشفا عن دخله في الموضوع فعلى ذلك وجب عليه جميع النّسك، و منها الهدي من أول تحقق الاستطاعة، فلا يلزم تقدم البدل على المبدل منه.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 193

و لو لم يتفق اقتصر على التروية و عرفة ثم صام الثالث بعد النفر (1).

و من هنا ظهر انه لا نحتاج في إثبات وجوب المسير قبل الموسم الى مقدمات المفوتة و نحوها، لان المفروض تحقق الموضوع و تحقق الحكم فيجب المقدمة.

و كيف كان فلا يمكن التفصّي عن الإشكال في مفروض المقام الا بالالتزام بالواجب المعلق و عدم كون وقت الواجب شرطا للحكم أو الالتزام بتعدد الموضوع و منع كون الصوم بدلا عن الذبح، فيكون حال الواجد للهدي و فاقده كحال المسافر و الحاضر، لا مثل المتمكّن من الطّهارة المائية و غير المتمكن منها الّذين لا يكونان كالمسافر و الحاضر بل يكونان من باب الأبدال الاضطرارية و مبدلاتها و قد أشرنا الى ذلك في الجزء الأول من هذا الكتاب عند المبحث الذي بيّنا فيما تقدّم.

ثم انه لا يعارض خبر احمد بن عبد اللّه الكرخي مع الاخبار المتقدّمة لأنه محمول على الجواز،

أو على من وجد الثّمن.

مضافا الى ان أعراض الأصحاب عن العمل بظاهره مانع عن الاعتماد عليه، فتدبر.

(1) ذهب المصنف «قدس سره» إلى انه لو لم يتفق له صوم يوم قبل التروية اقتصر على يوم التّروية و يوم عرفة ثم صام اليوم الثّالث بعد النفر، وفاقا للمشهور، و قد ادعى عليه الإجماع ابن إدريس و غيره، و استدل لذلك بخبر عبد الرّحمن بن الحجّاج عن ابى عبد اللّه عليه السّلام فيمن صام يوم التّروية و يوم عرفة؟ قال: يجزيه ان يصوم يوما آخر «1».

و خبر يحيى الأزرق أو موثقة عن ابي الحسن عليه السّلام قال: سألته عن رجل قدم

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 52 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 194

..........

يوم التروية متمتعا و ليس له هدي فصام يوم التروية و يوم عرفة؟ قال: يصوم يوما آخر بعد أيام التشريق «1» و رواه الصدوق (قدس سره) بإسناده عن يحيى الأزرق أنه سأل أبا إبراهيم، و ذكر مثله الا انه قال: «بعد أيام التشريق بيوم» تنقيح هذه المسألة يتّوقف على ذكر أمور: الأول- ان مقتضى خبر الأول هو جواز اقتصاره على صوم يوم التّروية و يوم عرفة و صوم يوم آخر حتى في حال الاختيار، بل مقتضى الحديث الثاني أيضا ذلك لان القدوم يوم التّروية لا ينافي صوم يوم قبله قبل القدوم، و قد صرح به ابن حمزة، بل في كشف اللّثام نسبته الى ظاهر الباقين على ما حكاه صاحب الجواهر «قدّس سرّه» و من هنا يظهر ضعف ما أفاده القاضي و الحلبيين من القول باختصاصه بحال الاضطرار، و مثله القول باشتراط الجهل بالعيد، لأن إطلاق ما تقدم من الأخبار ينفيه، كما

اعترف به الكركي و ثاني الشهيدين.

الثاني- انه نقل في الجواهر عن أبي حمزة جواز صوم يوم السّابع و الثّامن ثم يوما بعد النّفر، لمن خاف ان يضعّفه صوم يوم عرفة عن الدّعاء. و نفى عنه البأس في المختلف، محتجّا له: «بان التشاغل بالدّعاء فيه مطلوب للشّارع فجاز الإفطار له» و لكن فيه ما لا يخفى. و ان أيّده بعض بالنّهي عن صوم يوم عرفة مطلقا، كقول الصّادقين عليهما السّلام في خبر زرارة: «لا تصم في يوم عاشوراء و لا عرفة بمكة و لا في المدينة و لا في

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 52 من أبواب الذبح الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 195

..........

وطنك و لا في مصر من الأمصار» أو إذا أضعف عن الدّعاء، كقول أبى جعفر عليه السّلام في خبر ابن مسلم إذ سأله عن صومها من قوىّ عليه: «فحسن ان لم يمنعك من الدّعاء فإنه يوم دعاء و مسألة فصمه، و ان خشيت ان يضعّفك عن الدّعاء فلا تصمه» الا ان ذلك كله- كما أفاده صاحب الجواهر (قدّس سرّه)- لا يدل على اغتفار الفصل به في التّوالي الّذي عرفت اعتباره في النصّ و معقد الإجماع، مضافا الى ما يظهر من جملة من الاخبار التي سيأتي ذكرها عدم اغتفار الفصل بالعيد الذي قد عرفت النصّ و الفتوى و معقد الإجماع عليه، فتأمل.

الثالث- انه قد عرفت ان مقتضى الأخبار المتقدّمة في صدر المبحث هو جواز اقتصاره على صومه يوم التّروية و يوم عرفة و يوما آخر، و لكن يعارضها جملة من النّصوص- منها:

1- صحيح عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن متمتع يدخل يوم التّروية و ليس معه

هدي؟ قال: فلا يصوم ذلك اليوم و لا يوم عرفة و يتسّحر ليلة الحصبة فيصبح صائما و هو يوم النّفر و يصوم صومين بعده «1».

2- ما رواه عبد الرّحمن بن الحجّاج عن ابى الحسن عليه السّلام قال: سأله عباد البصري عن متمتع لم يكن معه هدي؟ قال: يصوم ثلاثة أيام قبل التّروية بيوم، و يوم التّروية و يوم عرفة، قال: فان فاته صوم هذه الأيام؟ فقال: لا يصوم يوم التروية و لا يوم عرفة، و لكن يصوم ثلاثة أيام متتابعات بعد أيام التّشريق «2»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 52 من أبواب الذبح الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 52 من أبواب الذبح الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 196

..........

3- خبر رفاعة بن موسى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتمتّع لا يجد الهدي؟ قال: يصوم قبل التّروية و يوم التّروية و يوم عرفة، قلت: فإنه قدم يوم التّروية قال: يصوم ثلاثة بعد التشريق، قلت: لم يقم عليه جماله؟ قال: يصوم يوم الحصبة و بعده يومين قال: قلت: و ما الحصبة؟ قال: يوم نفره. إلخ «1».

4- خبر معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن متمتّع لم يجد هديا؟ قال: يصوم ثلاثة أيّام في الحج يوما قبل التّروية، و يوم التّروية و يوم عرفة، قال: قلت: فان فاته ذلك؟ قال: يتسحّر ليلة الحصبة و يصوم ذلك اليوم و يومين بعده.

إلخ «2» و نحوه خبر حماد بن عيسى «3» و خبر إبراهيم بن يحيى «4» فهنا طائفتين من الاخبار و يقع التّعارض بينهما.

يمكن الجمع بينهما بوجوه:

الأول- حمل الطّائفة الثّانية على الكراهة و ذلك لان الجمع العرفي يقتضي حمل الطّائفة الثّانية

الظّاهرة في حرمة صوم يوم التّروية و يوم عرفة على الكراهة، بقرينة قوله عليه السّلام «يجزيه» الذي تضمّنه خبر عبد الرّحمن بن الحجّاج المتقدّم ذكره في الطّائفة الأولى، لكونه نصّا في الجواز و حكومة النص على الظّاهر من اجلى الحكومات، فيحكم بالكراهة فتأمل، الثاني- حمل الطّائفة الأولى الدّالة على كفاية صوم يوم التّروية و يوم عرفة على ما إذا لم يكن متمكّنا من صوم قبل يوم التّروية و حمل الطّائفة الثّانية على ما إذا كان

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 14

(4) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 20

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 4، ص: 197

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 197

..........

متمكنا من ذلك، و لكن فيه ما لا يخفى، لعدم الشاهد له فلا يصار اليه.

ثم انه يمكن ان يقال: انه لا عبرة بالطّائفة الثّانية، لإعراض الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) عنها الموجب لخروجها عن حيّز دليل الاعتبار.

ثم انه بناء على التّساقط، فيكون المرجع الأخبار الدّالة على اعتبار التّوالي، فلا بد له من ان يؤّخر صومه الى بعد أيام التّشريق، و لكن له ان يجعل أوّل صومه يوم الحصبة، و ان كان هو من أيّام التّشريق، فإنه اليوم الثّالث عشر لا الرّابع عشر، و من قال: ان يوم الحصبة هو اليوم الرابع، فمراده رابع العيد، لا الرابع عشر من الشهر، فالأخبار الدّالة على حرمة صوم أيام التّشريق في منى مخصصة به،

خرج منها اليوم الثّالث لمن لم يأت بصومه قبل العيد.

الخامس- قال في الجواهر: «و في كشف اللثام: (و الظاهر وجوب المبادرة الى الثّالث بعد زوال العذر و ان أطلقت الاخبار و الفتاوي التي عثرت عليها، الا فتوى ابن سعيد، فإنه قال: صام يوم الحصبة و هو يوم رابع النّحر) قلت: مع انه من أيّام التّشريق التي ستسمع الكلام فيها، بل و الكلام في ابتداء الثّلاثة منه، و لا ريب ان الأحوط المبادرة بها بعد أيّام التّشريق و ان كان الوجوب لا يخلو من نظر بعد إطلاق النص و الفتوى، بل قد سمعت ما في النص من كون المراد من قوله «فِي الْحَجِّ» شهر ذي الحجة مضافا الى ما تسمعه مما يدل على جواز صومها طول ذي الحجة من النص و الإجماع و غيرهما» و يمكن ان يكون الوجه في وجوب المبادرة المنع من التفريق بناء على ارادة المنع عن كل مرتبة عنه، و لكنه لا يخلو من المناقشة و الاشكال.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 198

و لو فاته يوم التّروية أخره الى بعد النّفر (1)

(1) بمعنى انه لم ينتفر الفصل بالعيد حينئذ كما هو المشهور، بل قال في الجواهر: «لا أجد فيه خلافا لإطلاق ما دل على وجوب التّتابع، و إطلاق ما دل على صومها متتابعة إذا فات صومها على الوجه المزبور لكن عن الاقتصاد: «ان من أفطر الثاني بعد صوم الأول لمرض أو حيض أو عذر بنى و كذا الوسيلة إلا إذا كان العذر سفرا» و لعلهما استندا الى عموم التعليل في خبر سليمان بن خالد: «سئل الصادق عليه السّلام عمن كان عليه شهران متتابعان فصام خمسه و عشرين يوما ثم مرض، فإذا برأ

أ يبني على صومه أو يعيد صومه كله؟ فقال عليه السّلام: بل يبني على ما كان صام، ثم قال:

هذا مما غلب اللّه عز و جل عليه و ليس على ما غلب اللّه عليه شي ء» و استثناء السّفر لانه ليس هنا عذرا. ناقش فيه صاحب الجواهر بقوله: «و فيه مع انه في غير ما نحن فيه ضرورة العلم بالعيد يمكن الفرق بين المقامين خصوصا بعد النّصوص الدّالة هنا على وجوب صومها بعد ذلك إذا فاتت الثلاثة. إلخ.

تفصيل الكلام في ذلك و هو انه انما يتمّ الاستدلال على جواز الفصل بالعيد و أيّام التّشريق مع عدم التّمكن قبلها بالتعليل الّذي تضمّنه خبر سليمان بن خالد و هو قوله عليه السّلام: «و ليس على ما غلب اللّه عليه شي ء» بناء على إثبات كون صوم يوم قبل التّروية و يوم التّروية و يوم عرفة توقيتا لا رخصة و الا فهو ليس مما غلب اللّه عليه شي ء» لعلمه بان بعد يوم عرفة هو يوم العيد و أيام التّشريق، و المفروض عدم كون الصّوم موقتا بالأيام الثلاثة المزبورة فله التأخير حتى لا يفوت التّوالي.

و كيف كان فيمكن الاستدلال على التّوقيت بما تقدّم من الاخبار التي عينت فيها

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 199

..........

الأيام الثّلاثة للصوم بأنها: يوم قبل التّروية و يوم التّروية و يوم عرفة و قد فسرت الثّلاثة التي تضمنها الآية الشريفة بالأيام المزبورة. و أما ما ورد في تفسير كلمة «فِي الْحَجِّ» الذي تضمّنها الآية بذي الحجة المقتضية بإطلاقها لكفاية الصّوم من أوّلها إلى آخرها، فلا بد من تقييدها بهذه الأخبار الدّالة على التّوقيت.

هذا مع الغضّ عن الاخبار الدّالة على جواز تقديم الصّوم عليها و على جواز التأخير

عنها لكن قد تقدّم منها في المباحث السّابقة ما كان نصّا في جواز التّقديم، كقوله عليه السّلام في خبر زرارة: «من لم يجد هديا و أحبّ ان يقدم الثلاثة الأيام في أول العشر فلا بأس «1» و ما كان نصا في جواز التأخير كقوله عليه السّلام في خبره الآخر: «من لم يجد ثمن الهدي فأحب أن يصوم الثّلاثة الأيام في العشر الأواخر فلا بأس بذلك «2» و قد عرفت ان الأخبار الّتي استدل بها على التّوقيت لا تصلح للمعارضة لكونها ظاهرا في التّوقيت فلا تكون نصا فيه و قد ذكرنا غير مرّة ان النّص مقدم على الظّاهر فعليه ما دل على جواز التقديم و كذا ما دل على جواز التأخير يكون مقدما على الاخبار الدالة بظاهرها على التّوقيت فتحمل على الاستحباب فعلى ذلك لا دلالة لها على التّوقيت حتى يتم الاستدلال بما ذكر في المقام.

ثم بعد فرض تسليم التوقيت، فلا يمكن الحكم مطلقا بتعيّن رفع اليد عن التّوالي تمسكا بقوله عليه السّلام: «و ليس على ما غلب اللّه عليه شي ء» بل لا بد من ملاحظة: أن الأهم هل هو الوقت، أو التّوالي أو متساويان، فان ثبت أهمية الوقت يحكم برفع اليد عن

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 2 و 8

(2) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 13

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 200

..........

التّوالي تمسكا بقوله عليه السّلام: «و ليس على ما غلب اللّه عليه شي ء» و كذلك إذا لم نسلم التوقيت لكن سلمنا الفوريّة و فرض ثبوت أهمية الفور، لكن فيه ما لا يخفى لعدم الدّليل على ذلك.

و كيف كان فان ثبت أهمية التّوالي فهو يقدّم فيؤخّر

الصّوم الى ما بعد العيد و أيام التّشريق و إذا لم يثبت أهمية أحدهما يحكم بالتخيير.

فتحصّل: انه علي فرض تسليم تمامية دلالة الأخبار التي أشرنا إليها على التّوقيت فلا يصح على الإطلاق القول بتعيّن رفع اليد عن التّوالي تمسكا بقوله عليه السّلام: «و ليس على ما غلب اللّه عليه شي ء».

و التحقيق: ان التّوقيت و الفوريّة كلاهما ممنوعان، فلا يتم الاستدلال بما ذكر على المدّعي.

مضافا الى ما عرفته في كلام صاحب الجواهر «قدس سره» فلاحظ.

فقد ظهر انه لو فاته يوم التّروية أخره الى ما بعد النّفر، و المشهور عدم جواز استينافها أيّام التّشريق، بل عن الخلاف الإجماع عليه، لعموم النّهي عن صومها بمنى، و يدل عليه جملة من النصوص المأثورة عنهم (عليهم السلام)- منها:

1- صحيح ابن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام. قال: سألته عن رجل تمتع فلم يجد هديا؟ قال: فليصم ثلاثة أيام ليس فيها أيام التّشريق، و لكن يقيم بمكة حتى يصومها و سبعة إذا رجع الى أهله. «1»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 51 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 201

..........

2- صحيح سليمان بن خالد و علي بن النعمان عن ابن مسكان، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تمتّع و لم يجد هديا؟ قال: يصوم ثلاثة أيام، قلت له:

أ فيها أيام التّشريق؟ قال: لا و لكن يقيم بمكة حتى يصومها و سبعة إذا رجع الى أهله فان لم يقم عليه أصحابه و لم يستطع المقام بمكة فليصم عشرة أيام إذا رجع الى أهله. «1».

3- في المرسل: و لا يجوز له «اي المتمتّع» ان يصوم أيام التّشريق، فإن النّبي صلّى اللّه عليه و آله بعث بديل بن

ورقا الخزاعي على جمل أورق (و) فأمره أن يتخلّل الفساطيط و ينادي في الناس أيام منى: ألا، لا تصوموا، فإنها أيام أكل و شرب و بعال «2» و في معاني الاخبار عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السّلام قال: بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بديل بن ورقاء ثم ذكره نحوه ثم قال: و البعال النكاح و ملاعبة الرجل أهله «3» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم في ذلك، و لا يعارضها خبر إسحاق بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام عن أبيه ان عليا عليه السّلام كان يقول: من فاته صيام الثلاثة الأيام التي في الحج فليصمها أيام التّشريق، فان ذلك جائز له «4» و نحوه غيره.

أما أولا- فلموافقته لقول من العامّة- على ما افاده صاحب الجواهر.

و اما ثانيا- فلان إعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» عنه مانع عن الاعتماد عليه، فتدبر.

و من هنا ظهر ضعف ما ذهب إليه أبو علي من اباحة صومها فيها. نعم في بعض

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 51 من أبواب الذبح الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 51 من أبواب الذبح الحديث 8

(3) الوسائل ج 2 الباب 51 من أبواب الذبح الحديث 4

(4) الوسائل ج 2 الباب 51 من أبواب الذبح الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 202

و يجوز تقديمها من أول ذي الحجة (1) بعد التلبس بالمتعة (2) و يجوز صومها طول ذي الحجة (3)

الروايات المتقدمة: «يتسحّر ليلة الحصبة و هي ليلة النّفر و يصبح صائما» و قد بينّا سابقا ان الاخبار الدّالة على حرمة صوم أيّام التّشريق بمنى مخصّصة به فيصحّ صوم يوم النّفر لمن لم يأت بصومه قبل العيد،

و قد أشرنا ايضا ان المراد من يوم الحصبة هو اليوم الثّالث عشر لا الرّابع عشر.

(1) كما في القواعد و النافع، و يدل عليه خبر زرارة أو موثقة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام: من لم يجد الهدي و أحبّ ان يصوم الثّلاثة الأيّام في أول العشر فلا بأس «1» المعتضد بإطلاق الآية المفسّر في صحيح رفاعة بشهر الحجّ كله و قد تقدّم وجه الجمع بينه و بين ما دل بظاهره على خلافه في صدر المبحث عند ذكر الجهة الثّالثة من جهات المسألة و من أراد الوقوف عليه فليراجعها.

و كيف كان فلأجله يشكل ما عن جماعة من وجوبه في الثّلاثة الأيّام المتّصلة بالنّحر و عن السّرائر الإجماع عليه اعتمادا على الأمر بفعله فيها.

(2) لما سيأتي عند تعرّض المصنّف حكم الصّوم قبل التّلبس بالمتعة.

(3) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل في المدارك «انه قول علمائنا و أكثر العامة» لإطلاق الآية و هو قوله تعالى (فِي الْحَجِّ) فإن الظرفية يصدق بمجموع الشهر، لانه وقت الحج و قد فسر في صحيح رفاعة المتقدم بذي الحجة و يدل عليه خصوص قول الصادق عليه السّلام في صحيح زرارة: «من لم يجد

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 2 و 8 و في الباب 54 الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 203

و لو صام يومين و أفطر الثالث لم يجزه و استأنف (1) الا ان يكون ذلك هو العيد فيأتي بالثالث بعد النفر (2) و لا يصح صوم هذه الثلاثة إلا في ذي الحجة بعد التلبّس بالمتعة (3) و لو خرج ذو الحجة و لم يصمها تعيّن الهدي في القابل (4)

عن الهدي

فأحب أن يصوم الثلاثة الأيام في العشر الأواخر فلا بأس بذلك «1» و قد تقدم ذكره و وجه الجمع بينه و بين ما دل بظاهره على خلافه في الجهة الثالثة التي تقدّمت ذكرها في صدر المبحث.

(1) للأخبار المتقدمة في صدر المبحث الدّالة على لزوم التّوالي فيها.

(2) فيأتي بالثالث بعد النفر، لما تقدم من الأخبار.

(3) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه بيننا بل الإجماع بقسميه عليه.» و الإجماع الذي ادعاه صاحب الجواهر (قدس سره) هو العمدة في رفع اليد عن إطلاق ما دل على جواز الصوم من أول ذي الحجة و لو قبل التّلبس بالمتعة، و لا سيما بملاحظة كون موضوع الأمر بالصّيام في الآية و الاخبار (المتمتّع) الظّاهر في المتلبس.

و لا يخفى انه يتحقّق التلبّس بالمتعة بدخوله في إحرام العمرة التي صارت جزء من حجّ التمتّع وفاقا للأكثر، بل في صريح السّرائر: الإجماع عليه- على ما حكى في المستند- و لكن الشهيد الأول (قدس سره) في الدروس اعتبر التلبس بالحج و هو خيرة المصنف «رضوان اللّه تعالى عليه» في النافع و ثاني الشهيدين و كأنه لعدم الأمر بالهدي بدونه، فيكون تقديما للواجب على وقته و للمسبّب على سببه، و لكن قد عرفت عدم لزوم ذلك في صدر المبحث.

(4) هذا هو المعروف بين الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) بل في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه بل في ظاهر المدارك و صريح المحكي عن الخلاف الإجماع عليه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 13

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 204

..........

إلخ) و استدل لذلك- مضافا الى اختصاص دليل البداية بشهر ذي الحجة فيرجع في

غيره إلى إطلاق دليل وجوبه- بصحيح منصور بن حازم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام، قال: من لم يصم في ذي الحجة حتى يهل هلال المحرم فعليه دم شاة و ليس له صوم و يذبحه بمنى «1» لكن في كشف اللثام: «انه كما يحتمل الهدي يحتمل الكفارة بل هي أظهر» و ناقش في الجواهر كلام صاحب كشف اللثام بقوله: (و فيه انه دال بإطلاقه أو عمومه لهما خصوصا بعد ملاحظة استدلال الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) به علي الهدي). و في المستند: (من لم يصم الثلاثة حتى خرج ذو الحجة، سقط عنه الصوم و تعين عليه الهدي بمنى في القابل عند علمائنا و أكثر العامة كما في المدارك. إلخ) و من الغريب ما في الرياض- على ما حكاه صاحب الجواهر (قدّس سرّه)- فإنه بعد ان اعترف بدلالة الصحيح على الهدى و الكفّارة، قال: (ان عدم الوجوب أقوى، للأصل) بعد ان نسبه الى ظاهر المصنف و الأكثر و ذكر الاستدلال بالنبوي: (من ترك نسكا فعليه دم) ثم قال: و سند الخبر لم يثبت و كأنه غفل عما اعترف به من دلالة الصحيح، فلاحظ و تأمل).

و كيف كان فيمكن ان يقال بالتّعارض بين صحيح منصور بن حازم و بين الاخبار الآتية و هي: صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

من كان متمتعا فلم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج و سبعة إذا رجع الى أهله فإن فاته ذلك و كان له مقام بعد الصدر [1] صام ثلاثة أيام بمكة و ان لم يكن له مقام صام

______________________________

[1] قال في القاموس: (و الصدر أعلى مقام

كل شي ء. الى ان قال: و الرجوع كالصدور و الاسم بالتحريك و منه طواف الصدر. الى ان قال: و الصدر بالتحريك اليوم الرابع من أيام النحر) و في الحدائق: (مرجعه الى احتمالات ثلاثة كلها قائمة في

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 47 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 205

..........

في الطريق أو في اهله «1» و صحيحة الآخر قال: حدثني عبد صالح عليه السّلام قال: سألته عن المتمتّع ليس له أضحية وفاته الصّوم حتى يخرج و ليس له مقام؟ قال: يصوم ثلاثة أيّام في الطريق ان شاء و ان شاء صام عشرة في اهله «2» و صحيح سليمان بن خالد قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تمتّع و لم يجد هديا؟ يصوم ثلاثة أيام بمكة، و سبعة إذا رجع الى أهله فان لم يقم عليه أصحابه و لم يستطع المقام بمكّة فليصم عشرة أيّام إذا رجع الى اهله «3» و صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: الصّوم الثّلاثة الأيام ان صامها فأخرها يوم عرفة و ان لم يقدر على ذلك فليؤخّرها حتى يصومها في اهله و لا تصومها في السّفر «4»- و فيه كلام بخصوصه سيأتي ذكره في آخر المبحث- و خبر علي ابن الفضل الواسطي قال: سمعته يقول: إذا صام المتمتع يومين لا يتابع الصّوم اليوم الثّالث فقد فاته صيام ثلاثة أيام في الحجّ فليصم بمكة ثلاثة أيّام متتابعات، فان لم يقدر و لم يقم عليه الجمّال فليصمها في الطّريق أو إذا قدم على أهله صام عشرة أيام متتابعات «5» الى غير ذلك من الاخبار المأثورة عنهم (عليهم السلام) و أنت ترى

______________________________

الخبر، أحدها- ان يكون مصدرا

بمعنى الرجوع فتكون دالة ساكنة و ان يكون اسم مصدر منه فتكون دالة مفتوحة، و ان يراد به اليوم الرابع من أيام النحر و هو ثالث أيام التشريق فيكون مفتوح الدال أيضا.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 47 من أبواب الذبح الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 47 من أبواب الذبح الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 7

(4) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 10

(5) الوسائل ج 2 الباب 52 من أبواب الذبح الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 206

..........

دلالتها مع الغض عن صحيح ابن مسلم على ان من فاته صومها بمكة لعدم القدرة أو عدم اقامة الجمال أو الأصحاب فليصمها في الطريق ان شاء و ان شاء إذا رجع الى اهله، و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين خروج ذي الحجة و عدمه فتقع المعارضة بينها و بين صحيح منصور بن حازم الدّال على تعيين الهدي عليه بعد خروج ذي الحجّة.

يمكن الجمع بينها و بينه بأمور:

الأول- حمل الأخبار على غير المتمكّن من صوم الثّلاثة الأيّام في مكّة فإنه يجزيه الصّوم و لكن هذا بخلاف المتمكن منه و أخر عمدا فإنه لا يجزيه و يتعيّن عليه الذّبح.

الثاني- ما أفاده في التهذيب بحملها على من استمر به عدم التمكن من الهدي حتى وصل الى بلده فان الصوم يجزيه و الحال هذه و لكن ان تمكن من الهدي بعث به، و فيهما ما لا يخفى لعدم الشاهد لهما، فلا عبرة بهما.

الثالث- ما احتمله في الذخيرة من الجمع بينها بالتخيير بين الصوم و الذبح و لكن في غير الناسي، فعليه دم، لما سيجي ء من صحيح عمران و حمل صحيح منصور بن

حازم عليه ايضا و فيه ايضا ما لا يخفى.

و لكن يمكن ان يقال: انه لا معارضة بين صحيح منصور بن حازم مع ما تقدم من الأخبار، و الذي ينبغي ان يقال: ان نفس ذلك الاخبار بينها معارضة بالعموم المطلق، من جهة تقييد بعضها بعدم التمكّن و إطلاق بعض الآخر، فيقيّد الإطلاق بالأخبار المقيّدة، ثم ان بعد ذلك يكون جميعها مطلقها و مقيدها مطلقة من حيث وقت الصوم، حيث انه لم يعيّن فيها انه هل يصوم حتى ما إذا كان قد خرج ذو الحجة أو لا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 207

..........

ثم بعد ذلك نقيّد هذا الإطلاق بصحيح منصور بن حازم الدّال على تعيين وقت الصّوم فتصير النّتيجة على ذلك انه يصوم إذا كان ذو الحجة باقيا و الا فعليه دم و ذلك الاخبار- كما ترى- لا تقتضي الصّوم مع خروج ذي الحجة الا بالإطلاق المنفي بهذا الصحيح المقيد لها فلا معارضة بين الاخبار و هذا النحو من الجمع مطابق لظاهر الآية و السنّة من كون وقت الصوم تمام ذي الحجة.

ثم من ترك صوم الثلاثة الأيام في مكّة ناسيا فقد ورد صحيح عمران الحلبي قال:

سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي أن يصوم الثّلاثة الأيام الّتي على المتمتع إذا لم يجد الهدي حتى يقدّم على اهله قال: يبعث بدم «1» قد يقال: ان قوله عليه السّلام: (يبعث بدم) يكون على طبق القاعدة إذا كان ذوي الحجّة باقيا، لما سيأتي من ان وقت الهدي تمام ذي الحجة فعليه يكون الحكم غير مختصّ بالنّاسي و يعمّ جميع الاعذار، بل العامد ايضا و إذا لم يكن ذو الحجّة باقيا فلعلّ هذا كفارة و لكنه يحتاج إلى

التأمّل.

ثم انه قد يقال: ان ما تضمّن جواز الصّوم عند أهله لا يعارض ما نحن فيه بدعوى:

عدم الإطلاق لها من حيث الزّمان، لكون نظرها الى المكان فقط. نعم يعارض صحيح عمران.

و يقال في مقام الجمع بتخصيص الصّحيح بالناسي و حمل تلك النّصوص على غيره من المعذورين فتأمل.

و قد أجيب عن صحيح محمد بن مسلم المتضمن قوله عليه السّلام: «فان لم يقدر على

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 47 من أبواب الذبح الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 208

..........

ذلك فليؤخرها حتى يصومها في اهله و لا يصومها في السفر»- الدّال على عدم جواز الصوم في السّفر الذي يعارض بظاهره الأخبار المذكورة بالوجوه التالية:

الأول- ما افاده الشيخ «قدس سره» على ما نقل في الحدائق و هو ان المراد منه: لا يصومها في السفر معتقدا انه لا يسعه غير ذلك بل يعتقد انه مخير في صومها في السفر و في اهله. و لكن فيه ما لا يخفى، لعدم الشاهد له فلا يصار اليه.

الثاني- ما ذكر في المنتقى بعد نقل الخبر: «قلت: ينبغي ان يكون هذا محمولا على رجحان تأخير الصّوم الى ان يصل الى أهله مع فوات فعله على وجه يكون آخره عرفة و ان جاز ان يصوم في الطّريق جمعا بين الخبر و بين ما سبق».

الثالث- حمل الخبر المذكور على التقية، و هو ظاهر المحدث الكاشاني في الوافي مستندا الى ما يشعر به صحيحة رفاعة المتقدّمة في صدر المبحث، و احتمله الأقرب صاحب الحدائق و فيه ما لا يخفى.

ثم انه ناقش صاحب الحدائق كلام المنتقى المتقدّم بقوله: «ظاهر الخبر- كما ترى- ان المرتبة الثّانية مع عدم الإتيان بها في الوقت الموظّف الّذي تقدّم في الاخبار هو

التّأخير الى ان يصومها في أهله مع استفاضة الرّوايات المتقدّمة بالأمر بصوم يوم الحصبة و ما بعده ان لم يتمكّن من التأخير الى ما بعد أيام التشريق و ان الصّوم في الطّريق انما هو بعد هذه المراتب، و بذلك يظهر لك ما في حمل صاحب المنتقى ايضا.

ثم انه ان تمّ ما ذكر من الجمع بينه و بين ما تقدّم من الاخبار الدّالة على جواز الصّوم في السّفر فهو، و الا، فنقول حيث ان الخبر المزبور معارض بجملة من الاخبار

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 209

و لو صامها (أي الثلاثة) ثم وجد الهدي و لو قبل التلبس بالسبعة لم يجب عليه الهدي، و كان له المضي على الصوم، و لو رجع الى الهدي كان أفضل (1)

الصّحيحة الصريحة المستفيضة المتفق على العمل بها- قديما و حديثا- فترفع اليد عنه لأجل ان أعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» عن العمل به مانع عن الاعتماد عليه، لخروجه بذلك عن حيّز دليل الاعتبار، فتدبر.

(1) كما في النافع و القواعد و النهاية و المبسوط و الجامع، بل في المدارك نسبته الى أكثر الأصحاب عن الخلاف الإجماع عليه. و استدل لذلك بخبر حماد بن عثمان قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن متمتّع صام ثلاثة أيّام في الحج، ثم أصاب هديا يوم خرج من منى؟ قال أجزأه صيامه «1» و بما رواه ابي بصير عن أحدهما عليهما السّلام قال: سألته عن رجل تمتّع فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان يوم النّفر وجد ثمن شاة أ يذبح أو يصوم؟ قال: بل يصوم، فإن أيام الذّبح قد مضت «2» بعد حمله على انه قد صام الثّلاثة و ان المراد من قوله: «أو

يصوم» إكماله بصوم السّبعة، كما ان المراد من مضيّ أيام الذّبح تعيّنه.

ان قلت: ان في الخبرين قصورا من حيث السّند.

قلت: انهما و ان كانا ضعيفين من حيث السّند، الا انّ ضعفهما منجبر بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بمضمونهما، فلا يصغى الى المناقشة فيهما بضعف السّند، بعد الانجبار المزبور الموجب للوثوق بصدورهما عن المعصوم عليه السّلام

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 45 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 44 من أبواب الذبح الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 210

و صوم السبعة بعد وصوله إلى أهله (1)

الذي هو مناط الحجيّة و الاعتبار.

و لا تهافت بين ذلك و بين ما اخترناه في الأصول من عدم حجيّة الشّهرة العمليّة بنفسها، لما ذكرناه غير مرّة في الأصول ان المدار في اندراج الخبر تحت دليل الاعتبار هو الاطمئنان الحاصل تكوينا بعملهم على طبقه، فعلى ذلك يحكم بعدم وجوب الهدي في مفروض المقام.

و من هنا ظهر ضعف ما ذهب إليه القاضي من وجوب الهدي، و لكن يمكن ان يستدل له بخبر عقبة بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تمتّع و ليس معه ما يشترى به هديا فلما ان صام ثلاثة أيام في الحج أيسر أ يشتري هديا فينحره، أو يدع ذلك و يصوم سبعة أيّام إذا رجع الى أهله؟ قال: يشتري هديا فينحره و يكون صيامه الّذي صامه نافلة له «1» و لكن لا مجال له بعد ذهاب الأصحاب على خلافه، لكونه مانعا عن الاعتماد عليه و لذا حمل على النّدب كما أشار المصنف (قدّس سرّه) بقوله:

و لو رجع الى الهدي كان أفضل و في هذا الحمل ايضا ما لا يخفى.

(1) هذا

هو المعروف بين الأصحاب (قدّس سرّهم) بل في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه و هو الحجة بعد ظاهر الآية الّذي مقتضاه العود الى الوطن.) و استدل لذلك بصحيح معاوية بن عمّار عن ابي عبد اللّه قال:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من كان متمتّعا فلم يجد هديا فليصم ثلاثة أيّام في الحجّ و سبعة

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 45 من أبواب الذبح الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 211

و لا يشترط فيها (اي صوم السبعة) الموالاة على الأصح (1)

إذا رجع الى أهله. إلخ «1» و بصحيح سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تمتّع و لم يجد هديا؟ قال: يصوم ثلاثة أيام بمكة و سبعة إذا رجع الى أهله فان لم يقم عليه أصحابه و لم يستطع المقام بمكّة فليصم عشرة أيام إذا رجع الى أهله «2» الى غير ذلك من الاخبار المأثورة عنهم (عليهم السّلام).

ان للعامة في المقام أقوالا و هي:

1- ان يصوم السبعة إذا فرغ من اعمال الحجّ و هو خيرة بعضهم.

2- ان يصومها إذا خرج من مكّة سائرا في الطريق و هذا قول بعض آخر منهم.

3- ان يصومها بعد أيّام التّشريق.

و الجميع منها- كما ترى- مخالف لظاهر الآية الشّريفة «وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ» الّذي مقتضاه ايضا جواز صومها بعد الرّجوع متى شاء، و عن إسحاق بن عمار قال:

قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام: انى قدمت الكوفة و لم أصم السّبعة الأيام حتى فزعت في حاجة الى بغداد؟ فقال عليه السّلام: صمها ببغداد، فقلت: أفرّقها؟ قال:

نعم «3».

(1) وفاقا للمشهور، بل عن المنتهى و التذكرة لا نعرف فيه

خلافا و استدل لذلك- مضافا الى الأصل بعد إطلاق الدّليل- بقوله عليه السّلام في ذيل خبر إسحاق بن عمار

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 47 من أبواب الذبح الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 7

(3) الوسائل ج 2 الباب 55 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 212

..........

المتقدم: «ا فرّقها؟ قال: نعم».

ان قلت: انه ضعيف سندا.

قلت: ان ضعفه منجبر بعمل الأصحاب (رضوان اللّه تعالى علمهم) فلا يصغي الى المناقشة فيه بضعف السّند، مضافا الى اعتضاده- كما افاده صاحب الجواهر (قدّس سرّه) بالعموم في حسن عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام: «كل صوم يفرّق إلا ثلاثة أيّام في كفّارة اليمين» فتأمّل.

و كيف كان فبما ذكرنا ظهر ضعف ما حكى عن ابن ابى عقيل و ابى الصلاح من وجوب الموالاة فيها، و لكن يمكن ان يستدل له بخبر علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهما السّلام قال: سألته عن صيام الثّلاثة الأيام في الحجّ و السّبعة أ يصومها متوالية أو يفرّق بينهما؟ قال: يصوم الثّلاثة يفرق بينها و السّبعة لا يفرّق بينها. «1» ناقش فيه صاحب الجواهر (قدّس سرّه) بقوله: «و هو مع الطعن في سنده بمحمد بن أحمد العلوي الذي هو غير معروف الحال و ان وصف الفاضل الروايات الواقع في طريقها بالصّحة. فهو كالشّهادة منه بذلك. الى ان قال: انه قاصر عن معارضة ما سمعت، كخبر الحسين بن زيد عن ابي عبد اللّه السّبعة الأيام و الثّلاثة الأيام في الحجّ لا تفرّق انما هي بمنزلة الثّلاثة الأيّام في اليمين «2» فالوجه حملهما على ضرب من الكراهة كما عساه يشعر بها التّفريق بينها في

الجواب في الأول» ما افاده صاحب الجواهر في هذا المقام متين، و لأجل خبر إسحاق

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 17

(2) ذكر في الجواهر

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 213

فإن أقام بمكة انتظر قدر وصوله إلى أهله ما لم يزد على شهر (1)

ابن عمار المتقدم يحمل ما ظاهره وجوب التوالي على كراهة التفريق، فتدبر.

(تذييل) و هو ان الظاهر اعتبار التفريق بين الثّلاثة الأيّام و السّبعة الأيام و هو المعروف بين الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) قديما و حديثا بل في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه عن المنتهى نسبته إلى علمائنا، لظاهر الآية و قوله عليه السّلام في ذيل خبر على بن جعفر عن أخيه عليه السّلام: و لا يجمع بين السّبعة و الثّلاثة جميعا» «1».

لكن في الجواهر قال: «الظاهر اختصاص ذلك بما إذا صام في مكة اما لو وصل الى اهله و لم يكن قد صام الثلاثة لم يجب عليه التفريق كما نص عليه الفاضل في محكي المنتهى بل هو ظاهر الأمر بصوم العشرة فيما سمعته من النصوص.»

و لكن ما افاده غير ظاهر لان مقتضى صحيح على بن جعفر ينافيه.

ثم انه لا يعتبر المبادرة إليها للإطلاق و يمكن استظهار ذلك من خبر إسحاق المتقدم فتدبر.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) بل في الذخيرة: «لا اعلم فيه خلافا، و استدل لذلك بما رواه احمد بن محمد بن ابى نصر في المقيم إذا صام ثلاثة الأيام ثم يجاور ينظر مقدم أهل بلده، فإذا ظنّ انّهم دخلوا فليصم السبعة الأيام «2» و صحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: و ان كان له مقام

بمكة

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 17

(2) الوسائل ج 2 الباب 50 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 214

و لو مات من وجب عليه الصوم و لم يصم وجب ان يصوم عنه وليه الثلاثة دون السبعة (1)

و أراد ان يصوم السبعة ترك الصيام بقدر مسيره إلى أهله أو شهرا ثم صام بعده «1» و ما عن ابى بصير قال: سألته عن رجل تمتّع فلم يجد ما يهدي فصام ثلاثة أيّام فلما قضى نسكه بدا له ان يقيم (بمكّة) سنة؟ قال: فلينتظر منهل أهل بلده، فإذا ظنّ انهم قد دخلوا بلدهم فليصم السّبعة الأيّام «2». الى غير ذلك من الاخبار المأثورة عنهم (عليهم السلام).

ينبغي هنا ذكر أمور: الأول- ان المراد من الظنّ الّذي تضمّنه بعض اخبار المقام هو تقدير المدّة المزبورة التي تصل بها عادة الرّفقة إلى أهله- كما في الجواهر- لعدم حصول العلم بدخولهم بمضيها كما لا يخفى لإمكان حدوث المانع، فالمدار انما يكون عليها لا على دخولهم.

الثاني- ان العبرة في تحقّق عنوان المجاور- الذي تضمنه بعض الاخبار المتقدمة- هي نظر العرف فلا يشترط في ذلك قصد التّوطّن.

الثالث- انه يمكن ان يقال ان مبدء الشهر هو اليوم الذي يفارق رفقته و يبني على البقاء في مكة فلا يكون المبدء من يوم النّفر أو غيره.

(1) و استدل لذلك- مضافا الى الأصل- بحسن الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 50 من أبواب الذبح الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 50 من أبواب الذبح الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 215

و قيل بوجوب قضاء الجميع و هو الأشبه (1)

انه سأله عن رجل

تمتع بالعمرة و لم يكن له هدي فصيام ثلاثة أيام في ذي الحجة، ثم مات بعد ما رجع الي أهله قبل ان يصوم السبعة الأيام، أعلى وليّه قضاء ان يقضي عنه قال عليه السّلام: ما أرى عليه قضاء «1» و نوقش فيه بأن الأصل مقطوع بما سيأتي في الفرع الآتي، و اما حسن الحلبي فيحتمل فيه موته قبل ان يتمكّن من الصّوم الذي لا خلاف معتدّ به في عدم وجوب الصّوم عنه معه، و به يقيّد الإطلاق، و فيه كلام سيأتي في القول الآتي.

(1) قال في الجواهر: «و القائل ابن إدريس و أكثر المتأخّرين بوجوب قضاء الجميع مع فرض عدم صومها بعد التّمكن، و هو الأشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها عموم ما دل على وجوب قضاء ما فات الميت من الصيام، بل عن المختلف الإجماع على ذلك، و خصوص صحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: من مات و لم يكن له هدى لمتعة فليصم عنه وليه «2»» و يمكن ان يقال بوقوع المعارضة بينه و بين حسن الحلبي المتقدّم لدلالته على وجوب القضاء على وليّه مطلقا، و هذا بخلاف حسنة الحلبي و لكن يمكن الجمع بينهما بان يقال: ان حسن الحلبي يختص مورده بمن صام الثّلاثة الأيام فمن صام الثّلاثة ثم مات لم يكن على وليّه قضاء أصلا و هذا بخلاف ما إذا لم يصم الثلاثة و مات فإنه يجب على وليّه قضاء جميع العشرة بمقتضى صحيح معاوية ابن عمار.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 48 من أبواب الذبح الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 3 من أبواب الذبح الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 216

و من وجب

عليه بدنة في نذر أو كفارة و لم يجد كان عليه سبعة شياه (1)

ثم انه ليس المراد من قوله عليه السّلام في حسنة الحلبي: «و ما ارى عليه قضاء» صورة موته قبل تمكّنه من صوم السّبعة الأيام- كما احتمله في الجواهر- و ذلك لان عدم وجوب القضاء عمن لم يشتغل ذمته معلوم، بل المراد منه هو صورة موته بعد تمكّنه من صوم السّبعة لا قبله، و هذا و ان لم يذكر في الحديث الا انه معلوم، حيث انه يجب القضاء إذا كان ذمة الميت مشغولا و الا فكيف يمكن إفراغ ذمته فيتجه على ذلك إطلاق الحديث فيتعيّن العمل به فتأمل، فتصير النتيجة عدم وجوب القضاء على الولي ان مات بعد صوم الثّلاثة و قضاء العشرة ان مات قبله، لانه مقتضى الجمع بينهما.

(1) كما في القواعد و النافع و غيرهما و محكي السرائر و النهاية و المبسوط بل في الأخيرين فان لم يجدها صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في منزله، لخبر داود الرقى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في رجل يكون عليه بدنة واجبة في فداء؟ قال: إذا لم يجد بدنة فسبع شياه، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في منزله «1» و يمكن تأييد ذلك بما عن ابن عباس: «انه أتى النّبي صلّى اللّه عليه و آله: رجل فقال: على بدنة، و انا موسر لها و لا أجدها فأشتريها فأمره النبي صلّى اللّه عليه و آله ان يبتاع سبع شياه فيذبحهنّ» على ما ذكر في الجواهر.

اللهم الا ان يناقش فيه بان خبر داود الرّقي ورد في الفداء و لذا اقتصر عليه ابن سعيد على ما هو المحكي عنه، فلا وجه

للتعدي عنه الى ما وجب عليه بدنة بالنذر أو غيره الا دعوى القطع بعدم الخصوصيّة و هي غير مسموعة، لتوقفها على تنقيح المناط القطعي

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 56 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 217

و لو تعيّن الهدي فمات من وجب عليه اخرج من أصل التركة (1)

الذي لا سبيل إليه في الشّرعيّات، لما ذكرناه غير مرة من عدم إحاطة العقول بملاكات الأحكام و موانعها، فلا وجه لدعوى القطع بالمناط خصوصا بعد جعل قضيّة أبان نصب العين.

نعم إذا فرض قطع بملاك الحكم فلا محيص عن التّعدي من الفداء الى غيره، و لكنّه مجرّد فرض لا واقع له، لعدم العلم بالملاكات و موانعها، و غاية ما يحصل منه- كما ذكرنا غير مرة- هو الظنّ بالحكم و من المعلوم انه لا يغني من الحقّ شيئا، لكونه قياسا.

و كيف كان فقد حكى عن الصدوق في المقنع و الفقيه الاقتصار على الكفّارة التي هي أعم من الفداء، و مال إليه في الجواهر حيث قال: «و لا يبعد اتحاد المراد منهما هنا» الى ان قال: كما انه لا يبعد العمل بالخبر المزبور بعد الاعتضاد بالعمل و غيره مما سمعت. نعم ينبغي الاقتصار عليه بعد حرمة القياس عندنا، فلا تجزى السّبع المزبور عن البقرة و ان اجزءت عن الأعظم، كما ان البدنة لا تجزى عن السبع حيث تجب و ان وجب هي بدلا عنها، و ما عن التذكرة و المنتهى من اجزاء البدنة عن البقرة، لأنها أكثر لحما و أوفر، لا يخفى عليك ما فيه، و يتحقق العجز عن السبع بالعجز عن البعض فينتقل فرضه الى الصّوم حينئذ، كما هو واضح انتهى.

(1) لكونه دينا كسائر الحقوق

الماليّة، فيخرج من أصل التّركة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 218

[الرّابع- في هدى القران]

الرّابع- في هدى القران لا يخرج هدى القران عن ملك سائقه و له ابله و التّصرف فيه و ان: أشعره أو قلّده [1] و لكن متى ساقه فلا بد من نحره (1)

(1) المشهور عدم خروج هدى القران عن ملك سائقه بصرف شرائه و إعداده و سوقه لا بل ذلك قبل عقد الإحرام به، فله إبداله و ركوبه و نتاجه و غيرها، و اما إذا ساقه بمعنى أنه أشعره أو قلده عاقدا به الإحرام فلا بد من نحره أو ذبحه، فلا يجوز له إبداله و لا التصرف فيه بما يمنع من نحره لتعيّنه بذلك، و استدل لذلك- مضافا الى قوله تعالى «لٰا تُحِلُّوا شَعٰائِرَ اللّٰهِ وَ لَا الشَّهْرَ الْحَرٰامَ وَ لَا الْهَدْيَ وَ لَا الْقَلٰائِدَ»

______________________________

[1] ينبغي هنا بيان أمور:

الأول- انه في حج القران يتخيّر القارن في عقد إحرامه بين التلبية و بين الإشعار أو التقليد.

الثاني- ان الإشعار مختص بالبدن و التقليد مشترك بينها و بين غيرها من أنواع الهدي.

الثالث- ان الاشعار عبارة عن شقّ السّنام الأيمن بأن يقوم الرّجل من الجانب الأيسر من الهدي و يشق سنامه من الجانب الأيمن و يلطخ صفحته بدمه، و التقليد عبارة من ان يعلّق في رقبة الهدي نعلا خلقا قد صلى فيه و قد تقدم تفصيل الكلام في جميع ذلك مع الدّليل في الجزء الثاني من هذا الكتاب من صفحة (393) و من أراد الاطلاع عليه فليراجعه.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 219

..........

و الاخبار المستفيضة الدّالة على ان السياق يمنع من العدول الى التمتع- بخبر الحلبي أو صحيحة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل يشتري البدنة

ثم تضل قبل أن يشعرها و يقلدها فلا يجدها حتى يأتي منى فينحر و يجد هديه؟ قال: ان لم يكن قد أشعرها فهي من ماله ان شاء نحرها، و ان شاء باعها و ان كان أشعرها نحرها «1» و اما الإشكال عليه بان أقصى ما يدل عليه هو وجوب نحر الهدي الذي ضل بعد الاشعار ثم وجد في منى لا وجوب النحر بالاشعار مطلقا ففيه ما افاده صاحب الجواهر من ظهوره أو صريحه في ان المدار على الاشعار و عدمه.

ينبغي هنا ذكر أمور: الأول- انه لا دلالة لخبر الحلبي المتقدم على اعتبار العقد بالإشعار أو التأكيد بل مقتضاه- كالآية- الاكتفاء بحصوله بقصد الهدي، فان لم يكن إجماع لم يبعد القول به- كما في الجواهر- الى ان قال: اللهم الا ان يقال: ان المراد بهدي القران هو ما يقترن به نيّة الإحرام سواء عقده به أو بالتلبية و أكده به و فيه منع كما سيأتي.

الثاني- ان عبارة المصنف «قدس سره» هنا لا تخلو من تنافر لان (و ان) في قوله: «و ان أشعره أو قلّده» ان كانت وصلية، فمعناه: ان له التّصرف و الأبدال حتى مع الاشعار و التقليد، فحينئذ ينافي قوله «لكن متى ساقه فلا بد من نحره» لان وجوب النحر ينافي جواز التّصرف فيه و الأبدال الذي ذكر جوازه في قوله الأول و اما ان لم تكن وصلية فقوله: «و ان أشعره أو قلده» لا يجتمع مع قوله: (و لكن

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 220

..........

متى ما ساقه.).

و يمكن توجيه كلامه «قدس سره» بوجوه:

1- يقال: انه تارة ينشئ عقد الإحرام بالإشعار و التقليد

بان لم يحرم بالتلبية أو لبّى، لكن أراد بالإشعار و التقليد تأكيد الإحرام بناء على كونه قابلا له، و اخرى: لا، و لكن يشعر و يقلد بعد التّلبية لا بقصد التّأكيد بناء على فرض تصويره فعلى الأول: يحرم عليه التّصرف المنافي و هو المراد من قوله: (لكن متى ساقه.) و على الثاني لا يحرم عليه التّصرف المنافي و هو المراد من قوله: (و ان أشعره أو قلده) و لكن هذا التفصيل ان كان مراد المصنّف «قدس سره» فهو مناف لظاهر الآية و الحديث المتقدم.

2- ما في المدارك من دفعه: «بأنه انما يتّجه لو اتحد متعلّق الحكمين و العبارة كالصريحة بخلافه، فإن موضع جواز التّصرف فيه ما بعد الاشعار و قبل السّياق و موضع الوجوب المقتضى لعدم جواز التصرف ما بعد السياق» و لكن دفعه بما في حاشية الكركي: «من انه لا يراد بالسياق أمرا زائدا على الإشعار أو التقليد، فان السّياق بمجرده لا يوجب ذلك اتفاقا، و مقتضى النص و كلام الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» عدم الاحتياج الى ضمّه إلى الإشعار أو التقليد في ذلك فالتّنافر حينئذ بحاله.

3- يمكن ان يقال: ان مراد المصنف «قدس سره» بقوله: «و ان أشعره» الأشعار على غير الوجه المعتبر، و هو الّذي يعقد به الإحرام، فإنه الذي يتعيّن به عليه ذبحه و لا يجوز إبداله، و لكن متى ما ساقه أي أشعره أو قلده عاقدا به الإحرام وجب

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 221

..........

عليه ذلك، و هذا و ان كان مصححا لعبارته «قدّس سرّه» و لكنه- كما ترى- خلاف الظاهر.

و كيف كان فبناء على كون الموضوع للحكم المزبور هو السّوق مع الإشعار أو التّقليد، فتتم عبارة المصنف

«قدّس سرّه» و الا فيكون الاشكال واردا عليها.

الرابع- الحق ان الإحرام غير قابل للتأكيد، لأنه ان أريد به انه لو لم يؤكد بالإشعار أو التقليد حصل الخروج من الإحرام بأدنى شي ء بخلاف ما إذا أكد به ففيه ما لا يخفى، لان الخروج من الإحرام متوقف على الأعمال المقررة، و بدونها لا يخرج من الإحرام، قلنا بالتأكيد أم لم نقل.

و ان أريد به تأكيد وجوب ترك محرمات الإحرام، ففيه: ان الوجوب- على ما ذكرناه غير مرّة- أمر بسيط لا يقبل الشّدة و الضّعف.

ثم انه قال في الجواهر في ذيل المبحث: (هذا كله إذا لم يعيّنه بالنذر، و الا تعين و ان لم يشعره أو يقلده و لم يجز له إبداله قطعا- كما صرح به في المسالك و غيرها و هو كذلك مع فرض تعلّق النذر بعينه، و لو تلفت بغير تفريط لم يجب عليه عوضه بخلاف ما إذا تعلق بكلّي ثم عيّنه في فرد فان الظّاهر وجوب عوضه. إلخ) تفصيل الكلام في ذلك هو ان متعلق النذر (تارة) يكون امرا شخصيا و (اخرى) كليا، فعلى الأول: لا ينبغي الإشكال في عدم وجوب العوض عليه و لو فيما إذا أتلفه عمدا، و ذلك لانتفاء متعلق النذر نعم، في صورة العمد يحصل العصيان بمخالفته العمل بالنذر، و على الثاني: لا ينبغي الإشكال في وجوب العوض عليه، لعدم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 222

..........

انتفاء متعلق النذر بانتفاء الفرد المخصوص.

ثم انه هل يتعين المنذور الكلى بالتعيين- كما في البيع الكلى حيث انّه يتعين بالتعيين و حصول القبض- أو لا؟ و الظاهر عدمه، لاحتياجه الى دليل، و هو لم يثبت.

ثم ان الأحاديث حيث انها مطلقة من حيث كون نذره متعلقا

بالكلي أو الفرد، تقيد بما دل على انه مع انتفاء متعلق النذر ينتفي الحكم.

ان قلت: ان بعض الاخبار ورد في خصوص نذر المعين، كصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن الهدي الذي يقلّد أو يشعر ثم يعطب؟ فقال:

ان كان تطوعا فليس عليه غيره، و ان كان جزءا أو نذرا فعليه بدله «1» و أنت ترى ان قوله عليه السّلام: (ثم يعطب) دليل على كون نذره تعلّق بالمعين، لأن الكلي لا يعطب، و ليس المقصود منه العطب بعد تعيين الناذر فردا خاصا. لما عرفت من ان المنذور الكلي لا يتعين بالتعيين.

قلت: ان ما ذكر انما يتم إذا قلنا: ان كلية منذورة تنافي كون هديه شخصيا و لكن هذا بخلاف ما إذا قلنا بعدم منافاته لذلك، فعلي ذلك يمكن ان يكون منذورة كليا و العطب صفة لذلك الهدي الشخصي، فتأمل.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 223

بمنى ان كان لإحرام الحج و ان كان للعمرة فبفناء الكعبة [1] بالحزورة [2] (1)

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل في المدارك الإجماع عليه و استدل لذلك- مضافا الى ما ذكر، و التأسي- بخبر عبد الأعلى لا هدى إلا من الإبل و لا ذبح إلا بمنى «1» و موثق العقرقوفي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

سقت في العمرة بدنة، فأين أنحرها؟ قال: بمكة. إلخ «2» و قال في الجواهر: (و في الصحيح من ساق هديا و هو معتمر نحر هديه في المنحر و هو بين الصفا و المروة و هي الحزورة).

ينبغي هنا بيان أمرين: الأول- ان إطلاق موثق العقرقوفي يقيّد بما في

الصحيح المتقدم الدال على وجوب نحر الهدي بالحزورة و ظاهره- كما ترى- هو الوجوب الا ان تسالم الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» على خلافه- على ما في المدارك- يوجب رفع اليد عن هذا الظهور، فيحمل على الاستحباب.

______________________________

[1] و المراد بفناء الكعبة: سعة امامها- على ما في الجواهر- و قيل ما اعتد من جوانبها دورا و هو حريمها خارج المملوك عنها.

[2] الحزورة «بالحاء المهملة» على وزن «قسورة»: تل كان خارج المسجد بين الصّفا و المروة. و ربما قيل: الحزورة «بفتح الزاء و تشديد الواو».

______________________________

(1) ذكر في الجواهر

(2) الوسائل ج 2 الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 18

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 224

و لو هلك لم يجب اقامة بدله، لانه ليس بمضمون (1)

الثاني- قال في الجواهر: «ان التسامح يقتضي استحباب «اي النحر» فناء الكعبة من مكة أيضا و ان أطلق في الموثق المزبور». و فيه ما لا يخفى لما ذكرناه غير مرة من ان قاعدة التسامح في أدلة السنن المستفادة من اخبار (من بلغ) غاية دلالتها- بعد فرض عدم إجمالها- هو ترتب الثواب على العمل الموعود لا الحكم.

(1) ما افاده المصنف «قدّس سرّه» من عدم وجوب البدل لو هلك هدى القران فهو مما هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» بل في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه مما عدا الحلبي، بل و لا إشكال، لأنه ليس بمضمون، للأصل. إلخ) و استدل له- مضافا الى ما ذكر- بصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: سألته عن الهدي الّذي يقلّد أو يشعر ثم يعطب؟ فقال: ان كان تطوعا فليس عليه غيره و ان كان جزاء أو نذرا فعليه بدله «1» و صحيح معاوية بن عمار

عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال:

سألته عن الهدي إذا عطب قبل ان يبلغ المنحر أ يجزي عن صاحبه؟ فقال: ان كان تطوعا فلينحر و ليأكل منه، و قد اجترأ عنه، بلغ المنحر أو لم يبلغ، فليس عليه فداء، و ان كان مضمونا فليس عليه أن يأكل منه بلغ المنحر أو لم يبلغ، و عليه مكانه «2».

و من هنا ظهر ضعف ما ذهب إليه الحلبي من وجوب البدل مع التمكن، لظاهر بعض النصوص التي سيأتي «ان شاء اللّه تعالى» المحمول على ذلك.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب الذبح الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 225

و لو كان مضمونا- كالكفارات- وجب اقامة بدله (1)

(1) قال في الجواهر: (و لو كان- أي هدي القران- مضمونا بان كان واجبا أصالة لا بالسياق وجوبا مطلقا لا مخصوصا بفرد- كالكفارات و المنذور مطلقا- وجب اقامة بدله، كما صرح به غير واحد، لان وجوبه غير مختص بفرد، فلا تبرأ الذمة إلا بالذبح في المحل و صرفه فيما يصرف فيه. الى ان قال: بل في المدارك و غيره من الأصحاب يستفاد «تأدي وظيفة السياق بالمستحق، كالكفارة و النذر» و لا بأس به بعد ظهور النص و الفتوى، بل قيل: ان عبارات الأصحاب كالصريحة في ذلك بل هو صريح الشهيد في الدروس. و على كل حال فلا ينافي الحكم المذكور مرسل حريز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «و كل شي ء إذا دخل الحرم فعطب، فلا بدل على صاحبه تطوعا أو غيره» «1» و ان كان خاصا الا انه قاصر عن المعارضة من وجوه، و لذا حمله غير واحد على

العجز عن البدل، أو على ارادة غير الموت من العطب- كالكسر و نحوه مما يمنع من الوصول الذي ستعرف حكمه ان شاء اللّه- أو على المنذور المعين، أو غير ذلك، و ان كان هو كما ترى، الا انه خير من الطّرح هذا و لعل لفظ المضمون في النصوص كاف في الدلالة على ما ذكره في من اختصاص وجوب الإبدال بالكلي في الذمة ضرورة: انسياق ذلك منه، لا ما يشمل المنذور بخصوصه كما هو واضح).

توضيح المقام هو انه (تارة): يكون ما ساقه مضمونا و (اخرى) غير مضمون و المضمون أيضا (تارة) يكون شخصيا و (اخرى) كليا.

اما غير المضمون فإذا تلف فلا ينبغي الإشكال في عدم وجوب البدل عليه و انما

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 31 من أبواب الذبح الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 226

و لو عجز هدي السياق عن الوصول جاز ان ينحر أو يذبح و يعلم بما يدل على انه هدي (1)

وجب عليه ذبحه أو نحره، لأنه الذي أشعره أو قلده و يحكم بعدم وجوب البدل عليه ايضا حتى فيما إذا أتلفه عمدا حيث انّه كان مالكا له فلا ضمان، غاية الأمر أنه عصى و اما المضمون الشخصي- كما إذا نذر سوق هدي بالخصوص- فهذا ايضا كسابقه يحكم بعدم ضمانه له في صورة التلف، لانتفاء موضوع الحكم لتعلق النذر على المفروض بفرد مخصوص و قد انتفى، فلا بدل له و لا ضمان و هذا جار في كل نذر تعلق بفرد مخصوص لما ذكرنا غير مرة ان جميع الخصوصيات الملحوظة في النذر من الوقتية و الفردية و المنذور له و المكان الخاص و غير ذلك دخيلة فيه، و بانتفاء كل واحد من هذه

الخصوصيات و لو بالإتلاف ينتفي الحكم فإذا تلف متعلق النذر أو المنذور له أو لم يتمكّن من الصّرف في المكان الخاص لم يكن عليه ان يعطي بدله في الأول، و ان يعطي المنذور لوارث المنذور له في الثّاني و لزوم الصرف في المكان المعين في الثالث هذا كله في المضمون الشخصي.

و اما المضمون الكلي- كالكفارة و النذر الكلي- فهل يتعيّن الكلّي في الفرد الخاص بالتّعيين، بان يقول باللفظ: «هذا منذوري» أو بنية ذلك و يجزي عليه أحكام النذر الشخصي من عدم الضمان مع التلف و غير ذلك أو لا؟.

مقتضى القاعدة عدم التّعيين، إلا إذا قام الدّليل على الخلاف، فإذا تلف كان عليه البدل.

(1) استدلوا لذلك بصحيح حفص بن البختري قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 227

و لو اصابه كسر جاز بيعه و الأفضل ان يتصدق بثمنه أو يقيم بدله (1)

: رجل ساق الهدى فعطب في موضع لا يقدر، على من يتصدّق به عليه و لا يعلم أنه هدي؟ قال: ينحره و يكتب كتابا، و يضعه عليه ليعلم من مرّ به انه صدقة «1».

و صحيح الحلبي عنه ايضا قال: اى رجل ساق بدنة فانكسرت قبل ان تبلغ محلّها أو عرض لها الموت أو الهلاك فلينحرها ان قدر على ذلك ثم ليلطّخ نعلها الّذي قلدت به بدم حتى يعلم من مرّ بها انّها قد ذكيت فيأكل من لحمها ان أراد و ان كان الهدي الذي انكسر أو هلك مضمونا، فان عليه ان يبتاع مكان الذي انكسر أو هلك و المضمون هو الشي ء أ واجب عليك في نذر أو غيره و ان لم يكن مضمونا و انما شي ء تطوع به فليس

عليه ان يبتاع مكانه إلا ان يشاء ان يتطوّع «2» و خبر علي بن أبي حمزة قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل ساق بدنة فانكسرت قبل ان تبلغ محلها أو عرض لها موت أو هلاك؟ قال: يذكّيها ان قدر على ذلك، و بلطخ نعلها التي قلدت حتى يعلم من مر بها انها قد ذكّيت فيأكل من لحمها ان أراد «3» الى غير ذلك من الاخبار المأثورة عنهم عليهم السّلام و ظاهر هذه الاخبار هو وجوب النّحر أو الذبح تعيينا إلا انه ترفع اليد عنه لأجل ما يأتي من الاخبار.

(1) ان مقتضى صحيح الحلبي المتقدم هو وجوب البدل عليه لو كان الهدي مضمونا و قد أشكل على ذلك «بان مقتضى وجوب البدل- باعتبار النذر المطلق أو غيره- رجوع المبدل الى ملك صاحبه يتصّرف فيه كيف ما يشاء لا وجوب النحر و الدلالة عليه بأنه هدي» و فيه: انه اجتهاد في مقابل النّص، إذ لا مانع من جريان حكم

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 31 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 31 من أبواب الذبح الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 31 من أبواب الذبح الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 228

..........

الهدي عليه بإشعاره أو تقليده و ان لم يصل الى المحل لأجل الكسر أو الهلاك، و وجوب بدله.

و كيف كان فما أفاده المصنّف «قدّس سرّه» في هذا المقام بقوله: «و لو أصابه كسر جاز بيعه.» مناف لذلك، لان مقتضاه هو رجوعه الى ملكه بعد الكسر أو غيره و ان كان قد تعين ذبحه بالإشعار أو التقليد و من هنا أنكر الكركي جواز البيع فيتعين تقييد ذيل كلامه في هذا المقام

بما إذا لم يكن مضمونا، لأنه إذا كان مضمونا يحكم بوجوب البدل عليه، لصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: سألته عن الهدي الذي يقلّد أو يشعر ثم يعطب؟ قال: ان كان تطوّعا فليس عليه غيره و ان كان جزاء أو نذرا فعليه بدله «1».

ثم لا يخفى ان الاشكال بأن هدي السّياق صار نحره متعينا فكيف يجوز بيعه ففيه ما لا يخفى- لانه- مضافا الى دلالة النّص على خلافه- ان الواجب و ان كان ذبحه في محله إلا انه من جهة التعذر لا مانع من الحكم بسقوطه، و مما دل على ما ذكر هو صحيح الحلبي قال: سألته عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب أ يبيعه صاحبه و يستعين بثمنه في هدي آخر؟ قال: يبيعه و يتصدق بثمنه و يهدى هديا آخر «2» و نحوه غيره من الاخبار و أنت ترى ان مورده هو هدى الواجب، و من هنا قال في المدارك: «المستفاد من الاخبار: ان هدي السّياق المتبرع به متى عجز عن الوصول- بكسر أو غيره- وجب ذبحه في مكانه على الوجه المتقدم، و أما البيع و الصدقة بالثمن مع اقامة البدل فإنما ورد في الهدى الواجب، فيجب قصر الحكم عليه الى ان

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 27 من أبواب الذبح الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 229

..........

يثبت الجواز في غيره، و مع ذلك فالأظهر كراهة بيعه، للنهي عنه في صحيح محمد ابن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: سألته عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب أ يبيعه صاحبه و يستعين بثمنه في هدى؟ قال: لا

يبيعه، فان باعه فليتصدق بثمنه و ليهد هديا آخر» «1» و بما تقدم ظهر ضعف ما ذهب إليه الكركي من عدم جواز بيعه.

ثم انه قال في الجواهر في ذيل المبحث: «فالتحقيق: ان لم يكن إجماع على خلافه هو التخيير في العاجز و المكسور و نحوهما بين ذبحه و الدلالة عليه، و بين بيعه و الصدقة بثمنه، و لكن مع ذلك يجب في المضمون البدل، و منه يعلم الاشكال فيما في المتن من الفرق بين الكسر و غيره و من استحباب الصدقة بالثّمن، حيث لم نجد نصّا فارقا بين الكسر و غيره، بل صحيح الحلبي السابق مصرح بالذبح و التعليم على الوجه المذكور مع الكسر- كخبر علي بن أبي حمزة بل عن ظاهر أهل اللغة انه المراد من العطب الذي وقع عنوانا في النصوص قال في القاموس: «عطب كفرح و البعير و الفرس: انكسر و ان كان الظاهر كونه للأعم من الكسر و غيره» مضافا الى صحيح محمد بن مسلم المتقدم) و كيف كان فلا يخفى ان هذه المسألة من أولها إلى آخرها تحتاج إلى التأمل.

تذييل مقتضى قوله عليه السلام في صحيح محمد بن مسلم «. و يتصدق بثمنه.» هو وجوب التّصدق به، لظهور الأمر في الوجوب و لا يمكن رفع اليد عنه إلا بالصّارف،

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 27 من أبواب الذبح الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 230

و لا يتعين هدى السياق للصدقة إلا بالنذر (1)

و يمكن الاستدلال له بوجوه:

الأول- أصالة البراءة، و فيه ما لا يخفى لانقطاعها بما عرفت.

الثاني- دليل نفي العسر و الحرج. و فيه: منعهما، و ذلك لعدم استلزام الحكم بها ذلك كما لا يخفى.

الثالث- دعوى احتمال ارادة معنى «أو»

من الواو في قوله عليه السّلام- في صحيح محمد بن مسلم و غيره مما تقدم- (فليتصدق بثمنه، و ليهد هديا آخر) و فيه: انه لا يمكن الالتزام به، لكونه خلاف الظاهر، فلا يصار اليه إلا بالقرينة.

(1) قال في الجواهر: «بل سيأتي استحباب تثليثه. بالأكل و الصدقة و الهدية بل استقرب الشّهيد في الدروس مساواته لهدي التمتع في وجوب الأكل منه و الإطعام و لا بأس به- كما في المدارك- لإطلاق قوله تعالى فَكُلُوا مِنْهٰا وَ أَطْعِمُوا الْقٰانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ) المتناول لهدي التمتع و غيره و ربما احتمل في نحو عبارة المتن إرادة ان الهدي الذي يريد سوقه لا يتعين هديا قبل السوق و الاشعار إلا إذا نذره بعينه لكنه كما ترى و كذا احتمال إرادة انه لا يتعين هديا بالاشعار لجواز تبديله بتاء على بعض الأقوال السابقة و ربما أيّد بما في المختلف من انه ان ضلّ فاشترى بدله فذبحه ثم وجد ما ساقه لم يجب ذبحه و ان أشعره أو قلده لانه امتثل و خرج عن العهدة لكن قد عرفت ما في ذلك كله و انه بالإشعار أو التقليد يتعين ذبحه كما تقدّم الكلام فيه نعم ظاهر العبارة و نحوها انه لا يجب في هدي السّياق إلا الذبح و النّحر و انه لا يجب الأكل و الإطعام لا هدية و لا صدقة، و لكنه مناف لظاهر الكتاب و السنة، كما سيأتي (ان شاء اللّه تعالى)

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 231

و لو سرق «هدي السياق» من غير تفريط لم يضمن (1)

(1) بلا إشكال في ذلك، لما عرفت من عدم وجوب هدي السياق في الذمة و ان تعين الذبح بالاشعار، و يدل عليه صحيح معاوية

قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اشترى أضحية فماتت أو سرقت قبل ان يذبحها؟ قال: لا بأس و ان أبدلها فهو أفضل و ان لم يشتر فليس عليه شي ء «1» و مرسل إبراهيم بن عبد اللّه عن رجل اشترى لي أبي شاة بمنى فسرقت؟ فقال لي أبي: ائت أبا عبد اللّه عليه السّلام فأسأله عن ذلك، فأتيته فأخبرته؟ فقال: ما ضحى بمنى شاة أفضل من شاتك «2» لكن مورد صحيح الأول هو الأضحية و لعلها أعم من الهدي أو يتعدى اليه منها بتقريب الّذي تقدّم في المباحث المتقدّمة.

نعم يضمن ان نذر مطلقا ثم عين فيه ان المنذور كما سمعت و كذا الكفّارات بل و هدي التمتّع، لوجوب الجميع في الذّمة.

هذا كله مع عدم التفريط، و أما معه فظاهر بعض و صريح آخر الضّمان مطلقا، لتعيّن ذبحه لكن أشكله الكركي: «بمنافاته لما تقدّم من عدم تعيّن هدى السّياق للصّدقة إلا بالنّذر، فان مقتضاه جواز التّصرف فيه كيف شاء، فلا وجه لضمانه مع التفريط، و لو حمل- أي ما في المتن- و نحوه على المضمون في الذّمة لاتّجه الضّمان حينئذ مع التّفريط و عدمه» و فيه: عدم توقّف الضّمان على تعين الصّدقة بل يكفي فيه وجوب نحره أو ذبحه بمنى فإذا فرّط فيه قبل فعل الواجب ضمنه على معنى وجوب ذبح

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 30 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 30 من أبواب الذبح الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 232

و لو ضل فذبحه الواجد في محله عن صاحبه أجزأ عنه (1)

البدل و ان لم يعتبر الصدقة به كما هو واضح فتأمل.

(1) لا ينبغي الإشكال في ذلك،

و يدل عليه صحيح منصور بن حازم عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يضل هديه فوجده رجل آخر فينحره؟ فقال: ان كان نحره بمنى فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضل عنه و ان كان نحره في غير منى لم يجز عن صاحبه «1».

ينبغي هنا بيان أمور: الأول- ان مقتضى إطلاق صحيح منصور بن حازم المتقدم هو الاجزاء مطلقا- بلا فرق بين المتبرّع به و بين الواجب بالنّذر أو الكفارة- فعلى ذلك توقف الكركي «قدّس سرّه» في الواجب في غير محله، خصوصا مع موافقته على الاجزاء في هدي التّمتع.

الثاني- ان مقتضى إطلاقه عدم اعتبار معرفة صاحبه بعينه و صحيح محمد بن مسلم الآتي كالصريح في ذلك و هو ما عن أحدهما عليهما السّلام «في حديث» قال: و قال:

إذا وجد الرجل هديا ضالا فليعرّفه يوم النّحر و الثّاني و الثّالث ثم ليذبحها عن صاحبها عشيّة الثّالث «2».

الثالث- انه لو ذبحه الواجد عن نفسه لم يجز لا عنه و لا عن صاحبه و قد تقدم تفصيل الكلام عن ذلك عند البحث عن هدي التمتّع، فراجعه.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 28 من أبواب الذبح الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 28 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 233

و لو ضاع فأقام بدله ثم وجد الأول ذبحه و لم يجب ذبح الأخير (1). و لو ذبح الأخير ذبح الأول ندبا إلا ان يكون منذورا (2)

(1) ما أفاده المصنف «قدّس سرّه» من عدم وجوب ذبح الأخير انما يتمّ ان لم يكن قد أشعره، لعدم تعيّنه له حينئذ بإقامة البدل.

(2) كما في محكي المختلف، لانه امتثل، فخرج عن عهدة التكليف و فيه: ان المتّجه حينئذ وجوب

ذبحه مع الإشعار الذي قد عرفت سابقا إيجابه الذبح، و هو مقتضى الأمر في صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: عن الرجل يشتري البدنة ثم تضلّ قبل ان يشعرها و يقلّدها فلا يجدها حتى يأتي منى فينحر و يجد هديه؟ قال:

ان لم يكن قد أشعرها فهي من ماله ان شاء نحرها و ان شاء باعها و ان كان أشعرها نحرها «1» و دعوى ارادة النّدب منها لا شاهد له، حتى خبر أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اشترى كبشا فهلك منه؟ قال: يشتري مكانه آخر، قلت:

فان اشترى مكانه آخر ثم وجد الأول؟ قال: ان كانا جميعا قائمين فليذبح الأول و ليبع الأخير و ان شاء ذبحه، و ان كان قد ذبح الأخير ذبح الأوّل معه «2» بعد ضعف سنده بمحمد بن سنان- كما في المدارك- و عدم تعرّضه لهدي السّياق، بل لعل الظّاهر ان المسؤول عنه فيه هو هدي التّمتع.

مضافا الى انه- كما ترى- أمر فيه بذبح الأول مع ذبح الأخير و من المعلوم: انّ ظاهره هو الوجوب، فمن الغريب ما في المسالك من دعوى كون مستند المصنف و الجماعة صحيح أبي بصير مشيرا به الى الخبر المزبور فتدبّر.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 32 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 32 من أبواب الذبح الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 234

و يجوز ركوب الهدي ما لم يضرّ به، و شرب لبنه ما لم يضرّ بولده (1).

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «قدّس اللّه تعالى أسرارهم» بل في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه بل في المدارك هو موضع وفاق، و عن غيرها الإجماع مطلقا

الا من الإسكافي في الواجب. إلخ» لا ينبغي الكلام و الاشكال فيه، لما عرفته سابقا من عدم خروج الهدي عن ملك مالكه بالإشعار أو التقليد، و ان تعين للذبح أو النحر، و استدل لذلك ايضا بخبر ابى بصير عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عز و جل «لَكُمْ فِيهٰا مَنٰافِعُ إِلىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى» قال ان احتاج الى ظهرها ركبها من غير ان يعنف عليها و ان كان لها لبن حلبها حلابا لا ينهكها «1» و صحيح سليمان بن خالد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: ان نتجت بدنتك فاحلبها ما لم يضرّ بولدها. ثم انحرهما جميعا، قلت: اشرب من لبنها و أسقي؟ قال: نعم، و قال: ان عليّا عليه السّلام كان إذا رأى أناسا يمشون قد جهدهم المشي حملهم على بدنة و قال: ان ضلّت راحلة الرّجل أو هلكت و معه هدي فليركب على هديه «2» و صحيح حريز ان أبا عبد اللّه قال كان علي عليه السّلام إذا ساق البدنة و مرّ على المشاة حملهم على بدنة و ان ضلّت راحلة رجل و معه بدنة ركبها غير مضرّ و مثقل «3» و صحيح يعقوب بن شعيب انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل يركب هديه ان احتاج اليه؟ فقال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: يركبها غير مجهد و لا متعب «4».

مقتضى إطلاق هذه الاخبار هو شمولها للهدي الواجب سواء كان مضمونا أو غير مضمون كما هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الذبح الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الذبح الحديث 6

(3) الوسائل ج

2 الباب 34 من أبواب الذبح الحديث 2

(4) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الذبح الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 235

..........

و دعوى كون المراد من الإطلاق المزبور غير المضمون لا دليل عليها.

و أما الانصراف ففيه: ليس في البين انصراف أولا و على فرض ثبوته فبدوى ثانيا فلا عبرة به في تقييد الإطلاق.

و اما خبر السكوني عن جعفر بن محمد عليهما السّلام انه سئل ما بال البدنة تقلد النعل و تشعر؟ فقال: أما النّعل فيعرف انها بدنة و يعرفها صاحبها بنعله و أما الاشعار فإنه يحرم ظهرها على صاحبها من حيث أشعرها فلا يستطيع ان يتسنّمها «1» ففيه انه يقصّر عن معارضة ما تقدم من الاخبار، فينبغي حمله على الكراهة أو على صورة الإضرار، لأن الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» لم يعملوا بظاهره فترفع اليد عن ظاهره، لان تسالمهم على خلافه يوجب المنع عن الاعتماد عليه مضافا الى اختصاصه بالرّكوب.

ينبغي هنا بيان أمور: الأول- ان ظاهر كلام المصنّف «ما لم يضرّ به. أو بولده» عدم جواز ركوبه و شرب لبنه إذا استلزم ذلك.

الثاني- ان إطلاق قوله عليه السّلام: «ثم أنحرها جميعا» في صحيح سليمان بن خالد المتقدّم يشمل إذا كان الولد موجودا حال السياق و سيق معها أو ولد بعده من غير فرق بين قصد سوقه مع الأم و عدمه و يؤيّد ذلك صحيح معاوية بن عمّار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: في رجل ساق بدنة فنتجت؟ قال: ينحرها و ينحر ولدها و ان كان

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الذبح الحديث 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 236

و كل هدى واجب- بغير الإشعار أو التقليد- كالكفارات لا

يجوز ان يعطي الجزار منها شيئا و لا أخذ شي ء من جلودها (1)

الهدي مضمونا فهلك اشترى مكانها و مكان ولدها «1» نعم لو ولد حال السّياق و لم يقصد سوقه لم يجب ذبحه، للأصل بناء على ظهور الاخبار في غيره فلو أضرّ به شرب اللّبن حينئذ فلا ضمان، لكونه ماله.

الثالث- اما الصّوف و الشّعر: ففي المدارك نسبة الى الأصحاب: «انه ان كان موجودا عند التّعيين تبعه، و لم يجز إزالته إلا ان يضرّ به فيزيله و يتصّدق به على الفقراء و ليس له التّصرف فيه و لكن لو تجدّد بعد التعيين كان كاللّبن و الولد» و لكن لا يخفى: ان المتّجه- كما افاده صاحب الجواهر «قدّس سرّه»- مع عدم النّص فيه بالخصوص مراعاة القواعد في المتجدّد بالنسبة إلى بقاء الهدي على ملك صاحبه و عدمه كالهدي المتبرع به و غيره مما كان معينا بنذر و نحوه و قلنا بخروجه عن الملك، فيحكم في الأول بجواز التّصرف فيه بما شاء بخلاف الثّاني.

على ان قوله: «كاللّبن و الولد» غير واضح الوجه فتأمل.

(1) عدم جواز إعطاء شي ء من الهدي الواجب عوضا عن ذبحه بغير الاشعار و التقليد- كهدي الكفّارات و الفداء و النذر و نحو ذلك- مما لا اشكال فيه، و يدل عليه قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار: «و لا تعطه الجزارين» و قال عليه السّلام:

نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان يعطى جلالها و جلودها و قلائدها الى الجزّارين و أمره ان

______________________________

(1) الوسائل ج 3 الباب 34 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 237

..........

يتصّدق بها «1». و في صحيحة الآخر قال: نحر رسول اللّه صلّى اللّه عليه

و آله بدنة و لم يعط الجزّارين «من» جلودها و قلائدها و لا جلالها، و لكن تصدّق به و لا تعط السلاخ منها شيئا، و لكن أعطه من غير ذلك «2» الى غير ذلك من الاخبار المأثورة عنهم عليهم السلام. و لكن يعارضها ما في خبر صفوان بن يحيى الأزرق قال: قلت لأبي إبراهيم عليه السّلام الرجل يعطي الأضحية من يسلخها بجلدها؟ قال: لا بأس به انما قال اللّه عز و جل: «فَكُلُوا مِنْهٰا وَ أَطْعِمُوا.» و الجلد لا يؤكل و لا يطعم «3» و لعله لذلك و الأصل ذهب ابن إدريس- على ما حكى عنه- إلى كراهة إعطاء الجزّار الجلد، جمعا بين ذلك و بين ما دل على عدم جواز الإعطاء.

الا ان يناقش في خبر صفوان بن يحيى الأزرق بأنه ورد في الأضحية المندوبة فلا يعارض ما تقدم من الاخبار.

اللهم الا ان يقال بظهور الاستدلال- و هو قوله عليه السّلام: «انما قال اللّه عز و جل (فَكُلُوا مِنْهٰا وَ أَطْعِمُوا.) و الجلد لا يؤكل و لا يطعم»- في العموم ان لم نقل بأنه صريح فيه فتأمّل.

و لكن التحقيق انه لا عبرة به لأن إعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» عنه مانع عن الاعتماد عليه، ثم انّه بعد الغضّ عن ذلك يتمّ ما ذهب اليه ابن إدريس من الكراهة لأنه مقتضى الجمع بين الاخبار، لان الجمع العرفي يقتضي حمل الأخبار

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب الذبح الحديث 6

(2) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب الذبح الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب الذبح الحديث 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 238

و لا أكل شي ء منها فإن أكل تصدق بثمن

ما أكل (1)

المتقدمة الدالة بظاهرها على حرمة إعطاء الجلد الى الجزار على الكراهة بقرينة نفي البأس الذي تضمنه خبر منصور، لكونه نصّا في جواز ذلك، و قد ذكرنا غير مرّة ان حكومة النّص على الظّاهر من أجل الحكومات.

هذا كله إذا كان إعطاء الجزّار الإهاب و القلائد و الجلال على وجه الأجرة و اما إذا كان على وجه الصّدقة مع كونه من أهلها فلا بأس به، كما صرح به في المدارك و اما إعطاء اللحم فكذلك لا يجوز إلا إذا كان على وجه الصّدقة، لكونه من أهلها و سيظهر لك وجهه (ان شاء اللّه تعالى).

(1) قال في الجواهر: «وفاقا للمشهور، بل في محكي المنتهى و التذكرة: (لا يجوز الأكل من كل واجب غير هدى التّمتّع ذهب إليه علمائنا اجمع) مضافا الى تعلّق حقّ الفقراء سيّما في نحو النّذر.»

تحقيق الكلام في هذه المسألة يتوقف على ذكر الأخبار الواردة في المقام و الاخبار الواردة في المقام تكون على طائفتين:

الأولى: ما دلت على عدم جواز الأكل من الهدي الواجب في غير هدي التمتع- منها 1- خبر السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام قال: إذا أكل الرجل من الهدي تطوّعا فلا شي ء عليه و ان كان واجبا فعليه قيمة ما أكل «1».

2- ما رواه أبو بصير- يعنى ليث بن البختري قال: سألته عن رجل أهدى هديا فانكسر؟ فقال: ان كان مضمونا و المضمون ما كان في يمين يعنى نذر أو جزاء فعليه فداؤه، قلت: أ ياكل منه؟ فقال: لا. انما هو للمساكين فان لم يكن مضمونا فليس عليه شي ء، قلت: أ يأكل منه؟ قال: يأكل منه «2»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 5

(2) الوسائل

ج 2 الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 16

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 239

..........

3- خبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه ان علي بن ابى طالب عليه السّلام كان يقول: لا يأكل المحرم من الفدية و لا الكفّارات و لا جزاء الصيد و يأكل مما سوى ذلك «1».

4- صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الهدي إذا عطب قبل ان يبلغ المنحر أ يجزي عن صاحبه؟ فقال: ان كان تطوّعا فلينحره و ليأكل منه و قد أجزأ عنه بلغ المنحر أو لم يبلغ فليس عليه فداء و ان كان مضمونا فليس عليه ان يأكل منه بلغ المنحر أو لم يبلغ و عليه مكانه «2».

5- مرسلة المفيد في المقنعة قال: قال عليه السّلام: من ساق هديا مضمونا في نذر أو جزاء فانكسر أو هلك فليس له ان يأكل منه و يفرّقه على المساكين و عليه مكانه بدل منه و ان كان تطوّعا لم يكن عليه بدله و كان لصاحبه ان يأكل منه «3».

6- مرسل حريز (في حديث) يقول في آخره ان الهدي المضمون لا يؤكل منه إذا أعطب فإن أكل منه غرم «4» الى غير ذلك من الاخبار الدالة على ذلك.

الثانية- ما دلت جواز الأكل من الهدي الواجب- منها:

1- صحيح معاوية بن عمّار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل اهدى هديا فانكسرت؟ فقال: ان كانت مضمونة فعليه مكانها و المضمون ما كان نذرا أو جزاء أو يمينا، و له أن يأكل منها فان لم يكن مضمونا فليس عليه شي ء «5».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 27

(2) الوسائل ج 2 الباب 25

من أبواب الذبح الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب الذبح الحديث 10

(4) الوسائل ج 2 الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 26

(5) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب الذبح الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 240

..........

2- ما رواه جعفر بن بشير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن البدن التي تكون جزاء الايمان و النساء و لغيره يؤكل منها؟ قال: نعم يؤكل من كل البدن «1».

3- ما رواه عبد اللّه بن يحيى الكاهلي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: يؤكل من الهدي كله مضمونا كان أو غير مضمون «2».

4- ذيل خبر إسحاق بن عمار و قلت لأبي إبراهيم عليه السّلام الرّجل يخرج من حجّته ما يجب عليه الدّم و لا يهريقه حتى يرجع الى أهله؟ قال: يهريقه في اهله و يأكل منه الشّي ء «3».

5- خبر عبد الملك القمّي عن الصادق عليه السّلام قال: يؤكل من كل هدي نذرا كان أو جزاء «4» الى غير ذلك من الأخبار الدالة على ذلك فتقع المعارضة بينهما، لدلالة الطائفة الأولى على عدم جواز الأكل منه و دلالة الطائفة الثانية على جوازه منه.

و يمكن ان يقال، انه لا معارضة بينهما لان الجمع العرفي بينهما يقتضي حمل الطائفة الأولى الدّالة بظاهرها على حرمة الأكل على الكراهة، بقرينة أخبار الطائفة الثّانية، لكونها نصا في الجواز، و قد ذكرنا غير مرّة: ان النصّ مقدّم على الظّاهر.

و لكن الذي يسهّل الخطب هو ان دليل الاعتبار لا يشمل الطائفة الثانية، لأن إعراض الأصحاب «رضوان اللّه عليهم» عن العمل بها يوجب سقوطها عن

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 7

(2) الوسائل ج 2 الباب

40 من أبواب الذبح الحديث 6

(3) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب الذبح الحديث 1

(4) ذكر في الجواهر

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 241

و من نذر ان ينحر بدنة فان عين موضعا وجب و ان أطلق نحرها بمكة (1).

و يستحب ان يأكل من هدي السياق و ان يهدي ثلثه و يتصدق بثلثه كهدي التمتع (2).

الحجية فتأمّل.

(1) يشهد له خبر محمد عن ابى جعفر عليه السّلام قال: عليه بدنة ينحرها بالكوفة؟

فقال عليه السّلام: إذا سمى مكانا فلينحر فيه «1». و خبر إسحاق الأزرق الصائغ قال:

سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل جعل للّه تعالى عليه بدنة ينحرها بالكوفة في شكر فقال عليه السّلام لي: عليه أن ينحرها حيث جعل للّه تعالى عليه و ان لم يكن سمّى بلدا فإنه ينحرها قبالة الكعبة منحر البدن «2».

ان قلت: ان الخبر ضعيف سندا قلت: ان ضعفه منجبر بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و به يخرج عن إطلاق النّذر مع انه غير ظاهر فان الظاهر ان الهدي و البدنة اسم لما ينحر بمكة فيكون نذره نذر له و التّقييد بغير مكة حين النذر يقتضي ان يكون المراد بالمنذور ما هو أعمّ من ذلك و على ذلك يظهر لك انه لا تعبّد في خبر إسحاق الأزرق الصائغ فلاحظ و تأمل.

(2) استحباب الأكل من أكل السياق غير الواجب- من كفارة أو نذر للصّدقة- و استحباب إهداء ثلثه و التّصدق بثلثه انما يكون لأجل موثّق شعيب العقرقوفي، قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: سقت في العمرة بدنة فأين أنحرها؟ قال: بمكة قلت: فأي

______________________________

(1) ذكر في الجواهر

(2) الوسائل ج 2 الباب 59 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص:

242

و كذا الأضحية (1)

شي ء أعطي منها قال: كل ثلثا و تصدق بثلث و اهد ثلثا «1» و نحوه غيره من الاخبار ثم انه لم يقيّد المصنف و الفاضل الأكل بالثلث، لتعذره أو تعسّره غالبا، فيكفي فيه المسمّى و لعل الأمر به فيه محمول على إرادة أكل أهله معه أو من يقوم مقامهم و لكن ذهب بعض الى وجوب التّثليث- و هو خيرة ابن إدريس- كما في هدي التّمتع، لان ظاهر إطلاق الأمر بالنسبة إلى الأكل و الإهداء و التّصدق هو كونه بداعي الجدّ في الجميع فلا بد من الحكم بالوجوب إلا إذا ثبت خلافه بالدّليل و قد تقدم تفصيل الكلام عن هذا الموثّق و غيره عند البحث عن هدي التمتّع فراجعه

(1) اي يستحب أن يأكل منها ثلثا و يهدي ثلثا و يتصدّق بثلث لقول أمير المؤمنين عليه السّلام في خطبة له: «و إذا ضحّيتم فكلوا و أطعموا و أهدوا و احمدوا اللّه على ما رزقكم من بهيمة الانعام» «2» و لخبر ابي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن لحوم الأضاحي فقال: كان علي بن الحسين و أبو جعفر عليهما السّلام يتصدّقان بثلث على جيرانهم، و ثلث على السؤال، و ثلث يمسكانه لأهل البيت «3» و ظاهر الأول- كما ترى- هو الوجوب، إلا ان تسالم الأصحاب على عدم الوجوب قرينة على رفع اليد عن هذا الظهور، و كيف كان فقد تقدّم تفصيل الكلام عن هذا في هدي التمتّع فراجعه.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 18

(2) الوسائل ج 2 الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 23

(3) الوسائل ج 2 الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 13

كتاب الحج

(للشاهرودي)، ج 4، ص: 243

[الخامس: في الأضحية]

الخامس: في الأضحية (1) [1]

(1) لا ينبغي الإشكال في كون الأضحية مستحبا مؤكدا و هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل في الجواهر «إجماعا بقسميه» و قد عبر عنها بالوجوب في بعض رواياتها و لا بأس هنا بذكر بعض رواياتها تيمنا- منها:

1- صحيح محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السّلام قال: الأضحية واجبة على من وجد من صغير أو كبير و هي سنة «1».

2- ما رواه عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: سئل عن الأضحى أ واجب هو على من وجد لنفسه و عياله؟ فقال: أما لنفسه فلا يدعه، و اما لعياله ان شاء تركه «2».

3- ما رواه العلاء بن الفضيل عن ابى عبد اللّه عليه السّلام ان رجلا سأله عن الأضحى، فقال: هو واجب على كل مسلم الا من لم يجد، فقال له السائل: فما ترى في العيال؟ فقال: ان شئت فعلت و ان شئت لم تفعل فأمّا أنت فلا تدعه «3».

______________________________

[1] الأضحية: «بضم الهمزة و كسرها و تشديد الياء» على ما هو المعروف من اللغة فيها، و ان جاء على ما في مجمع البحرين فيها ايضا ضحية- كعطية- و الجمع: ضحايا كعطاياها، و أضحات بفتح الهمزة- كارطاة- و الجمع: اضحى- كارطى- و ربما كان هو الظاهر من الأضحى في بعض النصوص الآتية» و المراد منها مما يذبح أو ينحر من النعم يوم عيد الأضحى و ما بعدها إلى ثلاثة أيام أحدها يوم العيد أو أربعة كذلك، بل لعل وجه تسميتها بذلك لذبحها في الضّحى غالبا بل سمّي العيد بها.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 60 من أبواب الذبح الحديث 3

(2) الوسائل

ج 2 الباب 60 من أبواب الذبح الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 60 من أبواب الذبح الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 244

و وقتها بمنى أربعة أيام أولها يوم النحر و في الأمصار ثلاثة (1). و يستحب الأكل من الأضحية (2)

4- خبر ابي بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت: ما علّة الأضحية؟ فقال له: انه يغفر لصاحبها عند أول قطرة تقطر من دمها على الأرض. «1».

و لأجل بعض ما تقدم ظن الإسكافي وجوبها لكنه لا عبرة به، لما عرفت من تسالم الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» على خلافه، مضافا الى النبوي الذي نقل في الجواهر (كتب على النحر و لم يكتب عليكم) و في المرسل: «ضحّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بكبشين ذبح واحدا بيده و قال: اللّهم هذا عنّي و عمّن لم يضح من أهل بيتي و ذبح الآخر و قال: اللّهم هذا عنّي و عمّن لم يضح من أمّتي «2» و نحوه غيره، فلا بأس بإرادة من لفظ الوجوب على معنى كونه مندوبا مؤكدا، فتأمل.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل في الجواهر (بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع عليه) و استدل لذلك بصحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال: سألته عن الأضحى كم هو بمنى؟ فقال:

أربعة أيام، و سألته عن الأضحى في غير منى؟ فقال: ثلاثة أيام، فقلت: فما تقول في مسافر قدم بمد الأضحى بيومين، إله أن يضحّي في اليوم الثالث؟ فقال: نعم «3» و موثّق عمار الساباطي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الأضحى بمنى؟ فقال: أربعة أيام، و عن الأضحى

في سائر البلدان فقال: ثلاثة أيام «4».

(2) لما عرفته في صدر المبحث.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 60 من أبواب الذبح الحديث 11

(2) الوسائل ج 2 الباب 60 من أبواب الذبح الحديث 6

(3) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب الذبح الحديث 1

(4) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب الذبح الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 245

و لا بأس باذخار لحمها (1). يكره ان يخرج به من منى (2)

(1) و استدل لذلك بخبر ابى الصباح الكناني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث ثم اذن فيها، فقال كلوا من لحوم الأضاحي بعد ذلك و ادخروا «1» و صحيح محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام قال:

كان النبي صلّى اللّه عليه و آله نهى ان تحبس لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام من أجل الحاجة فأما اليوم فلا بأس به «2» و في المرسل قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: كنا ننهي عن خروج لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام، لقلة اللحوم و كثرة الناس، فاما اليوم فقد كثر اللحم و قل الناس فلا بأس بإخراجه «3» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم عليهم السلام و قد تقدم تحقيق الكلام و نقل الأخبار الواردة في هذا المقام في البحث عن هدي التمتع فراجعه

(2) يمكن الاشكال على ما أفاده المصنف «قدّس سرّه» هنا من القول بكراهة إخراج الأضحية من منى بملاحظة الأخبار المتقدّمة، و كيف كان فقد ذهب بعض من الأصحاب إلى الحرمة، و هو المحكي عن النّهاية و المبسوط و التّهذيب، و استدل له بخبر علي بن حمزة عن أحدهما عليهما

السّلام قال: لا يتزود الحاج من لحم أضحيته و له ان يأكل منها بمنى أيامها، قال و هذه مسألة شهاب كتب اليه فيها «4» و ما رواه احمد بن محمد عن علي عن أبي إبراهيم عليه السّلام لا يتزوّد الحاجّ من أضحيته و له ان يأكل منها أيامها إلا السّنام، فإنه دواء، قال احمد و قال: لا بأس ان يشترى الحاج من لحم منى و يتزوّده «5».

و لكن التّحقيق: انه لا يتم القول لا بالحرمة و لا بالكراهة، أما الحرمة فلان

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 41 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 41 من أبواب الذبح الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 41 من أبواب الذبح الحديث 6

(4) الوسائل ج 2 الباب 42 من أبواب الذبح الحديث 3

(5) الوسائل ج 2 الباب 42 من أبواب الذبح الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 246

..........

مقتضى الجمع بين هذه الاخبار و الاخبار المتقدمة هو رفع اليد عن ظاهر هذه الاخبار الدالة على الحرمة بقرينة الأخبار الدّالة على الجواز، لكونها نصا فيه، و قد ذكرنا غير مرّة ان حكومة النصّ على الظّاهر من اجلى الحكومات.

و اما الكراهة فلقصور الخبرين عن إثباتها، لضعفهما و معارضتهما بما تقدم من الاخبار مما فيها من الصّحاح.

و اما القول بأنه يمكن الحكم بالكراهة بقاعدة التّسامح في أدلّة السّنن المستفادة من اخبار: «من بلغ» و فيه: انه بعد الغض عن تعدّد الاحتمالات المتصورة في مفادها من كونها إنشاء لحكم أصولي- و هو حجّية الخبر الضّعيف- أو إنشاء لحكم فقهي- و هو استحباب نفس العمل- أو إخبارا عن ترتّب الثّواب الموعود على العمل- على التفصيل الذي بيّناه في الأصول و تسليم

تمامية دلالتها انها تختص بالمستحبات و التّعدي عن موردها الى المكروهات بان يكون الخبر الضّعيف حجة في المكروهات أو يكون الفعل مكروها يحتاج الى الدّليل و هو مفقود.

لا بأس هنا بذكر أمور: الأول- ان الشّيخ «قدس سره» و ان عبّر بعدم الجواز في التهذيب إلا انه يريد منه الكراهة بقرينة تصريحه بها في الاستبصار مع انه قال قيل ذلك: (و لا بأس بأكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام و ادخارها) مستدلا عليه بجملة من النصوص السّابقة و لا ريب: ان الادخار بعد ثلاثة أيّام لا يكون غالبا إلا بعد الخروج من منى، لانه بعد

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 247

و لا بأس بإخراج ما يضحيه غيره (1)

الثلاث لا يبقى فيها أحد، فلو لا ان المراد بقوله: «لا يجوز» الكراهة لحصل التّنافي بين كلاميه، إلا ان يحمل جواز الادخار على غير مني أو على ما لا يجامع الخروج به من منى (على ما في الجواهر).

الثاني- قال في الجواهر أشكل على بعض من منافاة هذه النّصوص- الدالة على حرمة الإخراج بظاهرها- لما اتفقوا عليه ظاهرا من استحباب التّثليث في الأضحية المقتضي لعدم بقاء شي ء في يده الا الثلث الذي هو في يده له ان يتصرف فيه كيف ما شاء، مع انه لا يزيد غالبا على مصرفه في ثلاثة أيام منى حتى ينهي عن إخراجه ثم يؤمر به و يعلل بوجود المستحقّ و عدمه، إذ لا يتعلق به حق المستحق بعد إخراج حق المستحقين. اللّهم إلا ان يحمل استحباب التثليث على صدر الإسلام من حيث قلة اللحوم و كثرة الناس و انه بعد ذلك سقط هذا الحكم، لعدم من يتصدق به عليه و من يهدي له بسبب

كثرة اللّحم و قلّة النّاس، فلا بأس بإخراج اللحم و ادخاره و عدم صرفه في ذلك المصرف الموظف، إلا ان هذا لا يلائم كلام الأصحاب، لاتّفاقهم على استحباب هذا الحكم في جميع الأعصار، و هو كما ترى من غريب الكلام، ضرورة: عدم التّنافي بين الاستحباب المزبور و كراهة الادخار و الإخراج إذا لم يأت بالمستحبّ أو في ثلاثة خاصة، كما هو واضح.

(1) إذا كان قد اهدى اليه أو تصدّق به عليه أو اشتراه، للأصل بعد اختصاص الخبرين السابقين على فرض تماميتهما بأضحيته على ان في الثّاني منهما من قول احمد: (قال: و لا بأس ان يشتري الحاج من لحم مني و يتزوّده) فتأمل.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 248

و يجزى الهدى الواجب عن الأضحيّة المندوبة و الجمع بينهما أفضل (1).

و من لم يجد الأضحية تصدق بثمنها فان اختلفت أثمانها جمع الأعلى و الأوسط و الأدون و تصدّق بثلث الجميع (2)

(1) لصحيح محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام قال: يجزيه في الأضحية هديه و في نسخة: (يجزئك من الأضحية هديك) «1» و صحيح الحلبي (يجزي الهدي عن الأضحية) و ربما كان في لفظ الإجزاء إشعارا أو ظهورا من ان الجمع بينهما أفضل- كما أفاده في الجواهر- مضافا الى ما قيل: من ان فيه فعل المعروف و نفع المساكين فتأمل.

ثم ان ظاهر الصحيحين- كما افاده صاحب الجواهر «قدس سره» اجزاء مطلق الهدي عنها- كما عن النهاية و الوسيلة و المنتهى و التذكرة و التحرير- خلافا للقواعد و الدروس، فقيداه- كالمتن- بالواجب، بل في النافع و التخليص و التبصرة: التقييد بهدي التمتع، و لعله لدعوى الانصراف و لكن فيه ما لا يخفى: لعدم الانصراف في البين

أولا، و على فرض ثبوته فبدوى ثانيا، و قد ذكرنا غير مرّة ان الانصراف المعتبر هو ما إذا كان بمنزلة القيد المذكور في الكلام بحيث لو صرّح بخروج المنصرف عنه عن تحت الإطلاق كان توضيحا للواضح، و كونه في المقام كذلك غير معلوم، فلا يكون من الانصراف الصّالح للتّقييد.

(2) لخبر عبد اللّه بن عمر عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: كنّا بالمدينة فأصابنا غلا في الأضاحي، فاشترينا بدينار، ثم بدينارين، ثم بلغت سبعة. ثم لم يوجد بقليل و لا كثير، فوقع هشام المكاري الى ابى الحسن عليه السّلام فأخبره بما اشترينا و انّا لم نجد

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 60 من أبواب الذبح الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 249

و يستحب ان يكون الأضحية بما يشتريه و يكره بما يربيه (1)

بعد فوقع عليه السّلام اليه انظروا الى الثّمن الأوّل و الثّاني و الثّالث فاجمعوا ثم تصدّقوا بمثل ثلثه «1» و في الجواهر (و الظاهر كما صرح به غير واحد ان المراد التصدّق بقيمة منسوبة الى ما كان من القيم، فمن الاثنين النصف، و من الثلاث، الثلث، و من الأربع الربع، و هكذا. و قد تقدم ذكر هذا الحديث في لزوم بيع التّجمل للهدي و عدمه فراجعه.

(1) لخبر محمد بن الفضيل عن ابي الحسن عليه السّلام قال: قلت جعلت فداك: كان عندي كبش سمين لاضحي به فلما أخذته و أضجعته نظر الي فرحمته و رفقت له ثم انى ذبحته؟ قال: فقال لي: ما كنت أحبّ ان تفعل، لا تربين شيئا من هذا ثم تذبحه «2» و في المرسل قال: قال أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام: لا يضحى باثنين من الدّواجن [1]

«3» و هو يقتضي كراهية الأعم من الأول.

______________________________

[1] الدواجن جمع داجن، و هي الشاة التي تألف البيوت، كما عن الجوهري.

و عن القاموس: دجن بالمكان دجونا أقام، و الحمام و الشاة و غيرهما ألفت و هي دجن، و تسمى الدواجن رواجن ايضا.

قال في محكي القاموس رجن بالمكان رجونا: اقام، و الإبل و غيرها ألفت و دابته حبسها في المنزل على العلف.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 58 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 61 من أبواب الذبح الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 61 من أبواب الذبح الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 250

و يكره ان يأخذ شيئا من جلود الأضاحي (1). و ان يعطيها الجزّار (2).

و الأفضل ان يتصدق بها (3)

(1) لصحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال: سألته عن جلود الأضاحي هل يصلح لمن ضحى بها أن يجعلها جرابا؟ قال: لا يصلح ان يجعلها جرابا الا أن يتصّدق بثمنها «1».

(2) للنّهي عنه في صحيح معاوية و هو ما عنه عن ابي عبد اللّه عليه السّلام. و قال:

نحر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بدنة و لم يعط الجزّارين من جلودها و لا قلائدها و لا جلالها، و لكن تصدق به، و لا تعط السلاخ منها شيئا، و لكن أعطه من غير ذلك «2» و نحوه غيره من الاخبار و ظاهره- كما ترى- هو الحرمة، الا انه ترفع اليد عنه لأجل قوله عليه السّلام في خبر صفوان بن يحيى الأزرق قال: قلت لأبي إبراهيم عليه السّلام: الرجل يعطي الأضحية من يسلّخها بجلدها؟ قال: لا بأس به، انما قال اللّه عز و جل «فَكُلُوا مِنْهٰا وَ أَطْعِمُوا» و الجلد

لا يؤكل و لا يطعم «3» و قوله عليه السّلام في المرسل: (انه انما يجوز للرجل ان يدفع الأضحية الى من يسلخها بجلدها. «4».

(3) لقوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار المتقدم: (و لكن تصدّق بثمنها) و نحوه غيره من الاخبار.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب الذبح الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب الذبح الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب الذبح الحديث 8

(4) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب الذبح الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 251

[في الحلق أو التّقصير]

(في الحلق أو التّقصير) الثالث في الحلق أو التّقصير (1)

(3- الحلق أو التّقصير)

(1) من مناسك منى يوم النّحر هو الحلق و لا ينبغي الإشكال في كونه واجبا و هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا، بل عن المنتهى: «انه ذهب إليه علمائنا أجمع» إلا في قول شاذ للشيخ في التّبيان انه مندوب مع ان المحكيّ عن الشيخين أنهما إنما جعلاه مسنونا- كالرّمي- و عن ابن إدريس انه فهم في الرّمي الواجب بغير نصّ الكتاب، و لكنه حكى عن النهاية ان الحلق أو التقصير مندوب غير واجب، و عن مجمع البيان الندب ايضا، بل ربما كان ظاهره اتفاق الأصحاب عليه. و كيف كان فلا شك في ضعف هذا القول. و استدل لوجوبه في الجواهر بوجوه لا تخلو بعضا منها من المناقشة و الاشكال، و هي التأسي، و النّصوص الموجبة للحلق على الملبّد أو الصّرورة المخيّرة لغيرهما بينهما، و الآمرة بهما إذا نسي حتى نفرا و اتى مكة، و بالكفارة إذا طاف قبلهما، و المعلّقة للإحلال عليهما و خبر سعيد الأعرج: «فان لم يكن عليهن

ذبح فليأخذن من شعورهنّ و يقصّرن من أظفارهن ثم يمضين إلى مكّة».

ثم لا يخفى ان المشهور- كما في المدارك- ان وقته يوم النّحر بعد ذبح الهدى أو حلوله في رحله على القولين، و هذا القول هو الّذي يقتضيه الاحتياط، للاتفاق على كونه وقتا لذلك و الشّك فيما عداه.

و حكى عن ابى الصلاح جواز تأخيره إلى آخر أيّام التّشريق، و لكن لا يزور

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 252

فإذا فرغ من الذبح فهو مخير ان شاء حلق و ان شاء قصر و الحلق أفضل و يتأكّد في حق الصّرورة و من لبّد شعره و قيل لا يجزيه الا الحلق و الأول أظهر (1)

البيت قبله، بل عن الفاضل في المنتهى و التذكرة: انه استحسنه، لان اللّه تعالى بين أوله بقوله (حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) و لم يبين آخره، فمتى اتى به اجزء، كالطواف للزّيارة و السعى).

(1) ما افاده المصنف «قدس سره» من التخيير بين الحلق و التقصير انما يتم في الحاجّ و المعتمر مفردة دون ما إذا كان صرورة أو ملبّدا اي جعل في رأسه عسلا أو صمغا لئلا يتسخ أو يقمّل، أو معقوصا، فإن هؤلاء يتعيّن عليهم الحلق وفاقا لجماعة من أعاظم القدماء «قدّس اللّه تعالى أسرارهم».

أما وجوب الحلق معيّنا على من لبّد رأسه أو عقصه فيدل عليه صحيح معاوية ابن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، قال: ينبغي للصّرورة أن يحلق، و ان كان قد حجّ، فان شاء قصر و ان شاء حلق فإذا لبّد شعره أو عقّصه فان عليه الحلق و ليس له التقصير «1» و ما رواه هشام بن سالم قال قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا عقص الرّجل رأسه

أو لبّده في الحجّ أو العمرة فقد وجب عليه الحلق «2» و صحيح الحلبي عن ابي عبد اللّه قال: سمعته يقول: من لبّد شعره أو عقّصه فليس له ان يقصّر، و عليه الحلق، و من لم يلبّده تخيّر ان شاء قصر و ان شاء حلق، و الحلق أفضل «3» و صحيح معاوية عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا أحرمت فعقّصت شعر رأسك أو لبّدته فقد وجب عليك الحلق و ليس لك

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب الذبح الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب الذبح الحديث 15

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 253

..........

التّقصير و ان أنت لم تفعل فمخيّر لك التّقصير و الحلق في الحجّ، و ليس في المتعة إلا التّقصير «1».

و اما الصّرورة فيمكن الاستدلال على وجوب الحلق عليه تعيينا بالحديث الأول فإن مفهوم قوله عليه السّلام فيه: «و ان كان قد حج فان شاء قصر و ان شاء حلق» هو انه لم يكن قد حج فليس مخيرا، بل عليه الحلق تعيينا و هذا صارف عن ظهور كلمة (ينبغي) التي تضمنها- صحيح معاوية بن عمار- في الاستحباب، و لا أقل من حصول الإجمال، فلا يصلح لفظ (ينبغي) فيه للمعارضة مع الاخبار الآتية الدالة على تعيين الحلق عليها، و ذلك لعدم وجود قرينة على صرفها عن ظاهرها.

و كيف كان فاستدل على وجوب الحلق تعيينا على الصّرورة بخبر ابي سعيد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: يجب الحلق على ثلاثة نفر: رجل لبد، و رجل حج بدوا لم يحج من قبلها و رجل عقص رأسه «2».

و لا يخفى:

ان المراد من الوجوب فيه هو الوجوب الاصطلاحي بقرينة جعله في سياق الملبّد و المعقوص، فليس المقصود هو مطلق ثبوت الحلق على الصّرورة.

بل قد يقال بتعيين الحلق على الصرورة و ان كان ذلك عسريا عليه، لما رواه عمار الساباطي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل برأسه قروح لا يقدر على الحلق قال: ان كان قد حج قبلها فليجز شعره و ان كان لم يحجّ فلا بد له من

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب الذبح الحديث 8

(2) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب الذبح الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 254

..........

الحلق «1» و به يقيّد إطلاق دليل نفي العسر و الحرج.

ثم انه يقع الكلام في ان المراد هو وجوب الحلق على من لم يحجّ قبل و لو غير حجة الإسلام أو اللّازم في ثبوت التّخيير كونه حج حجّة الإسلام؟؟

مقتضى إطلاق بعض الاخبار هو ارادة مطلق الحج و لو غير حجة الإسلام- كما ان معنى الصرورة من لم يحج أصلا- لكن يقيد بخبر ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: على الصّرورة أن يحلق رأسه و لا يقصّر انما التّقصير لمن قد حج حجة الإسلام «2» و مقتضاه- كما ترى- ان المراد من الصرورة هو من لم يحج حجة الإسلام فيما ان حجة الإسلام تكون اخصا من مطلق الحجّ، فيقيّد إطلاق غيره مما دل على ان المراد من لم يحجّ مطلقا.

ان قلت: انه لا يتم في المقام قانون حمل المطلق على المقيّد، لكونهما مثبتين.

قلت: انهما و ان كانا مثبتين، لكنهما من قبيل صرف الوجود، فلا بد من التّقييد ثم انه ورد عن سليمان بن مهران (في

حديث) انه قال لأبي عبد اللّه عليه السّلام: كيف صار الحلق على الصّرورة واجبا دون من قد حجّ؟ قال: ليصير بذلك موسّما بسمة الآمنين، الا تسمع قول اللّه عز و جل «لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ إِنْ شٰاءَ اللّٰهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ لٰا تَخٰافُونَ» «3».

يمكن الاستدلال به على عدم وجوب الحلق تعيينا على الصّرورة، لمكان تعليله بصيرورته موسّما بسمة الآمنين الذي لا يصلح جعله علة للوجوب فيدل على الاستحباب

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب الذبح الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب الذبح الحديث 5

(3) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب الذبح الحديث 14

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 255

..........

و على ذلك ترفع اليد عن ظاهر الاخبار المتقدّمة الدّالة على وجوب الحلق على الصّرورة تعيينا.

ثم ان تحقيق الكلام في هذه المسألة يتوقف على ذكر الأمور التالية:

الأول- ان الظاهر من حلق الرأس المذكور في الاخبار هو حلق تمامه كما هو الظاهر من غسل الوجه في قوله تعالى: «فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ.» و من مسح الرأس في قوله تعالى «وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ» لولا الباء، و لذا أورد زرارة الذي هو من أهل اللسان على الامام عليه السّلام ان مقتضى الآية مسح تمام الرأس فكيف يستفاد كفاية مسح البعض منه، فأجابه عليه السّلام لمكان الباء و كيف كان فما ذهب اليه صاحب المستند (قدس سره) من كفاية المسمى منه- اي من الحلق- يكون مشكلا.

يمكن ان يستدل على كفاية المسمى منه بما رواه غياث بن إبراهيم عن جعفر عن آبائه، عن علي (عليهم السلام) قال: السنة في الحلق ان تبلغ العظمين «1» و بما رواه موسى بن القاسم عن صفوان عن معاوية عن ابي جعفر

عليه السّلام قال: أمر الحلاق ان يضع الموسى على قرنه الأيمن. ثم أمره أن يحلق و سمى هو، و قال: اللّهم أعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة «2» و لكن فيهما ما لا يخفى من المناقشة و الاشكال.

أما عدم دلالة الأول على كفاية المسمّى فلأنه إذا بلغ العظمين فمن المعلوم انه تجاوز الحلق عن الرأس، فعليه لا يبقى مجال للقول بان قوله عليه السّلام: (السنة في الحلق

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 256

و ليس على النساء حلق (1)

ان تبلغ العظمين) يدل على كفاية الأقل من حلق تمام الرأس.

و أما عدم دلالة الثاني على كفاية مسماه فلو ردوه- كما ترى- في بيان كيفية الحلق فلا ربط له لما نحن بصدد إثباته.

الثاني- ان مقتضى إطلاق الاخبار المتقدمة هو كفاية المسمى من التقصير و فيه بحث سيأتي في الفرع الآتي عند البحث عن حكم المرية.

الثالث- ان في مورد التخيير بين الحلق و التقصير يكون الحلق أفضل- كما عرفته في كلام المصنف و استدل لذلك بصحيح الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: استغفر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للمحلّقين ثلاث مرات. إلخ «1» و بحسن حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم الحديبية: اللهم اغفر للمحلقين مرتين، قيل و للمقصّرين يا رسول اللّه؟ قال: و للمقصّرين «2». و بما رواه سالم ابي الفضل قال قلت:

لأبي عبد اللّه عليه السّلام دخلنا بعمرة نقصّر أو نحلق؟ فقال: احلق، فان رسول اللّه صلّى

اللّه عليه و آله ترحّم على المحلّقين ثلاث مرّات و على المقصّرين مرّة واحدة «3».

الرابع- انه إذا اختارت المرأة الحلق يحكم بعدم اجزائه، لورود النهي عنه فيها و يحكم مضافا الى ذلك- بثبوت الكفارة عليها لوقوع الحلق على الفرض قبل ان تحل و الحلق من التروك.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 7

(2) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 6

(3) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 13

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 257

و يتعين في حقهن التّقصير (1) و يجزيهن منه و لو مثل الأنملة (2).

و حديثا بل في الجواهر: (بلا خلاف أجده بل في التحرير و المنتهى الإجماع عليه).

و يدل عليه ما في وصيّة النّبي صلّى اللّه عليه و آله لعلي عليه السّلام قال: يا علي ليس على النساء جمعة الى ان قال: و لا استلام الحجر و لا حلق «1». و صحيح الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال:

ليس على النساء حلق و يجزيهن التّقصير «2» بل حكموا بحرمته عليها، و قد نفى عنه الخلاف و ادعى عليه الإجماع و يدل على ذلك ما في المرسل نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان تحلق المرأة رأسها «3» بناء على إرادة الإطلاق لا في خصوص الإحلال فقط بعد جبره بالشّهرة.

(1) لا ينبغي الإشكال فيه و يدلّ عليه- مضافا الى اتفاق الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم) خبر علي بن أبي حمزة عن أحدهما عليهما السّلام (في حديث) قال: و تقصّر المرأة، و يحلق الرّجل و ان

شاء قصّر ان كان قد حجّ قبل ذلك «4» و نحوه غيره من الاخبار المأثورة عنهم (عليهم السّلام).

(2) كما في القواعد و النافع و محكي التّهذيب و النّهاية و المبسوط، لمرسل ابن ابي عمير (تقصّر المرأة من شعرها لعمرتها مقدار الأنملة) «5» لا يخفى ان المستفاد من كلام المصنف «قدس سره» ان أقل ما يمكن الاكتفاء في التّقصير هو مقدار الأنملة، الا ان المحكي عن المختلف و غيره انه كناية عن المسمّى بل قيل هو ظاهر المنتهى و التّذكرة للأصل مع عدم ثبوت الزيادة و إطلاق الأخذ من الشعر في صحيح سعيد الأعرج انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن النساء؟ فقال: ان لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 3

(3) المذكور في الجواهر

(4) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 2

(5) المذكور في الجواهر

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 258

و يجب تقديم «الحلق» و التقصير على زيارة البيت لطواف الحج و السعي (1)

شعورهن و يقصّرن من أظفارهن «1» و ترك الاستفصال في حسن الحلبي قال له: اني لما قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلي و لم اقصر؟ قال عليك بدنة، قال قلت: اني لما أردت ذلك منها و لم تكن قصرت امتنعت فلما غلبتها قرضت بعض شعرها بأسنانها؟ فقال:

رحمها اللّه كانت أفقه منك عليك بدنة و ليس عليها شي ء «2».

ثم انه يظهر من القواعد و غيره تحقق التّقصير بذلك الرجل، للأصل و لقول الصادق عليه السّلام في خبر عمر بن يزيد ثم ائت منزلك تقصر من شعرك

و حلّ لك كل شي ء «3» و إطلاق حسن الحلبي المتقدّم الا انه كما ترى لا تقدير فيهما بالأنملة التي لا يتوقّف صدق التّقصير من الشّعر عليها عرفا، كما هو واضح.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه و في كشف اللثام، كأنه لا خلاف فيه، و في المدارك: لا ريب في وجوب تقديمهما على زيادة البيت للتأسّي و الاخبار الكثيرة و لعلّ مراده ما تسمعه من النصوص الآمرة بإعادته للنّاسي أو مطلقا و بالشّاة للعالم. إلخ) و كيف كان فقد يقتضي ما ذكره المصنف «قدّس سرّه» في هذا المقام صحيح محمد بن مسلم الآتي الدال على لزوم الشاة عليه لو خالف، لكن ظاهر صحيح جميل بن دراج خلافه و هو، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يزور البيت قبل ان يحلق؟ قال: لا ينبغي

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 1

(2) المذكور في الجواهر

(3) المذكور في الجواهر

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 259

و لو قدم ذلك على التّقصير عامدا جبره بشاة (1)

الا ان يكون ناسيا، ثم قال: ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أتاه أناس يوم النحر فقال بعضهم:

يا رسول اللّه اني حلقت قبل اذبح و قال بعضهم: حلقت قبل أرمي فلم يتركوا شيئا كان ينبغي ان يؤخّروه إلا قدّموه؟ فقال: لا حرج «1» فالعمدة في المسألة دعوى الإجماع عليه. فتأمل.

و كيف كان فلو خالف أعاد بما يحصل به الترتيب- على المشهور- و يقتضيه الأصل- بناء على وجوب التّرتيب- و يدل عليه صحيح علي بن يقطين الآتي

(1) و استدل لذلك بصحيح محمد بن

مسلم عن ابى جعفر عليه السّلام في رجل زار البيت قبل ان يحلق؟ فقال: ان كان زار البيت و هو عالم ان ذلك لا ينبغي له، فان عليه دم شاة «2» و لكن يمكن ان يقال: انه يعارضه صحيح علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المرأة رمت العقبة و ذبحت و لم تقصر حتى زار البيت فطافت و سعت من الليل ما حالها و ما حال الرّجل إذا فعل ذلك؟ قال: لا بأس به يقصّر و يطوف بالحج ثم يطوف للزّيارة ثم قد أحلّ من كل شي ء «3» بيان المعارضة: هو ان الحديث الأول- كما ترى- دل على عدم وجوب اعادة الطواف و السعي و استفادة ذلك منه يكون بوجهين:

الأول- من قوله عليه السّلام «لا ينبغي له.» بدعوى دلالته على جواز تقديم

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 39 من أبواب الذبح الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 260

..........

الطّواف على التّقصير مع الكراهة.

الثاني- ذكر الكفارة فيه دون الإعادة حيث ان ظاهره هو عدم وجوب الكفّارة لأنه لو لم يكن كذلك لما اقتصر على الكفارة فقط و لكن هذا بخلاف الحديث الثاني لدلالته على وجوب الإعادة.

و لكن الأقوى في النّظر عدم المعارضة بينهما، لانه قد ذكر في صحيح محمد بن مسلم الكفارة، و في صحيح ابن يقطين الإعادة و ملاحظة التّرتيب و سكوت صحيح محمد ابن مسلم عن التّعرض للإعادة لا يعارض مع صحيح ابن يقطين.

ثم لا يخفى ان مقتضى إطلاق صحيح علي بن يقطين هو وجوب الإعادة

للعامد و اما عموم الجبر بشاة للعامد و غيره- من الجاهل و الناسي- فغير ظاهر لاختصاص صحيح محمد بن مسلم المتقدم بالعالم فلا يمكن التعدي عن مورد الى غيره، لما قد ذكرناه غير مرة من انه لا علم لنا بملاكات الأحكام و موانعها، فلعل في العمد خصوصية دون غيره، فيقتصر على مورد الحديث و يحكم بلزوم الجبر في صورة العمد دون غيره.

و كيف كان فبناء على المشهور يكون الترتيب فيما نحن فيه بين الطواف و الحلق أو التقصير شرط في الصحة و مع الإخلال به يحكم بلزوم اعادة الطّواف إلا إذا قام دليل على الخلاف و لم يرد ذلك في المقام فيحكم بوجوب الجمع بين الكفارة و الإعادة على العامد و أما في غير العمد فيحكم بوجوب الإعادة دون الكفّارة لما تقدم فتأمل.

ثم انه قد يقال: ان قوله صلّى اللّه عليه و آله: (لا حرج) في صحيح جميل المتقدم لا يعارض

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 261

..........

صحيح علي بن يقطين (بدعوى): ان المقصود منه ليس نفي البأس بل المقصود منه هو المعنى الذي أريد من قوله تعالى «مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» فعليه يختصّ الحكم و هو عدم لزوم الإعادة بصورة ما إذا كانت الإعادة موجبة للحرج، و الا فعليه الإعادة فيكون الحديث حاكما على صحيح علي بن يقطين لا معارضا له.

و لكن الظاهر ان قوله عليه السّلام في صحيح جميل المتقدّم: «لا حرج» بمعنى «لا بأس» لا بمعنى نفي الحرج الذي تضمنه الآية، لعدم اختصاص نفي الحرج بالنّاسي لأنه على ذلك لا معنى لقوله عليه السّلام في صحيح جميل المتقدم: «لا ينبغي الا ان يكون ناسيا» فعليه تقع المعارضة بينهما.

لكن يمكن

الجمع بينهما بحمل قوله صلّى اللّه عليه و آله: «لا حرج» على نفي الكفّارة دون الإعادة. لكنه فيه ما لا يخفى، لعدم الشاهد له، فلا يصار اليه.

ثم انه يمكن ان يقال: ان الحديث المتقدم الذي تضمّن كلمة «لا حرج» ليس فيه اسم من تقديم الطواف على الحلق أو التقصير، و لكن لا يخفى ان قوله عليه السّلام في صحيح جميل المتقدم «لم يتركوا شيئا كان ينبغي ان يؤخروه إلا قدّموه» مطلق يشمل تقديم الطواف ايضا.

ثم انه لا ينافي ما ذكرنا ما ورد عن ابى بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في رجل زار البيت و لم يحلق رأسه؟ قال: يحلق بمكة و يحمل شعره إلى منى و ليس عليه شي ء «1» لأن قوله عليه السّلام: «ليس عليه شي ء» و عدم ذكر الامام عليه السّلام لإعادة الطواف لا يدل

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 262

و لو كان ناسيا لم يكن عليه شي ء و عليه اعادة الطواف على الأظهر (1) و يجب ان يحلق بمنى فلو رحل رجع فحلق بها (2)

على عدم وجوبها، لكونه في مقام بيان حكم آخر و هو مكان حلقه، و لزوم حمل شعره إلى منى و لا يخفى ان هذه المسألة من أولها إلى آخرها بعد تحتاج إلى التأمل.

(1) اما عدم وجوب الدم فيما لو قدم الطواف على التقصير ناسيا فقد نفى عنه الخلاف و استدل له بالأصل و غيره و اما إعادة الطواف فقال في الجواهر بعد ذكر كلام المصنف: «بل لا أجد فيه خلافا كما اعترف به في المدارك و غيرها لإطلاق ابن يقطين السابق الذي لا

ينافيه صحيح جميل السابق و غيره الذي استثنى فيه الناسي بعد عدم اشعار فيه بعدم الإعادة، بل و لا نفي الحرج في صحيحة الآخر المراد منه عدم بطلان الحج كنفي البأس في صحيح ابن يقطين. إلخ».

ثم ان الظاهر وجوب إعادة السعي حيث تجب اعادة الطواف، كما عن العلامة في التذكرة التصريح به تحصيلا للترتيب و ربما كان ظاهر عبارة المصنف «قدس سره» عدمه، و لعله لصحيح علي بن يقطين الذي لا ظهور له في ذلك.

ثم انه لو قدم الطواف على الذبح أو على الرمي نفى الحاقه بتقديمه على التقصير وجهان؟ أجودهما ذلك، كما في المسالك و المدارك.

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 4، ص: 262

(2) وجوب الحلق أو التقصير بمنى مما لا ينبغي الإشكال فيه فلو أخل عالما أو جاهلا أو ناسيا يتعين عليه الرجوع اليه فيحلق أو يقصر فيها وجوبا قال في الجواهر عند شرح قول الماتن: «بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك» بل في المدارك: (هذا الحكم مقطوع به بين الأصحاب) بل عن ظاهر التذكرة و المنتهى «انه موضع وفاق» بل

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 263

فان لم يتمكن حلق أو قصر مكانه (1) و بعث بشعره ليدفن بها (2).

عن المفاتيح ذلك ايضا و عن غيرها نفي الخلاف فيه ايضا و في صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي أن يقصر من شعره أو يحلقه حتى ارتحل من منى قال: يرجع الى منى حتى يلقى شعره بها حلقا كان أو تقصيرا «1». و خبر ابى بصير قال: سألته عن رجل

جهل ان يقصر من رأسه أو يحلق حتى ارتحل من منى؟ قال:

فليرجع إلى منى حتى يحلق شعره أو يقصّر و على الصّرورة أن يحلق «2» نعم في خبر مسمع قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي أن يحلق رأسه أو يقصر حتى نفر قال: يحلق في الطريق أو أين كان «3» و مقتضى ذلك حمل صحيح الحلبي الوارد في الناسي على الاستحباب لكن الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) حملوه على صورة عدم التمكّن من الرّجوع و لكن في هذا الحمل ما لا يخفى بل مقتضى ما في صحيح الحلبي انه (يرجع الى منى حتى يلقي شعره بها) ان الرجوع مقدمة للإلقاء فعليه يكون مقتضى الجمع بينهما حمل صحيح الحلبي الوارد في الناسي و خبر ابي بصير الوارد في الجاهل على كون وجوب رجوع غيريا و الواجب إلقاء الشعر بمنى لا غير، فعليه لا يبقى في البين دليل للحكم المزبور إلا الإجماع ان تم، فتأمل.

(1) وجوب الحلق أو التقصير في مكانه إذا لم يتمكن من الرجوع الى منى مما لا اشكال فيه و قد نفى عنه الخلاف كما اعترف به في الجواهر و قد حمل خبر مسمع المتقدم على ذلك.

(2) قال في الجواهر عند شرح قول الماتن: «ندبا كما في النافع و محكي

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 264

..........

التهذيب و الاستبصار بل في المدارك نسبته الى قطع الأكثر لا وجوبا كما عن الكافي و ظاهر المتن،

للأصل و قول الصادق عليه السّلام في خبر ابي بصير: «ما يعجبني أن يلقي شعره الا بمنى «1». و في صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان علي بن الحسين عليهما السّلام يدفن شعره في فسطاته بمنى و يقول: كانوا يستحبّون ذلك قال: و كان أبو عبد اللّه عليه السّلام يكره ان يخرج الشّعر من منى و يقول من أخرجه فعليه ان يرده «2» و في خبر البختري المروي عن قرب الاسناد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن الحسن و الحسين عليهما السّلام كانا يأمران أن يدفن شعرهما بمنى «3» و لا ينافي قول الصادق عليه السّلام في صحيح ليث المرادي ليس له ان يلقي شعره الا بمنى «4» واحدهما عليهما السّلام في خبر علي بن أبي حمزة في حديث: و ليحمل الشّعر إذا حلق بمكة إلى منى «5» بعد عدم دلالتهما على الدّفن كغيرهما من النصوص، بل لعل ما عن في محمول على تأكّد النّدب كظاهر المتن انما الكلام في وجوب البعث الذي استوجهه الفاضل في محكي المختلف ان كان خروجه من منى عمدا دون النسيان، لانه كان يجب عليه الحلق بمنى و إلقاء الشعر بها و لا يسقط أحد الواجبين إذا سقط الآخر، بخلاف ما إذا نسي فإنه لا يجب عليه شي ء منهما مضافا الى خبر ابي بصير الظاهر في العمد بل عن النهاية و ظاهر المتن وجوبه مطلقا و لعله للأمر به في حسن حفص بن البختري عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في الرّجل يحلق رأسه بمكة قال: يرد الشعر إلى منى «6» و خبر ابى بصير السابق المحمول على النّدب أيضا بقرينة خبر ابى

بصير الأخير الظاهر في ذلك، و لكن مع ذلك لا ريب في ان الأحوط بعثه خصوصا إذا

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 6.

(2) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 5.

(3) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 8.

(4) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 4.

(5) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 2.

(6) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 265

و لو لم يمكنه لم يكن عليه شي ء (1). و من ليس على رأسه شعر أجزأه إمرار الموسى عليه (2)

كان قد أخرجه منها و أحوط منه دفنه فيها.

(1) يعنى من لم يتمكن من بعثه سقط الوجوب و لم يكن عليه شيئا إجماعا- كما في المدارك- للأصل و غيره.

(2) سقوط الحلق عمّن ليس على رأسه شعر خلقة أو غيرها مما لا ينبغي الإشكال فيه، و قد ادعى عليه الإجماع بقسميه. هذا مما لا ينبغي الإشكال فيه.

انما الكلام في انه هل يتعيّن التّقصير عليه أو يكفي إمرار الموسى عليه؟ مقتضى عبارة المصنّف هو الثّاني، و لكن مقتضى الأصل في الوجوب التّخييري هو الأول.

و يمكن تأييد ظاهر عبارة المصنف بمقتضى خبر زرارة. ان رجلا من أهل خراسان قدم حاجّا و كان أقرع الرأس لا يحسن ان يلبّي فاستفتي له أبو عبد اللّه عليه السّلام فأمر أن يلبّى عنه و يمرّ الموسى على رأسه، فإن ذلك يجزى عنه «1» بل قيل بوجوبه، لانه كان واجبا عند الحلق فإذا سقط، لتعذره لم يسقط، بل قيل:

ان كلام الامام عليه السّلام و هو: (يجزى عنه) يدل على ذلك، لان الاجزاء انما يستعمل في الواجب، بل في كشف اللثام- على ما حكاه صاحب الجواهر (قدّس سرّه)-: «ان لم يكن له ما يقصر منه أو كان صرورة أو ملبّدا أو معقوصا و قلنا بتعين الحلق عليهم اتجه وجوب الإمرار و تبعه في الرّياض مؤيّدا له بالخبر المتقدّم بدعوى: ظهوره في الصّرورة.

ناقش فيه صاحب الجواهر «قدّس سرّه» بعد نقل ما تقدم بقوله: «و فيه ان

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 11 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 266

..........

المتّجه حينئذ السقوط للأصل بعد ان كان الواجب من الإمرار ما يتحقق في ضمنه الحلق لا مطلقا، فلا تأتي قاعدة الميسور و ما لا يدرك، و بعد قصور الخبر المزبور عن إثبات الوجوب. و من هنا كان المحكي عن الأكثر منا و من غيرنا الاستحباب، بل عن الشيخ في الخلاف الإجماع عليه، و حينئذ فيتعيّن عليه التّقصير من لحيته أو غيرها الذي هو أحد الفردين، و مع العدم يتجه السقوط. نعم لو قلنا بوجوبه عملا بالخبر المزبور اتجه الاجتزاء به عنه، لظهور لفظه فيه، و ان كان يحتمل إرادة الاجزاء عن الحلق الحقيقي لا عن مطلق الفرض فضلا عن قاعدة الأمر، و لعدم توجه الجمع بين الحلق و التقصير فكذا ما يقوم مقامه، و لكن مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع بين الإمرار و التقصير خصوصا بعد ما سمعته من أمر الصادق عليه السّلام في أقرع خراسان مؤيدا بخبر أبي بصير عنه أيضا سألته عن المتمتع أراد ان يقصّر فحلق رأسه؟ فقال عليه السّلام: دم يهريقه فإذا كان يوم

النحر أمر الموسى على رأسه حين يريد ان يحلق، و خبر عمّار السّاباطي عنه أيضا في حديث سأله عن رجل حلق قبل ان يذبح قال: يذبح و يعيد الموسى لان اللّه تعالى يقول وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ، كما انه لا ينبغي تركه إذا لم يكن عنده شعر يقصّره، لاستبعاد حلّه بلا حلق و لا تقصير و لا إمرار الموسى، مضافا الى ما سمعته من النّصوص. إلخ) و كيف كان فان مقتضي خبر زرارة الوارد في الأقرع من أهل خراسان و كذا خبر أبى بصير في من حلق في عمرة التمتّع الاجتزاء بإمرار الموسى على رأسه من دون تقصير، كما هو ظاهر عبارة المصنف (قدّس سرّه) و لكنه يحتمل ان يكون موردهما الصّرورة، بل يمكن ان يقال: انه ليس لخبر

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 267

..........

زرارة إطلاق لأنه قضية في واقعة، و لا يبعد القول بذلك في خبر ابى بصير ايضا، فعليه لا يمكن رفع اليد عن التقصير عند تعذر الحلق لان الدليل غير ظاهر، فتأمل.

ينبغي هنا بيان المستحبّات و هي أمور: الأول- يستحب عند ارادة الحلق استقبال القبلة كما في المقنع و في الفقه المنسوب الى الامام الرضا عليه السّلام و إذا أردت أن تحلق رأسك فاستقبل القبلة و ابدأ بالنّاصية و احلق الى العظمين النّابتين بحذاء الأذنين. و فيه ما لا يخفى و اما التّسامح في أدلة السّنن ففيه ما ذكرنا غير مرّة من عدم إمكان استفادة الحكم منه بعد الغضّ عن الإجمال فيه.

الثاني- يستحب عند ارادة الحلق التّسمية لما في صحيح معاوية بن عمّار عن ابي جعفر عليه السّلام قال: أمر الحلاق ان يضع الموسى على قرنه الأيمن

ثم أمره أن يحلق و سمى هو و قال: اللّهم أعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة «1».

الثالث- انه يستحب ان يبدأ فيه من قرنه الأيمن، لقوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمّار المتقدم أمر الحلاق ان يضع الموسى على قرنه الأيمن.

الرابع- يستحب ان ينتهي به الى العظمين النابتين قبلة و تسدّ الأذنين، لما في خبر غياث بن إبراهيم عن جعفر عن آبائه (عليهم السّلام) قال: السنة في الحلق ان تبلغ العظمين «2» و فسّره جماعة بما ذكر.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 268

و ترتيب هذه المناسك واجب يوم النحر، الرّمي، ثم الذّبح، ثم الحلق، فلو قدّم بعضها على بعض أثم و لا اعادة (1)

الخامس- يستحب ان يدعو بهذا الدّعاء، اللّهم أعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة، و الأصل فيه ما في صحيح معاوية بن عمار المتقدّم.

السادس- ذكر بعض ان الأفضل ان يختم دعاءه بالصّلاة على النّبي و آله صلوات اللّه عليهم أجمعين، و يمكن ان يكون وجه ذلك ما دل على فضل ختم كل دعاء بها.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قال في الجواهر عند شرح الماتن: (كما في النافع و القواعد بل و محكي النهاية و المبسوط و الاستبصار و ظاهر المقنع في الأخيرين بل نسبه غير واحد الى أكثر المتأخرين، لقوله تعالى «وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ» و للتأسي مع قوله صلّى اللّه عليه و آله: «خذوا عنّي مناسككم» و قول الصادق عليه السّلام في خبر عمر بن يزيد: «إذا ذبحت

أضحيتك فاحلق رأسك و اغتسل و قلّم أظفارك و خذ من شاربك» و في خبر جميل:

«تبدأ بمنى بالذّبح قبل الحلق» و في صحيح معاوية بن عمار أو حسنه: (إذا رميت الجمرة فاشتر هديك. إلخ) و كيف كان فلا ينبغي الإشكال في ظهور مجموع ما تقدم- كما افاده- صاحب الجواهر «قدس سره» في وجوب الترتيب في الثّلاثة و لا عبرة بقول المخالف و دليله بعد ثبوت الشّهرة على ما ذكر و لو خالف لم يلزمه شي ء و ان أثم بعمده و لكن الأحوط الإعادة بما يحصل به التّرتيب، لاحتمال كون وجوب التّرتيب وجوبا شرطيّا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 269

[مسائل ثلاث]
[الاولى مواطن التحليل ثلاثة]
اشارة

مسائل ثلاث الاولى مواطن التحليل ثلاثة (1)

[الأول عقيب الحلق أو التقصير يحلّ من كل شي ء إلا الطيّب و النّساء و الصّيد]

الأول عقيب الحلق أو التقصير يحلّ من كل شي ء إلا الطيّب و النّساء و الصّيد (2)

(1) لا ينبغي الكلام فيه، لانه المتسالم عليه بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا.

(2) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم»، و يدل عليه جملة من الرّوايات المأثورة عنهم عليهم السّلام- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا ذبح الرجل و حلق فقد أحلّ من كل شي ء أحرم منه الا النّساء و الطّيب، فإذا زار البيت و طاف و سعي بين الصّفا و المروة فقد أحلّ من كل شي ء أحرم منه الا النّساء، و إذا طاف طواف النّساء فقد أحلّ من كل شي ء أحرم منه الا الصّيد «1».

2- صحيح العلاء قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: تمتّعت يوم ذبحت و حلقت أ فألطخ رأسي بالحناء؟ قال: نعم من غير ان تمس شيئا من الطيب. قلت: أ فألبس القميص؟ قال: نعم إذا شئت. قلت: أ فأغطي رأسي؟ قال: نعم «2».

3- صحيحة الآخر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: انى حلقت رأسي و ذبحت و أنا متمتع اطلي رأسي بالحنّاء؟ قال: نعم من غير ان تمس شيئا من الطّيب قلت: و البس القميص و أتقنع؟ قال: نعم، قلت: قبل ان أطوف بالبيت؟ قال: نعم «3»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب الذبح الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب الذبح الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 270

..........

4- خبر عمر بن يزيد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال:

اعلم انك إذا حلقت رأسك فقد حلّ لك كلّ شي ء إلا النّساء و الطّيب «1».

5- قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار: (ثم اخرج الى الصفاء فاصعد عليه، و اصنع كما صنعت يوم دخلت مكة، ثم ائت المروة، فاصعد عليها، و طف بينهما سبعة أشواط، تبدأ بالصفاء و تختم بالمروة، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شي ء أحرمت منه الا النساء، ثم ارجع البيت و طف به أسبوعا آخر، ثم تصلي ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام ثم أحللت من كلّ شي ء و فرغت من حجّك كله و كل شي ء أحرمت منه) «2».

6- خبر جميل قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: المتمتع ما يحل له إذا حلق رأسه قال: كل شي ء إلا النّساء و الطّيب، قلت: فالمفرد؟ قال: كلّ شي ء إلا النّساء ثم قال:

و ان عمر يقول. الطيب و لا نرى ذلك شيئا «3».

7- خبر محمد بن حمران قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحاج غير المتمتّع؟

يوم النّحر ما يحل له قال: كل شي ء إلا النساء، و عن المتمتع ما يحل له يوم النّحر؟ قال:

كلّ شي ء إلا النساء و الطيب «4» الى غير ذلك من الاخبار المأثورة عنهم عليهم السّلام ثم انه لا تعارض الأخبار المتقدمة الأخبار الآتية، و هي:

1- صحيح معاوية بن عمّار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: سئل ابن عباس

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب زيارة البيت الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 4

(4) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب الحلق و التقصير

الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 271

..........

هل كان رسول اللّه يتطيب قبل ان يزور البيت؟ قال: رأيت رسول اللّه مر يضمد رأسه قبل ان يزور «1».

2- خبر أبي أيوب الخزاز قال: رأيت أبا الحسن عليه السّلام بعد ما ذبح حلق ثم ضمد رأسه بمسك و زار البيت و عليه قميص و كان متمتعا «2» و في بعض النسخ (كان مقنعا).

3- خبر عبد الرّحمن بن الحجّاج قال: ولد لأبي الحسن مولود بمنى، فأرسل إلينا يوم النحر بخبيص [1] فيه زعفران، و كنا قد حلقنا قال عبد الرحمن: فأكلت أنا و ابي الكاهلي و مرازم أن يأكلا منه، و قال: لم نزر البيت، فسمع أبو الحسن عليه السّلام كلامنا، فقال لمصادف- و كان هو الرسول الذي جائنا به: في أي شي ء كانوا يتكلمون فقال: أكل عبد الرّحمن و أبى الآخران، فقالا: لم نزر بعد البيت، فقال: أصاب عبد الرحمن، ثم قال: اما تذكر حين أتينا به في مثل هذا اليوم فأكلت أنا منه و أبى عبد اللّه أخي ان يأكل منه، فلمّا جاء ابي حرشه على، فقال: يا ابه ان موسى أكل خبيصا فيه زعفران و لم يزر بعد، فقال: ابى هو أفقه منك ا ليس قد حلقتم رؤوسكم «3».

4- خبر إسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن المتمتع إذا حلق

______________________________

[1] هو طعام معمول من التمر و الزبيب و السمن.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 272

..........

رأسه

ما يحل له قال: كل شي ء إلا النساء «1» و وجه عدم معارضة هذه الاخبار مع الاخبار المتقدمة اما الأول- فلأنه حمله الشيخ «قدّس سرّه» على الحاجّ غير المتمتع بقرينة باقي الاخبار.

و اما الثاني- فلعدم ثبوت كونه عليه السّلام متمتعا، فلا يعارض مع ما مر لاختلاف النسخ فيه، و لعل الصّحيح هو النسخة التي فيها: «و كان مقنّعا».

و اما الثالث- فلاحتمال كونهم غير متمتّعين، و يحمل على الحاجّ غير المتمتّع بقرينة باقي الأخبار، كالخبر الأول.

و اما الرابع- فلكونه قابلا للتخصيص بما عرفت ان لم نقل ان العرف يأباه، و كيف كان فان تمّ ما ذكر فهو، و الا فيتعيّن رفع اليد عنه، لأن إعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» مانع عن الاعتماد عليه، فتدبر.

و أما صحيح سعيد بن يسار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتمتّع قال: إذا حلق رأسه قبل ان يزور البيت يطليه بالحناء؟ قال نعم الحنّاء و الثّياب و الطّيب، و كل شي ء إلا النّساء، رددها على مرّتين أو ثلاثا قال: و سألت أبا الحسن عليه السّلام عنها؟ قال:

، نعم الحناء و الثياب و الطيب و كل شي ء إلا النّساء «2». و لكن في بعض النّسخ لم يذكر جملة: «قبل ان يزور» و كيف كان فيمكن ان يقال بعدم معارضته لما مرّ، لحمله على التقيّة، لذهاب جماعة من العامّة الى ذلك.

اللهم الا ان يناقش فيه بان هذا الحديث لو كان واردا مورد التقيّة لما قال الإمام

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 8

(2) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 273

..........

عليه السّلام فيه: (الا

النّساء) لأن العامة لا يقولون بطواف النساء الا ان تستشعر التّقية من الترديد فيه: (مرتين أو ثلاث)، لاحتمال كون شخص في المجلس يقول بحلية الطّيب بالحلق و حلّية النّساء بطواف النساء.

مضافا الى انه يمكن ان يقال. ان قوله عليه السّلام: «الا النساء» ليس مخالفا للتقية لأنه عليه السّلام لم يذكر ان النساء تحل بطواف النساء حتى يقال: بأنه خلاف التقية لذهاب العامة الى ان النساء تحل بطواف الزيارة، فعليه يتجه ترجيح ما تقدم من الاخبار على هذا الحديث بحمله على التقيّة لموافقته لهم.

هذا و لكن مع ذلك كله ان هذا الحديث لا يمكن حمله على التقية، لأنه صريح في كونه في التمتع و العامة لا يقولون به، و الذي يسهل الخطب هو ان هذا الحديث موهون بإعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» عنه الموجب لخروجه عن حيّز دليل الحجيّة و الاعتبار.

و اما صحيح محمد بن إسماعيل قال: كتبت الى ابى الحسن الرضا عليه السّلام هل يجوز للمحرم المتمتع ان يمسّ الطّيب قبل ان يطوف طواف النّساء؟ فقال: لا «1».

فيمكن ان يقال: انه لا يعارض مع ما تقدم من الاخبار، لحمله على الكراهة جمعا بينه و بين ما هو صريح في الجواز.

مضافا الى ان أعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» عنه مانع عن الاعتماد عليه فتدبر.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 19 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 274

..........

ينبغي هنا التنبيه على أمور: الأول- ان الظاهر اعتبار فعل المناسك الثلاثة التي في منى «الرّمي و الذّبح و الحلق أو التّقصير» في هذا التحلل كما عن الشيخ التصريح به بل و المصنّف في النافع و الفاضل في المختلف، فلا يتحلّل في الموطن

الأول بالحلق أو التقصير فقط بل المحلل هو الأمور الثّلاثة المتقدمة.

و اما صحيح معاوية بن عمّار المتقدّم و ان كان مشتملا على الذبح و الحلق فقط و لكن إنما ينفي دخالة الرمي بالإطلاق مع انه ورد عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن أمير المؤمنين عليه السّلام انه كان يقول: إذا رميت جمرة العقبة فقد حل لك كل شي ء حرم عليك إلا النساء «1» و أنت ترى ان مقتضى إطلاق هذا الحديث كون المحلل في الموطن الأول هو الرمي فقط دون الذبح و الحلق، فعليه فالمتجه تقييد إطلاق كل واحد بالآخر، فينتج دخالة الجميع في الحلية.

و ان أبيت عن ذلك فنقول: ان كان سنده ضعيفا فلا عبرة به و الا فيطرح أيضا لأجل إعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» عنه الموجب لخروجه عن حيّز دليل الاعتبار.

الثاني- انه بناء على دخالة المناسك الثّلاثة في الحليّة يشكل الأمر فيما إذا نسي الرّمي مثلا، فان مقتضى القاعدة انه لا يتحلّل الا ان يرمى نائبة عنه و لو في العام القابل

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 130 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 11

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 275

..........

أو يتحلّل بعمرة مفردة، و كذا الكلام فيما إذا لم يذبح لأجل عدم تمكّنه من الهدي و خلف الثّمن، و اما مقتضى إطلاق الآية الشريفة و ان كان وجوب الصّوم على من لم يجد هديا، لكن يقيّد بحكم النّص إذا لم يكن واجدا للثّمن، و الا خلف الثمن و قد تقدم تفصيل الكلام عنه في أحكام الهدى، و قد أشرنا هناك ايضا الى انه لم يعملوا بحديث التّصدق [1] بثلث الأثمان الثّلاثة حسب حصول الغلاء من الثّمن الأول

إلخ) و كيف كان فإذا لم يجد الهدى و خلف الثّمن كان مقتضى القاعدة بقاؤه محرما الى العّام القابل أو يتحلّل بعمرة مفردة.

نعم في فرض كون تكليفه الصّوم سقوط الذبح عنه و لكن لا دليل على قيام الصوم مقامه في المحللية، فيكفي في تحلله الرمي و الحلق من دون توقف ذلك على انقضاء صوم الثلاثة أيام في الحج أو انقضاء تمام العشرة.

و على الجملة: مقتضى القاعدة في الفروض المتقدمة هو بقاؤه محرما، و مع فرض الشّك يكون مقتضى الاستصحاب ايضا ذلك. نعم يحلّ له الطّيب بطواف الزّيارة و النّساء بطواف النساء ان لم نقل انّ المحلّل ليس مطلق الطواف بل الطواف الّذي

______________________________

[1] عن عبد اللّه بن عمر قال: كنا بمكة فأصابنا غلاء في الأضاحي فاشترينا بدينار ثم بدينارين ثم بلغت سبعة ثم لم توجد بقليل و لا كثير فرقع هشام المكاري رقعة الى ابي الحسن عليه السّلام فأخبره بما اشترينا ثم لم نجد بقليل و لا كثير فوقع انظروا الى الثمن الأول و الثّاني و الثالث ثم تصدّقوا بمثل ثلثه (الوسائل ج 2 الباب 58 من أبواب الذبح)

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 276

..........

يؤتى به بحسب الترتيب.

و كيف كان فيمكن حل الاشكال بدعوى: منع كون المحلّل في الموطن الأول هو الرّمي و الذّبح و الحلق، بل المحلّل فيه هو الحلق فقط- كما في قوله عليه السّلام في خبر عمر بن يزيد المتقدم في صدر المبحث: «إذا حلقت رأسك فقد حل لك كل شي ء إلا النساء و الطيب» و أما قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار المتقدم في صدر المبحث: «إذا ذبح الرّجل و حلق فقد أحل من كل شي ء أحرم منه. إلخ»

فليس المقصود منه هو ان الذبح دخيل في الحلّية و انما ذكر الذبح، لكونه واجبا يؤتى به قبل الحلق و كون تقدّمه دخيلا في صحة الحلق. و أما كون الحلية مستندة اليه فلا و كذلك الكلام في الرّمي.

و لكن لا يخفى ان هذا الكلام- بناء على تماميته و فرض صحّته- لا يتأتى في الرمي لأنه لم يقل إذا رمى و ذبح و حلق فقد أحلّ من كل شي ء إلا النّساء و الطيّب) بل رتب الحلية في صحيح على الرمي صريحا غاية الأمر يقيد إطلاقه بباقي الاخبار و لكن قد تقدم عدم إمكان الأخذ بهذا الحديث لإعراض الأصحاب عن العمل به.

الثالث- ان المتمتع لا يحل له الطيب بالحلق أو التقصير و أما غيره- من المفرد و القارن- فيحل له بالحلق أو التقصير ايضا- كما في القواعد و غيرها، لخبر محمد بن حمران قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحاجّ غير المتمتّع يوم النّحر ما يحلّ له؟ قال:

كل شي ء إلا النّساء و عن المتمتّع ما يحل له يوم النحر؟ قال: كل شي ء إلا النّساء

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 277

[الثاني: إذا طاف «المتمتع» طواف الزيارة حلّ له الطيب]

الثاني: إذا طاف «المتمتع» طواف الزيارة حلّ له الطيب (1)

و الطيب «1» و صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال سئل ابن عباس هل كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يتطيب قبل ان يزور البيت؟ قال: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يضمد رأسه المسك قبل ان يزور «2» و قد حمله الشيخ علي الحاج غير المتمتع لما مر و خبر جميل قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: المتمتع ما يحل له إذا حلق رأسه؟

قال: كل شي ء إلا النساء و الطيب، قال: فالفرد؟ قال: كل شي ء إلا النساء. إلخ «3».

الرابع- ان المفرد أو القارن فان كان قد قدم الطواف و السعي على الوقوفين حل له الطيب ايضا بتحلّله بمنى و قد صرح به جماعة من الأصحاب و يقتضيه خبر جميل و خبر محمد بن حمران و غيرهما لان مقتضى إطلاق هذه الأدلة عدم الفرق في تحلل الطيب للمفرد و القارن بين تقديمه الطواف و السعي على الوقوفين و عدمه، و عن الدروس التخصيص بالأول، لكنه في غير محله- كما افاده صاحب الجواهر «قدس سره»- و لذا أطلق الأكثر، و مثله في الضعف ما عن الجعفي، و ظاهر آخرين من التسوية بينهما و بين المتمتع في توقف حل الطيب على الطواف، فلاحظ و تأمل و اللّه الهادي إلى الصواب.

(1) كما في النّافع و القواعد و غيرها، و قد نفى عنه الخلاف، كما في الجواهر، و يدل عليه صحيح معاوية بن عمار المتقدم، و خبر منصور بن حازم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل رمى و حلق أ ياكل شيئا فيه صفرة؟ قال: لا حتى يطوف بالبيت و بين الصفا و المروة ثم قد حل له كل شي ء إلا النّساء حتى يطوف بالبيت طوافا آخر ثم

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 278

..........

قد حل له النساء «1» الى غير ذلك من الاخبار المأثورة عنهم عليهم السّلام.

ينبغي هنا بيان أمر، و هو انه

ليس المحلل في الموطن الثاني طواف الزيارة فقط بل مع صلاته و مع السعي، أما السعي فلدلالة النّص عليه، و أما الصلاة فلان المنصرف من دليل تحليل الطواف هو كون المحلّل الطّواف مع توابعه.

و لكن في كشف اللثام: (انه لا يتوقف على صلاة الطّواف لإطلاق النّص و الفتوى) و يمكن المناقشة فيه بأن الإطلاق غير ظاهر، لكون صلاة الطواف من توابعه و الاستصحاب يقتضي توقف الحلّ عليهما.

مضافا الي خبر المروزي: «إذا حجّ الرّجل فدخل مكة فطاف بالبيت و صلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السّلام و سعى بين الصّفا و المروة و قصر فقد حل له كل شي ء ما خلا النّساء «2» و قريب منه صحيح معاوية بن عمار: «إذا ذبح الرجل و حلق فقد أحلّ من كل شي ء أحرم منه الا النّساء و الطّيب فإذا زار البيت و طاف و سعى بين الصّفا و المروة فقد أحلّ من كل شي ء أحرم منه الا النّساء. إلخ) «3» و لكن ظاهر خبر المروزي عمرة التمتّع على أنه ضعيف سندا.

ثم انه ينبغي هنا ذكر أمر: و هو انه إذا قدم المتمتّع للضّرورة طواف الزّيارة و السّعي على الوقوف، فهل يحل له ما يحلّله طواف الزيارة و هو الطّيب في ذلك الوقت أولا، و يتأتى هذا البحث في المفرد و القارن إذا قدما الطواف، فإنه يجوز لهما تقديم الطّوافين و لو اختيارا و كيف كان فقال في الجواهر: «فالظاهر عدم التّحلل الا بالحلق

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 2

(2) المذكور في الجواهر

(3) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 279

..........

للأصل و

خبر المفضل «1» و انصراف الخبر الأول و الفتاوى إلى المؤخر مضافا الى إمكان كون المحلل هو المركب من الطّواف و السّعي و ما قبلهما من الأفعال بمعنى كون السعي جزء العلة فما عن بعض من التحلل لا يخفى عليك ما فيه و ان استوجهه في المدارك لكن قد سمعت فيما تقدم انه مع تقديم الطواف و السعى لا بد من تجديد النيّة لئلا يحصل التحلل و يصير الحج عمرة و حينئذ فلا وجه لدعوى التحلّل بما وقع من الطواف و السعي مع فرض تجديد النية لتجدد الإحرام كما انه لا وجه لبقاء حكم الإحرام مع فرض عدم تجديد التلبية و صيرورته حلالا و انقلاب حجه عمرة و بذلك يظهر لك إشكال في أصل تصور المسألة فتأمل جيدا انتهى).

و كيف كان فيمكن ان يقال: ان الانصراف الذي أفاده صاحب الجواهر عن الطواف المقدم بدوي، فلا عبرة به، لعدم كونه بمنزلة القرينة الحافة بالكلام الموجبة للتّقييد، فعليه تكون مواطن التحلل ثلاثة و باقية على حالها غاية الأمر حصل فيها التقدّم و التأخّر و فيه ما يأتي في ذيل صفحة 280 نعم هنا كلام و هو ان المستفاد من بعض الاخبار ان من طاف بالبيت أحل أحب أو كره فعليه ان يلبى بعد كل طواف ليحرم للإتيان بالأعمال محرما و على ذلك فيشكل الأمر هنا لأنه ان لم يلبّ انقلب حجّه الى عمرة مفردة و ان لبّى صار محرما فلم يبق له محلّل عن الطّيب أو عنه و عن النّساء فيبقى على إحرامه الى ان يتحمل بعمرة مفردة و الجواب هو انه و ان كان أحلّ من كل شي ء بالطواف و أحرم بالتّلبية لكن هذا

______________________________

(1) الوسائل

ج 2 الباب 6 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 280

[الثالث إذا طاف طواف النساء حل له النساء]

الثالث إذا طاف طواف النساء حل له النساء (1)

الإحرام يكون لباقي الأعمال فيحرم عليه به ما لم يحصل محلله فليس إحرامه إحراما عن الطيب في صورة تقديم طوافه الزيارة فقط و لا إحراما عن النساء في صورة تقديمهما.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل في الجواهر: «بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه مضافا الى ما سمعته من النصوص فما عن الحسن من انه تحل بدونه ضعيف فلا يمكن المساعدة عليه.

نعم في كشف اللثام: «صلّى له أم لا؟ لإطلاق النصوص و الفتاوى الا فتوى الهداية و الاقتصاد» و ان كان فيه ما عرفت.

مضافا الى قول الصادق عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار، ثم اخرج الى الصفا و اصعد عليه و اصنع كما صنعت يوم دخلت مكة ثم ائت المروة فاصعد عليها و طف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا و تختم بالمروة، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شي ء حرمت منه الا النّساء، ثم ارجع الى البيت و طف به أسبوعا آخر ثم تصلي ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام ثم قد أحللت من كلّ شي ء و فرغت من حجك كلّه و كلّ شي ء أحرمت منه «1» و اما احتمال كون ذلك لتوقف الفراغ عليها لا حل النّساء فلا داعي له و لكن التحقيق- كما افاده صاحب الجواهر «قدس سره» هو انصراف الاخبار عن الطواف المقدم لان ظاهرها هو الطّواف الآتي بحسب الترتيب، فليس الطّواف المقدم محللا فعليه يكون موطن التّحلل مع تقديم طواف الزّيارة اثنان: أحدهما

______________________________

(1) الوسائل ج

2 الباب 4 من أبواب زيارة البيت الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 281

و يكره لبس المخيط حتى يفرغ من طواف الزيارة (1)

الحلق، و ثانيهما: طواف النساء و مع تقديم طواف النساء واحد، و هو الحلق.

قد ظهر مما تقدم: ان الحاج لو طاف الطوافين و سعى قبل الوقوفين في موضع الجواز، فتحلله واحد عقيب الحلق بمنى، و لو قدم طواف الحج و السعي خاصة كان له تحللان، أحدهما: عقيب الحلق مما عدا النساء، و ثانيهما: بعد طواف النساء لهن و لو قلنا انه يتحلل من الطيب بطواف الحج و من النساء بطوافهن و ان تقدم على الوقوفين كانت المحللات ثلاثة.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا و قد نفى عنه الخلاف في الجواهر، و يدل عليه خبر إدريس القمي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام ان مولى لنا تمتع و لما حلق لبس الثياب قبل ان يزور البيت؟ فقال: بئس ما صنع، فقلت: أ عليه شي ء؟ قال: لا، قلت: فإني رأيت ابن ابي سماك يسعى بين الصفا و المروة و عليه خفان و قباء و منطقة؟ فقال: بئس ما صنع، قلت: أ عليه شي ء؟

قال: لا «1» بعد حمله على الكراهة جمعا بينه و بين ما تقدم من الاخبار الدالة على الإحلال بالحلق من كل شي ء عدا النساء و الطيب.

ثم انه ينبغي هنا ذكر أمور: الأول- ان مقتضى ظاهر خبر ابن إدريس المتقدم هو كراهة لبس المخيط للمتمتع حتى يتم السعي.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 282

..........

الثاني- انه يكره تغطية رأسه حتى يطوف طواف الزيارة، و

قد نفى عنه الخلاف، لصحيح محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تمتع بالعمرة فوقف بعرفة و وقف بالمشعر و رمى الجمرة و ذبح و حلق أ يغطي رأسه؟ فقال: لا حتى يطوف بالبيت و بالصفاء و المروة، فقيل له: فان كان فعل؟ فقال: ما أرى عليه شيئا «1» و صحيح منصور بن حازم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في رجل كان متمتعا فوقف بعرفات و بالمشعر و ذبح و حلق؟ فقال: لا يغطّى رأسه حتى يطوف بالبيت و بالصفاء و المروة، فان أبي عليه السّلام كان يكره ذلك و ينهي عنه، فقلنا: فان كان فعل؟ قال: ما أرى عليه شيئا «2» و هذه الاخبار تحمل على الكراهة جمعا بينها و بين الاخبار المتقدّمة الدّالة على الجواز.

الثالث- ان ظاهر الاخبار المتقدّمة- الدّالة على كراهة تغطية الرأس قبل ان يطوف طواف الزيارة بعد اعمال منى- اختصاص الحكم بالمتمتّع دون غيره- من المفرد و القارن- بل في خبر سعيد الأعرج عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل رمى الجمار و ذبح و حلق أ يلبس قميصا و قلنسوة قبل ان يزور البيت؟ قال: ان كان متمتعا فلا و ان كان مفردا للحج فنعم «3» و خبر إسماعيل بن عبد الخالق قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ألبس قلنسوة إذا ذبحت و حلقت؟ قال: أما المتمتع فلا، و اما من أفرد الحجّ فنعم «4» و هذان الحديثان- كما ترى- صريح في اختصاص الحكم بالمتمتع و لكن مع ذلك كله أطلق المصنّف و غيره في ذلك.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 2

(2) الوسائل

ج 2 الباب 18 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 4

(4) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 283

و كذا يكره الطيب حتى يفرغ من طواف النساء (1).

[الثانية: إذا قضى مناسكه يوم النّحر فالأفضل المضي إلى مكة للطواف و السّعي ليومه]

الثانية: إذا قضى مناسكه يوم النّحر فالأفضل المضي إلى مكة للطواف و السّعي ليومه (2). فإن أخره فمن غده و يتأكّد ذلك في حق المتمتّع (3)

(1) لصحيح محمد بن إسماعيل قال: كتبت الى أبي الحسن الرضا عليه السّلام هل يجوز للمحرم المتمتع ان يمسّ الطيّب قبل ان يطوف طواف النساء؟ فقال: لا «1» بعد حمله على الكراهة جمعا بينه و بين الأخبار المتقدمة الدّالة على الجواز.

(2) لا ينبغي الإشكال في ذلك للنصوص- منها:

1- موثق إسحاق قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن زيارة البيت تؤخّر إلى يوم الثّالث؟ قال: تعجيلها أحبّ اليّ و ليس به بأس ان أخّره «2».

2- خبر عبد اللّه بن سنان عنه عليه السّلام ايضا قال: لا بأس ان تؤخر زيارة البيت الى يوم النفر انما يستحب تعجيل ذلك مخافة الأحداث و المعاريض «3».

3- صحيح معاوية بن عمار عنه أيضا في زيارة البيت يوم النحر؟ قال: زره فان شغلت فلا يضرك ان تزور البيت من الغد و لا تؤخر أن تزور من يومك، فإنه يكره للمتمتع ان يؤخر و موسع للمفرد أن يؤخره «4».

(3) يظهر وجه ما افاده المصنف «قدس سره» هنا مما تقدم في صحيح معاوية بن عمّار مضافا الى ما في صحيح الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: ينبغي للمتمتع ان يزور

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 19

من أبواب الحلق و التقصير الحديث 1.

(2) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 10

(3) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 9

(4) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 284

..........

البيت يوم النحر أو من ليلته و لا يؤخر ذلك «1» و ما في صحيح معاوية بن عمار عنه ايضا قال: سألته عن المتمتع متى يزور البيت؟ قال: يوم النحر أو من الغد و لا يؤخر و المفرد و القارن ليسا بسواء موسع عليهما «2» و صحيح محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن المتمتع متى يزور البيت؟ قال: يوم النحر «3» و صحيح منصور ابن حازم قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول لا يبيت المتمتع يوم النحر بمنى حتى يزور البيت «4» بل حكى عن النهاية و الوسيلة و الجامع لا يؤخر عنه الا لعذر و ان كان يحتمل ان يريدوا التأكيد.

نعم في المتن و النافع و القواعد فإن أخره- أي عن الغد و هو اليوم الحادي عشر- أثم كالمحكي عن المفيد و غيره من عدم جواز تأخير المتمتع ذلك عن اليوم الثاني، بل عن التذكرة و المنتهى نسبته إلى علمائنا و لعلّه لما سمعته من النّهي في النّصوص السّابقة و لكن الأقوى- كما افاده صاحب الجواهر (قدّس سرّه)- حمله على الكراهة، لما تقدم من إطلاق نفى البأس عن تأخيره إلى يوم النّفر في صحيح ابن سنان و غيره.

مضافا الى صحيح الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح؟ فقال: ربما أخرته حتى تذهب

أيام التشريق و لكن لا تقرب النساء و الطيب «5» و صحيح هشام بن سالم عنه ايضا قال: لا بأس ان أخرت زيارة البيت الى ان يذهب أيام التشريق إلا انك لا تقرب النّساء و الطّيب «6» و ظاهرهما بقرينة النّهي

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 7

(2) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 8

(3) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 5

(4) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 6

(5) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 6

(6) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 285

فإن أخر اثم (1) و يجزيه طوافه و سعيه (2) و يجوز للقارن و المفرد تأخير ذلك طول ذي الحجة على كراهية (3)

[الثالثة: الأفضل لمن مضى إلى مكة للطواف و السعي الغسل و تقليم الأظفار و أخذ الشارب]

الثالثة: الأفضل لمن مضى إلى مكة للطواف و السعي الغسل و تقليم الأظفار و أخذ الشارب (4)

عن الطيب المتمتع و صحيح الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل أخر الزيارة إلى يوم النفر؟ قال: لا بأس و لا يحلّ له النّساء حتى يزور البيت و يطوف طواف النساء «1».

(1) قد تقدم ما فيه من الكلام.

(2) و قد صرح به غير واحد من الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» لظهور بعض ما تقدم من الاخبار في ذلك.

(3) كما في النافع و غيره للأصل و كون ذي الحجة من أشهر الحج، و ما سمعته من إطلاق جواز التأخير من مفهوم صحيح الحلبي و صحيح معاوية المشتمل على كراهة التأخير للمتمتع و التوسعة للمفرد، بل و صحيحة الآخر

المذكور فيه نفي التسوية بين المفرد و القارن، و على كل حال فهو ظاهر في انه موسع عليهما التأخير عن الغد، نعم الظاهر جواز ذلك لهما على كراهة- كما افاده المصنف «قدس سره» لما تقدم من قول الصادق عليه السّلام من تعليل استحباب التقديم بخوف الحوادث و المعاريض.

و في كشف اللثام: «و هو يعطي أفضلية التقديم» و لكن لا يخفى انه يكفي في الكراهة إطلاق النّهي عن التّأخير في بعض النّصوص المتقدّمة، فتأمل.

(4) لخبر عمر بن يزيد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: ثم احلق رأسك و اغتسل

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 11

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 286

و الدعاء إذا وقف على باب المسجد (1)

و قلم أظفارك، و خذ من شاربك و زر البيت و طف أسبوعا تفعل كما صنعت يوم قدمت مكة «1» و ظاهره الوجوب المذكورات الا انه ترفع اليد عنه لأجل تسالم الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» على خلافه.

و لا يخفى ان مقتضى إطلاقه جواز الغسل لذلك بمنى بل لعله اولى لحسن بن ابي العلاء عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الغسل إذا زرت البيت من منى؟

فقال: انا اغتسل بمنى ثم أزور البيت «2».

(1) لصحيح معاوية بن عمّار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: فإذا أتيت يوم النحر فقمت على باب المسجد، قلت: «اللّهم أعنّي على نسكك، و سلّمني له و سلّمه لي أسألك مسألة العليل الذّليل المعترف بذنبه ان تغفر لي ذنوبي، و ان ترجعني بحاجتي، اللّهم اني عبدك و البلد بلدك، و البيت بيتك، جئت أطلب رحمتك، و أؤم طاعتك متّبعا لأمرك راضيا بقدرك أسألك

مسألة المضطر إليك، المطيع لأمرك المشفق من عذابك الخائف لعقوبتك، أن تبلغني عفوك و تجيرني من النّار برحمتك.

إلخ» «3».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب زيارة البيت الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 3 من أبواب زيارة البيت الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب زيارة البيت الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 287

[القول في الطّواف]
اشارة

القول في الطّواف و فيه ثلاث مقاصد

[الأول: في المقدمات]
اشارة

الأول: في المقدمات و هي واجبة و مندوبة،

[و الواجبات]

و الواجبات الطهارة (1)

(الكلام في الطواف)

(1) من الواجبات في الطواف كما افاده المصنّف «قدّس سرّه» الطهارة، و قد نفى عنه الخلاف، و ادعى عليه الإجماع بقسميه، و يدل عليه- مضافا الى ما ذكر- جملة من النصوص الواردة عنهم عليهم السّلام- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا بأس ان تقضي المناسك كلها على غير وضوء الا الطواف بالبيت و الوضوء أفضل «1».

2- صحيح علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليهما السّلام قال: سألته عن رجل طاف بالبيت و هو جنب، و ذكر و هو في الطواف؟ قال: يقطع طوافه و لا يعتد بشي ء مما طاف، و سألته عن رجل طاف ثم ذكر انه على غير وضوء؟ فقال: يقطع طوافه و لا يعتد به «2».

3- صحيح محمد بن مسلم قال: سألت أحدهما عليهما السّلام عن رجل طاف طواف الفريضة و هو على غير طهور؟ قال: يتوضأ و يعيد طوافه و ان كان تطوعا توضأ و صلّى ركعتين «3».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 38 من أبواب الطواف الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 38 من أبواب الطواف الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 38 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 288

..........

ينبغي هنا ذكر أمور: الأول- ان مقتضى صحيح محمد بن مسلم المتقدم عدم وجوب الطّهارة عن الحدث الأصغر في الطواف المندوب كما هو أحد القولين في المسألة- و هو الأقوى في النظر، للأصل، و صحيح حريز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في رجل طاف تطوعا و صلّى ركعتين و هو على غير وضوء؟ قال: يعيد الركعتين و

لا يعيد الطواف «1» و خبر عبيد زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام انه قال: لا بأس ان يطوف الرجل النافلة على غير وضوء ثم يتوضأ و يصلي، و ان طاف متعمدا على غير وضوء فليتوضأ و ليصل، و من طاف تطوعا و صلّى ركعتين فليعد الركعتين و لا يعيد الطّواف «2».

و من هنا ظهر ضعف ما ذهب إليه أبي الصلاح من وجوب الطهارة عن الحدث الأصغر في المندوب أيضا، لإطلاق بعض النصوص المفيد بما عرفت من الاخبار الدالة على عدم اعتبارها فيه.

الثاني- ان الظاهر عدم اشتراط الطهارة في المندوب من الحدث الأكبر اللهم الا ان يقال: ان مقتضى إطلاق ما مر في صحيح علي بن جعفر عدم الفرق في اعتبار الطّهارة فيه بين الواجب و المندوب.

و لكن يمكن ان يقال: انه وارد في خصوص الواجب، بقرينة ذيله الدال على اعتبار الوضوء في الطواف، و ذلك لاختصاص هذا الحكم بالواجب، فعليه لا يمكن الأخذ

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 38 من أبواب الطواف الحديث 7

(2) الوسائل ج 2 الباب 38 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 289

..........

بإطلاق صدره، لصلاحية ذيله للقرينية.

إلا ان يناقش بعدم كون ذيله قرينة على اختصاص صدره بالواجب، لعدم ورود ذيله في الواجب، لكونه مطلقا، فبمقتضى إطلاق هذا الحديث يتعين الحكم بلزوم الطّهارة عن الحدث الأكبر و الأصغر في الواجب و المندوب، غاية الأمر انه خرج عن تحت هذا الإطلاق بالدليل الخاصّ المتقدم الطّهارة عن الحدث الأصغر في المندوب، و بقي الباقي.

الا ان يقال: انه بعد خروج المندوب عما ذكر عن تحت الإطلاق بالنّص الخاصّ يحصل لنا العلم بورود ذيل هذا الحديث من أول الأمر في خصوص

الطّواف الواجب، لكون مرجع التّخصيص الى التخصّص، فعليه لما ذا لا يصلح ذيل الحديث ان يكون قرينة، لصرف صدره على إطلاقه، فتأمل.

الثالث- انه بناء على عدم اشتراطه بالطهارة من الحدث الأكبر الذي يحرم مطلق الكون في المسجد معه فضلا عن اللبث يكون الطّواف فيه مزاحما لهذه الحرمة، لكن هذا في صورة العلم، و اما في صورة النّسيان فيحكم بصحة طوافه- كما افاده صاحب الجواهر «قدس سره»- للأصل بعد امتناع تكليف الغافل، و لعله المراد من محكي التهذيب: «من طاف على غير وضوء أو طاف جنبا فان كان طوافه طواف الفريضة فليعده و ان كان طواف السنّة توضأ أو اغتسل فصلى ركعتين و ليس عليه اعادة الطواف» و كيف كان فهذا انما يتمّ بناء على عدم القول برجوع مفروض المقام إلى المعارضة، لوحدة المتعلق، و الا فهو داخل في باب النهي عن العبادة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 290

..........

و بالجملة: انه بناء على القول بوحدة المتعلق فيدخل المقام في باب النهي عن العبادة و على القول بالانضمام اتجه الحكم بالصحة في صورة النسيان، بل يمكن ان يقال بالصحة مع العلم أيضا، لأنه و ان كان الطواف مزاحما مع حرمة الكون في المسجد جنبا و ان الطواف المندوب لا يقبل المزاحمة مع الحرام، فيقدم جانب الحرمة، و لكن مع ذلك، ان النهي تعلق بأمر خارج عن العبادة، فلا يوجب البطلان.

الا ان يقال بعدم تمشي قصد القربة حينئذ فيوجب البطلان من هذه الجهة أو من جهة فقدانه الحسن الفاعلي، و أما في صورة النّسيان فيتمشى منه قصد القربة و يعد فعله حسنا، فعليه لا وجه للقول بالبطلان.

الرابع- انه لا ريب في استحباب الطّهارة لطواف المندوب، لما سمعته في

صحيح معاوية بن عمار المتقدم.

الخامس- قال في الجواهر: «ان الظاهر ارادة الطواف المندوب لنفسه دون ما كان جزء عمرة مندوبة أو حج كذلك فإنه من الواجب» ما افاده صاحب الجواهر «قدس سره» هو الصواب، لانه و ان كان نفس العمل مستحبا لكن طوافه واجب لصيرورة العمل واجبا عليه بشروعه فيه، لقوله تعالى (وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ) فمقتضى إطلاق دليل وجوب الطهارة للطواف الواجب شموله للطواف الذي صار جزء للعمرة المندوبة و الحجّ النّدبي.

ان قلت: انه منصرف عنه. قلت: ليس في البين انصراف أولا، و على فرض ثبوته فبدوى ثانيا، فلا عبرة به، لما ذكرناه غير مرّة ان الانصراف المعتبر هو ما إذا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 291

..........

كان بمنزلة القيد المذكور في الكلام بحيث لو صرح بخروج المنصرف عنه عن تحت الإطلاق كان توضيحا للواضح و انه في المقام كذلك أوّل الكلام فليس من الانصراف الصالح للتقييد، فيثبت وجوب الطهارة عن الحدث الأصغر في الطواف الذي هو جزء للحج الندبي أو العمرة المندوبة.

السادس- انه تقوم الطّهارة التّرابية مقام المائية، لاقتضائها عموم دليل البدليّة لكن عن فخر المحققين عن والده انه لا يرى اجزاء التيمّم فيه بدلا عن الغسل، بل في المدارك: «انه ذهب فخر المحققين الى عدم اباحة التيمم للجنب للدخول في المسجدين و لا اللّبث فيما عداهما من المساجد» و مقتضاه عدم استباحة الطواف به.

و لكن لا يخفى ما فيه. لما أشرنا إليه من ان عموم البدليّة تقتضي قيام الطّهارة الترابيّة مقام الطهارة المائية، من غير فرق بين الحدث الأكبر و الأصغر.

السابع- انه يكفي للطواف طهارة المستحاضة و المسلوس، و أما المبطون فقد قال في كشف اللثام انه يطاف عنه و

الأصحاب قاطعون به، و الفارق هو النّص، و الا كان المتّجه الجواز فيه كالمستحاضة و المسلوس و غيرهما من ذوي الطّهارة الاضطرارية في صحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام انه قال: المبطون و الكسير يطاف عنهما و يرمى عنهما «1» في حديث حبيب الخثعمي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان يطاف عن المبطون و الكسير «الكبير خ ل» «2» و نحوهما غيرهما من الاخبار.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 49 من أبواب الحلق و القصير الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 49 من أبواب الحلق و القصير الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 292

و ازالة النجاسة عن الثوب و البدن (1)

(1) ما أفاده المصنف «قدس سره» من وجوب إزالة النجاسة عن الثوب و البدن في الطواف مما هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا، لخبر يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يرى في ثوبه الدم و هو في الطواف؟ قال: ينظر الموضع الذي رأى فيه الدم فيعرفه ثم يخرج و يغسله ثم يعود فيتم طوافه «1» و ما عنه ايضا قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام رأيت في ثوبي شيئا من الدم و انا أطوف؟ قال: فاعرف الموضع، ثم اخرج فاغسله، ثم عد فابن على طوافك «2».

ان قلت: انهما ضعيفان من حيث السند.

قلت: ان كونهما ضعيفين من حيث السند أول الكلام، لكون يونس بن يعقوب شخصا جليل القدر. و ثانيا- على فرض تسليم ضعف السّند فهو منجبر بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم».

ان قلت: انه يمكن ان يكون مدرك الحكم

فيه قوله: (الطواف بالبيت صلاة) لا خبر يونس بن يعقوب المتقدم حتى يقال بانجبار سنده بعمل الأصحاب فلا عبرة به.

قلت: ان مستند حكمهم في وجوب إزالة النجاسة عن الثوب و البدن ليس الا الخبر المتقدم، لما نرى من تفريق الأصحاب بين المقام و بين الصلاة في الفرعين الآتيين و هما:

1- حكمهم بان الدم الأقل من الدرهم معفو عنه في الصّلاة و لم يحكموا بالعفو؟؟؟

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 52 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 52 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 293

..........

عنه في المقام فحكموا بعدم الصحّة من دون فرق بين ما كان الدم أقل من الدرهم أو أكثر 2- حكمهم بجواز الصلاة فيما لا تتم الصلاة به و لو لم يكن طاهرا بخلاف المقام لحكمهم بعدم الصّحة. و من ذلك يستكشف عدم كون استناد حكمهم في المقام الى قوله: (الطواف بالبيت صلاة) لأنه لو كان كذلك لما فرقوا بين الطّواف و الصّلاة في هذين الفرعين.

ان قلت: لعل مستند حكمهم في المقام هو أصالة الاحتياط مطلقا أو أصالة الاحتياط في خصوص الارتباطيات.

قلت: انه اتفق على هذا الحكم في المقام الأصوليّون القائلون بالبراءة و الأخباريون القائلون بالاحتياط، و القائلون باختصاص البراءة بغير الارتباطيات و القائلون بجريان البراءة فيها فتحصّل ان مستند حكمهم في المقام خبر يونس بن يعقوب لا غيره فيحصل انجبار ضعفه بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم».

و اما مرسل البزنطي- قال: قلت له رجل في ثوبه دم مما لا تجوز الصلاة في مثله فطاف في ثوبه؟ فقال: أجزأ الطواف فيه ثم ينزعه و يصلى في ثوب طاهر «1» الدال على جواز الطواف

فيما إذا كان في ثوبه الدم الذي لا يجوز الصلاة فيه- فلا يصلح لمعارضة خبر يونس بن يعقوب المتقدم، لضعفه و عدم انجباره بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم».

مضافا الى انه قد يقال بعدم المعارضة بينهما، لاختصاص خبر يونس بن يعقوب

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 52 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 294

..........

بصورة العلم، و هذا بخلاف مرسل البزنطي، لكونه مطلقا ان لم نقل باختصاصه بالجاهل، فيقيد به، هذا بناء على رجوع الضمير في قوله (مما لا تجوز الصلاة في مثله) الى الدم و أما بناء على رجوعه الى الثوب فلا معارضة، لدلالته حينئذ على عدم مضرية الطواف فيما لا تتم الصلاة فيه إذا كان نجسا، فتأمل.

ينبغي هنا بيان أمور: الأول- ان خبر يونس بن يعقوب- كما ترى- وارد في خصوص الثوب المتنجس بالدم، فلو كنا نحن و هذا الخبر أشكل الحكم بلزوم التجنب عن كل نجاسة في مفروض المسألة.

الثاني- ان مقتضى إطلاق الخبر المزبور عدم الفرق في عدم صحة الطواف مع نجاسة الثوب و البدن بالدم بين الواجب و المندوب.

و اما دعوى انصرافه عن المندوب ففيه ما لا يخفى لعدم ثبوته في مفروض المقام أولا، و على فرض ثبوته فهو بدوي ثانيا و ليس من الانصراف المعتبر فلا عبرة به في تقييد الإطلاق.

الثالث- انه قد ظهر مما تقدم اعتبار طهارة ثوبه عن كل دم حتى المعفو عنه في الصلاة، لإطلاق خبر يونس بن يعقوب المتقدم.

الرابع- انه إذا طاف في الثوب المتنجس نسيانا فيقع الكلام في صحته و عدمه يمكن ان يقال بالبطلان بدعوى ان قوله: «رأيت في ثوبي دما و أنا أطوف.»

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 295

و

ان يكون مختونا (1)

و كذلك قوله: «يرى في ثوبه الدم و هو في الطواف» ظاهر في انه كان من أول الأمر جاهلا به و رآه في الطواف فلا يشمل صورة النسيان، و لذا حكم فيه عليه السّلام بالتتميم بعد التطهير لا الاستيناف، فهو دليل على صحة ما سبق في صورة الجهل، فان مقتضى إطلاقه عدم الفرق بين صورة احتمال طرو النجاسة حين الرؤية و انها لم تكن من قبل أو لا.

و أما مع النّسيان فلم يدل دليل على صحة ما مضى من الطواف فيحكم فيه بالبطلان لخروج خصوص صورة الجهل عن تحت دليل الاشتراط، و لا يتأتى في المقام رفع النّسيان لان حديث رفع النسيان لا يرفع الحكم الوضعي.

و لكن يمكن الحكم بالصحة فيه ايضا بدعوى ان حكمه عليه السّلام بالتطهير لما بقي من الطواف مهما رأى الدم انما دل على اشتراط الطهارة في صورة العلم و لم يشمل صورة الجهل و النسيان.

إلا ان يقال انه قبل النسيان كان يعلم بالنّجاسة فتحقّق موضوع المانعيّة، لكن قد يقال: انه و ان كان قد علم بالنجاسة لكنه زال بالنسيان فارتفع موضوع المانعية.

ان قلت: ان النسيان ليس جهلا طارئا بل طبيعة ثالثة.

قلت: ان سلم ذلك فيكفي في ارتفاع الموضوع كونه طبيعة ثالثة. و لكن هذه المسألة بعد تحتاج إلى التأمل.

(1) ما افاده المصنف «قدس سره» من اعتبار كون الرجل مختونا في الطواف مما لا ينبغي الإشكال فيه، و هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم»

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 296

..........

قديما و حديثا، بل في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه، بل عن الحلبي ان إجماع آل محمد صلّى اللّه عليه و آله عليه. إلخ» و يدل

عليه- مضافا الى ما ذكر- صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه قال: الأغلف لا يطوف بالبيت، و لا بأس ان تطوف المرأة «1» و صحيح حريز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس ان تطوف المرأة غير المخفوظة، فاما الرجل فلا يطوف الا و هو مختون «2» و خبر إبراهيم بن ميمون عنه أيضا في الرجل يسلم فيريد ان يحج و قد حضر الحج أ يحج أو يختتن؟ قال: لا يحجّ حتى يختتن «3» الى غير ذلك من الاخبار. و من هنا ظهر ضعف ما في المدارك من انه نقل عن ابن إدريس التوقّف في ذلك.

تحقيق الكلام في هذا المقام يتم في ضمن أمور: الأول- ان مقتضى إطلاق الاخبار المتقدمة عدم الفرق بين الطواف الواجب و المندوب. و أما دعوى انصرافها عن المندوب ففيه ما لا يخفى، لانه ليس في البين انصراف أو لا، و على فرض ثبوته فهو بدوي ثانيا، فلا عبر به في تقييد الإطلاق.

الثاني- ان مقتضى إطلاق بعض الاخبار المتقدمة هو شموله للصبيان فعليه يكون الختان شرطا في صحة طواف الصّبي كما يكون كذلك في طواف الرجل، فلو طاف الصبي غير المختون أو طيف به بعد ان أحرم به الولي لم يجز له ان يتزوّج بعد

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 1.

(2) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 3 و قد ذكر صحيح حريز في الباب 39 من أبواب الطواف.

(3) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 2.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 297

..........

البلوغ الا بعد ان يتدارك طواف النساء بنفسه أو بنائبه.

قد يقال بعد

اعتبار هذا الشرط في حق الصبي غير المميز الذي يحج به، لانه عليه السّلام نهى في صحيح معاوية بن عمار المتقدم ان يطوف الأغلف. و من المعلوم ان الصبي غير المميز لا يطوف بل يطاف به.

و لكن ما ذكر انما يتم إذا كان النهي عن طواف الغلف نهيا نفسيا لا إرشادا إلى الشرطية، و هذا في المقام إرشاد، فعليه يكون الختان شرطا في صحة الطواف.

الثالث- يمكن ان يقال: ان النّهي فيه عن طواف الأغلف نفسي.

و لكن التحقيق: انه إرشاد إلى الشرطيّة بوجهين:

1- قد بين في محله ان ظاهر الأمر بشي ء في شي ء و نهى شي ء عن شي ء الشرطية و المانعية.

2- ان النهى في المقام تعلق بنفس الطواف، لان الظاهر منه هو تعلقه بالنتيجة- كالنهي عن بيع ما ليس عندك- و قد قرر في محله ان النهي في العبادة يوجب الفساد مطلقا، فلا يكون من قبيل تعلق النهي بالإيجاد، كالنهي عن البيع وقت النداء.

(تذييل) لو أسلم الكافر في حال الاستطاعة و لم يكن مختونا و فرض ان الوقت ضيق فيقع الكلام في انه هل يسقط عنه الختان أو الحج؟ قد يقال بالأول، لأن الشرطية كانت منتزعة عن الأمر التكليفي الذي لا يتعلق الا بالمقدور، فيسقط في حال عدم القدرة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 298

..........

و لكن الأمر ليس كذلك، لأن الأمر به إرشاد، فمقتضى القاعدة سقوط الحج عنه، الا يتمسك بقاعدة الميسور أو بحديث عبد الأعلى و لكن يمكن المناقشة فيهما:

أما (في الأول): فلعدم عمل الأصحاب به في المقام و يحتمل ان يكون العمل بها منوطا بوجود قيد كان معلوما عند الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و لذا حكموا بجريانها في الموارد التي كان القيد

موجودا فيها دون الموارد الفاقدة له، و كيف كان فلا بد في إجرائها في كل مورد إحراز عمل الأصحاب بها فيه، و الا فلا محيص عن التوقف و عدم إجرائها فيه، اللهم الا ان يقال انهم عملوا بها في الحج غاية الأمر انه لم يتعرضوا المفروض المسألة بالخصوص فتأمل.

ان قلت: انه يمكن إثبات وجوب الحج من باب سقط ما سقط و بقي ما بقي و قد بينّا في قوله: (على اليد ما أخذت حتى تؤدّي) في صورة تلف العين انه حيث يكون إرجاع العين الى مالكه بجميع خصوصياتها- من الشخصية و النّوعية و الماليّة- متعذرا فيحكم بسقوط خصوصية الشخصية عنه لتعذره و ببقاء خصوصية النوعية و المالية على عهدته، و كذلك في مفروض المقام، لاشتغال ذمته بالحج المشروط طوافه بالختان، و حيث ان الختان متعذر لأجل ضيق الوقت، فيحكم بسقوطه عنه. للتعذر و بقاء أصل الحج عليه.

قلت: انما يتم ذلك إذا لم يكن الشيئان من قبيل القيد و المقيد بحيث حكم بانتفاء المقيد بانتفاء قيده، و في المقام كذلك، لان الختان دخيل في أصل صحة طوافه الذي يكون الحج مشروطا به، فبعدمه لأجل التعذر يحكم بانتفاء مقيده و هو الطواف

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 299

و لا يعتبر في المرأة (1)

[و المندوبات]

و المندوبات ثمانية الغسل لدخول مكة (2)

الموجب لانتفاء الحج، كما لا يخفى.

و بعبارة أخرى ان هذه القاعدة انما تجري في غير المركبات الارتباطية، و أما فيها فلا مجال لجريانها فيها، لان المقيّد ينتفي بانتفاء قيده.

و اما (في الثاني): فلإمكان القول بعدم ارتباطه بالمقام، لوروده في إثبات الجبيرة و جعل البدل عن مسح البشرة- و هو المسح على المرارة- و في المقام ليس كذلك،

لعدم البدل عن الختان. و لكنه لا يخلو من تأمل و وجهه واضح.

ثم انه يمكن ان يقال: انه لا يتصور ضيق الوقت بالنسبة إلى الختان لعدم احتياجه الى زمان معتد به. قلت: انه يتصور فيما إذا فرض عدم وجود من يختتنه و كان متوقفا على الفحص و الزمان لا يسع ذلك.

(1) عدم اعتبار الختان في صحة طواف المرأة مما لا ينبغي الإشكال فيه و هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا بل في الجواهر:

«بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن دعوى تحصيل الإجماع عليه.» و يدل عليه الاخبار المتقدمة.

(الكلام في المندوبات)

(2) لحسن الحلبي قال: أمرنا أبو عبد اللّه عليه السّلام ان نغتسل من فخ قبل ان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 300

..........

ندخل إلى مكة «1» و خبر عمران الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام تغتسل النساء إذا أتين البيت؟ فقال: نعم ان اللّه تعالى يقول (أَنْ طَهِّرٰا بَيْتِيَ لِلطّٰائِفِينَ وَ الْعٰاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ) و ينبغي للعبد ان لا يدخل مكة الا و هو طاهر قد غسل عنه العرق و الأذى و تطهر «2» بناء على إرادة الكناية بذلك عن الغسل.

ثم انه قد ذهب بعض الى استحباب غسل آخر لدخول الحرم، لخبر ابان بن تغلب قال: كنت مع ابي عبد اللّه عليه السّلام مزاملة فيما بين مكة و المدينة فلما انتهى الى الحرم نزل و اغتسل و أخذ نعليه بيديه، ثم دخل الحرم حافيا فصنعت مثل ما صنع، فقال: يا ابان من صنع مثل ما رأيتني صنعت تواضعا للّه عز و جل، محي اللّه تعالى عنه ألف سيئة، و كتب له مأة ألف حسنة و بنى اللّه له مأة

ألف درجة، و قضى له مأة ألف حاجة «3» و حسن معاوية بن عمار عنه ايضا قال: إذا انتهيت الى الحرم «ان شاء اللّه تعالى» فاغتسل حين تدخله، و ان تقدمت فاغتسل من بئر ميمون أو من فخّ أو من منزلك بمكة «4».

و لكن في صحيح ذريح المحاربي قال: سألته عن الغسل في الحرم قبل دخول مكة أو بعد دخوله؟ قال: لا يضرّك أي ذلك فعلت و ان اغتسلت بمكة فلا بأس. و ان اغتسلت في بيتك حين تنزل بمكّة فلا بأس «5» يظهر منه كون الغسل واحدا- كما

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب مقدمات الطواف و ما يتبعها الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب زيارة البيت الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب مقدمات الطواف و ما يتبعها الحديث 1

(4) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب مقدمات الطواف و ما يتبعها الحديث 2

(5) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب مقدمات الطواف و ما يتبعها الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 301

..........

جزم به في المدارك، فإنه بعد ان ذكر النصوص المتقدمة، و خبر عجلان ابي صالح قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا انتهيت إلى بئر ميمون أو بئر عبد الصمد فاغتسل و اخلع نعليك و امش حافيا و عليك السكينة و الوقار «1» قال: و مقتضاها استحباب غسل واحد قبل دخول الحرم أو بعده من بئر ميمون الحضرمي الذي في الأبطح أو من فخ، و هو على فرسخ للقادم من المدينة أو من المحل من مكة الذي ينزل فيه بمكة على سبيل التخيير، و غاية ما يستفاد منه ان إيقاع الغسل قبل

دخول الحرم أفضل، فما أفاده المصنف «قدس سره» من استحباب غسل لدخول مكة و آخر لدخول المسجد غير واضح.

و أشكل منه حكم العلامة و بعض المتأخرين باستحباب ثلاثة أغسال بزيادة غسل آخر لدخول الحرم، لان النّصوص المتقدّمة ظاهرة الدّلالة على غسلين: (أحدهما)- لدخول الحرم (ثانيهما)- لدخول مكة، و التخيير المزبور فيها غير مناف خصوصا بعد احتمال الرخصة في التداخل.

و أما الغسل الثالث لدخول المسجد، فقال في الجواهر: (فإنه و ان كنا لم نعثر في النصوص على ما يدل عليه لكنه يكفي فيه ما عن الخلاف و الغنية من الإجماع عليه، نعم المعروف في الغسل للمكان التقدم عن دخوله، و لكن ظاهر النّصوص المزبورة الرخصة في الغسلين الأولين بوقوعهما بعد الدخول، كما ان ظاهرها الاجتزاء بغسل واحد عنهما بعد دخول مكة و لا بأس به بل لا بأس بقصد دخول المسجد معهما لما

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب مقدمات الطواف و ما يتبعها الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 302

فلو حصل عذرا اغتسل بعد دخوله (1) و الأفضل ان يغتسل من بئر ميمون أو فخ و الا فمن منزله (2) و مضغ الإذخر (3)

ذكرناه في كتاب الطهارة من جواز التداخل في الأغسال المندوبة. إلخ)

(1) انه قد عرفت مما تقدم ان مقتضى الرّوايات التخيير بين الغسل قبل دخول الحرم و بعده من دون اعتبار عذر فيه اي في تأخيره عن الدخول، و ما دل على استحباب الغسل عند دخول الحرم لا ينافيه التخيير المحمول على بيان الجواز أو التداخل، و قوله عليه السّلام في حسن معاوية: (و ان تقدمت فاغتسل من بئر ميمون أو من فخ) «1» ظاهر في ذلك، لان المراد منه

هو ان الاولى الغسل لدخول الحرم عند دخوله، لكن مع التّقديم يجزيك الغسل له و لدخول مكة من بئر ميمون بن عبد اللّه الحضرمي و من فخ، فالأول للقادم من العراق و نحوه. و الثاني: للقادم من المدينة على معنى ان كلا لمن يمر عليه في قدومه.

(2) لما تقدم في صدر المبحث.

(3) استحباب مضغ الإذخر لدخول مكة مما لا اشكال فيه، و يدل عليه حسن معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا دخلت الحرم فخذ من الإذخر فامضغه «2» و خبر ابي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا دخلت الحرم فتناول من الإذخر فامضغه. «3» و هو و ان كان يحتمل التأخير عن دخول الحرم و التقديم، الا ان المنساق منه- كما افاده صاحب الجواهر «قدّس سرّه»- هو ارادة فعله عند الدخول

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب مقدمات الطواف و ما يتبعها الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 3 من أبواب مقدمات الطواف و ما يتبعها الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 3 من أبواب مقدمات الطواف و ما يتبعها الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 303

و ان يدخل مكة من أعلاها (1) و ان يكون حافيا على سكينة و وقار (2).

و يمكن تأييده بما قال الكليني: (سأل بعض أصحابنا عن هذا؟ فقال:

يستحب ذلك ليطيب به الفم لتقبيل الحجر.

(1) لخبر يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: من أين ادخل مكة و قد جئت من المدينة؟ فقال: ادخل من أعلى [1] مكة و إذا خرجت تريد المدينة فاخرج من أسفل مكة «1» و للتأسي بفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله

الذي حكاه الصادق عليه السّلام عنه في الصحيح و هو ما عن معاوية بن عمار عنه عليه السّلام في (حديث طويل) في صفة حج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: و دخل من أعلى مكة من عقبة المدنيين «2».

قال في الجواهر: «الا ان التقييد في الأول قد كان في كلام السائل، و التأسي بالنبي صلّى اللّه عليه و آله يقتضي الأعم خصوصا مع كون الأعلى على غير جادة طريق المدينة، بل قيل: ان النبي صلّى اللّه عليه و آله عدل اليه، فالمتجه حينئذ ما أطلقه المصنّف (قدّس سرّه).

(2) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و لكن لم يدل عليه دليل بخصوصه.

نعم في خبر ابان بن عثمان عن عجلان ابي صالح قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

إذا انتهيت إلى بئر ميمون أو بئر عبد الصمد فاغتسل، و اخلع نعليك؛ و امش حافيا

______________________________

[1] و الأعلى- كما في الدروس و عن غيرها- ثنية كداء «بالفتح و المد» و هي التي ينحدر منها الى الحجون لمعبر مكة، و يخرج من ثنية كدا «بالضم و القصر» منونا و هي بأسفل مكة.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب مقدمات الطواف و ما يتبعها الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب مقدمات الطواف و ما يتبعها الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 304

و يغتسل لدخول المسجد الحرام (1) و يدخل من باب بني شيبة (2).

بعد ان يقف عندها و يسلم على النبي صلّى اللّه عليه و آله و يدعو بالمأثور (3).

و عليك السكينة و الوقار «1» و يعضده غيره و هذا- كما ترى- يدل على استحباب ذلك في دخول الحرم.

(1) قد

عرفت الكلام فيه.

(2) للتأسي و قول الصادق عليه السّلام في خبر سليمان بن مهران في حديث المأزمين قال: انه موضع عبد فيه الأصنام، و منه أخذ الحجر الذي نحت منه هبل الذي رمى به علي عليه السّلام من ظهر الكعبة، لما علا ظهر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فأمر به فدفن عند باب بني شيبة، فصار الدخول الى المسجد من باب بني شيبة سنة لأجل ذلك. «2»

(3) لخبر ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: تقول و أنت على باب المسجد بسم اللّه و باللّه، و من اللّه و الى اللّه، و ما شاء اللّه، و على ملة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و خير الأسماء للّه، و الحمد للّه، و السّلام على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، السّلام على محمد بن عبد اللّه، السّلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه و بركاته، السّلام على أنبياء اللّه و رسله، السّلام على إبراهيم خليل الرحمن، السّلام على المرسلين، و الحمد للّه رب العالمين، و السّلام علينا و على عباد اللّه الصالحين، اللّهم صل على محمّد و آل محمد، و بارك على محمد و آل محمد، و ارحم محمدا و آل محمد كما صليت و باركت و ترحمت على إبراهيم و آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللّهم صل على محمد و آل محمد عبدك و رسولك، و على إبراهيم خليلك

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب مقدمات الطواف و ما يتبعها الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب مقدمات الطواف و ما يتبعها الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 305

[المقصد الثّاني في كيفية الطواف]
اشارة

المقصد الثّاني في كيفية

الطواف، و يشتمل على واجب و ندب،

[فالواجب]
اشارة

فالواجب سبعة: النية (1)

و على أنبيائك و رسلك، و سلم عليهم و سلام على المرسلين و الحمد للّه رب العالمين، اللهم افتح لي أبواب رحمتك، و استعملني في طاعتك و مرضاتك، و احفظني بحفظ الإيمان أبدا ما أبقيتني جل ثناء وجهك. الحمد للّه الذي جعلني من وفده و زواره و جعلني ممن يعمر مساجده، و جعلني مما يناجيه، اللهم اني عبدك و زائرك في بيتك و على كل مأتي حق لمن أتاه و زاره و أنت خير مأتي و أكرم مزور، فاسئلك يا اللّه يا رحمن و بأنك أنت اللّه لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، و بأنك واحد أحد صمد لم تلد و لم تولد و لم يكن لك كفوا أحد، و ان محمدا عبدك و رسولك و على أهل بيته يا جواد يا ماجد يا جبّار يا كريم، أسئلك ان تجعل تحفتك إيّاي من زيارتي إياك أول شي ء ان تعطيني فكاك رقبتي من النّار، اللّهم فكّ رقبتي من النّار (تقولها ثلاث) و أوسع علي من رزقك الحلال الطّيب، و ادرأ عنّي شرّ شياطين الانس و الجن، و شرّ فسقة العرب و العجم «1» و قال أيضا في صحيح معاوية. فإذا انتهيت الى باب المسجد، فقم و قل:

السّلام عليك أيّها النّبي و رحمة اللّه و بركاته، بسم و باللّه و ما شاء اللّه و السّلام على أنبياء اللّه و رسله و السّلام على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و السّلام على إبراهيم خليل اللّه و الحمد للّه رب العالمين. «2».

(1) بلا خلاف فيه و لا اشكال، لكونه من العبادات الموقوفة على النيّة، و

قد

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب مقدمات الطواف و توابعها الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب مقدمات الطواف و توابعها الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 306

..........

تقدم الكلام في نظائر المقام في حكمها و كيفيتها غير مرة. قال في الجواهر: (نعم في الدروس هنا ظاهر بعض القدماء: ان نية الإحرام كافية عن خصوصيات نيات الأفعال و لعله لخلو الأخبار الواردة بتفصيل أحكام الحج من ذكر النيّة في شي ء من أفعاله سوى الإحرام الذي هو أولها، فيكون حينئذ كباقي العبادات المركبة- من الصلاة و غيرها- التي تحتاج اجزاؤها إلى نية، و هو كما ترى ضرورة: الفرق بينه و بين الصلاة التي أفعالها مرتبطة و متصلة بخلاف أفعال الحج الباقية على مقتضى قوله: (لا عمل إلا بنية) و «انما الأعمال بالنيات» الذي هو لولا الإجماع لكان معتبرا في اجزاء الصلاة أيضا بل لعله كذلك فيها بناء على انها الدّاعي المفروض وجوده في تمام الصلاة بل ربما كان ذلك مرجحا للقول بأنها الداعي- كما أوضحناه في محله- بل ربما كان على ذلك لا فرق بين الابتداء و الاستدامة التي هي على هذا التقدير فعلية لا حكمية إلا في صورة نادرة، و هي فيما لو فرض ذهاب الداعي في الأثناء مع بقاء الأفعال منتظمة، بل يمكن منع الفرض المزبور و منع صحة الصلاة فيه لو سلم، و لتحقيق المسألة مقام آخر هذا و ربما كان الوجه في تخصيص الإحرام بذكر النيّة فيه توقف نوع الحج و العمرة عليه. إلخ) ثم لا يخفى انه- كما أفاده صاحب الجواهر «قدّس سرّه» لا بد- من مقارنة النيّة للطواف كغيره من الأعمال.

و اما الاستدامة حكما فقد

تقدم الكلام عنه بل ذكرنا بناء على انها الدّاعي انه موجود غالبا في جميع اجزاء الفعل و الا لم يقع منه منتظما.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 307

و البدئة بالحجر و الختم به (1)

ثم انه لو غفل الشخص في أثناء العمل عن النية و لم يكن محركة الداعي الأول و توجه ذهنه إلى إعمال أخرى فلا إشكال في بطلان عمله لخروج عمله بناء عليه عن الترتيب- و بكون نظير النائم الذي يقوم و يصلي و يأتي بالأعمال- و أما إذا حصلت له الغفلة و لكن كان محركه الداعي الأول، فهذا لا ينافي إتيان العمل بتمامه على وجهه فيكون عمله صحيحا، فتأمل.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا بل في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض كالنّصوص مضافا الى التّأسي به صلّى اللّه عليه و آله خصوصا بعد قوله: «خذوا عنى مناسككم. إلخ» و يدل عليه صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال:

من اختصر في الحجر الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود «1» ينبغي هنا بيان أمرين: الأول- ان ظاهر قولهم: (و يتحقق ذلك بان يبتدئ في الطواف بقليل مما قبله ناويا ان يكون ابتداء طوافه مما يحاذيه و الزائد خارجا عن طوافه مقدمة علمية له) اعتبار البدأة بأول الحجر.

لكن قد يشكل في استفادة ذلك من الأدلة، لأن الخبر انما دل على كون الطواف من الحجر الى الحجر و من الواضح انه مع الابتداء بآخر الحجر يصدق

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 31 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 308

و ان يطوف

على يساره (1)

الطواف منه، فعليه يكفي في تحقق الشوط الابتداء بآخر الحجر و الانتهاء بأوله- كما عن ظاهر المدارك.

و بعبارة أوضح: انه قد بين الشارع المقدس كيفية الطواف و هي البدأة من الحجر و الختم به و المفروض ان هذا الشخص الذي بدأ من آخر الحجر و ختم بأول جزء منه يصدق عليه انه بدأ به و ختم به فعليه لا يلزم إتمام الشوط بل يكفى الشروع من آخره و الختم بأوله.

و لكن التحقيق: خلافه، لان ما ورد من البدء بالحجر و الختم به انما يكون المقصود منه عدم جعل ابتداء طوافه و انتهائه ركنا آخر غير الحجر، و ليس في مقام بيان جهات اخرى حتى يستفاد منه الإطلاق فعليه يتعين الرجوع الى مقتضى القاعدة، و مقتضاها الختم بالنقطة التي بدء بها، لان الحجر داخل في البيت و من المعلوم لزوم الطواف بالبيت بتمامه، و معنى الطواف الدور التمام، و الشوط عبارة عن تمام الحركة الدوريّة و عدم خروج بعضها عنه.

الثاني- انه لو ابتدأ بما قبل الحجر و كان ذلك بعنوان المقدّمة العلمية و كذلك في الختام: فقد علم بتحقق الابتداء و الاختتام بالحجر الواجبين عليه تحقيقا و ان لم يعلم بهما حال تحققهما تفصيلا و هذا مما لا بأس به.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا بل في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه مضافا الى التأسي. إلخ» لم يرد فيه نص بالخصوص و العمدة فيه الإجماع ان تمّ.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 309

..........

نعم ربما تشير اليه بعض أخبار الأدعية، و هو صحيح عبد اللّه بن سنان قال:

قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا

كنت في الطواف السابع فائت المتعوذ، و هو إذا قمت في دبر الكعبة حذاء الباب فقل: «اللهم البيت بيتك، و العبد عبدك و هذا المقام العائذ بك من النار، اللهم من قبلك الروح و الفرج» ثم استلم الركن اليماني، ثم ائت الحجر فاختم به «1» و صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: ثم تطوف بالبيت سبعة أشواط «الى ان قال» فإذا انتهيت إلى مؤخر الكعبة و هو المستجار دون الركن اليماني بقليل في الشوط السابع فابسط يديك على الأرض و ألصق خدك و بطنك بالبيت ثم قل: «اللهم البيت بيتك، و العبد عبدك، و هذا مكان العائذ بك من النار» ثم أقر لربك بما عملت من الذنوب، فإنه ليس عبد مؤمن يقر لربه بذنوبه في هذا المكان الا غفر له ان شاء. الى ان قال: ثم استقبل الركن اليماني و الرّكن الذي فيه الحجر الأسود و اختم به. «2» هذا بناء على القول باستلزام الترتيب المذكور في الشوط السابع، لكون الطواف على اليسار.

ينبغي ذكر أمرين: الأول- انه لو جعل البيت على يمينه أو استقبله بوجهه أو استدبره جهلا أو سهوا أو عمدا لم يصح و لو كان ذلك بمزاحمة آخر، لفوات الشرط.

الثاني- انه يكفى في تحقق كون البيت على اليسار الصدق العرفي، و لا يحتاج

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 26 من أبواب الطواف الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 26 من أبواب الطواف الحديث 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 310

و ان يدخل الحجر في الطواف (1) و ان يكمله سبعا (2)

فيه المداقة لصدق العنوان فلا ينافي الانحراف اليسير الى اليمين كما صرح به غير واحد من الأصحاب «رضوان

اللّه تعالى عليهم» و في الجواهر ادعى القطع به.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب قديما و حديثا بل في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه.» و يدل عليه جملة من النصوص المأثورة عنهم عليهم السّلام- منها:

1- صحيح الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت: رجل طاف بالبيت فاختصر شوطا واحدا في الحجر؟ قال: يعيد ذلك الشوط «1» و رواه الصدوق عن ابن مسكان مثله الا انه قال: «يعيد الطواف الواحد».

2- خبر حفص بن البختري عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يطوف بالبيت فيختصر في الحجر؟ قال: يقضي ما اختصر من طوافه «2».

3- صحيح معاوية بن عمار المتقدم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: من اختصر في الحجر الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود «3» الى غير ذلك من الاخبار المأثورة عنهم عليهم السّلام، فلو طاف بينه و بين البيت بطل طوافه، و لو دخله في أثناء طوافه أعاد ذلك الشوط للأصل و ظاهر صحيح الحلبي المتقدم.

(2) كما هو المعروف، بل قد نفى عنه الخلاف، و ادعى عليه الإجماع بقسميه، و يدل عليه النصوص المأثورة عنهم عليهم السّلام- منها:

1- ما رواه انس بن محمد عن أبيه عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السّلام

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 31 من أبواب الطواف الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 31 من أبواب الطواف الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 31 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 311

..........

(في وصية النبي صلّى اللّه عليه و آله لعلي عليه السّلام) قال: يا علي ان عبد المطلب سن في الجاهلية خمس سنن و أجراها اللّه

عزّ و جل في الإسلام، حرم نساء الإباء على الأبناء «الى ان قال:» و لم يكن للطواف عند قريش فسن لهم عبد المطلب سبعة أشواط فأجرى اللّه عز و جل ذلك في الإسلام «1».

2- ما عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين عليهما السّلام قال: قلت: لأي علة صار الطواف سبعة أشواط؟ فقال: ان اللّه قال للملائكة «إِنِّي جٰاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً» فردوا عليه و قالوا «أَ تَجْعَلُ فِيهٰا مَنْ يُفْسِدُ فِيهٰا وَ يَسْفِكُ الدِّمٰاءَ» فقال «إِنِّي أَعْلَمُ مٰا لٰا تَعْلَمُونَ» و كان لا يحجبهم عن نوره فحجهم عن نوره سبعة آلاف عام فلاذوا بالعرش سبعة آلاف سنة فرحمهم و تاب عليهم، و جعل لهم البيت المعمور في السماء الرابعة، و جعله مثابة و جعل البيت الحرام تحت البيت المعمور و جعله مَثٰابَةً لِلنّٰاسِ وَ أَمْناً فصار الطواف سبعة أشواط واجبا على العباد لكل ألف سنة شوطا واحدا «2».

3- ما عن ابي خديجة أنه سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول «في حديث»: ان اللّه أمر آدم ان يأتي هذا البيت فيطوف به أسبوعا و يأتي منى و عرفة فيقضي مناسكه كلها فأتى هذا البيت فطاف به أسبوعا و أتى مناسكه فقضاها كما امره اللّه فقبل منه التوبة و غفر له. إلخ «3» و نحوها غيرها من الاخبار الآتية التي ذكرت في أبواب متفرقة من أبواب الطواف.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 19 من أبواب الطواف الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 19 من أبواب الطواف الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 19 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 312

و ان يكون بين المقام و البيت و لو مشى على أساس

البيت أو حائط الحجر لم يجزه (1)

(1) كما هو المعروف المدعي عليه الإجماع قال في الجواهر: «فلا خلاف معتد به أجده في وجوب كون الطواف بينه و بين البيت بل عن الغنية الإجماع عليه.»

و يدل عليه حريز بن عبد اللّه عن محمد بن مسلم قال: سألته عن حد الطواف بالبيت الذي من خرج عنه لم يكن طائفا بالبيت؟ قال: كان الناس على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يطوفون بالبيت و المقام [1] و أنتم اليوم تطوفون ما بين المقام و بين البيت فكان الحد موضع المقام اليوم، فمن جازه فليس بطائف، و الحد قبل اليوم و اليوم واحد قدر ما بين المقام و بين البيت من نواحي البيت كلها، فمن طاف فتباعد من نواحيه أبعد من مقدار ذلك كان طائفا بغير البيت بمنزلة من طاف بالمسجد، لانه طاف في غير حد و لا طواف له «1».

ان قلت: انه ضعيف سندا. قلت: انه و ان كان ضعيفا سندا، لكن ذلك

______________________________

[1] و المقام لغة موضع قدم القائم و لكن المراد به هنا مقام إبراهيم عليه السّلام اي الحجر الذي وقف عليه لبناء البيت- كما عن ابن أجير، أو للأذان بالحج- كما عن غيره- أو لما عن ابن عباس من انه لما جاء يطلب ابنه إسماعيل فلم يجده، قالت له زوجته:

انزل فأبى، فقالت: دعني اغسل رأسك فاتته بحجر، فوضع رجله عليه و هو راكب، فغسلت شقه ثم رفعته و قد غابت رجله فيه، فوضعته تحت الشق الآخر و غسلته، فغابت رجله الثانية فيه فجعله اللّه من الشعائر.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 28 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 313

..........

منجبر

بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بمضمونه، فلا يصغي الى المناقشة فيه بضعف السند بعد الانجبار المزبور الموجب للاطمئنان و الوثوق بصدوره عن المعصوم عليه السّلام الذي هو مناط الحجيّة و الاعتبار، و قد بيّنا غير مرّة في الأصول:

ان المدار في اندراج الخبر تحت دليل الاعتبار هو الوثوق و الاطمئنان الحاصل تكوينا بعملهم على طبقه.

ينبغي هنا ذكر أمور: الأول- انه في بعض الاخبار ما يدل على جواز الطّواف خلف المقام مع الكراهة إلا مع الضّرورة، و هو صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الطواف خلف المقام؟ قال: ما أحبّ ذلك و ما أرى به بأسا فلا تفعله الا ان لا تجد منه بدا «1» كما عن ظاهر الصدوق الفتوى به، و لكن إعراض الأصحاب عنه مانع عن العمل به.

الثاني- انه يراعي ذلك القدر من البعد في جميع جوانب البيت، كما تضمنه خبر محمد بن مسلم المتقدم في صدر المبحث و نسب الى قطع الأصحاب حتى جهة الحجر لاقتضائه ظاهره.

و لكن عن المدارك و غيره احتساب المسافة المذكورة من خارج الحجر لوجوب إدخاله في الطواف، فلا يكون محسوبا من المسافة. و فيه ما لا يخفى، لكونه خلافا

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 28 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 314

..........

لظاهر الخبر.

فعليه يضيق المطاف حينئذ من تلك الجهة و يكون قريبا من ستة أذرع و يقرب في سائر الجوانب من ستة و عشرين ذراعا و نصف، كما في كشف اللثام عن تاريخ الأزرقي.

الثالث- قال في الجواهر كان وجه ما فيه «اي خبر حريز المتقدم في صدر المبحث» من الاختلاف بين اليوم و عهده صلّى اللّه عليه و آله مع

قوله: «و الحدّ قبل اليوم و اليوم واحد» ما عن مالك و الطّبري: «من انه كانت قريش في الجاهلية ألصقته بالبيت خوفا عليه من السيول، و استمر كذلك في عهد النبي صلّى اللّه عليه و آله و عهد ابي بكر، فلما ولى عمر رده الى موضعه الآن الذي هو مكانه في زمن الخليل عليه السّلام» و ان كان يبعد ذلك:

ان النبي صلّى اللّه عليه و آله اولى من عمر بذلك، خصوصا بعد عدم معرفته بموضعه في زمن الخليل و من هنا كان المحكي عن ابن أبي مليكة انه قال: «موضع المقام هذا الذي هو فيه اليوم، و هو موضعه في الجاهليّة و في عهد النبي صلّى اللّه عليه و آله و ابي بكر و عمر، الا ان السّيل ذهب به في خلافة عمر، ثم رد و جعل في وجه الكعبة حتى قدم عمر فرده».

و عن تاريخ البخاري: «أن سئل أم نهشل: لما أتى المسجد أخذ المقام إلى أسفل مكة فلما جف الماء أتوا بالمقام، و ألصقوه بالكعبة، و كتبوا الى عمر بذلك فورد مكة معتمرا في شهر رمضان من ذلك العام، و سئل هل أحد عنده علم بمحل الحجر، فقام المطلب بن وداعة السلمي، و قيل رجل من آل عابد، و الأول أشهر، أنا كنت أخاف عليه مثل هذا فأخذت مقياسه من محله الى الحجر، فأجلسه عمر عنده، و قال له:

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 315

..........

ابعث فأتني بالمقياس فاتى به فوضع عمر المقام في محله الآن»- و نحوه عن النووي و الأزرقي.

و عن ابن سراقة: «ان ما بين الكعبة و مصلى آدم أرجح من تسعة أذرع و هناك كان موضع مقام إبراهيم عليه السّلام،

و صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عنده حين فرغ من طوافه ركعتين، و انزل عليه: «وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى.» ثم نقله الى الموضع الذي هو فيه الآن، و ذلك على عشرين ذراعا من الكعبة، لئلا ينقطع الطواف بالمصلين خلفه ثم ذهب به السيل في أيام عمر إلى أسفل مكة فاتى به، و أمر عمر برده الى الموضع الذي وضعه فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» و نحوه- في ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هو الواضع له هنا- ما عن ابني عنبسة و عروية.

بل قد يظهر من صحيح زرارة: ان عمر قد أحيا فعل الجاهلية قال لأبي جعفر عليه السّلام: قد أدركت الحسين عليه السّلام؟ قال: نعم، اذكروا انا معه في المسجد الحرام، و قد دخل فيه السيل، و الناس يقومون على المقام يخرج الخارج، فيقول قد ذهب به السيل و يدخل الداخل، فيقول هو مكانه قال: فقال: يا فلان ما يصنع هؤلاء؟ فقلت: أصلحك اللّه تعالى يخافون ان يكون السيل قد ذهب بالمقام، فقال لهم: ان اللّه عز و جل جعله علما لم يكن ليذهب به، فاستقروا و كان موضع المقام الذي وضعه إبراهيم عليه السّلام عند جدار البيت فلم يزل هناك حتى حوله أهل الجاهلية إلى المكان الذي هو فيه اليوم فلما فتح النبي صلّى اللّه عليه و آله مكة رده الى الموضع الذي وضعه إبراهيم عليه السّلام فلم يزل هناك الى ان تولى عمر، فسئل الناس من منكم يعرف المكان الذي كان فيه المقام؟ فقال رجل: انا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 316

..........

كنت قد أخذت مقداره بتسع فهو عندي، فقال: ائتني به

فأتاه به، فقاسه فرده الى ذلك المكان.)

الرابع- انه لا يجزى الطواف على أساس البيت الذي هو القدر الباقي من أساس الحائط بعد عمارته المسمى بالشاذروان، و على حائط الحجر، لعدم صدق الطواف بالبيت و الحجر و في الجواهر: (إذ الأول من الكعبة فيما قطع به الأصحاب على ما في المدارك، بل هو المحكي من غيرهم- من الشافعية و من الحنابلة و بعض متأخري المالكية- نعم عن ابن ظهرة من الحنفية: جواز الطواف عندنا على الشاذروان، لانه ليس من البيت، نص على ذلك الأصحاب، و لعله لما رواه من ان ابن الزبير لما هدم الكعبة و ادخل الحجر أو ستة أذرع منه أو سبعة فيها، لما سمعته من عائشة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه بناها على أساس إبراهيم الخليل عليه السّلام و لم ينقص من عرض جدارها شي ء، اللهم الا ان يكون النقصان المتعارف بين الناس في البناء إذا ظهر على الأرض، و مثله يمكن منع كونه نقصانا من البيت.

نعم، في بعض التواريخ انه لما قتل ابن الزبير هدموا الكعبة و اخرجوا ما كان ادخله فيها من الحجر، و المراد ان المعروف كون الشاذروان هو ما نقصته قريش من عرض جدار الكعبة، لكن قد بنيت بعدهم غير مرة منها في أواخر الستين و ستمائة، أو أوائل عشر السبعين و ستمائة، فان كان المراد النقصان المتعارف عند ظهور الأساس إلى الأرض أشكل حينئذ دعوى خروجه من البيت، و ان كان غيره و انه لما جددوها أبقوها على ما نقصتها قريش النقصان الغير المتعارف اتجه حينئذ وجوب احتسابه في

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 317

[و من لوازمه ركعتا الطواف]

و من لوازمه ركعتا الطواف و هما واجبتان في

الطواف الواجب (1)

في الطواف، لكون الطواف عليه حينئذ طوافا بالبيت كما هو واضح و على كل حال فالعمل على ما عليه الأصحاب.

و اما الثاني: فلما فاته لما سمعته سابقا من وجوب الطواف به سواء قلنا بكونه من البيت أو خارجا عنه و لا ريب في عدم تحقق ذلك مع الطواف ماشيا على حائطه بل عن التذكرة عدم جواز مس الطائف الجدار بيده في موازاة الشاذروان لانه يكون بعض بدنه في البيت فلما يتحقق الشرط الذي هو خروجه عنه بجميعه بل كان كما لو وضع أحد رجليه اختيارا على الشاذروان و لكن فيه منع الشرط المزبور مع فرض صدق الطواف عليه و لو لخروج معظم بدنه و لعله إذا جزم بالصحة في القواعد لكن الأحوط ما ذكره نعم لو مسه لا في موازاته لم يكن به بأس.

و في كشف اللثام هو مبني على اختصاصه ببعض الجوانب- كما عرفت- قلت:

المحكي عن ابن الزهرة في شفاء الغرام ان شاذروان الكعبة هو الأحجار اللاصقة بالكعبة التي عليها البناء المسنم المرخم في جوانبها الثلاثة الشرقي و الغربي و اليماني و بعض حجارة الجانب الشرقي بناء عليه و هو شاذروان ايضا، و اما الحجارة اللاصقة بجدار الكعبة التي يلي الحجر فليست شاذروان، لان موضعها من الكعبة بلا ريب، و الشاذروان هو ما نقصته قريش من عرض جدار أساس الكعبة حين ظهر على الأرض كما هو عادة الناس في الأبنية، أشار الى ذلك الشيخ أبو حامد الاسفراينى و غيره و اللّه العالم).

(1) كما هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» المدعي عليه الإجماع. مضافا الى ما قال به في الجواهر: «للتأسي به صلّى اللّه عليه و آله، فإنه صلهما، و تلا

قوله

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 318

..........

تعالى: «وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى». بل قيل: انها نزلت عليه حين فعلهما و منه مع غيره من النصوص المشتملة على وجوب عود النّاسي لهما الى المقام و الصلاة فيه و ذكر الآية دليل عليه يظهر وجه دلالة الآية على ذلك، مضافا الى الإجماع على عدم وجوب غيرهما فيه، و للأمر بقضائهما مع فواتهما المحمول على الوجوب المقتضي لوجوب الأداء و لقول الصادق عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار: «. إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم عليه السّلام و صل ركعتين و اجعله اماما، و اقرأ في الأولى منهما سورة التوحيد، و في الثانية قل يا أيها الكافرون، ثم تشهد و احمد اللّه و أثن عليه، وصل على النبي صلّى اللّه عليه و آله و اسئله ان يتقبّله منك و هاتان الركعتان هما الفريضة ليس يكره ان تصليهما في أي السّاعات شئت عند طلوع الشمس وعد غروبها و لا تؤخرهما ساعة تطوف «و تفرغ فصلهما» «1» الى غير ذلك من الاخبار المأثورة عنهم (عليهم السّلام).

هذا مما لا كلام لنا فيه انما الكلام في ان ركعتي صلاة الطواف جزء للطواف أو شرط لصحته، يمكن ان يقال بالأول لما دل على وجوب الوضوء في طواف الفريضة معللا بان فيه الصلاة، و هذا يدل على انها جزء له لمكان: «في» الواقع في منطوقه، و فيه: أولا لم يقصد منها الظرفيّة الحقيقية هنا، لعدم كون الصّلاة في أثناء الطّواف بل بعده. و ثانيا انها لا تدل على ذلك كما يقال: ان في الصلاة قنوت مع انه قيل بعدم الجزئية، و إذا شكّ فيه فالمرجع هو الأصل، فتدبر.

______________________________

(1) صدره في

الوسائل ج 2 الباب 71 من أبواب الطواف الحديث 3 و ذيله في الباب 3 من أبواب الطواف الحديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 319

..........

مضافا الى انه يمكن الاستدلال لعدم جزئيتهما له بأمور:

الأول- ما ورد في الاخبار ما يعد الصلاة الواجبة إلى صلاة الميت و الخسوف و الطواف. أ فهل يقال: ان صلاة الخسوف جزء له أولا أو شرط لصحته. و غاية ما في الباب ان الخسوف سبب لوجوب الصلاة و هكذا الطواف يكون سببا لوجوب الصلاة و لكن لا بمعناه الحقيقي بل بمعنى ان الشارع المقدّس شرع الحكم على الموضوع فمهما تحقق الموضوع تحقق الحكم بحكم الشارع، و كيف كان فبهذا الاعتبار يضاف الصلاة الى الطواف فيقال: صلاة الطواف.

الثاني- ما دل من الاخبار على عدم اعتبار الطّهارة في طواف الناقلة و اعتبارها في صلاته، لانه لو كان جزء لها لكان يشترط فيه ايضا ذلك الا ان يقال بعدم الملازمة فتدبر.

الثالث- ظهور قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار: (إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم عليه السّلام فصل ركعتين) «1» في كونهما «أي الطواف و الصلاة» عملين الى غير ذلك من الأدلة.

و لكن بناء على تمامية هذه الأدلة يثبت بها عدم الجزئية فقط دون عدم الشرطية و العمدة في إثبات عدم الشرطية عدم الدّليل، ففي فرض الشّك يرجع الى مقتضى الأصل هذا كله بالنسبة إلى الطّواف، و أما بالنسبة إلى السّعي فهل تكون ركعتي صلاة الطواف جزء له أو شرطا لصحّته، فنقول: أما كونها جزء له فلا مجال للقول به لأنه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 76 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 320

..........

لو كانت جزء لكانت جزء

للطواف لا للسعي، و أما كون تقدمها على السّعي شرطا لصحّته، فيدل عليه دليل الترتيب الظاهر في الشرطية، كقوله عليه السّلام في خبر علي بن أبي حمزة: «. فإذا فرغ صلّى ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام، ثم خرج الى الصفا و المروة فطاف بينهما. إلخ «1» و نحوه غيره من الاخبار.

و لكن في بعض الاخبار ما يدل على سقوط اشتراط التّرتيب بالنّسيان، و هو صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام انه قال: في رجل طاف طواف الفريضة و نسي الركعتين حتى طاف بين الصفا و المروة ثم ذكر؟ قال: يعلم ذلك المكان ثم يعود فيصلي الركعتين، ثم يعود الى مكانه «2» لان من عدم امره عليه السّلام بإعادة السعي من رأس يعلم سقوط الشرط المزبور- و هو تقدم الصلاة على السعي- عند النسيان كما انه يعلم من أمره عليه السّلام بالصلاة ثم تتميم السعي: ان الترتيب شرط ذكري. و نحوه ما عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال سألته عن رجل يطوف بالبيت ثم ينسى ان يصلي الركعتين حتى يسعى بين الصفا و المروة خمسة أشواط أو أقل من ذلك؟ قال: ينصرف حتى يصلي الركعتين، ثم يأتي مكانه الذي كان فيه فيتم سعيه «3»، و ما عن حماد بن عيسى عمن ذكره عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في رجل طاف طواف الفريضة و نسي الركعتين حتى طاف بين الصفا و المروة؟ قال: يعلم ذلك الموضع، ثم يعود فيصلي الركعتين ثم يعود الى مكانه «4».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 15

(2) الوسائل ج 2 الباب 77 من أبواب الطواف الحديث 1

(3) الوسائل ج 2

الباب 77 من أبواب الطواف الحديث 3

(4) الوسائل ج 2 الباب 77 من أبواب الطواف الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 321

..........

و لكن روى الصدوق- رحمه اللّه تعالى- بإسناده عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام انه رخّص له ان يتم طوافه ثم يرجع فيركع خلف المقام «1» فبمقتضى هذا التّرخيص لا بد من حمل الأمر بالعودة الى خلف المقام للصلاة عنده في تلك الاخبار على الاستحباب و يمكن القول بأنه يستفاد من هذا الحديث عدم اشتراط التّرتيب في صحة السّعى في حال الذّكر سواء كان تذكره في أثناء العمل أو في ابتدائه.

و لكن لا يخفى ان هذا انما يتمّ بناء على ظهور الحديث المتقدم في التعميم، و أما بناء على عدمه- كما هو الظاهر- فيقال بعدم اشتراط الترتيب في حال الذكر بالنسبة إلى البقية لا مطلقا.

ثم انه بناء على التعميم يمكن ان يقال باشتراط التّرتيب الذكري بالنسبة إلى خصوص الشوط الأول دون سائر الأشواط اقتصارا في مخالفة الدليل الاولى على مقدار دلالة النّص على الخلاف، و لكنه لم يلتزم به أحد، فعلى ما ذكر يقال: ان تقديم الصلاة على السعي ليس شرطا في صحته.

نعم بناء على فورية وجوب الصلاة لا يجوز له الدخول في السّعي و لو خالف ذلك عمدا أثم لمخالفته الفور، و لا يبطل طوافه.

و لكن التحقيق: انه لا حجّية لحديث محمد بن مسلم المتقدم، لان طريق الصدوق- رحمه اللّه تعالى- الى محمد بن مسلم ضعيف و بعد طرحه يتعين القول باشتراط الترتيب لوجهين:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 77 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 322

..........

الأول- الاخبار المصرحة بأنه لو تذكر في الأثناء رجع الى

الصلاة ثم أتم السعي الثاني- ظاهر خبر علي بن أبي حمزة المتقدم و نحوه و لكن يمكن المناقشة فيهما.

أما (في الأول): فلان لزوم الرجوع عند التذكر المستفاد من تلك الاخبار لا يدل على ذلك لانه لازم أعم له، فكما يحتمل ان يكون ذلك لشرطية الترتيب كذلك يحتمل ان يكون ذلك لأجل فورية وجوب الصلاة و عدم فورية وجوب السعى، فيرجع و يأتي بها عند المقام، لتقدم الواجب الفوري على الموسع، فعليه يكون ذلك لحفظ فوريتها.

و أما (في الثاني) فيأتي فيه عين ما تقدم في الأول، فلعل الأمر بالصلاة بعد الطواف ثم السعى كان لأجل ان الصلاة واجب فوري لا اشتراط الترتيب.

نعم تقدم أصل الطواف شرط في صحة السعي للنص بلا فرق بين صورة الذكر و النسيان و أما تقدم الصّلاة فلا. نعم بناء على القول بأن ركعتي صلاة الطواف جزء له أو شرط لصحته يتجه بطلان السعي بترك الصلاة قبله، لكن ذلك غير صحيح لما تقدم، و كيف كان فظهر: انه لا يمكن إثبات اشتراط التّرتيب بين صلاة الطّواف و السّعي، و لذا ذهب صاحب الجواهر «قدّس سرّه» الى عدمه و نسبه الى الشّهيد الثّاني الذي هو من أساطين الفقه.

ثم ان لما ذكرناه- من عدم دلالة لزوم تقديم الصّلاة على السّعي على اشتراط الترتيب، لاحتمال ان يكون ذلك و كذلك لزوم الرجوع لو تركها ثم تذكر في الأثناء لمكان الفوريّة- نظائر- منها:

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 323

..........

1- ان الإقامة بناء على القول بوجوبها ليست شرطا لصحة الصلاة و انما هي واجب نفسي، و لو تركها و تذكر في أثناء الصلاة فقد دل الدليل على انه يرجع و يأتي بالإقامة مع عدم كونها شرطا لصحتها.

2-

ان المتابعة في صلاة الجماعة واجبة مع عدم التزامهم بكونها شرطا لصحتها و لو تركها لم يحكموا ببطلان الصلاة و لا الجماعة، و لكن مع عدم فصل بمقدار يخل بالجماعة عرفا.

ان قلت: ان ظاهر دليل الإتيان بالطواف ثم الصلاة ثم السعى و كذا اخبار الرجوع لو تذكر في الأثناء هو اشتراط الترتيب، كما ان ظاهر اخبار الترتيب في اعمال منى: الشرطية.

قلت: يمكن الفرق بين المقام و بين أعمال منى بدعوى: فورية وجوب الصلاة، هنا فعليه يتأتى الاحتمال المتقدم و أما هناك فلا تأتى هذه المناقشة، و الأمر في اعمال منى دائر بين كون الترتيب واجبا نفسيا أو شرطيا، و مقتضى ظاهر دليله هو الشرطية لا النفسية، و أما فيما نحن فيه بعد وجود الاحتمال المتقدم فلا مجال في إثباته بما ورد من الأمر بالصلاة ثم السعى، و لا بما ورد من اخبار الرّجوع لو تذكر في الأثناء.

فظهر: انه بناء على تماميّة المناقشة المتقدّمة فليس دليل لفظي يدل على اشتراط التّرتيب، فتصل النّوبة إلى الأصول العمليّة و مقتضاها البراءة عنه. هذا غاية ما يمكن ان يقال في تصحيح ما ذهب اليه صاحب الجواهر و الشهيد الثاني (قدّس سرّهما) و لكن التّحقيق: ظهور اخبار التّرتيب و كذا الأخبار الدّالة على لزوم الرجوع

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 324

..........

عند التذكر في كونه شرطا، و لا يضر احتمال كون الطائفتين من الاخبار ناظرتين إلى جهة فورية الصلاة، فإن مع كل ظهور احتمال خلافه، و هذا الاحتمال خلاف الظاهر.

و أما الاستشهاد بما مر من ان الإقامة بناء على القول بوجوبها مع انها ليست شرطا لصحة الصلاة و انما هي واجب نفسي، ففيه: ان عدم الاشتراط هناك- بناء على تقدير

وجوبها- انما يكون لأجل النص.

و أما الاستشهاد بما مر من وجوب التّبعية في الجماعة، ففيه: انه قد حققنا في محلّه ان الحق هنا الاشتراط ايضا خلافا للمشهور.

فظهر مما تقدم: ان تقدم الصّلاة في حال الذّكر شرط لصحة السّعي، و أما في حال النسيان فلا لدلالة صحيح معاوية بن عمار المتقدم على الصحة و في حكم النّسيان الجهل، لصحيح جميل بن دراج عن أحدهما عليهما السّلام: ان الجاهل في ترك الركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام بمنزلة الناسي «1».

تحقيق الكلام يتوقّف على ذكر الأمور التالية: الأول- انه بناء على ما تقدم من عدم كون الصلاة جزء للطواف فلو تركها نسيانا و سعى لم يضرّ ذلك بالتحلّل مما يحلّ منه بطواف الزّيارة.

الثاني- انه بما ان تقدّم الصلاة شرط في صحّة السّعي لا بد من إتيانها عقيب الطواف بحيث لا يفوت السّعي، و بما انه ورد في بعض الاخبار ما يظهر منه الفور- بناء

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 325

..........

على تماميّة هذا الظّهور- مثل قوله عليه السّلام: (إذا فرغت من الطواف فائت مقام إبراهيم عليه السّلام فصل.) «1» فلا بد من الإتيان بها عقيب الطواف فورا، و لو عصى ذلك لم تسقط الصلاة عن ذمته فيجب عليه ان يأتي بها.

ان قلت: كيف و الواجب يسقط بالامتثال و بالعصيان، و المفروض انه عصى فيسقط. قلت: انه لم يعص أصل الأمر بالصّلاة و انما عصى فوريّتها.

مضافا الى انه لا يصح القول بكون العصيان مسقطا للتكليف و انما المسقط له أمران: (الأول): الامتثال. (الثاني): ذهاب الموضوع- كان يحرق الميت الذي يجب ان يصلي عليه أو يتأخر الواجب المضيّق الى ان

يفوت وقته الذي هو موضوع له و لم يرد أمر بقضائه.

الثالث انه لو نسي الصلاة و تذكر بعد السعي، فإن بقي من شهر ذي الحجة شي ء أتى بها فيه، لوقوعها في وقتها، و لو تذكر بعد مضي الشهر وقع الكلام في انه هل يجوز له الإتيان بها في خارج ذي الحجة أو عليه ان يصبر الى العام القابل؟ مقتضى إطلاق دليل القضاء الأول، لكونها قبل صيرورتها قضاء موقتا بوقت خاص و لولا دليل القضاء لقلنا بسقوطه بانقضاء الوقت، لكن دليل القضاء كشف عن انه كان الواجب على نحو تعدد المطلوب و في الحقيقة الأمر الأول باق، فعليه الإتيان بها لان مقتضى إطلاق دليل القضاء عدم توقيتها بوقت خاص، فيأتي بها قبل ذي الحجة، إلا إذا قام دليل خاص على لزوم الإتيان بها في وقت خاصّ فتدّبر. و هذا الكلام بعينه جار

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 76 من أبواب زيارة البيت الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 326

و لو نسيهما وجب عليه الرجوع (1) و لو شق قضاهما حيث ذكره (2).

بالنسبة إلى الطواف و السعي.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب بل في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه الا ما يحكى عن الصدوق من الميل الى صلاتهما حيث يذكر بل في كشف اللثام الإجماع عليه. إلخ) و يدل عليه- مضافا الى أصالة عدم سقوط المأمور به مع التمكن من الإتيان به على وجهه- صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: سئل عن رجل طاف طواف الفريضة و لم يصل الركعتين حتى طاف بين الصفا و المروة ثم طاف طواف النساء و لم يصل ايضا لذلك الطواف حتى ذكر و هو بالأبطح؟ قال: يرجع

الى المقام فيصلي ركعتين «1» و خبر عبيد بن زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في رجل طاف طواف الفريضة و لم يصل الركعتين حتى طاف بين الصفا و المروة ثم طاف طواف النساء فلم يصل الركعتين حتى ذكر بالأبطح يصلي اربع ركعات؟ قال: يرجع فيصلي عند المقام أربعا «2» و المرسل سئل عن الرجل يطوف بالبيت طواف الفريضة و نسي ان يصلى الركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام فقال: يصليهما و لو بعد أيام، لأن اللّه تعالى يقول:

(وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى.) «3» و نحوها غيرها من الاخبار.

(2) ما افاده المصنف «قدّس سرّه» من وجوب القضاء حيث ما ذكره فيما لو شقّ عليه الرجوع الى المقام مما هو المعروف بين الأصحاب، فلو شقّ عليه الرجوع فضلا عما لو تعذر قضاهما حيث ذكر، كما في القواعد و الناقع و محكي التهذيب و الاستبصار،

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 7

(3) المذكور في الجواهر

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 327

..........

قال في الجواهر: «و لعله المراد من التعذر في محكي النهاية و المبسوط و الوسيلة و السرائر و المهذب و الجامع، لقاعدة الحرج و اليسر المشار إليهما في صحيح ابي بصير (يعني المرادي) قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي ان يصلي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام، و قد قال اللّه تعالى «وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى» حتى ارتحل؟ قال: ان كان ارتحل فاني لا أشق عليه و لا آمره ان يرجع و لكن يصلي حيث يذكر «1». إلخ».

و لكن في جملة من النصوص: انه يصليهما حيث تذكر

منها حسن معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام رجل نسي الركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السّلام فلم يذكر حتى ارتحل من مكة قال: فليصلهما حيث ذكر و إن ذكرهما و هو في البلد فلا يبرح حتى يقضيهما «2» و نحوه غيره من الاخبار الا ان المشهور حملها على صورة المشقة بالرجوع بشهادة صحيح ابي بصير المتقدم.

و لكن تحقيق الكلام يتوقف على ذكر جميع الأخبار الواردة في المقام حتى يتضح المختار فنقول:

منها- صحيح عمر بن يزيد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام فيمن نسي ركعتي الطواف حتى ارتحل من مكة؟ قال: ان كان قد مضى قليلا فليرجع فليصلهما أو يأمر بعض الناس فليصلهما عنه «3».

و منها- خبر عمر بن البراء عن ابي عبد اللّه عليه السّلام فيمن نسي ركعتي طواف

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 10

(2) الوسائل ج 2 الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 18

(3) الوسائل ج 2 الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 328

..........

الفريضة حتى أتى منى انه رخص له ان يصليهما بمنى «1».

و منها- ما عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: سألته عن رجل نسي ان يصلي الركعتين؟ قال: يصلي عنه «2».

و منها- ما عنه ايضا عن أحدهما عليهما السّلام قال: سألته عن رجل طاف طواف الفريضة و لم يصل الركعتين حتى طاف بين الصفا و المروة ثم طاف طواف النساء و لم يصل لذلك الطواف حتى ذكر و هو بالأبطح؟ قال: يرجع الى المقام فيصلي ركعتين «3».

و منها- ما عن عبيد بن زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف طواف الفريضة

و لم يصل الركعتين حتى ذكر و هو بالأبطح يصلي أربعا؟ قال: يرجع فيصلي عند المقام أربعا «4».

و منها- ما عنه ايضا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في رجل طاف طواف الفريضة و لم يصل الركعتين حتى طاف بين الصفا و المروة ثم طاف طواف النساء فلم يصل الركعتين حتى ذكر بالأبطح فصلى اربع ركعات؟ قال: يرجع فيصلي عند المقام أربعا «5».

و منها صحيح عمر بن يزيد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام انه سأله عن رجل نسي ان يصلى الركعتين ركعتي الفريضة عند مقام إبراهيم عليه السّلام حتى أتى منى؟ قال: يصليهما بمنى «6».

و منها- ما عن هشام المثنى قال: نسيت أن أصلي الركعتين للطواف خلف المقام حتى انتهيت إلى منى فرجعت الى مكة فصليتهما ثم عدت إلى منى فذكرنا ذلك لأبي عبد

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب الطواف الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب الطواف الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب الطواف الحديث 5

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 4، ص: 328

(4) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب الطواف الحديث 6

(5) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب الطواف الحديث 7

(6) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب الطواف الحديث 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 329

..........

اللّه، فقال: أ فلا صلاهما حيث ما ذكر «1».

و منها- ما عن حنان بن سديد قال: زرت فنسيت ركعتي الطواف فأتيت أبا عبد اللّه عليه السّلام و هو بقرن الثعالب فسألته؟ فقال: صل في مكانك «2».

و منها- ما عن احمد

بن عمر الحلال قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل نسي ان يصلي ركعتي طواف الفريضة فلم يذكر حتى اتى منى؟ قال: يرجع الى مقام إبراهيم فيصليهما «3».

و منها- صحيح عمر بن يزيد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: من نسي ان يصلي ركعتي طواف الفريضة حتى خرج من مكة فعليه ان يقضي، أو يقضي عنه وليّه، أو رجل من المسلمين «4».

و منها- ما عن ابن مسكان قال: حدثني من سئله عن الرّجل نسي ركعتي طواف الفريضة حتى يخرج؟ فقال: يوكل «5» قال ابن مسكان (و في حديث آخر) ان كان جاوز ميقات أهل أرضه فليرجع و ليصليهما، فان اللّه تعالى يقول (وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى) «6».

و منها- ما عن الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي ان يصلي الركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام في طواف الحج و العمرة؟ فقال: ان كان بالبلد صلى ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام فان اللّه عز و جل يقول:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 9.

(2) الوسائل ج 2 الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 11.

(3) الوسائل ج 2 الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 12.

(4) الوسائل ج 2 الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 13.

(5) الوسائل ج 2 الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 14.

(6) الوسائل ج 2 الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 15.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 330

..........

«وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى» و ان كان قد ارتحل فلا آمره ان يرجع «1».

و منها- ما عن هشام بن المثنى و حنان قالا: طفنا بالبيت طواف النساء و نسينا الركعتين فلما مرنا

«مررنا» بمنى ذكرناهما فأتينا أبا عبد اللّه عليه السّلام فسألناه؟ فقال:

صلياهما بمنى «2».

و منها- عن الفضل بن الحسن الطبرسي في مجمع البيان عن الصادق عليه السّلام انه سئل عن رجل يطوف بالبيت طواف الفريضة و نسي ان يصلي ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام؟ فقال: يصليهما و لو بعد أيام، ان اللّه يقول «وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى» «3» و أنت ترى ان الاخبار الواردة في المقام على طوائف فلا بد من الجمع بينها فنقول: ان خبر محمد بن مسلم المتقدم الدال بإطلاقه في الناسي بأنه يصلى عنه منزل على ما في باقي الاخبار من التفصيل حملا للمطلق على المقيد و كيف كان فالناسي تارة: يتذكر و هو في البلد، و اخرى بعد خروجه منه، فان تذكر و هو في البلد فحكمه ان يرجع و يصلي بنفسه كما هو صريح صحيحي معاوية و خبر ابي الصباح الكناني و ان كان خرج عن البلد فمقتضى صحيح معاوية عدم وجوب العودة عليه مطلقا بل يصلي حيث ما ذكر لكن خرج من هذا الإطلاق بمقتضى صحيح عمر بن يزيد (الحديث الأول) لان مقتضى قوله عليه السّلام فيه «ان كان قد مضى قليلا فليصليهما أو يأمر بعض الناس فليصليهما عنه» هو كونه مخيرا بين العودة و الاستنابة فيبقى حينئذ تحت الإطلاق صورة ما إذا كان خرج كثيرا من مكة ففي هذه الصورة أيضا مخير بين ان يصلي بنفسه هناك

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 16

(2) الوسائل ج 2 الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 17

(3) الوسائل ج 2 الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 19

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 331

..........

أو يرجع الى

مكة و يصلي عند المقام أو يستنيب.

أما الأول: فلجملة من الاخبار المتقدمة.

و أما الثاني: فلان ما دل من الاخبار المتقدمة على انه يصلى حيث ذكر يكون من باب التّرخيص و الإرفاق لا اللزوم و العزيمة.

و أما الثالث: فلما مرّ في حديث محمد بن مسلم من قوله عليه السّلام (يصلى عنه) و ما مر في حديث ابن مسكان من قوله عليه السّلام (يوكل).

ثم ان حيث لفظ القليل مشكك ذو مراتب يعلم مقدار المراد منه بصحيح محمد ابن مسلم و نحوه (الحديث الثاني) الدال على لزوم إعادة الصلاة لو ذكر و هو بالأبطح أنه إلى هناك داخل في القليل، بخلاف منى الذي صرح في خبري عمر بن براء و عمر ابن يزيد و نحوهما بجواز الصلاة هناك لو تذكر هناك.

و أما خبر احمد بن عمر الحلال الآمر بالعودة الى مقام إبراهيم عليه السّلام مع ان المفروض انه تذكر بمنى و هو محمول على الندب، فان ظاهر الأمر و ان كان هو الوجوب و بداعي الجد الا انه ترفع اليد عنه لأجل ما دل من الاخبار المتقدمة على الجواز فيحمل على الاستحباب جمعا.

مضافا الى انه ان هذا الحديث هكذا رواه الشيخ «ره» بسند، و رواه الصدوق بسند آخر عن احمد بن عمر الحلال مثله الا انه قال: «نسي ركعتي طواف الفريضة و قد طاف بالبيت حتى يأتي منى» و النسخة الثانية- كما ترى- لا تدل على انه كان وصل الى منى، فمع اختلاف النسخ يسقط الحديث عن الحجّية و لم يثبت كونهما

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 332

..........

خبرين فلا دليل على استحباب العود حينئذ.

ثم انه لا يخفى ان مقتضى إطلاق الأدلة عدم الفرق في الحكم بعدم وجوب

العود و جواز الصلاة هناك إذا كان قد خرج كثيرا بين صورة لزوم العسر و الحرج من العود و عدمه و لكن استدل على اختصاص الحكم بصورة لزوم العسر و الحرج بما في حديث ابي بصير المتقدم في صدر المبحث: (اني لا أشق عليه و لا آمره ان يرجع) و هذا الحديث قرينة على ان المراد من قوله عليه السّلام في خبر ابي الصباح الكناني: (لا آمره ان يرجع) الذي ليس فيه ذكر عن المشقة أيضا ذلك.

و لكن التحقيق: خلافه لانه ليس المراد من قوله عليه السّلام: (لا أشق عليه) المشقة بمعنى العسر و الحرج، فان الحكم الحرجي منفي في الشريعة، فلا يبقى مجال لان يقول:

«لا أشق عليه» لعدم كونه قابلا للجعل في الشريعة حتى يرفعه فالمراد من قوله عليه السّلام في صحيح أبى بصير: «لا أشقّ عليه و لا آمره» هو المراد من قوله عليه السّلام في حديث ابي الصّباح الكناني: (لا آمره) بدون ذكر المشقّة و المراد من المشقّة في هذا الحديث هي المشقة الثابتة في نفس الرجوع طبعا.

و قد تحصل من الجمع بين الاخبار: انه ان كان في البلد و تذكر صلى بنفسه خلف المقام، و ان كان تذكر بعد الخروج منه قليلا تخير بين الرجوع و الاستنابة، و ان كان تذكر بعد الخروج منه كثيرا تخيّر بين ان يصلي هناك أو يستنيب أو يرجع.

لكن يبقى الكلام فيما مرّ من حديث ابن مسكان حيث قال: (و في حديث آخر: إذا كان جاوز ميقات أهل أرضه فليرجع و ليصلهما). فإنه مناف لما عرفت من

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 333

و لو مات قضاهما الولي عنه (1)

الجمع، و ما ذكره بعض من حمله

على صورة العمد غير صحيح، لوروده في صورة النسيان، و لم يذكر صاحب الوسائل «قدس سره» صدر الحديث، و ذلك بقرينة ان ابن مسكان بعد ان ذكر ما مر من الحديث في الناسي قال: و في حديث آخر.»

فيعلم انهما موضوع واحد، فحصل التعارض بينه و بين باقي الأخبار الدالة على خلاف ذلك، و لكن لا يعتد به لاضطراب متنه الموجب لعدم الوثوق به حيث ان مقتضاه انه لو جاوز ميقات أهل أرضه وجب عليه الرجوع و الا فلا هذا بحسب المفهوم و هو مفهوم التحديد الذي هو من أقوى المفاهيم، و من الواضح ان هذا غير صحيح، لانه لو كان تفصيل في البين، فهو على العكس و لعل قوله عليه السّلام: (ان كان جاوز) غلط و كان الصحيح: «ان كان لم يجاوز» و بعد تصحيح الحديث بجعله «ان كان لم يجاوز» يلزم وجوب الرجوع مع فرض عدم مجاوزته من الميقات و لو انه وصل الى قريب الميقات و لو كان ميقات أهل أرضه مسجد الشجرة مع ما بينه و بين مكة من البعد فيلزم ان يقال بوجوب الرجوع من هناك، و هذا خلاف صريح ما تقدم من الاخبار.

مضافا الى ما في هذا الحديث من ضعف السند مع ان عدم المجاوز من الميقات مطلق يمكن تقييده بمقتضى باقي الأخبار بخصوص ما إذا كان خرج قليلا ان قلنا انه قابل لهذا التقييد و لم ننكره من جهة كونه في مقام التحديد، و يمكن حمله على الندب، فلاحظ و تأمل و اللّه الهادي إلى الصواب.

(1) يحتمل ان يكون وجه ما افاده المصنف «قدس سره» هنا من وجوب قضاء الولي ركعتي طواف الفريضة عنه: صحيح عمر بن يزيد

عن ابي عبد اللّه عليه السّلام

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 334

[مسائل ست]
اشارة

مسائل ست:

الأولى

[الأولى- الزيادة عمدا على سبع في الطواف الواجب محظورة]

الأولى- الزيادة عمدا على سبع في الطواف الواجب محظورة و مبطلة على الأظهر (1)

قال: من نسي ان يصلي ركعتي طواف الفريضة حتى خرج من مكة، فعليه ان يقضي أو يقضي عنه وليه، أو رجل من المسلمين «1» و خبر محمد بن مسلم سئل أحدهما عليهما السّلام عمن نسي ان يصلي الركعتين؟ فقال: يصلى عنه «2» مضافا الى عموم ما دل على قضاء الصلاة الفائتة عنه، فتدبر.

ثم انه يظهر من صحيح عمر بن يزيد جواز قضاء غير الولي عنه مع وجوده و لا يخفى انه حمله جماعة على صورة الموت، بقرينة ذيله- و هو ذكر الولي- فمعناه ان كان حيا قضى بنفسه، و الا قضى عنه وليه أو رجل من المسلمين.

(1) كما عن الوسيلة و الاقتصاد و الجمل و العقود و المهذب، بل في المدارك: «انه المعروف من مذهب الأصحاب» و في كشف اللثام: «انه المشهور» و استدل لذلك بأمور الأول- خبر عبد اللّه بن محمد عن ابي الحسن عليه السّلام قال: (الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة إذا زدت عليها، فعليك الإعادة، و كذلك السعي) «3».

الثاني- خبر ابي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط المفروض؟ قال: يعيد حتى يثبته «4» و رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد مثله الا انه قال: «حتى يستتمه».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 13

(2) الوسائل ج 2 الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 11

(4) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 335

..........

الثالث- خروجه عن الهيئة التي

فعلها النبي صلّى اللّه عليه و آله مع وجوب التأسي و قوله صلّى اللّه عليه و آله: (خذوا عني مناسككم).

و نوقش في الأول: بكونه ضعيفا سندا.

و في الثاني: أولا- بأنه ضعيف سندا، و ثانيا- على فرض صحة سنده فلعدم تمامية دلالته لاختلاف نسخه، ففي بعض النسخ: «حتى يستتمه» و مقتضاه التتميم بإضافة ستة إلى الواحد الذي زاد لا الاستيناف من رأس، فالمراد من قوله عليه السّلام «يعيد» بناء على تلك النسخة ذلك.

الا ان يقال: منع قرينية قوله: «حتى يستتمه» لذلك، لكونه ملائما للإعادة من رأس، لكون مرجع الزيادة إلى النقصان لنقصان القيد العدمي، فتأمل.

و في الثالث- قد يقال بأن النبي صلّى اللّه عليه و آله و ان لم يزد على السبعة لكن مقتضى التأسي ليس إلا صحة الإتيان بالسبعة و لا دلالة له على بطلان الإتيان بأزيد منها، و لكن فيه ما لا يخفى و كيف كان فلا ينبغي الإشكال في أصل الحكم بعد ثبوت الاتفاق عليه قديما و حديثا مضافا الى ان خبر عبد اللّه بن محمد المتقدم و ان كان ضعيفا سندا الا انه منجبر بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم».

ينبغي هنا بيان أمور الأول- انه يمكن ان يقال: ان خبر عبد اللّه بن محمد المتقدم في صدر المبحث.

محمول على الزيادة العمدية، لأنه المنصرف اليه.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 336

..........

الثاني- ان مقتضى إطلاقه عدم الفرق بين كون الزيادة في ابتداء النية و في أثنائها و بعد الإكمال.

الثالث- ان ظاهر الخبرين المزبورين اعادة الطواف من رأس، لا الشوط خاصة و هو كذلك، كما صرح به غير واحد.

الرابع- انه لا يعارض ما مر صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال سألته عن

رجل طاف طواف الفريضة ثمانية أشواط قال: يضيف إليها ستة «1» لأنه حمل على الزيادة نسيانا أو على انه نوى طواف ثان و على فرض عدم تمامية هذين الحملين فلا عبرة به لإعراض الأصحاب عنه و كذا عن أبي أيوب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط طواف الفريضة؟ قال: فليضم إليها ستا ثم يصلي اربع ركعات «2».

الخامس- قد يقال عدم تصور الزيادة في الطواف، فإنه بمجرد تماميّة السّبعة قد تم طواف واحد و لو أتى بشوط آخر لا يحسب زيادة في الطواف الذي تم- نظير أن يأتي بركعة أخرى بعد السّلام- فعليه يتعين حمل الخبر على صورة ما إذا كان قصده من الزيادة تقييديا.

و فيه ان الزيادة في بعض الأمور يكون بالقصد- كما في القراءة فلو كرّرها و لكن لا بقصد الجزئية للصلاة لم تصدق عنوان الزّيادة- و في بعض الأمور لا يكون بالقصد- كما في المعدودات، لكون الزّيادة حاصلة تكوينا و لو لم يقصد الجزئية كما في

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 8

(2) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 13

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 337

..........

عدد الركوع. نعم يمكن ان يقال انه لو قصد الخلاف لم تصدق الزيادة كما في الانحناء لقصد قتل العقرب مثلا، و لكن مع ذلك ايضا تحصل الزّيادة، و عدم حصولها بالانحناء لقتل العقرب انما يكون لأجل خصوصيّة في الركوع، و هو كونه امرا قصديا، أو مشروطا بعدم قصد الخلاف و كيف كان فاشواط الطواف تكون من المعدودات فلو جاء بثمانية أشواط، فقد حصلت الزيادة على السبعة تكوينا سواء قصد الجزئية أم لا.

فتحصل: انه لو زاد

عمدا كان عليه الإعادة- أي إعادة الطواف من رأس- بمقتضى خبر عبد اللّه بن محمد، و لا يصح حمله على صورة كون القصد تقييديّا، كيف و ليس البطلان حينئذ مستندا إلى الزيادة في المأمور به، بل الى عدم قصد امتثال الأمر.

و بالجملة: ان هذا الحديث تامّ من حيث الدلالة، لكن سنده ضعيف الا انه منجبر بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم».

تحقيق الكلام يتوقف على بيان الجهات التالية الاولى- ان بعض اخبار المقام صريح في التفصيل بين طواف النافلة و الفريضة في صورة ما لو زاد نسيانا في الحكم بتتميم الزائد طوافا كاملا في النافلة، و بالإعادة بمعنى الاستيناف من رأس في الفريضة، و هو ما رواه أبو بصير «في حديث» قال: قلت له: فإنه طاف و هو متطوّع ثمانية مرّات و هو ناس؟ قال: فليتمه طوافين ثم يصلي اربع ركعات فأما الفريضة فليعد حتى يتم سبعة أشواط «1».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 338

..........

و لكن قد يقال بأنه يعارضه ما رواه علي بن أبي حمزة قال: سئل و انا حاضر عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط؟ فقال: نافلة أو فريضة؟ فقال: فريضة، فقال:

يضيف إليها ستة فإذا فرغ صلى ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام ثم خرج الى الصفا و المروة. إلخ «1». و يعارضه أيضا بإطلاقه ما في المقنعة قال: قال عليه السّلام: من طاف بالبيت ثمانية أشواط ناسيا ثم علم بعد ذلك فليضف إليها ستة أشواط «2» و ما رواه جميل انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عمن طاف ثمانية أشواط و هو يرى أنها سبعة قال فقال في كتاب علي عليه السّلام

انه إذا طاف ثمانية أشواط يضم إليها ستة أشواط ثم يصلي الركعات بعد، قال: و سئل عن الركعات كيف يصليهن أو يجمعن أو ما ذا؟ قال: يصلي ركعتين للفريضة ثم يخرج الى الصفا و المروة فإذا رجع من طوافه بينهما رجع يصلى ركعتين للأسبوع الآخر «3» و ما عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: ان في كتاب علي عليه السّلام إذا طاف الرجل بالبيت ثمانية أشواط الفريضة فاستيقن ثمانية أضاف إليها ستا و كذلك إذا استيقن انه سعى ثمانية أضاف إليها ستا «4».

الثانية- ان خبر ابى بصير المتقدم و ان كان دالا على لزوم الإعادة في طواف الفريضة إذا حصلت الزيادة نسيانا، لكن يمكن ان يقال: ان الاخبار المتقدمة الدالة على إضافة ستة في تلك الصورة مفسرة لذلك الحديث و مبينة لعدم كون المراد من اعادة الطواف استئنافه من رأس بل إعادته بتتميم الزائد طوافا كاملا و هو الفريضة، و الأول يجعل نافلة، و هذا لا ينافي ما فيه من التفصيل بين طواف النافلة و الفريضة، فإنه على هذا

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 15

(2) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 17

(3) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 16

(4) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 10

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 339

..........

ايضا يتحقق الفرق بينهما بأن النافلة لا تعاد بل يستتم الزائد و هي نافلة على حده، و أما الفريضة فتعاد، و الأول يجعل نافلة، فهذا الحديث لا يعارض- بعد الغض عما في سنده- تلك الأحاديث، لأنها مفسرة له و خبر ابي بصير المتقدم ايضا محمول على هذا

المعنى بناء على كونه في صورة النسيان، و لكن فيما تقدم تأمل.

فظهر: ان الحكم في صورة النسيان هو تتميم الزائد فلو كان فريضة جعل الأول نافلة و الثاني فريضة، و الا فكلاهما نافلة.

و أما في صورة العمد فمقتضى ظاهر ما مر من قوله عليه السّلام: (الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة إذا زدت عليها فعليك الإعادة) هو لزوم الإعادة من رأس خرج منه بالتخصيص صورة النسيان، و بقي صورة العمد و الجهل، و على العامد الاستيناف من رأس.

الثالثة- ان المستفاد من بعض الاخبار ان الثاني فريضة و الأول نافلة قال محمد ابن علي بن الحسين و في خبر آخر: (ان الفريضة هي الطواف الثاني و الركعتان الأولتان لطواف الفريضة، و الركعتان الأخيرتان و الطواف الأول: تطوع «1».

الرابعة- ان مقتضى ظاهر خبر زرارة عن ابي جعفر صلّى اللّه عليه و آله قال: ان عليا عليهما السّلام طاف طواف الفريضة ثمانية فترك سبعة و بنى على واحد، و أضاف إليه ستا، ثم صلى ركعتين خلف المقام، ثم خرج الى الصفا و المروة. إلخ «2» هو جواز ذلك مع العمد، فليس عليه الإعادة من رأس، بل يتم الزائد و ان كان متعمدا و لكن حمل على التقية

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 14

(2) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 340

و في النافلة مكروهة (1)

(1) لم يعرف وجه ما أفاده المصنف «قدس سره» هنا من كراهة الزيادة على سبعة أشواط عمدا في طواف النافلة الا ان يكون مراده من الزيادة في طواف النافلة هو خصوص القران بمعنى عدم الفصل بين الطوافين مثلا بالصّلاة

في طواف النافلة و قد صرح بكراهة ذلك غير واحد من الأصحاب، بل في محكي التنقيح نفى الخلاف.

تحقيق الكلام في هذا المقام يتم في ضمن أمور: الأول- ان مقتضى إطلاق بعض الاخبار هو عدم جواز القران بين الطوافين مطلقا- و هو:

1- ما رواه زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام «في حديث» قال: و لا قران بين أسبوعين في فريضة و نافلة «1».

2- ما رواه علي بن أبي حمزة قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يطوف و يقرن بين أسبوعين؟ فقال: ان شئت رويت لك عن أهل مكة، قال: فقلت:

لا و اللّه مالي في ذلك من حاجة جعلت فداك، و لكن ارونى ما أدين اللّه عز و جل به، فقال: لا تقرن بين أسبوعين، كلما «و لكن خ ل» طفت أسبوعا فصل ركعتين، و أما أنا فربما قرنت الثلاثة و الأربعة فنظرت اليه، فقال: انى مع هؤلاء «2».

3- ما رواه البزنطي قال: سأل رجل أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يطوف الأسباع جميعا فيقرن؟ فقال: لا، إلا أسبوع و ركعتان، و انما قرن أبو الحسن عليه السّلام، لأنه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 36 من أبواب الطواف الحديث 14

(2) الوسائل ج 2 الباب 36 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 341

..........

كان يطوف مع محمد بن إبراهيم لحال التقية «1» الا انه ترفع اليد عن إطلاقها بما دل على جوازه في النافلة- و هو:

1- ما رواه زرارة قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: انما يكره ان يجمع الرجل بين الأسبوعين و الطوافين في الفريضة، و أما في النافلة فلا بأس «2».

2- خبر عمر بن يزيد قال: سمعت أبا عبد اللّه

عليه السّلام يقول: انما يكره القران في الفريضة، فاما النافلة فلا، و اللّه ما به بأس «3» بناء على إرادة الحرمة من الكراهة المزبورة ليتجه نفي البأس عنه في النافلة الظاهر في عدمها فيها بقرينة المقابلة، فيختص المنع عن القران بالفريضتين و الفريضة و النافلة. مضافا الى النصوص المتقدمة في صدر المبحث فتدبر.

الثاني- ان مقتضى ظاهر قوله عليه السّلام في حديث زرارة المتقدم: (لا قران بين أسبوعين في فريضة و نافلة) هو الحرمة في النافلة أيضا، لكن يحمل على الكراهة جمعا بينه و بين خبر عمر بن يزيد و زرارة المتقدم المصرح فيه بالجواز.

مضافا الى خبر علي بن جعفر انه سئل أخاه موسى بن جعفر عليهما السّلام عن الرجل يطوف الأسبوع و الأسبوعين فلا يصلى ركعتين حتى يبدو له ان يطوف أسبوعا آخر هل يصلح ذلك؟ قال: لا يصلح ذلك حتى يصلي ركعتي الأسبوع الأول ثم ليطوف ما أحب «4» و اما ما دل على جوازه فهو محمول على النافلة كخبر زرارة انه قال: ربما طفت مع ابي جعفر عليه السّلام و هو ممسك بيدي الطوافين و الثلاثة، ثم ينصرف و يصلي

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 36 من أبواب الطواف الحديث 7

(2) الوسائل ج 2 الباب 36 من أبواب الطواف الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 36 من أبواب الطواف الحديث 4

(4) الوسائل ج 2 الباب 36 من أبواب الطواف الحديث 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 342

..........

الركعات ستا «1» و خبره الآخر قال: طفت مع ابي جعفر عليه السّلام ثلاثة عشر أسبوعا قرنها جميعا و هو آخذ بيدي، ثم خرج فتنحى ناحية فصلى ستا و عشرين ركعة و صليت معه «2» و خبر

علي بن جعفر عن أخيه قال: و سألته عن الرجل هل يصلح له ان يطوف الطوافين و الثلاثة و لا يفرق بينهما بالصلاة حتى يصلي بها جميعا؟ قال: لا بأس غير انه يسلم في كل ركعتين «3» الى غير ذلك من الاخبار المأثورة عنهم عليهم السّلام الثالث- انه هل الزائد هو الطواف الثاني و به يتحقق القران المنهي عنه الموجب للبطلان أو الأول أو كلاهما؟؟

يمكن الاستدلال على الأول- و هو بطلان الطواف الثاني- بوجهين:

الأول- ان الأمر بالشي ء يقتضي النّهي عن ضدّه، و هو مأمور بعد الطّواف الأول بالصلاة فورا، فإذا خالف و اتى بالطواف يكون باطلا، لكونه منهيا عنه، و فيه: ما لا يخفى.

الثاني- ان القران انما يتحقّق بالطّواف الثّاني فهو المنهي عنه و النّهي تعلق بذات العبادة فيوجب الفساد.

يمكن الاستدلال على الثّاني- و هو بطلان الطواف الأول- بوجهين:

الأول- النّواهي المتقدّمة، و قد ذكرنا غير مرّة ان النهي عن شي ء في شي ء يفيد المانعيّة و فيه ان هذا العنوان غير منطبق على المقام، لانه ليس نهيا عن شي ء في شي ء لعدم كون الطّواف الثّاني في الطّواف الأوّل بل بعده، إلا إذا قلنا بأن الصّلاة جزء له

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب من أبواب الطواف الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب من أبواب الطواف الحديث 5

(3) الوسائل ج 2 الباب من أبواب الطواف الحديث 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 343

الثانية

[و الثانية: الطهارة شرط في الواجب دون الندب]

و الثانية: الطهارة شرط في الواجب دون الندب حتى انه يجوز ابتداء المندوب مع عدم الطهارة و ان كانت الطهارة أفضل (1)

الثالثة

[الثالثة: يجب ان يصلي ركعتي الطواف في المقام حيث هو الآن]

الثالثة: يجب ان يصلي ركعتي الطواف في المقام حيث هو الآن و لا يجوز في غيره (2)

أو ادعى فهم التعميم، فتدبر.

الثاني- ان الطواف الثاني زيادة، لعدم الفصل بالصلاة، فقد زاد سبعة أشواط و فيه انه بناء على كون الطواف الثاني زيادة فليس زيادة في الطواف، بل زيادة عليه.

يمكن الاستدلال على الثالث- و هو بطلان كلا الطوافين- بدعوى ظهور مثل هذا النهي و هو مثل قوله عليه السّلام: (لا قران بين أسبوعين) في بطلان العمل من رأس سواء قلنا بأن الثاني زيادة أم لا فتأمل.

(بقي هنا شي ء) قيل: ان المراد من القران هو ان ينوي من أول الأمر أربعة عشر شوطا طوافا واحدا فيبطل تمام العمل، لعدم نيته للمأمور به و فيه انه خلاف ظاهر الاخبار، لكونها في غير هذه الصورة.

(1) ما افاده المصنف «قدّس سرّه» هو الصواب، و قد تقدم الكلام عن ذلك بصورة مفصّلة في أول الطّواف، فراجعه.

(2) أما وجوب صلاة الطواف في المقام فمما لا ينبغي الإشكال فيه، لثبوت

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 344

..........

الاتفاق عليه قديما و حديثا مضافا الى ما افاده صاحب الجواهر عند شرح قول الماتن بقوله: (للتأسي، و الآية، و المستفيض من النصوص، أو المتواتر، أو المقطوع بمضمونه).

و أما كون المراد به حيث هو الآن لا حيث كان على عهد إبراهيم عليه السّلام ثم على عهد النبي صلّى اللّه عليه و آله على ما في بعض الاخبار فلصحيح إبراهيم بن ابي محمود قال: قلت للرضا عليه السّلام: أصلي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام حيث هو الساعة،

أو حيث كان على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟ قال: حيث هو السّاعة «1» و يدل عليه- مضافا الى ما تقدم- مفهوم غيره من الاخبار المتضمنة للصلاة- منها:

1- مرسل صفوان [1] بن يحيى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: ليس لأحد ان يصلي ركعتي طواف الفريضة إلا خلف المقام، لقول اللّه عز و جل «وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى» فان صليتها فعليك إعادة الصّلاة «2».

2- خبر عبد اللّه بن مسكان الأبزاري قال: سألت أبا عبد اللّه عن رجل نسي فصلّى ركعتي طواف الفريضة في الحجر؟ قال يعيدهما خلف المقام، لان اللّه يقول:

«وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى» «3».

3- صحيح محمد بن مسلم المتقدم المشتمل على قوله عليه السّلام: «يرجع الى المقام

______________________________

[1] و هو من أصحاب الإجماع.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 71 من أبواب الطواف الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 72 من أبواب الطواف الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 72 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 345

..........

فيصلي ركعتين) «1».

4- حسن معاوية بن عمار المتقدم ايضا قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: (إذا فرغت عن طوافك فائت مقام إبراهيم عليه السّلام فصل ركعتين و اجعله اماما. إلخ «2».

الى غير ذلك من الاخبار الدالة على عدم جواز صلاة الطواف في غيره.

و من هنا ظهر ضعف ما هو المحكي عن الخلاف من جواز فعلهما في غيره، و ما هو المحكي عن الصّدوق «قدّس سرّه» من جواز فعلهما في خصوص طواف النساء في سائر مواضع المسجد.

أما وجه ضعف الأول: فواضح. و أما الثاني: فلانا لم نعثر على ما يدل على الفرق بينه و بين غيره، كما اعترف

به في كشف اللثام، قال: «الا رواية عن الرضا عليه السّلام» و الظاهر- كما افاده صاحب الجواهر «قدس سره»- إرادته ما عن الفقه المنسوب الى الرّضا عليه السّلام حيث قال بعد ذكر المواضع التي يستحب الصلاة فيها و ترتيبها في الفضل ما صورته: «و ما قرب من البيت فهو أفضل، الا انه لا يجوز ان يصلي ركعتي طواف الحج و العمرة إلا خلف المقام حيث هو الساعة و لا بأس ان تصلي ركعتين لطواف النساء و غيره، حيث شئت من المسجد الحرام» و لكن ذلك لا يقاوم الأخبار المتقدّمة و غيرها الدّالة على عدم جواز فعلهما في غير المقام.

أما أولا: فلعدم ثبوت نسبته عندنا.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 71 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 346

..........

و أما ثانيا: فلعدم صلاحيّته لان يكون مخصّصا للاخبار المزبورة بعد عمل المشهور على طبقها، فتدبر.

قال في الجواهر: (نعم قد يستدل للأول بالأصل بعد عدم نصوصيّة الآية فيه لأنها ان كانت من قبيل اتخاذ الخاتم من الفضة- كما هو الظّاهر- أو كانت: «من» فيها بمعنى: «في» لزم ان يراد بالمقام المسجد أو الحرم، و الا وجب فعل الصلاة على الحجر نفسه، و ان أريد الاتصال و القرب، و بالمقام الصخرة فالمسجد كله بقربه، و ان وجب الأقرب فالأقرب لزم ان يكون الواجب في عهده صلّى اللّه عليه و آله عند الكعبة، لكون المقام عندها، و كذا عند ظهور القائم عليه السّلام، و كذا كلما نقل الى مكان وجبت الصلاة فيه، و لعله لا قائل به. و فيه: انه بعد تسليمه لا ينافي الظهور الذي عليه المدار

في إثبات المطلوب خصوصا بعد ما ورد من نزول الآية عند فعلهما الذي هو كالتفسير لها و ما ورد من الاستدلال بها في النّصوص. مضافا الى قاعدة الانتقال إلى أقرب المجازات مع تعذّر الحقيقة، و إمكان منع عدم القائل به، بعد عدم تعرض أحد له و غير ذلك، و إطلاق بعض النصوص السابقة: فعلهما في مكانه الذي قد عرفت المراد به مع اختصاصه بالناسي، و حمل غيره عليه قياس يقتضي جواز فعلهما حينئذ اختيارا في غير المسجد، و لا يقول به الخصم، و اشعار لفظ: «لا ينبغي» في خبر زرارة الآتي الذي يراد منه الحرمة و لو بقرينة ما سمعته من النصوص و الفتاوى، كما ترى و نفى الخلاف في الخلاف عن الاجزاء مع كونه موهونا بما سمعت: معارض بهما ايضا مع رجحانهما عليه من وجوه، و على كل حال فلا ريب في ضعف القول المزبور بعد ما سمعت من النّصوص

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 347

فان منعه زحام صلّى ورائه أو الى أحد جانبيه (1)

و الفتاوى، انتهى».

(1) ما افاده المصنف «قدس سره» هنا- من وجوب ركعتي صلاة الطواف في المقام و ان منعه الزحام صلّى ورائه أو الى أحد جانبيه- مخالف لظاهر الأخبار الواردة في المقام، لان الموجود فيها الصلاة عند المقام و خلفه و جعله اماما، و قد صرح به جماعة من الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم».

بل يمكن ان يقال بتعيين كون الصّلاة خلفه، و أما ما في جملة من الاخبار من الأمر بالصلاة عنده محمول على الخلف حملا للمطلق على المقيّد، فما افاده المصنّف (قدس سره) هنا دليله غير ظاهر.

ينبغي هنا بيان أمور الأول- انه لو أريد من المقام نفس الحجر

فلا يقع خلفه الا شخص واحد و خلف ذلك الشخص شخص آخر و هكذا بمقدار لا يخرج عن صدق كونه خلف المقام و لو أريد منه الحجر مع البناء فيمكن ان يقف خلفه ثلاثة، و كيف كان فاللّازم ان يقف في مكان يصدق عليه عنوان انه خلف المقام: عرفا، فلو طال الصّف بمقدار يصدق كونهم خلفه صحّ و كذا تصح الصّلاة خلف من هو خلف المقام، لصدق هذا العنوان فلا يصح إذا كان البعد بحيث كان مانعا عن صدقه.

الثاني- انه لو لم يتمكن من الصّلاة خلف المقام، لكثرة الناس فقد ذكر غير واحد من الأصحاب انه يراعى الأقرب فالأقرب من جهة الخلف، و كأنه لقاعدة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 348

..........

الميسور، لكن ذلك لا يخلو من المناقشة و الاشكال، و لذا حكى عن بعض جواز الصلاة في أي موضع من المسجد إذا لم يتمكن من الصلاة خلفه و لا عنده.

الثالث- ان ما ذهب اليه المصنف «قدس سره» من انه صلّى الى أحد جانبيه فكأنه احتفاظا على ميسور العندية، و لكن لا دليل على توسعة المكان في صورة عدم التمكن من تحصيل صدق عنوان الخلف.

نعم ورد عن الحسين بن عثمان، قال: رأيت أبا الحسن عليه السّلام يصلي ركعتي الفريضة بحيال المقام قريبا من الظلال لكثرة الناس «1».

و لكن يمكن ان يقال ان ما ذكره الراوي من كون صلاته هناك لأجل كثرة الناس: اشتباه منه في اجتهاده، لصدق عنوان الخلفيّة في ذلك المكان، لعدم كون بعد الظّلال حين ذاك مانعا عن صدق هذا العنوان. ثم بعد تسليم ذلك لا يدل هذا الحديث على صحّة الصّلاة عند الضّرورة في أحد الجانبين.

و كيف كان ففي مفروض المقام احتمالات-

و هي:

1- سقوط شرطيّة الصّلاة للسّعي.

2- جواز تأخير السعي الى ان يتّمكن من الصّلاة خلف المقام.

3- ان تكون شرطية الصّلاة للسّعي باقية على حالها و كذا شرطيّة كون السّعي و الطّواف في يوم واحد فهو حينئذ غير متمكّن من السّعي و يبطل طوافه ايضا للفصل بينه و بين السّعي، فعليه الإتيان بعد يومه الذي لم يتمكّن من الصّلاة خلف

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 75 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 349

..........

المقام بالطواف و الصلاة و السعي.

4- سقوط اشتراط الخلفية و جواز الإتيان بها في أي موضع شاء من المسجد 5- سقوط التكليف بالصلاة، فلا بد من الجمع بين الاحتمالات المتقدمة، فيصلي في ذلك الوقت في غير خلف المقام مراعيا للأقرب فالأقرب، و يسعى و يأتي بالصلاة خلف المقام بعد ذلك عند التمكن، و يعيد بعد ذلك عند التمكن الطواف و السعي و الصلاة في يوم واحد، و له الاكتفاء بالأخير.

(صلاة النّافلة) هذا كله في صلاة طواف الفريضة، و أما النافلة فيجوز إيقاعهما- أي ركعتي الصلاة- في المسجد حيث شاء- كما صرح به غير واحد- للأصل و النصوص- منها:

1- خبر زرارة عن أحدهما عليهما السّلام قال: لا ينبغي ان تصلي ركعتي طواف الفريضة إلا عند مقام إبراهيم عليه السّلام و أما التطوع فحيث شئت من المسجد «1».

2- خبر إسحاق بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان أبي يقول: من طاف بهذا البيت أسبوعا و صلّى ركعتين في أي جوانب المسجد شاء كتب اللّه له ستة آلاف حسنة «2» المراد به النافلة.

و لكن لا يجوز إيقاعها في خارج المسجد و ان كان قد يظهر من رواية قرب الاسناد جواز

إيقاعها خارج المسجد بمكة و هي ما عن عبد اللّه بن جعفر عن عبد اللّه بن

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 73 من أبواب الطواف الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 73 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 350

الرابعة

[الرابعة: من طاف في ثوب نجس مع العلم لم يصح طوافه]

الرابعة: من طاف في ثوب نجس مع العلم لم يصح طوافه (1) و ان لم يعلم ثم علم في أثناء الطواف أزاله و تمم (2)

الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يطوف بعد الفجر فيصلي الركعتين خارجا من المسجد؟ قال: يصلى بمكة لا يخرج منها إلا ان ينسى فيصلي إذا رجع في المسجد أي ساعة أحب ركعتي ذلك الطواف «1».

و لكن لا يخفى ما فيه، أما أولا: فلضعف سنده، و أما ثانيا: فعلى فرض التسليم قصوره عن معارضة الأخبار المتقدمة لأن إعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» مانع عن الاعتماد عليه فتدبر.

(1) و الظاهر انه المتسالم عليه بين القائلين بالشّرطيّة، و قد نفى عنه الخلاف و الاشكال في الجواهر لما قد حقق في محله: اقتضاء النّهي في العبادة الفساد، فيعيد الطواف حينئذ بعد إزالة النّجاسة كالصّلاة المشبه بها الطواف، فتدبر.

(2) هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قال في الجواهر: «و لعله لإطلاق مرسل البزنطي المتقدم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: رجل في ثوبه دم مما لا تجوز الصلاة في مثله فطاف في ثوبه؟ فقال: أجزأه الطواف ثم ينزعه و يصلى في ثوب طاهر «2» و خبر يونس بن يعقوب المتقدم قال: سألت أبا عبد

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 73 من أبواب الطواف الحديث 4

(2)

الوسائل ج 2 الباب 52 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 351

..........

اللّه عليه السّلام عن رجل يرى في ثوبه الدم و هو في الطواف؟ قال: ينظر الموضع الذي يرى فيه الدم فيعرفه، ثم يخرج فيغسله ثم يعود فيتم طوافه «1» المؤيد بخبر حبيب بن مظاهر قال: ابتدأت في طواف الفريضة فطفت شوطا فإذا إنسان قد أصاب أنفي فأدماه فخرجت فغسلت ثم جئت فابتدأت الطواف، فذكرت ذلك لأبي عبد اللّه عليه السّلام فقال: بئس ما صنعت كان ينبغي لك ان تبنى على ما طفت اما انه ليس عليك شي ء. إلخ) «2».

ينبغي هنا التنبيه على أمور: الأول- ان خبر حبيب بن مظاهر- بعد الإغماض عن سنده- و ان لم يكن مورده الجاهل بها إلا انه مثله في اختصاص التكليف بحال العلم بناء على ما سيأتي، و بقاعدة الإجزاء فيما وقع حال عدم العلم بعد عدم ثبوت الشرطية في أزيد من حال العلم كعدم ثبوت البطلان بالفصل المزبور، بل مقتضى الإطلاقات الصحّة، مضافا الى الخبرين المزبورين، كما أفاده صاحب الجواهر (قدس سره).

الثاني- ان مقتضى مرسل البزنطي عدم الفرق بين ما لو علم بالنّجاسة قبل الشروع فيه ثم نسيها أو لا، ضاق الوقت أو لا.

الثالث- ان مقتضى إطلاق الخبرين، كما في الرّياض عدم الفرق بين ما لو توقفت

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 52 من أبواب الطواف الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 41 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 352

..........

الإزالة على فعل يستدعي قطع الطواف و عدمه و لا بين ان يقع العلم بعد تجاوز النصف أو قبله. الى ان قال: خلافا للشهيدين فجزما بوجوب الاستيناف ان توقفت الإزالة على

فعل يستدعي قطع الطواف و لما يكمل أربعة أشواط قيل نظرا الى ثبوت ذلك مع الحدث في أثناء الطواف و الحكم في المسئلتين واحد و فيه نظر و الأجود الاستدلال لهما بعموم ما دل على ان قطع الطواف قبل التجاوز «من الأربعة» يوجب الاستيناف- كما يأتي- و لا معارض له صريحا سوى الخبر الأخير «و هو خبر حبيب بن مظاهر» و هو قاصر سندا يشكل تخصيصه به، و كذا الخبران الأولان. مضافا الى عدم صراحتهما و احتمالهما التقييد بصورة التجاوز كما يمكن تقييد ذلك العموم بغير موردهما الى ان قال: و بالجملة: فإن التعارض بينهما تعارض العموم و الخصوص من وجه يمكن تقييد كل منهما بالآخر و الأقوى تقييد هذين بذلك لقصور السّند، لكن يمكن جبر القصور بعد الجبر بعمل المشهور بالموافقة للأصل، فان الأصل بقاء صحة ما فعل و عدم وجوب الاستيناف مع تأمل ما في ذلك العموم، فإنما غايته الإطلاق الغير المتبادر منه محل النزاع، و لعل هذا أظهر سيما مع اعتضاده بصريح ما مر من الخبر المعتبر فتدبر.

قال في الجواهر بعد نقل كلام الرياض: (قلت: لا يخفى عليك ان الخبرين المزبورين لم يدلا الا على عدم قدح تخلّل مقدار زوال النّجاسة ثم العود للطواف في فوات الموالاة، بل لا دلالة في شي ء منهما على عدم البأس حتى لو كان في أيام فضلا عن وقوع الحدث أو نحوه- مما ستعرفه «ان شاء اللّه تعالى» في مسألة التجاوز- و لذا أطلق المصنف و غيره الحكم هنا من غير إشارة إلى تلك المسألة. «الى ان قال»:

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 353

و لو لم يعلم «بالنجاسة» حتى فرغ كان طوافه ماضيا (1)

و من الغريب دعوى

ان عمل المشهور كذلك. فالتحقيق الاقتصار فيما نحن فيه على عدم قدح تخلل إزالة النجاسة أو نزع الثوب النجس و نحو ذلك على حسب ما هو متعارف و معتاد في نحو ذلك، أما إذا احتيج مع ذلك الى حال ينقطع به الطواف خارج عن المعتاد، فحكمه ما تسمعه «ان شاء اللّه تعالى» من التفصيل الآتي، و من جميع ما ذكرنا يعلم النظر فيما في الدروس، قال: «و لو طاف في ثوب نجس أو على بدنه نجاسة أعاد مع التعمد أو النسيان و لو لم يعلم حتى فرغ صح، و لو علم في الأثناء أزالها و أتم ان بلغ الأربعة و الا استأنف».

إيقاظ قد تقدم الكلام عن مدلول الخبرين بصورة مفصلة عند شرح كلام المصنف:

«و ازالة النجاسة عن الثوب و البدن» ابتداء من (ص- 292) و من أراد الاطلاع عليه فليراجعه.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قديما حديثا. بل في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه بل و لا اشكال، لما سمعته من قاعدة، مضافا الى كونه كالصلاة التي قد عرفت ان حكمها كذلك على الأصح. إلخ) يمكن الاستدلال لذلك بوجوه: الأول- عموم التنزيل في قوله: «الطواف بالبيت صلاة» بعد الغضّ عن سنده الثاني- خبر يونس بن يعقوب المتقدم بناء على تمامية إلحاق صورة الالتفات

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 354

الخامسة

[الخامسة: يجوز ان يصلي ركعتي طواف الفريضة و لو في الأوقات التي تكره ابتداء النوافل]

الخامسة: يجوز ان يصلي ركعتي طواف الفريضة و لو في الأوقات التي تكره ابتداء النوافل (1)

بعد الفراغ بصورة الالتفات في الأثناء. و قد تقدم الكلام عنه بصورة مفصلة في صفحة (292) فراجعه.

الثالث- مرسل البزنطي المتقدم ايضا بناء على حمله على صورة الجهل و قد تقدم الكلام عنه أيضا في صفحة (293)

فراجعه.

الرابع- انه لو كان ناسيا فالأحوط الاستيناف- كما جزم به في الدروس- لاقتضائه عموم التنزيل بناء على بطلان الصلاة مع نسيان النجاسة.

نعم مقتضى مرسل البزنطي الصحة بمقتضى إطلاقه و بينه و بين إطلاق النبوي عموم من وجه، فالمرجع أصل البراءة لو تمت حجيته.

(1) بلا خلاف و لا اشكال- كما في الجواهر- و يدل عليه مضافا الى الإطلاقات جملة من النّصوص الواردة في المقام- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم عليه السّلام فصل ركعتين «الى ان قال»: و هاتان الركعتان هما الفريضة ليس يكره لك ان تصليهما في أي الساعات «أي ساعة خ ل» شئت عند طلوع الشمس و عند غروبها، و لا تؤخر ساعة تطوف و تفرغ فصلهما «1».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 76 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 355

..........

2- حسن رفاعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يطوف الطواف الواجب بعد العصر أ يصلي الركعتين حين يفرغ من طوافه؟ فقال: نعم، اما بلغك قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: يا بني عبد المطلب لا تمنعوا الناس من الصلاة بعد العصر فتمنعوهم من الطواف «1».

3- صحيح زرارة- على ما في الجواهر-: (اربع صلوات يصليها الرجل في كل ساعة صلاة فاتتك متى ذكرتها أديتها، و صلاة ركعتي طواف الفريضة، و صلاة الكسوف، و الصلاة على الميت).

و لا يعارض ما تقدم صحيح محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن ركعتي طواف الفريضة؟ فقال: وقتهما إذا فرغت من طوافك، و أكرهه عند اصفرار الشمس و عند طلوعها «2» و صحيحة الآخر قال:

سئل عن أحدهما عن الرجل يدخل مكة بعد الغداة أو بعد العصر؟ قال: يطوف و يصلي الركعتين ما لم يكن عند طلوع الشمس أو عند احمرارها «3» لانه حمله الشيخ «قدس سره» على التقية لكونه؟؟؟

موافقا للعامة.

و أما خبر علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الذي يطوف بعد الغداة و بعد العصر و هو في وقت الصلاة أ يصلي ركعات الطواف نافلة كانت أو فريضة قال: لا «4» ففي الجواهر: (يمكن ان يكون الوجه فيه: ان المفروض فيه حضور وقت الفريضة التي هي أولى بالتقديم، بل يجب تقديمها على ركعتي طواف النافلة بناء

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 76 من أبواب الطواف الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 76 من أبواب الطواف الحديث 7

(3) الوسائل ج 2 الباب 76 من أبواب الطواف الحديث 8

(4) الوسائل ج 2 الباب 76 من أبواب الطواف الحديث 11

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 356

السادسة

[السادسة: من نقص من طوافه فان جاوز النصف رجع فأتم]

السادسة: من نقص من طوافه فان جاوز النصف رجع فأتم، و لو عاد إلى أهله أمر من يطوف عنه و ان كان دون ذلك استأنف (1)

على عدم جواز التطوع وقت الفريضة، بل يمكن حمل الصحيح المزبور على ضيق وقت الحاضرة، بل عن الشيخ ان الوجه فيه ما تضمنه من انه كان وقت صلاة فريضة فلم يجز له ان يصلي ركعتي الطواف إلا بعد ان يفرغ من الفريضة الحاضرة. و ظاهره وجوب تقديم الفريضة الحاضرة على ركعتي الطواف و لو مع اتساع الوقت. و فيه منع ضرورة ان الأصل يقتضي التخيير بينهما- كما عن الفاضل التصريح به- لأنهما واجبان موسعان فلا وجه لترجيح أحدهما على الآخر، بل ان قلنا بفورية صلاة الطواف- كما

يشعر به بعض النصوص- اتجه حينئذ تقديمها على الفريضة كما هو واضح).

(1) قال في الجواهر: من نقص من طوافه في فريضة شوطا أو أقل أو أزيد أتمه لصدق الامتثال ان كان في المطاف و لم يفعل المنافي الذي منه طول الفصل المفوت للموالاة بناء على اعتبارها كما هو المشهور، بل في الرياض نسبته الى ظاهر الأصحاب للانسياق و لانه المتيقن في البراءة و المعهود من فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة و الصحابة و التابعين و غيرهم و لأنه كالصلاة المعلوم اعتبار ذلك فيها و ان انصرف عن المطاف أو حصل المنافي- من حدث و نحوه- و كان النقصان سهوا فان تجاوز النصف- اي طاف أربعة أشواط، كما فسره به في المسالك و حاشية الكركي بل جعلا المراد بالمجاوزة ذلك و ربما يشهد له ما تسمعه من النصوص من خبر إسحاق بن عمار الذي يقيد إطلاق غيره و على كل حال فمتى كان كذلك رجع فأتم و لو عاد إلى أهله أمر من يطوف عنه ما بقي

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 357

..........

عليه و ان كان أدون- أي من النصف أو قبل تمام الأربع- استأنف مع الإمكان و الا استناب- كما في النافع و القواعد و غيرهما و محكي المقنعة و المراسم و المبسوط و الكافي و الغنية و النهاية و الوسيلة و السرائر و الجامع. نعم ليس في الأول- كالمتن- التصريح بالنسيان كما انه ليس فيهما ايضا اعتبار أربعة أشواط بل اقتصرا على الأكثر من النصف و الأقل بخلاف الأربعة المتأخرة التي صرح فيها بذلك بل يمكن إرجاع غيرها إليها و صرح فيها ايضا كالمتن و محكي المبسوط بالاستنابة إذا

رجع الى اهله و على كل حال فالتفصيل المزبور هو المشهور. إلخ).

اعلم ان مفاد اخبار المقام مختلف لكن غالبها ليست واردة في مورد واحد بل واردة في موارد مختلفة فورد في الحيض و المرض و من أحدث في الأثناء ما يدل على التفصيل بين تجاوز النصف و عدمه و لم يرد دليل دل بالعموم على ذلك، و لكن المشهور ذهبوا الى التفصيل المزبور و لو كان قطع طوافه لحاجة أخرى غير موارد النصوص و ستعرف «ان شاء اللّه تعالى» ما يمكن الاستدلال به عليه. مع ان ظاهر ما ورد في الاستراحة في أثناء الطواف و في القطع لصلاة الوتر أو صلاة فريضة و كثير من اخبار الذهاب في الأثناء لقضاء حاجة المؤمن بمقتضى الإطلاق عدم الفرق في صحة الطواف بين تجاوز النصف و عدمه، و مع ان مقتضى إطلاق أخبار دخول الكعبة البطلان و لو بعد التّجاوز عن النّصف، فعلى ذلك يتوقف تحقيق الكلام في هذا المقام على ذكر الأخبار المروية عنهم عليهم السّلام في هذا المقام فنقول: انها على طوائف:

الأولى- ما دل على صحة الطواف لو قطعه لقضاء حاجة المؤمن و أتمه سواء كان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 358

..........

ذلك قبل تجاوز النصف أو بعده- منها:

1- ما رواه صفوان الجمال قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يأتي أخاه و هو في الطواف؟ فقال: يخرج معه في حاجته ثم يرجع و يبنى على طوافه «1».

2- ما رواه إسماعيل بن بزيع، عن أبي إسماعيل السراج، عن سكين بن «عن خ ل» عمار عن رجل من أصحابنا يكنى أبا أحمد قال: كنت مع ابي عبد اللّه عليه السّلام في الطواف و يده في يدي

إذا عرض لي رجل حاجة أومأت إليه بيدي، فقلت له: كما أنت حتى افرغ من طوافي، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما هذا؟! فقلت: أصلحك اللّه رجل جائني في حاجة فقال لي: أ مسلم هو؟ قلت: نعم فقال لي: اذهب معه في حاجته فقلت له: أصلحك اللّه فاقطع الطواف؟ قال: نعم، قلت و ان كنت في المفروض؟ قال نعم و ان كنت في المفروض. إلخ «2».

3- ما رواه ابان بن تغلب قال: كنت مع ابي عبد اللّه عليه السّلام في الطواف فجاء رجل من إخواني فسألني ان امشي معه في حاجة ففطن أبو عبد اللّه عليه السّلام فقال: يا أبان من هذا الرجل؟ قلت: رجل من مواليك سألني ان أذهب معه في حاجة، قال: يا أبان اقطع طوافك، و انطلق معه في حاجته فاقضها له، فقلت: انى لم أتم طوافي؟ قال:

أحص ما طفت و انطلق معه في حاجته، فقلت: و ان كان طواف فريضة؟ فقال: نعم و ان كان طواف فريضة «الى ان قال»: لقضاء حاجة مؤمن خير من طواف و طواف حتى عد عشرة أسابيع. فقلت له: جعلت فداك فريضة أم نافلة؟ فقال: يا أبان إنما يسأل

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 42 من أبواب الطواف الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 42 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 359

..........

اللّه العباد عن الفرائض لا عن النوافل «1» و نحوها غيرها من الاخبار.

الثانية- ما دل على صحة طوافه لو قطعه لصلاة فريضة تضيق وقتها سواء كان ذلك قبل تجاوز النصف أو بعده- منها:

1- ما في حديث هشام عن ابى عبد اللّه عليه السّلام انه قال في رجل كان في طواف

الفريضة فأدركته صلاة فريضة؟ قال: يقطع الطواف و يصلي الفريضة ثم يعود فيتم ما بقي عليه من طوافه «2».

2- ما رواه عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل كان في طواف النساء «الفريضة خ ل» فأقيمت الصلاة؟ قال: يصلي معهم الفريضة فإذا فرغ بنى من حيث قطع «3».

الثالثة- ما دل على جواز قطع الطواف لصلاة الوتر مع ضيق وقتها حتى يصليها ثم يتم طوافه من دون فرق بين تجاوزه النصف و عدمه- منها:

1- ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يكون في الطواف قد طاف بعضه و بقي عليه بعضه، فطلع الفجر فيخرج من الطواف الى الحجر الى بعض المسجد إذا كان لم يوتر فيوتر، ثم يرجع فيتم طوافه، أ فترى ذلك أفضل أم يتم الطواف ثم يوتر و ان أسفر بعض الاسفار؟؟ قال: ابدء

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 41 من أبواب الطواف الحديث 7

(2) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب الطواف الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 360

..........

بالوتر و اقطع الطواف إذا خفت ذلك، ثم أتم الطواف بعد «1». و رواه الصدوق بإسناده عن عبد الرحمن بن الحجاج إلا انه ترك قوله: «فطلع الفجر» و ترك لفظ:

«ذلك» و رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب و كيف كان فهذا الحديث- كما ترى- ظاهره الوجوب، الا انه ترفع اليد عنه لأجل تسالم الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» على خلافه.

الرابعة- ما دل على جواز قطع الطواف للاستراحة لمن أعيى ثم يبنى على طوافه من دون فرق بين ان تجاوز

عن النصف أم لا- منها:

1- ما في حديث علي بن رئاب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يعيي في الطواف إله أن يستريح؟ قال: نعم يستريح، ثم يقوم فيبني على طوافه في فريضة أو غيرها، و يفعل ذلك في سعيه و جميع مناسكه «2».

2- ما رواه حماد بن عثمان عن ابن ابي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه سئل عن الرّجل يستريح في طوافه؟ فقال: نعم، أنا قد كانت توضع لي مرفقة فأجلس عليها «3».

الخامسة- ما دل على بطلان الطواف إذا دخل الكعبة في أثنائه مطلقا سواء تجاوز عن النّصف أم لا- و هو:

1- خبر حفص بن البختري عن ابي عبد اللّه عليه السّلام فيمن كان يطوف بالبيت

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 44 من أبواب الطواف الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الطواف الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 361

..........

فيعرض له دخول الكعبة فدخلها؟ قال: يستقبل طوافه «1».

السادسة- ما دل على بطلان طوافه ما إذا دخل البيت بعد ثلاثة أشواط- منها:

1- صحيح الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل طاف بالبيت ثلاثة أشواط ثم وجد من البيت خلوة فدخله، كيف يصنع؟ قال: يعيد طوافه و خالف السنة «2».

2- ما رواه ابن مسكان قال: و حدثني من سأله عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة ثلاثة أشواط، ثم وجد خلوة من البيت فدخله؟ قال: نقض «يقضي خ ل» طوافه و خالف السنة فليعد «3» و نحوهما غيرهما من الاخبار المأثورة عنهم عليهم السّلام.

السابعة- ما دل على التفصيل فيمن أحدث في طواف الفريضة قبل تجاوز

النصف وجب عليه الإعادة و بعد تجاوزه يتطهر و يبنى و يتم- و هو:

مرسل جميل عن أحدهما عليهما السّلام في الرجل يحدث في طواف الفريضة و قد طاف بعضه، قال: يخرج و يتوضأ فإن كان جاز النصف بنى على طوافه، و ان كان أقل من النصف أعاد الطواف «4».

الثامنة- ما دل على التفصيل فيمن مرض قبل تجاوز النصف و قطع طوافه لزمه الاستيناف إذا برأ، و ان كان بعده جاز له البناء فان ضاق الوقت طيف عنه و صلّى هو- منها:

1- ما رواه إسحاق بن عمار عن ابى الحسن عليه السّلام في رجل طواف الفريضة ثم

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 41 من أبواب الطواف الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 41 من أبواب الطواف الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 41 من أبواب الطواف الحديث 4

(4) الوسائل ج 2 الباب 40 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 362

..........

اعتل علة لا يقدر معها على إتمام الطواف؟ فقال: ان كان طاف أربعة أشواط أمر من يطوف عنه ثلاثة أشواط فقد تم طوافه، و ان كان طاف ثلاثة أشواط و لا يقدر على الطواف فان هذا مما غلبه اللّه عليه، فلا بأس بأن يؤخر الطواف يوما و يومين، فان خلته العلة عاد فطاف أسبوعا، و ان طالت علته أمر من يطوف عنه أسبوعا، و يصلى هو ركعتين و يسعى عنه، و قد خرج من إحرامه، و كذلك يفعل في السعي و في رمي الجمار «1» محمد بن الحسن بإسناده عن موسى بن القاسم، عن اللؤلؤي، عن الحسن ابن محبوب، عن إسحاق بن عمار نحوه إلا انه قال: «و يصلي عنه» و ترك لفظ:

«في

السعي» ثم قال: (و في رواية محمد بن يعقوب: و يصلي هو) و قد حمل جماعة من الأصحاب قوله: «و يصلي عنه» على عدم تمكنه من الطهارة- كالمبطون- و كذا قوله: «فيطاف عنه» و استشهد له بخبر يونس بن عبد الرحمن البجليّ قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام أو كتبت اليه عن سعيد بن يسار انه سقط من جمله فلا يستمسك بطنه أطوف عنه و أسعى؟ قال: لا، و لكن دعه، فإن برء قضى هو، و إلا فاقض أنت عنه «2».

2- حماد بن عثمان عن الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا طاف الرجل بالبيت ثلاثة أشواط ثم اشتكى أعاد الطواف يعني الفريضة «3».

التاسعة- ما دل على التفصيل فيما إذا حاضت المرأة في أثناء الطواف بين قبل تجاوز النصف وجب عليها قطعه و الاستئناف إذا طهرت، و بعد تجاوزه يجزيها

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 45 من أبواب الطواف الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 45 من أبواب الطواف الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 45 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 363

..........

الإتمام- و هو:

1- ما رواه أبو بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا حاضت المرأة و هي في الطواف بالبيت و بين الصفا و المروة فجاوزت النصف فعلمت ذلك الموضع، فإذا طهرت رجعت فأتمت بقية طوافها من الموضع الذي علمته، فإن هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوله «1».

2- ما رواه احمد بن عمر الحلال عن ابي الحسن عليه السّلام قال: سألته عن امرأة طافت خمسة أشواط ثم اعتلت؟ قال: إذا حاضت المرأة و هي في الطواف بالبيت أو

بالصفا و المروة و جاوزت النصف علمت ذلك الموضع الذي بلغت، فإذا هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوله «2».

3- ما رواه ابن مسكان عن إبراهيم بن إسحاق عمن سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة طافت أربعة أشواط و هي معتمرة ثم طمثت؟ قال: تم طوافها و ليس عليها غيره و متعتها تامة، و لها ان تطوف بين الصفا و المروة، لأنها زادت على النصف و قد قضت متعتها فلتستأنف بعد الحج و ان هي لم تطف إلا ثلاثة أشواط فلتستأنف الحج فإن أقام بها جمالها بعد الحج فلتخرج إلى الجعرانة أو الى التنعيم فليعتمر «3».

4- ما رواه ابن مسكان عن أبي إسحاق «صاحب اللؤلؤ» قال: حدثني من سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: في المرأة المتمتعة إذا طافت بالبيت أربعة أشواط ثم حاضت فمتعتها تامة، و تقضى ما فاتها من الطواف بالبيت و بين الصفا و المروة و تخرج

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 85 من أبواب الطواف الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 85 من أبواب الطواف الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 85 من أبواب الطواف الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 364

..........

إلى منى قبل ان تطوف الطواف الآخر «1» و رواه الكليني عن ابى علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن إسحاق بياع اللؤلؤ نحوه الى قوله: «فمتعتها تامة».

5- ما رواه سعيد الأعرج قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة طافت بالبيت أربعة أشواط و هي معتمرة ثم طمثت؟ قال: تتم طوافها فليس عليها غيره و متعتها تامة فلها ان تطوف

بين الصفا و المروة، و ذلك لأنها زادت على النصف و قد مضت متعتها و لتستأنف بعد الحج «2».

6- ما رواه فضيل بن يسار عن ابى جعفر عليه السّلام قال: إذا طافت المرأة طواف النساء فطافت أكثر من النصف فحاضت نفرت ان شاء «3».

و لكن في هذه الاخبار ما يدل على خلافها، و هو صحيح محمد بن مسلم قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة طافت ثلاثة أشواط أو أقل من ذلك، ثم رأت دما؟ قال: تحفظ مكانها، فإذا طهرت طافت و اعتدّت بما مضى «4» هذا الحديث و ان كان دالّا على عدم التّفصيل و مخالفا لما تقدّم الّا انّه ليس صريحا في طواف الفريضة بل مطلق فيقيّد بما تقدّم فيكون المراد النافلة.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 86 من أبواب الطواف الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 86 من أبواب الطواف الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 90 من أبواب الطواف الحديث 1

(4) الوسائل ج 2 الباب 85 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 365

..........

(تفصيل الكلام) قد أشرنا في صدر المبحث ذهاب المشهور الى التفصيل بين صورة التجاوز عن النصف و عدمه في الحكم بالبناء على ما بقي من الطواف على الأول دون الثاني بلا فرق بين الاعذار.

لكن قد يناقش فيه بعدم دليل على نحو العموم على التفصيل و انما الدليل عليه في الموارد الخاصة، و لا معارضة بين ما تقدم من الروايات لان بعض الطوائف منها وارد في عذر خاص، فنقول بهذا التفصيل في خصوص المرض و الحيض و الحدث لما تقدم و اما ما دل بإطلاقه على عدم التفصيل- كما في مسألة قطع الطواف لصلاة الوتر أو

الفريضة و غيرها- فنلتزم به هناك لعدم المعارضة بينه و بين الاخبار الدالة على التفصيل فعليه يتعيّن الاقتصار على الموارد الخاصة في التفصيل و لا يمكن التعدي عنها لإثبات التفصيل بقول مطلق، لمكان احتمال الخصوصيّة للأعذار المشتملة عليها بعض الاخبار المتقدمة، و التعدي محتاج الى التنقيح المناط القطعي، و هو غير حاصل في الشرعيات لأن غاية ما يحصل منه هو الظن و هو لا يغني من الحقّ شيئا، فالتّعدي عن موردها الى الى غيره قياس باطل عندنا. نعم يتمّ ما ذهب اليه المشهور من التّفصيل إذا تم ما سنذكره من الوجهين أو أحدهما.

ثم انه يمكن إثبات ما ذهب اليه المشهور من التّفصيل بين تجاوز النّصف و عدمه بوجهين:

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 366

..........

الأول- قوله عليه السّلام في روايتي ابن مسكان و سعيد الأعرج المتقدمتين في الطائفة التاسعة من الاخبار: (لأنها زادت على النصف) في مقام تعليل صحة الطواف مع طرو القاطع بان يقال: ان العبرة بعموم التعليل لا خصوصية المورد. و من هنا يتجه هذا التفصيل في صورة العمد ايضا فنقول بأنه لو قطع الطواف بعد الأشواط الأربعة لم يبطل و لو كان عمدا.

و بالجملة: مقتضى الأخذ بعموم التعليل صحة التفصيل مطلقا حتى في صورة العمد و نقيد بذلك ما ورد في قطع الطواف لصلاة الوتر، المتقدم ذكره في الطائفة الثالثة من الاخبار أو الفريضة المتقدم ذكره في الطائفة الثانية منها- المقتضي بإطلاقه صحة الطواف و لو لم يجاوز النصف، كما يقيد بذلك إطلاق ما دل على بطلان الطواف إذا دخل الكعبة في أثناء الطواف المتقدم ذكره في الطائفة الخامسة منها- المقتضي لعدم الفرق بين التجاوز و عدمه.

و لكن يعارض ذلك ما مر من

حديث «حبيب بن مظاهر» و هو ما عنه قال:

ابتدأت في طواف الفريضة فطفت شوطا واحدا، فإذا إنسان قد أصاب أنفي فأدماه فخرجت فغسلته، ثم جئت فابتدأت الطواف، فذكرت ذلك لأبي عبد اللّه عليه السّلام؟

فقال: بئس ما صنعت، كان ينبغي لك ان تبني على ما طفت، ثم قال: اما انه ليس عليك شي ء «1». و قد رواه الصدوق «رحمه اللّه تعالى» بإسناده عن حماد بن عثمان عن حبيب بن مظاهر و هو صريح في صحة الطواف مع قطعه لغسل أنفه عن الدم مع

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 41 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 367

..........

انه لم يكن آتيا إلا بشوط واحد لكنه ضعيف سندا، فإنه مع قطع النظر عن أصل اسناد الصدوق (رحمه اللّه تعالى) الى حماد نقول: انه ضعيف بحبيب بن مظاهر، فإنه لو كان المراد منه الشهيد بالطف فلا إشكال في وثاقته، لكنه لم يكن في زمان ابي عبد اللّه عليه السّلام و هذا الحديث مروي عنه مع ان الراوي عنه هو حماد و هو كان في زمان ابي عبد اللّه عليه السّلام فلا نعرف ان حبيبا هذا من هو؟؟

الا ان يقال ان المراد من أبي عبد اللّه هذا هو الحسين بن علي عليهما السّلام و المراد من حبيب بن مظاهر هو الشهيد بالطف، و ان حماد بن عثمان في ذلك الزمان كان موجودا و بقي إلى زمان الصادق عليه السّلام فهو من المعمرين، و لكن مع ذلك كله هذا صرف احتمال لا يوجب تصحيح الخبر، فيتعين طرحه لضعف سنده.

هذا كله مع قطع النظر عن الراوي عنه، و اما مع النظر اليه فنقول: ان الراوي عنه و هو حماد

بن عثمان و ان كان من أصحاب الإجماع و قد أجمعوا على عدم احتياج النظر في حال من قبله في السند، و لكن مع ذلك فإن الأصحاب لم يعملوا بمفاده، و كلما ازداد صحة ازداد و هنا، فإعراض الأصحاب عن العمل بمضمونه مانع عن الاعتماد عليه فليس معارضا لعموم التعليل، حتى يخصص به.

هذا و لكن الأخذ بعموم التعليل الوارد في حديثي ابن مسكان و سعيد الأعرج المتقدمين: إشكالان- و هما:

1- ان التعليل الوارد فيهما يكون بالتعبير بقوله عليه السّلام: «لأنها زادت على النصف» و قد بين في محله ان خبر «ان» المفتوحة يؤول إلى المصدر فيكون نظير قولنا: (أكرم زيدا لعلمه) لا نظير قولنا (أكرمه فإنه عالم) فيكون ملاكا لا علة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 368

..........

ان قلت: كما ان العلة أعني بها الموضوع يؤخذ بعمومها، لان الحكم دائر مدارها وجودا و عدما كذلك الملاك الذي هو أم الموضوع، و من الواضح ان موضوعية الموضوع بالملاك و لا يمكن ان يكون الحكم ذا ملاك في بعض افراد الموضوع و بلا ملاك في البعض الآخر.

قلت: نعم لا يمكن كون الحكم بلا ملاك؛ و لكن من الممكن ان يكون الملاك موجودا و الحكم غير موجود، لوجود مانع عنه نظير ان الصلاة لم تكن واجبة في صدر الإسلام مع كون الملاك ثابتا فيها و ذلك لوجود المانع، و هذا بخلاف العلة التي هي الموضوع فلا يمكن انفكاك الحكم عنها وجودا و عدما.

و الوجه في قولنا بتنجّس الماء القليل مع قوله عليه السّلام في حديث عدم انفعال غسالة البول: (أ تدري لم صار: لا بأس، ان الماء أكثر) هو ان قوله عليه السّلام: «لم صار لا بأس» دليل على

ان قوله عليه السّلام: «ان الماء أكثر» بيان للم الحكم و ملاكه فليس هنا مورد الأخذ بعموم التعليل حتى يعارض لما دل على انفعال الماء القليل من مفهوم اخبار عدم تنجس الكر و المرجع حينئذ أصالة الطهارة.

2- انه بعد تسليم عموم التعليل تكون النسبة بينه و بين ما ورد من قطع الطواف لصلاة الوتر أو الفريضة ثم البناء على ما أتى به من الأشواط هي العموم و الخصوص من وجه لكون ذلك مما قبل تجاوز النّصف و بعده، و التعليل أعمّ من كون القطع لمكان درك صلاة الوتر أو خصوص الفريضة أو لعذر آخر، و مادّة الاجتماع هو ما إذا قطع الطّواف قبل التّجاوز عن النصف لصلاة الوتر و الفريضة، و بعد التّساقط يكون المرجع

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 369

..........

أصالة البراءة عن اشتراط الموالاة أو أصالة الاحتياط أو الاخبار العلاجيّة ان قلنا بشمولها للمعارضة بالعموم و الخصوص من وجه فكل على مبناه.

الثاني- انه يمكن تصحيح مرام المشهور بوجه آخر و هو انه قد ورد في اخبار دخول الكعبة في أثناء الطواف- المتقدم ذكره في الطائفة الخامسة من الاخبار:

(خالف السنة فليعد اي طوافه) معناه انه خالف السنّة في عدم إتيانه بشرط صحّة الطّواف- و هو الموالاة- فطوافها باطل، و هذا الإطلاق مقيّد بخصوص صورة التّجاوز عن النصف من جهة الاخبار الواردة في الموارد الخاصة، و لكن قوله عليه السّلام في حديث إسحاق بن عمار الوارد فيمن مرض في أثناء الطّواف المتقدّم ذكره في الطّائفة الثامنة من الأخبار: «و ان كان طاف ثلاثة أشواط و لا يقدر على الطّواف فان هذا من غلب اللّه عليه. إلخ» ليس تعليلا لعدم بطلان طوافه بالقطع، كيف و هو

عليه السّلام يصرح بعد ذلك بلزوم الإعادة، لكونه تعليلا لعدم البأس في قطعه للطواف، فقطع الطواف كان حراما تكليفا ارتفع بطرو المرض، لكونه مما غلب اللّه عليه، و على هذا فمن المحتمل ان يكون ما في اخبار قطع الطواف لدخول الكعبة المتقدمة في الطّائفة الخامسة من قوله عليه السّلام: (خالف السنّة) انه خالف السنّة في انه فعل حراما تكليفيا- و هو قطع الطّواف- فليس قوله عليه السّلام: (خالف السنة) علة للحكم الوضعي بأن يكون معناه:

انه لما خالف السنّة في ترك الشرط- و هو الموالاة- بطل طوافه بل المراد منه مخالفة حكم تكليفي.

و لكن التحقيق خلاف ذلك. لانه قد ذكر في اخبار دخول الكعبة حكمه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 370

..........

عليه السّلام بلزوم اعادة الطواف، و فرعه في بعضها على انه خالف السنة، فالمراد من مخالفة السنة انه لما خالف السنة بترك الشرط- و هو الموالاة- بطل طوافه فهو دليل على اشتراط الموالاة في الطواف. و اما قوله عليه السّلام في حديث إسحاق: (هذا مما غلب اللّه عليه) فيعني به انه جاز له النيابة لأنه مما غلب اللّه عليه، أو يقال جاز له التأخير لكونه مما غلب اللّه عليه فعلى ذلك تدل الأخبار المشتملة على قوله عليه السّلام: «خالف السنة» على اشتراط الموالاة.

و اما اخبار دخول الكعبة- المتقدمة في الطائفة الخامسة من الاخبار و ان كان موردها خصوص من طاف ثلاثة أشواط إلا انه أحد أحاديثه مطلق و لم يقيد بها و لكنه غير معلل بالتعليل المزبور و الاخبار المعللة كلها واردة في خصوص دخول الكعبة بعد الشوط الثالث لا أزيد و قد تقدم ذكرها في الطائفة السادسة من الاخبار لكن لا عبرة بخصوصية المورد

بل العبرة بعمومية التعليل، فالمتجه بمقتضى هذه الاخبار اشتراط الموالاة في جميع الأشواط و عدم خصوصية للاشواط الثلاثة الاولى، و لا لعنوان دخول الكعبة، فعلى ذلك ترك الموالاة- بأي منشأ كان- يبطل الطواف، لكن قد عرفت انه ورد في موارد خاصة الأمر بالبناء على ما اتى به من الأشواط في فرض التجاوز عن النصف و بها نستكشف اعتبار الموالاة في الأشواط الأربعة الأولى دون غيرها فإنه لو كانت الموالاة شرطا لكان قطعه و لو بتلك الأعذار الخاصة مبطلا غاية الأمر ان يرفع ذلك العذر الحرمة التكليفية للقطع بناء على كونه حراما فتنتفي حرمته للمزاحمة مع تكليف أعم.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 371

..........

اللهم الا ان يقال: ان الموالاة شرط من جهة القطع للعذر الكذائي و غير شرط من جهة القطع للعذر الآخر الكذائي، لكن قد يقال ان هذا بعيد عن ذوق الفقاهة و عن فهم العرف.

و بالجملة: مهما رأينا دليلا على عدم مبطلية القطع في مورد خاص دل ذلك على عدم مبطليته مطلقا بلا خصوصية لذلك العذر، و مهما رأينا دليلا على مبطلية القطع في مورد عذر خاص دل ذلك على مبطليته مطلقا بلا خصوصية لذلك العذر.

إذا عرفت ذلك فنقول: ان قوله عليه السّلام: «خالف السنة» في الأخبار الواردة في قطع الطواف لدخول الكعبة و ان كان دالا على اشتراط الموالاة في جميع الأشواط لأن العبرة بعموم التعليل لا خصوصية المورد، لكن يقيّد إطلاقه بالأخبار الواردة في الموارد الخاصة الدالة على عدم اشتراط الموالاة بعد التّجاوز عن النّصف.

و لكن تقع المعارضة بين الاخبار المشتملة على قوله عليه السّلام: «خالف السنة» و الاخبار الدالة بظاهرها على لزوم قطع الطواف لصلاة الوتر أو الفريضة، لعدم اختصاصها بما

بعد تجاوز النصف، لدلالتها بإطلاقها على عدم بطلانه و لو كان بعد تجاوز النصف.

لكن يمكن الجمع بينها بتقريب: ان يقال ان الاخبار المشتملة على قوله عليه السّلام:

«خالف السنة» بعد تخصيصها بالأخبار الواردة في الموارد الخاصة الدالة على عدم اشتراط الموالاة بعد التجاوز عن النصف تختص الحكم فيها بما قبل تجاوز النصف، فتقدم تلك الاخبار على الاخبار الدالة على لزوم قطع الطواف لصلاة الوتر أو

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 372

..........

العريضة بالأخصية.

و لكن هذا جمع بين الاخبار من باب انقلاب النسبة، و الظاهر عدم تماميتها بهذا الشكل، لعدم تمامية شرائط انقلاب النسبة في ما نحن فيه، على ما قرر في محله.

و لكن يمكن الجمع بين الاخبار المزبورة بوجه آخر خال عن هذا الاشكال بتقريب: ان يقال: انه لا حاجة الى ان يخصص الأخبار المتضمنة لقوله عليه السّلام (خالف السنة)، ثم تخصيص الاخبار الواردة في قطع الطواف لصلاة الوتر أو الفريضة بها، بل نقول: ان الاخبار المفصّلة بين تجاوز النصف و عدمه بنفسها تقيّد الأخبار المتضمنة قوله عليه السّالم (خالف السنّة) الدالّة على اشتراط الموالاة في جميع الأشواط مطلقا بلا خصوصية لبعضها بعد ان تم عموم التعليل أو بالبيان الذي تقدم، كما انه تقيد بها الأخبار الدالة على عدم اشتراط الموالاة مطلقا.

و قد تحصل من جميع ما ذكرنا ان الدليل على ما افاده المشهور من التفصيل بين تجاوز النّصف و عدمه في الحكم بالبناء على الأول دون الثّاني، هو نفس الاخبار الواردة المفصّلة في موارد خاصة فيصح التفصيل بين صورة تجاوز النصف و عدمه لأي عذر قطع الطواف.

و لكن مع ذلك كله لا تخلو المسألة من تأمل، لاحتمال الخصوصية في الموارد الخاصة، إلا إذا تم عموم

التعليل المزبور أو دليل معتبر على جواز التعدي.

قد يقال: انه يؤخذ في كل مورد من الموارد الخاصة باخباره و الجمع بينها لو كان هناك معارضة، و الظاهر انه لا معارضة بينها إلا في موردين:

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 373

..........

1- الأخبار الدالة على جواز قطع الطواف لقضاء حاجة المؤمن- و قد تقدم ذكرها في صدر المبحث في الطائفة الأولى- لأنه يعارضها ما رواه ابان بن تغلب عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في رجل طاف شوطا أو شوطين ثم خرج مع رجل في حاجة؟ قال:

ان كان طواف نافلة بنى عليه، و ان كان طواف فريضة لم يبن «1» و مقتضى الجمع بينه و بين الاخبار المتقدمة: هو انه لو قطع طوافه بعد تجاوز الشوطين لم يبطل، و لو قطع قبله يبطل، هذا في الفريضة، و أما في النافلة فلا يشترط فيها ذلك.

2- الأخبار الواردة في الحيض- و قد تقدم ذكرها في الطّائفة التّاسعة- و قد ذكرنا ان الحديث الدّال على عدم اشتراط الموالاة و لو قبل تجاوز النصف مطلق من حيث كون الطواف فريضة أو نافلة فيقيد. هذا و لكن الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» لم يلتزموا به، فلاحظ و تأمل و اللّه الهادي إلى الصواب.

بقي الكلام في أمور: الأول- انه ذهب بعض الى ان عدم بطلان طواف الفريضة بالقطع في أثناء الطواف إذا تجاوز النّصف انما يختصّ بصورة الضّرورة، و لا يتأتى في مطلق العذر، تمسكا بما تقدم عن أبان بن تغلب الذي يفصل فيه بين طواف النّافلة و الفريضة- فمن تفصيله عليه السّلام بين طواف النافلة و الفريضة علم ان صحّة البناء مع القطع لا لضرورة تختصّ بطواف النافلة دون الفريضة و لا

خصوصيّة للشّوط و الشّوطين الّذي تضمّنه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 41 من أبواب الطواف الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 374

..........

حديث ابان بن تغلب.

لكن التحقيق خلافه، لورود هذا الحديث فيما قبل تجاوز النصف و التفصيل فيه بين النافلة و الفريضة في الحكم بالبناء على الأول دون الثاني صحيح، و انما نقول بعدم اشتراط الموالاة في الثلاثة الأخيرة في الفريضة فلا ينافي ما تقدم، و لا دلالة له على خلاف ذلك، و احتمال الخصوصية موجود.

الثاني- هل يكون إبطال الطواف حراما أو لا؟؟ يمكن الاستدلال للأول بوجهين:

الأول- قوله: (الطواف بالبيت صلاة)، بناء على تمامية انجباره بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم».

الثاني- ما دل على حرمة قطع الصلاة، و هو قوله تعالى لٰا تُبْطِلُوا أَعْمٰالَكُمْ لأنه من الأعمال الطواف، ان لم نقل بلزوم تخصيص الأكثر منه لخروج التوصليات و المستحبات و بعض العبادات الواجبة عنه.

و اما ما ورد عن ابن ابي عمير عن محمد بن أبي حمزة عن بعض أصحابنا عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: دع الطواف و أنت تشتهيه «1» فلا عبرة به لإرساله، فعليه لا يمكن إثبات عدم حرمة الإبطال به.

الثالث- انه هل تصح اعادة الطواف في الموارد التي حكم فيها بالبناء على ما اتى به من الأشواط قبل القطع أو لا؟ و يمكن تقريب صحتها بان الأمر بالبناء وارد في

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 375

..........

مقام نفى توهم الحذر، لمكان احتمال مبطلية القطع فلا يدل على الوجوب.

و أما ما ورد في بعض الاخبار المتقدمة من لزوم حفظ المكان إذا وقع القطع في أثناء الشوط ليشرع بعده من ذلك المكان، فلا

يدل على الوجوب ايضا، لاحتمال ان لا يكون ذلك لوجوبه بل لئلا يعسر عليه الأمر بالاحتياط بالشروع من مكان يعلم به حصول تمام الشوط، أو لعله بيان لأحد طرفي التخيير فتأمل.

ان قلت: انه لو أعاد حصلت الزيادة لدخول ما اتى به قبل القطع في الحساب.

قلت: هذا انما يتم بناء على القول بان البناء عزيمة، و اما بناء على القول بأنه رخصة فلا، لكونه مرخصا بين ان يحسب أول طوافه ما مضى من الأشواط فيتمه، أو يحسب من أول الشروع فيه بعد القطع و لا يحسب ما مضى فيأتي بسبعة أشواط، فلا زيادة في البين فعليه ما ذكر: (بأنه لو أعاد حصلت الزيادة) أول الكلام.

إلا ان يقال: ان ظاهر الأدلة هو وجوب البناء لا الإعادة فالمأمور به هو البناء من مكان القطع، فلو خالف ذلك بالإعادة لم يأت بالمأمور به على وجهه فلم يعلم انطباق المأتي به على المأمور به فلا يحصل القطع بفراغ الذمة، فعليه يكون البناء على مكان القطع عزيميا لا ترخيصيا من حيث النتيجة.

الرابع- انه لو نسي مكان القطع فيما إذا قطع الطواف في أثناء الشوط فيمكن ان يقال: ان أمر الاحتياط يدور بين محذورين لمكان احتمال الزيادة و احتمال النقيصة و كلاهما مضران بالطواف.

اللهم الا ان يقال: ان احتمال الزيادة لا بأس به في الطواف؛ كما ان ذلك لا بأس

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 376

و كذا من قطع طواف الفريضة لدخول البيت أو بالسعي في حاجته و كذا لو مرض في أثناء طوافه و لو استمر مرضه بحيث لا يمكن ان يطاف به طيف عنه و كذا لو أحدث في طواف الفريضة (1)

به في الصلاة- كما لو شك في المحل

في الركوع، و من الواضح ان عليه الإتيان به مع ان هناك ايضا يحصل احتمال الزيادة كما يحصل بتركه احتمال النقيصة، و زيادة الركوع و نقيصته كلاهما يبطلان الصلاة، و لكن مع ذلك لا يعتنى باحتمال الزيادة هناك فكذلك فيما نحن فيه.

و لكن ظاهر ما دل على وجوب حفظ مكان القطع خلافه، لانه لو كان الأمر كذلك، فلما ذا أمر الإمام عليه السّلام بحفظ مكان القطع فإنه لو لم يكن احتمال الزيادة مضرا لكان له ان لا يحفظ مكان القطع ثم يبدأ من مكان يقطع بعدم النقيصة و لكنه لا يخلو من تأمل.

(1) ما افاده المصنف «قدّس سرّه» من ثبوت التفصيل المتقدم و هو تجاوز النصف و عدمه في الحكم بالبناء و التتميم على الأول دون الثاني فيما إذا قطع طوافه الفريضة لدخول البيت أو بالسعي في حاجته أو للمرض و الحدث مما هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و قد تقدم ذكر الأخبار الواردة في خصوص ما إذا دخل البيت في أثناء طوافه و ما إذا قطعه للسعي في حاجته و للحدث و مقتضى الجمع بين الاخبار و دليل المشهور في صدر المبحث فراجعه.

و أما ما أفاده «قدّس سرّه» بقوله: (و لو استمر مرضه بحيث لا يمكن ان يطاف به طيف عنه) فهو المعروف بين الأصحاب فإذا لا يمكن ان يطاف به طيف عنه كلا أو

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 377

..........

بعضا على التفصيل المزبور.

و استدل لذلك في الجواهر بخبر يونس عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: انه سقط من جمله فلا يستمسك بطنه أطوف عنه و أسعى؟ قال: لا و لكن دعه فإن ترى؟؟؟ قضى هو و الا فاقض

أنت عنه «1» و صحيح يحيى الخثعمي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان يطاف عن المبطون و الكسير «الكبير خ ل» «2».

و أما غير المتمكن من المباشرة- للمرض و الكبر- فهل يطاف به، أو عنه، أو التخيير أو يجب الاحتياط بالجمع؟؟

و قد اختلفت الاخبار في ذلك فبعضها صريح في انه لا يطاف عنه، بل يطاف به و هو: ما رواه حريز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: المريض المغمى عليه يرمى عنه و يطاف به «3» و ما رواه حريز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يطاف به و يرمى عنه؟ قال: فقال: نعم إذا كان لا يستطيع «4» و ما عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السّلام «في حديث» قال: قلت: المريض المغلوب يطاف عنه؟ قال: لا، و لكن يطاف به «5» و ما رواه إسحاق بن عمار قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السّلام عن المريض يطاف عنه بالكعبة؟ قال: لا، و لكن يطاف به «6». و ما رواه الربيع بن خيثم قال: شهدت أبا عبد اللّه عليه السّلام و هو يطاف به حول الكعبة في محمل و هو شديد

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 45 من أبواب الطواف الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 49 من أبواب الطواف الحديث 5

(3) الوسائل ج 2 الباب 47 من أبواب الطواف الحديث 1

(4) الوسائل ج 2 الباب 47 من أبواب الطواف الحديث 3

(5) الوسائل ج 2 الباب 47 من أبواب الطواف الحديث 5

(6) الوسائل ج 2 الباب 47 من أبواب الطواف الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 378

..........

المرض، فكان كل ما بلغ الركن اليماني أمرهم فوضعوه بالأرض فأخرج «فأدخل خ ل» يده من «في» كوة المحمل حتى يجرها على الأرض، ثم يقول: ارفعوني فلما فعل ذلك مرارا في كل شوط قلت له: جعلت فداك يا بن رسول اللّه: ان هذا يشق عليك فقال: اني سمعت اللّه عز و جل يقول لِيَشْهَدُوا مَنٰافِعَ لَهُمْ، فقلت: منافع الدنيا أو منافع الآخرة؟ فقال: الكل «1».

و بعضها الآخر ظاهر في انه يطاف عنه كحديث معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام انه قال: و الكسير يطاف عنهما و يرمى عنهما «2» و عن حبيب الخثعمي عن ابى عبد اللّه قال:

أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان يطاف عن المبطون و الكسير «الكبير خ ل» «3» و ما رواه معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: الكسير يحمل فيطاف به و المبطون يرمى و يطاف عنه و يصلى عنه «4» و ما في خبر يونس المتقدم الى غير ذلك من الاخبار المأثورة عنهم عليهم السّلام فيقع التعارض بينهما دلالة الاولى من الاخبار على انه لا يطاف عنه بل يطاف به و دلالة الثانية على انه يطاف عنه، و لا يمكن الجمع بينهما بتقييد إطلاق كل منهما بالآخر لينتج التّخيير، لان قوله عليه السّلام في بعض أخبار الطائفة الأولى:

«لا و لكن يطاف به» صريح في عدم جواز الطواف عنه، فلا بد من تقييد إطلاق الطّائفة الثّانية الدّالة على انه يطاف عنه، بان يقال: انه مع التمكن يطاف به، و الا- كما إذا كان مرضه بحيث لا يمكن ان يطاف به- يطاف عنه.

هذا كله مع الغضّ عما رواه حريز انه روى عن

ابى عبد اللّه عليه السّلام: رخصة في

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 47 من أبواب الطواف الحديث 8

(2) الوسائل ج 2 الباب 49 من أبواب الطواف الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 49 من أبواب الطواف الحديث 5

(4) الوسائل ج 2 الباب 49 من أبواب الطواف الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 379

..........

ان يطاف عن المريض و عن المغمى عليه و يرمى عنه «1» و مع الإغماض أيضا عن سنده نعم إذا كان مرضه بحيث لا يعقل يحكم فيه بالتخيير، و استدل لذلك بحديث معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا كانت المرأة مريضة لا تعقل فليحرم عنها و يبقى عليها ما تبقى على المحرم و يطاف بها أو يطاف عنها أو يرمي عنها «2».

و لكن لا يمكن جعل هذا الحديث شاهدا للجمع بينهما بالقول بالتخيير مطلقا.

ثم انه قد يقال بوجوب خط الأرض برجليه إذا كان يطاف به، و يمكن الاستدلال له بما رواه صفوان بن يحيى قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل المريض يقدم مكة، فلا يستطيع ان يطوف بالبيت و لا بين الصفا و المروة؟ قال: يطاف به محمولا يخط الأرض برجليه حتى تمسّ الأرض قدميه في الطواف، ثم يوقف به في أصل الصفا و المروة إذا كان معتلّا «3» و ما رواه أبو بصير ان أبا عبد اللّه عليه السّلام مرض فأمر غلمانه ان يحملوه و يطوفوا به، فأمرهم أن يخطوا برجليه الأرض حتى تمس الأرض قدماه في الطواف «4».

لكن التحقيق: انه غير واجب مع التّمكن، لكونه مستحبا كيف و يكون ذلك واجبا مع عدم وجوب ذلك على الصحيح، لجواز الركوب له في حال الطواف.

مضافا

الى ان أعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» عن العمل بظاهره مانع عن الاعتماد عليه.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 49 من أبواب الطواف الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 47 من أبواب الطواف الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 47 من أبواب الطواف الحديث 2

(4) الوسائل ج 2 الباب 47 من أبواب الطواف الحديث 10

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 380

و لو دخل في السعي فذكر انه لم يتم طوافه رجع فأتم طوافه ان كان تجاوز النصف ثم تمم السعي (1)

ثم انه لا يخفى ان غير المتمكن من المباشرة هل يجوز له المبادرة إلى النيابة أو يتعين عليه الصبر الى زمان اليأس أو ضيق الوقت الذي هو عبارة عن ذي الحجة؟؟.

مقتضى القاعدة هو الثاني، لما حقّق في محلّه ان الواجب هو صرف الوجود من العمل في الخارج، و الموضوع هو صرف الوجود من الوقت.

و أما ما في حديث إسحاق بن عمار المتقدم من الصبر يوما و يومين فإنما هو من باب المثال، لكي يعلم الحال به و ليس له موضوعية.

(1) قال في الجواهر عند شرح كلام المصنف: (تجاوز نصفه أولا.)

تحقيق الكلام ان التّفصيل بين صورة تجاوز النّصف و عدمه انما يتم في الطّواف فان كان جاوز النصف صح طوافه و سعيه و أتم الأول ثم الثاني، و إلا استأنفهما، و أما بالنسبة إلى السعي فلا تفصيل في البين. و يمكن ان يقال ان مقتضى إطلاق موثقة إسحاق بن عمار عدم التفصيل المزبور بالنسبة إلى الطواف في مفروض المقام ايضا، و لا بأس بذكره، و هو ما عنه قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: عن رجل طاف بالبيت ثم خرج الى الصفا فطاف به، ثم

ذكر انه قد بقي عليه من طوافه شي ء، فأمره ان يرجع الى البيت فيتم ما بقي من طوافه ثم يرجع الى الصفا فيتم ما بقي، قال: فإنه طاف بالصفا و ترك البيت؟ قال: يرجع الى البيت فيطوف به ثم يستقبل طواف الصفا قال:

فما الفرق بين هذين؟ فقال: لانه دخل في شي ء من الطواف، و هذا لم يدخل في

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 381

..........

شي ء منه «1».

هذا و يمكن ان يقال انه لا يدل على خلاف التفصيل من حيث الطواف و ذلك باعتبار ما تضمنه السؤال من قوله: «بقي عليه من طوافه شي ء» بتقريب: ان لفظ «شي ء» ظاهر في مقدار قليل فالمستفاد منه هو ما بعد النصف ان لم نقل انه ينافي ذلك كلمة «شي ء» الموجود في الجواب ايضا و لكنه ينافيه.

و لا يصح ان يقال: ان المراد من كلمة «شي ء» السدس بان يكون المعنى بقي السدس من الطواف، و ان ورد في الوصية بإعطاء شي ء في الخير: انه يعطي السدس لكنه تعبد في مورد خاص و لا مجال للتعدي عن المورد.

و لكن نسخ هذا الحديث مختلفة، ففي بعض النسخ- كالجواهر و التهذيب- كلمة «شي ء» موجودة في السؤال و لكن في بعض النسخ- كالمكافي و الوسائل- فلا.

هذا و مقتضى إطلاق الجواب بل ظهور كلمة «شي ء» في القليل كفاية الدخول في شي ء قليل من الطواف في صحة السعي عدم لزوم اعادة الطواف و لا إعادة السعي بناء على النسخة الأولى.

اللّهم إلا ان يقال: ان تخيل تماميّة الطواف مع عدم إتيانه إلا بمقدار قليل منه بعيد جدا، فالمراد انه اتى بمقدار كثير منه حتى يقع الاشتباه و يتخيل تمامية هذا.

و لكن التحقيق: انه لا عبرة بهذا الاستبعاد،

فان لقوله عليه السّلام: «دخل في شي ء

______________________________

(1) ذكر في الجواهر في مبحث الطواف و في الوسائل بتغيير يسير في الجزء الثاني في الباب 63 من أبواب الطواف الحديث 3.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 382

..........

من الطواف» ظهور في مقدار قليل.

هذا و يمكن ان يقال: ان الاخبار الدالة على التفصيل في صحة الطواف و بطلانه مع وصول القطع بين تجاوز النصف و عدمه حاكمة على هذا الحديث بتقريب: انه دال على انه لو أتى من الطواف ثم دخل في السعي قبل تمامه نسيانا صح سعيه، و لكن الأخبار السابقة تنفي صحة الطواف مع حصول القطع قبل تجاوزه عن النصف فهي تحكم بأنه لم يأت بشي ء من الطواف فهي رافعة لموضوع هذا الحديث حتى على القول بان الطواف و نحوه أسامي للأعم دون الصحيح فإن الأثر ليس إلا للصحيح و الطواف الباطل ليس له أثر.

ثم لو سلم إطلاقه فالأخبار المتقدمة مقيدة له بصورة التجاوز.

هذا و لكن التحقيق: انه لا بد من الأخذ بظاهره و ظاهر قوله: عليه السّلام: «دخل في شي ء من الطواف» هو الشي ء القليل، فلا بد من القول بكفايته في صحة السعي و لا يبطل طوافه بهذا القطع.

و أما الاخبار المتقدمة- الدّالة على التّفصيل بين تجاوز النّصف و عدمه- فيمكن ان يقال: انه لم يكن في شي ء منها واردا في صورة النّسيان فإنما الثّابت هو اشتراط الموالاة في الأربعة الأولى في صورة العمد و كثير ما يكون بعض الشروط ذكريا، فعليه لا معارضة بينه و بينها.

و الحاصل: انه يمكن ان يقال: انما دلّ الدليل على مبطليّة قطع الطواف مع عدم تجاوزه عن النّصف في صورة العمد و أما في صورة النّسيان فلا دليل على

اشتراطها

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 383

..........

فيها. مضافا الى حديث: (رفع النّسيان) بناء على عدم اختصاصه بالتكليفيّات و القول بشموله للوضعيّات بان يقال: انه يرفع مثل الشرطيّة و الجزئيّة أيضا برفع منشأه.

ينبغي هنا بيان أمور: الأول- انه كما يقال باختصاص اشتراط الموالاة بالأربعة الاولى من الأشواط بصورة العمد، دون النسيان، كذلك نقول: ان قوله عليه السّلام: (خالف السنة) يختص بصورة العمد و لا يشمل النسيان لعدم صدق عنوان (خالفها) فيه.

الثاني- ان الاخبار الدّالة على عدم اشتراط الموالاة بعد تجاوزه النّصف انما وردت في موارد قطع الطواف لعذر، فعليه إذا قطعه لعذر يحكم بصحة طوافه، و أما إذا قطعه بلا عذر فلا، لكونه داخلا في إطلاق قوله عليه السّلام: (خالف السنة) و لا مقيّد له و يحكم ببطلانه حتى لو قطعه بلا عذر في الثّلاثة الأخيرة هذا مع الغضّ عما تقدّم:

الثالث- ان مطلق طرو العذر مسقط لاشتراط الموالاة في الثّلاثة الأخيرة بلا تخصيص فيه.

(بقي هنا شي ء) انه قد عرفت التّفصيل بين التّجاوز عن النّصف و عدمه في الحكم بالبناء على الأول دون الثاني، انما الكلام في ان العبرة هي الإتيان بثلاثة أشواط و نصف بحيث لو أتى بها لم يشترط بعد الموالاة، أو العبرة بتماميّة أربعة أشواط؟؟ و قد وقع الخلاف في ذلك بين الاخبار.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 384

[و النّدب]

و النّدب خمسة عشر الوقوف عند الحجر، و حمد اللّه و الثّناء عليه، و الصلاة على النّبي و آله، و رفع اليدين بالدعاء، و استلام الحجر [1] على الأصح و تقبيله، فان لم يقدر فبيده، و لو كانت مقطوعة استلم بموضع القطع، و لو لم يكن له يد اقتصر على الإشارة، و ان يقول:

هذه أمانتي أديتها، و ميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة، اللّهم تصديقا بكتابك.

الى آخر الدعاء (1)

يمكن اجمع بينها بان يقال: ان المراد بالتجاوز عن النصف هو وصوله في طوافه الى قريب من الأربعة، و يطلق عليه حينئذ الأربعة، للإتيان بمعظمها، فيصدق عليه انه اتى بأربعة أشواط، و فيه: ما لا يخفى، لعدم الشاهد له فلا يصار اليه.

و التحقيق: ان مقتضى الجمع بينها ان يقال: ان ما دل على التّجاوز عن النّصف مطلق يشمل صورة التجاوز عنه بنصف شوط فيتم الأربعة أو أقل منه و ما دل على اعتبار تمامية الأربعة- بناء على تماميّتها- مقيد به. فلا معارضة بين الاخبار.

مندوبات الطواف

(1) أما مندوبات الطواف فكثير مستفاد من الاخبار الآتية، و لكن ذكر

______________________________

[1] استلام الحجر- كما عن العين و غيره- تناوله باليد أو القبلة قال الجوهري:

(و لا يهمز، لأنه مأخوذ من السلم و هو الحجر، كما تقول: استنوق الجمل و بعضهم يهمزه. و عن الزمخشري و نظيره استهم القوم إذا أجالوا السهام، و اهتجم الحالب إذا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 385

..........

المصنف «قدس سره» منها خمسة عشر و قد عرفت بعضها عند كلام المصنف المتقدم و ستعرف بعض الآخر منها عند كلامه الآتي، و كيف كان فيدل على ما ذكر صحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا دنوت من الحجر الأسود فارفع يديك و احمد اللّه تعالى و أثن عليه، و صل على النبي صلّى اللّه عليه و آله و اسأل اللّه ان يتقبل منك ثم

______________________________

حلب في الهجم و هو القدح الضخم قيل و أقرب من ذلك اكتحلت و ادهنت إذا تناول الكحل و الدهن و أصاب منهما. و لكن فيه

انه لا يوافق ما في النّص و الفتوى من التعبير باستلام الحجر و نحوه مما يقتضي عدم ارادة السّلام منه بمعنى الحجر و ربما يعطى كلام بعض ان التمسح بالوجه و الصدر و البطن و غيرها استلام. و عن الخلاص: انه التقبيل و عن ابن سيدة: استلم الحجر و استلمه قبله أو اعتنقه و ليس أصله الهمزة و عن ابن السكيت: همزته العرب على غير قياس، لانه من السّلام و هي الحجارة. و عن تغلب أنه بالهمزة من اللامة اي الدرع بمعنى اتخاذه جنة و سلاحا و عن ابن الأعرابي: ان الأصل الهمز و انه من الملئمة و هي الاجتماع. و عن الأزهري: أنه افتعال من السّلام و هو التحية و استلأمه لمسه باليد تحريا، لقبول السّلام منه تبركا به قال و هذا كما يقال اقترأت منه السّلام قال: و قد املى على أعرابي كتابا الى بعض أهاليه فقال في آخره اقترئ منّي السّلام قال: و مما يدلك على صحة هذا القول ان أهل اليمن يسمّون الرّكن الأسود المحيى معناه ان الناس يحيّونه بالسّلم و عن بعض: انه مأخوذ من السّلام بمعنى أنه يحيّي نفسه عن الحجر إذ ليس الحجر ممن يحيّئه كما يقال اختدم إذا لم يكن له خادم و انما خدم نفسه.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 386

..........

استلم الحجر و قبله، فان لم تستطع ان تقبله فاستلمه بيدك فان لم تستطع ان تستلمه بيدك فأشر اليه و قل: «اللّهم أمانتي أديتها و ميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة، اللّهم تصديقا بكتابك، و على سنّة نبيك، اشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، و ان محمدا عبده و رسوله، آمنت باللّه و

كفرت بالجبت و الطّاغوت و باللّات و العزّى، و عبادة الشيطان، و عبادة كل ندّ يدعي من دون اللّه»، فان لم تستطع ان تقول هذا كله فبعضه و قل: «اللّهم إليك بسطت يدي و فيما عندك عظمت رغبتي فاقبل مسحتي «مسبحتي خ ل» و اغفر لي و ارحمني، اللّهم إني أعوذ بك من الكفر و الفقر و مواقف الخزي في الدّنيا و الآخرة «1».

و لكن لا يخفى ان ظاهر إطلاق الأوامر الواردة فيه هو كونه بداعي الجدّ، إلا ان تسالم الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» على عدم الوجوب قرينة على رفع اليد عن هذا الظّهور و اما الاستحباب فلا وجه لرفع اليد عنه.

ينبغي هنا بيان ان من المستحبات: تقبيل الحجر و استلامه على ما قال به الأصحاب، و تبعهم المصنّف «قدّس سرّه» خلافا لسلّار، قيل: و هو الّذي أشار إليه المصنّف بقوله: «على الأصح» فأوجبه في المراسم، و لكن الموجود في المراسم- على ما أفاده صاحب الجواهر- وجوب لثم الحجر، و كيف كان فظاهر الأمر الوارد بالنسبة إليه هو الوجوب. مضافا الى ما في صحيح معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل حجّ و لم يستلم الحجر؟ فقال: هو من السّنة فان لم يقدر: «عليه»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 387

و ان يكون في طوافه داعيا ذاكر اللّه سبحانه و تعالى (1)

فاللّه أولى بالعذر «1» بناء على ارادة التّقبيل من الاستلام. و أما قوله عليه السّلام: (هو من السنة) فليس معناه انه مستحب، بل المراد منه انه ثبت بالسنة، و قوله عليه السّلام: (فان لم يقدر فاللّه اولى بالعذر)

دليل على الوجوب ايضا، و لا ينبغي عد هذا الحديث دليلا على الاستحباب و قرينة لصرف ظاهر الأمر المتقدم في الوجوب فإنه ان لم يكن شاهدا عليهم لم يكن شاهدا لهم و لكن مع ذلك كله ان تسالم الأصحاب على خلافه مانع عن الاعتماد عليه، فتدبر.

(1) ما افاده المصنّف «قدس سره» من استحباب كونه في طوافه داعيا ذاكرا للّه سبحانه و تعالى فمما لا ينبغي الإشكال فيه و استدل عليه بجملة من النصوص- منها:

1- صحيح معاوية بن عمّار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: طف بالبيت سبعة أشواط، و تقول في الطواف: «اللهم إني أسألك باسمك الّذي يمشى به على ظلل الماء كما يمشى به على جدد الأرض، و أسئلك باسمك الذي يهتز له عرشك، و أسئلك باسمك الذي تهتز له أقدام ملائكتك، و أسألك باسمك الذي دعاك به موسى من جانب الطور فاستجبت له و ألقيت عليه محبّة منك، و أسئلك باسمك الذي غفرت به لمحمد صلّى اللّه عليه و آله ما تقدم من ذنبه و ما تأخر، و أتممت عليه نعمتك ان تفعل بي كذا و كذا ما أجبت من الدعاء» و كلما انتهيت الى باب الكعبة فصل على النبي صلّى اللّه عليه و آله و تقول فيما بين الرّكن اليماني و الحجر الأسود «رَبَّنٰا آتِنٰا فِي الدُّنْيٰا حَسَنَةً، وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَ قِنٰا عَذٰابَ النّٰارِ» و قل في الطواف: «اللّهم إني إليك فقير و انى خائف مستجير، فلا

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 388

..........

تغير جسمي و لا تبدل اسمي» «1».

2- ما رواه عبد اللّه بن مسكان عن أيوب أخي

أديم عن الشّيخ يعنى موسى ابن جعفر عليه السّلام قال: قال لي: كان ابى إذا استقبل الميزاب، قال: «اللّهم أعتق رقبتي من النّار، و أوسع عليّ من رزقك الحلال، و ادرأ عنّي شرّ فسقة الجنّ و الانس و أدخلني الجنّة برحمتك «2».

3- خبر ابى مريم قال: كنت مع ابى جعفر عليه السّلام أطوف و كان لا يمر في طواف من طوافه بالركن اليماني إلا استلمه، ثم يقول: «اللهم تب علي حتى أتوب «لا أعصيك خ ل» و اعصمني حتى لا أعود» «3».

4- خبر عمرو بن عاصم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: كان علي بن الحسين إذا بلغ الحجر قبل ان يبلغ الميزاب يرفع رأسه، يقول: «اللهم أدخلني الجنة برحمتك و هو ينظر الى الميزاب و أجرني برحمتك، و عافني من السّقم و أوسع علي من الرّزق الحلال، و ادرأ عنّي شر فسفة الجنّ و الانس و شرّ فسقة العرب و العجم «4» الى غير ذلك من الاخبار المأثورة عنهم عليهم السّلام، و لكن لا دلالة في شي ء منها على ما افاده المصنف «قدّس سرّه» من استحباب كونه في تمام الطواف واجبه و مندوبة ذاكرا للّه سبحانه و ان كان يشهد له الاعتبار و العمومات و كون الطواف كالصلاة.

و اما خبر محمد بن فضيل عن محمد بن علي الرضا عليه السّلام قال: طواف الفريضة لا ينبغي ان يتكلم فيه إلا بالدعاء و ذكر اللّه تعالى و تلاوة القرآن و النافلة يلقي الرجل

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب الطواف الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب الطواف الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب الطواف الحديث 4

(4) الوسائل

ج 2 الباب 2 من أبواب الطواف الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 389

على سكينة و وقار مقتصدا في مشيه (1)

أخاه فيسلم عليه و يحدثه بالشي ء من أمر الدنيا و الآخرة لا بأس به «1» و ما رواه أيوب أخي أديم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: القراءة و انا أطوف أفضل أو اذكر اللّه تبارك و تعالى؟ قال: القراءة. إلخ «2» فقال في الجواهر و فيه رد على مالك المحكي عنه القول بكراهة القراءة، و في مرسل حماد بن عيسى عن العبد الصالح قال: دخلت عليه يوما و انا أريد أن أسأله عن مسائل كثيرة، فلما رأيته عظم علي كلامه، فقلت له:

ناولني يدك أو رجلك أقبلها فناولني يده فقبلتها، فذكرت قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فدمعت عيناي فلما رآني مطأطأ رأسي قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما من طائف يطوف بهذا البيت حين تزول الشمس حاسرا عن رأسه حافيا يقارب بين خطاه و يغض بصره و يستلم الحجر في كل طواف من غير ان يؤذي أحدا، و لا يقطع ذكر اللّه عن لسانه إلا كتب اللّه له بكل خطوة سبعين ألف حسنة، و محي عنه سبعين ألف سيئة، و رفع له سبعين ألف درجة، و أعتق عنه سبعين ألف رقبة ثمن كل رقبة عشرة آلاف درهم، و شفع في سبعين الف من أهل بيته و قضيت له سبعون ألف حاجة ان شاء فعاجله و ان شاء فآجله «3» و فيه ما لا يخفى و لكن الأمر فيه سهل، لان ذكر اللّه تعالى حسن على كل حال خصوصا في هذا الحال.

(1) استحباب كونه في حال الطواف

على سكينة و وقار مقتصدا في مشيه تمام

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 54 من أبواب الطواف الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 55 من أبواب الطواف الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 390

و قيل يرمل [1] ثلاثا و يمشي أربعا (1)

الطواف لا مسرعا فقد ذهب إليه جماعة من الأصحاب «رضوان ان تعالى عليهم» بل في المدارك نسبته الى أكثر الأصحاب، و في غيرها الى المشهور لمناسبة الخضوع و الخشوع، و يدل عليه خبر عبد الرحمن بن سيابة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الطواف فقلت: أسرع و أكثر أو أبطئ قال: امش بين مشيين «1» و في المرسل قال:

رأيت علي بن الحسين عليهما السّلام يمشي و لا يرمل «2».

(1) و القائل ابن حمزة- على ما حكى عنه- و خاصة في طواف الزيارة و حكى عن الشيخ في المبسوط ذلك أيضا في طواف القدوم خاصة قال اقتداء بالنبي صلّى اللّه عليه و آله لانه

______________________________

[1] و المراد بالرمل: الهرولة- على ما في القاموس- و اليه يرجع ما عن المفصل من انه العدو، و ما عن الديوان من انه ضرب منه.

و عن الأزهري: «يقال: رمل الرجل يرمل رملانا: إذا أسرع في مشيه و هو في ذلك يتروا» و عن النووي: «الرمل- بفتح الراء و الميم- إسراع المشي مع تقارب الخطاء و لا يثب و ثوبا».

و في الدروس: «انه الإسراع في المشي مع تقارب الخطاء دون الوثوب و العدو يسمى الخبب و الجميع متقارب».

لكن في الصحاح و عن العين و غيرهما: انه بين المشي و العدو» و هو مناف لما سمعت حتى النصوص».

______________________________

(1) الوسائل

ج 2 الباب 29 من أبواب الطواف الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 29 من أبواب الطواف الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 391

..........

كذلك فعل رواه جعفر بن محمد عن جابر، و عن التحرير و القواعد اختياره و لعل الوجه فيه خبر ثعلبة عن زرارة أو محمد الطيّار «بن مسلم خ ل» قال: سئلت أبا جعفر عليه السّلام عن الطواف أ يرمل فيه الرّجل؟ فقال: ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لما ان قدم مكة و كان بينه و بين المشركين الكتاب الذي قد علمتم: أمر الناس ان يتجلّدوا و قال:

أخرجوا أعضادكم، و اخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، ثم رمل بالبيت ليريهم انهم لم يصبهم جهد، فمن أجل ذلك يرمل الناس و اني لا مشي مشيا، و قد كان علي بن الحسين عليهما السّلام يمشى مشيا «1» و خبر يعقوب الأحمر قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لما كان غزاة الحديبية و ادع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أهل مكة ثلاثة سنين، ثم دخل فقضى نسكه، فمرّ رسول صلّى اللّه عليه و آله بنفر من أصحابه جلوس في فناء الكعبة، فقال: هو ذا قومكم على رؤوس الجبال لا يرونكم فيروا فيكم ضعفا، قال: فقاموا فشدّوا أزرهم و شدّوا أيديهم على أوساطهم ثم رملوا «2».

و لكن لا دلالة لهما لما نحن بصدده، بل في المحكي عن نوادر ابن عيسى عن أبيه- على ما ذكره في الجواهر- انه سئل ابن عباس فقيل له: ان قوما يرون ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمر بالرمل حول الكعبة؟ فقال: كذبوا و صدقوا، فقلت، و كيف ذلك؟ فقال: ان

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دخل مكة في عمرة القضا و أهلها مشركون و بلغهم ان أصحاب محمد صلّى اللّه عليه و آله مجهودون، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: رحم اللّه امرء أراهم من نفسه جلدا. فأمرهم فخسروا عن أعضادهم، و رملوا بالبيت ثلاثة أشواط و رسول اللّه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 29 من أبواب الطواف الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 29 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 392

..........

صلّى اللّه عليه و آله على ناقته و عبد اللّه بن رواحة أخذ بزمامها و المشركون بحيال الميزاب ينظرون إليهم ثم حج رسول اللّه بعد ذلك فلم يرمل و لم يأمرهم بذلك فصدقوا في ذلك و كذبوا في هذه «1».

كل ذلك مضافا الى ما عن المنتهى من نسبته الى اتفاق العامّة الذين جعل الرّشد في خلافهم خصوصا هنا، لأنهم استندوا في ذلك الى ما رووه من ان النّبي صلّى اللّه عليه و آله لما قدم مكة قال المشركون انه يقدم عليكم قوم نهكتهم الحمى و لقوا منها شرّا فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان يرملوا الأشواط الثّلاثة و ان يمشوا بين الركنين فلما رأوهم قالوا:

ما فريهم الا كالغزلان و أنت ترى انه لا دلالة فيه على الاستحباب مطلقا، و على كل حال فلا خلاف في عدم لزوم شي ء من الطريقين، للأصل و خبر سعيد الأعرج انه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المسرع و المبطئ في الطواف؟ فقال: كل واسع ما لم يؤذ أحدا.

ينبغي هنا الإشارة إلى أمور: الأول- ان الرمل على تقدير استحبابه فهو مختص للرجال، و أما النساء فلا يستحب

ذلك في حقّهن، كما عن المنتهى.

الثاني- ان الظاهر من طواف القدوم- في عبارة الشيخ- هو الذي يفعل الإنسان أول ما يقدم مكة واجبا أو ندبا في نسك أو لا كان عليه سعى أو لا، فلا رمل في طواف النساء و الوداع و طواف الحج ان كان قدم مكة قبل الوقوف الا ان يقدمه عليه.

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 4، ص: 392

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 29 من أبواب الطواف الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 393

و ان يقول: «اللّهم إني أسألك باسمك الذي يمشي به على ظلل الماء الى آخر الدعاء. (1) و ان يلتزم المستجار في الشوط السابع و يبسط يديه على الحائط و يلصق به بطنه و خده و يدعو بالدعاء المأثور (2)

الثالث- انه لا فرق بين أركان البيت و ما بينها في استحباب الرمل و عدمه، لعدم دليل على تخصيص.

الرابع- ان المشهور استحباب المشي في الطواف، و لعله لأنه أنسب بالخضوع و الاستكانة و أبعد من إيذاء الناس، و لانه المعهود من النبي صلّى اللّه عليه و آله و الصحابة و التابعين و ليس بواجب للأصل و ثبوت ركوبه صلّى اللّه عليه و آله من دون عذر خلافا لما هو المحكي عن ابن زهرة فأوجبه اختيارا حاكيا عليه الإجماع و يمكن الاستدلال عليه بتشبيه الطواف بالصلاة التي لا يجوز الركوب اختيارا في الواجب منها و لكن فيه و في دعوى الإجماع ما لا يخفى، نعم عن الخلاف: (لا خلاف عندنا في كراهة الركوب اختيارا). و فيه ايضا ما لا يخفى بعد فعل النبي صلّى

اللّه عليه و آله به.

(1) لصحيح معاوية بن عمار المتقدم في صدر المبحث.

(2) استدل بخبر معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: ثم تطوف بالبيت سبعة أشواط. الى ان قال: فإذا انتهيت إلى مؤخر الكعبة و هو المستجار دون الركن اليماني بقليل في الشوط السابع فابسط يديك على الأرض و ألصق خدك و بطنك بالبيت، ثم قل: «البيت بيتك، و العبد عبدك، و هذا مكان العائذ بك من النار» ثم أقر لربك بما عملت من الذنوب، فإنه ليس عبد مؤمن يقر لربه بذنوبه في هذا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 394

و لو جاوز المستجار الى الركن اليماني لم يرجع (1) و ان يلتزم الأركان كلها (2)

المكان الا غفر له ان شاء اللّه، فإن أبا عبد اللّه عليه السّلام قال لغلمانه: أميطوا عني حتى أقر لربي بما عملت، و يقول: «اللهم من قبلك الروح و الفرج و العافية. اللهم ان عملي ضعيف فضاعفه لي، و اغفر لي ما اطلعت عليه منى و خفي على خلقك» و تستجير من النار، و تتخير لنفسك من الدعاء، ثم استقبل الركن اليماني و الركن الذي فيه الحجر الأسود و اختم به، فان لم تستطع فلا يضرك، و تقول: «اللهم متعني بما رزقتني و بارك لي فيما أتيتني» «1» و لعله اليه يرجع خبره الآخر عنه أيضا إذا فرغت من طوافك و بلغت مؤخر الكعبة و هو بحذاء المستجار دون الركن اليماني بقليل فابسط يدك على البيت و ألصق بدنك «بطنك خ ل» و خدك بالبيت و قل: «اللهم.» «2»

الى آخر الدعاء المزبور بناء على ارادة القرب من الفراغ من قوله: «فرغت و هو في الشوط السابع»

و على ارادة المستجار نفسه من الحذاء به.

(1) و استدل له بان فيه محذور زيادة الطواف و لصحيح ابن يقطين عن ابي الحسن عليه السّلام قال: سألته عمن نسي أن يلتزم في آخر طوافه حتى جاز الركن اليماني أ يصلح ان يلتزم بين الركن اليماني و بين الحجر أو يدع ذلك؟ قال: يترك اللزوم «الملتزم خ ل» و يمضي و عمن قرن عشرة أسباع أو أكثر أو أقل إله أن يلتزم في آخرها التزاما واحدا؟ قال: لا أحب ذلك «3».

(2) و استدل لذلك بصحيح جميل بن صالح «في حديث» انه رأى أبا عبد

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 26 من أبواب الطواف الحديث 9

(2) الوسائل ج 2 الباب 26 من أبواب الطواف الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 27 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 395

و آكدها الركن الذي فيه الحجر و اليماني (1)

اللّه عليه السّلام يستلم الأركان كلها «1». و خبر إبراهيم بن ابى محمود قال: قلت الرضا عليه السّلام: استلم اليماني و الشامي و العراقي و الغربي؟ قال: نعم «2» و لكن لا يخفى ان موردهما هو الاستلام لا الالتزام و لكن يمكن ان يكون هو المراد من الالتزام أو نظرا الى صحيح يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن استلام الركن؟.

فقال: استلامه ان تلصق بطنك به و المسح ان تمسحه بيدك «3».

(1) في صحيح جميل بن صالح عن ابي عبد عليه السّلام قال: كنت أطوف بالبيت فإذا رجل يقول: ما بال هذين الركنين يستلمان و لا يستلم هذان؟ فقلت: ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله استلم هذين و لم يعرض لهذين، فلا

تعرض لهما إذ لم يعرض «يتعرض خ ل» لهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «4» و المراد من الإشارة فيه الركن اليماني و الذي فيه الحجر، و لو بقرينة خبر غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا يستلم الا الركن الأسود و اليماني ثم يقبلهما و يضع خده عليهما و رأيت أبي يفعله «5» و خبر يزيد بن معاوية العجلي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: كيف صار الناس يستلمون الحجر و الركن اليماني و لا يستلمون الركنين الآخرين؟ فقال:

قد سألني عن ذلك عباد بن صهيب البصري، فقلت: ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله استلم هذين و لم يستلم هذين، و انما على الناس ان يفعلوا ما فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سأخبرك بغير ما أخبرت به عباد، ان الحجر الأسود و الركن اليماني على يمين العرش و انما أمر

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب الطواف الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب الطواف الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الطواف الحديث 4

(4) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الطواف الحديث 1

(5) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 396

و يستحب ان يطوف ثلاثمأة و ستين طوافا فان لم يتمكن فثلاثمأة و ستون شوطا و يلحق الزيادة بالطواف الأخير و يسقط الكراهية هنا بهذا الاعتبار (1).

اللّه ان يستلم ما عن يمين عرشه «1» و خبر زيد الشحام عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال:

كنت أطوف مع ابى

و كان إذا انتهى الى الحجر مسحه بيده و قبله، و إذا انتهى الى الركن اليماني التزمه، فقلت: جعلت فداك تمسح الحجر بيدك، و تلزم «تلتزم خ ل» اليماني، فقال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ما أتيت الركن اليماني إلا وجدت جبرئيل قد سبقني إليه يلتزمه «2» يستفاد منه التأكد في خصوص اليماني.

(1) لصحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: يستحب ان يطوف ثلاثمأة و ستين أسبوعا على عدد أيام السنة، فان لم يستطع فثلاثمأة و ستين شوطا فان لم يستطع فما قدرت عليه من الطواف «3».

ينبغي هنا الإشارة إلى أمور: الأول- ان ثلاثمائة و ستين طوافا تكون ألفين و خمس مأة و عشرين شوطا، لكون كل طواف سبعة أشواط.

الثاني- ان ظاهر ما سمعته في النص و الفتوى من استحباب ثلاثة مأة و ستين شوطا انه يكون واحد منها عشرة أشواط، و ذلك لأنها حينئذ أحد و خمسون أسبوعا و ثلاثة أشواط و الطواف ليس إلا سبعة أشواط، فإن عد الثلاثة طوافا واحدا لزم النقص

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الطواف الحديث 12

(2) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الطواف الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 397

و ان يقرأ في ركعتي الطواف في الاولى مع الحمد قل هو اللّه أحد، و في الثانية معه قل ايها الكافرون (1)

و ان عد جزء للطواف الأخير لزم الزيادة، و ان قلنا بتتميم الثلاثة بإضافة أربعة أشواط عليه لم يكن ذلك عملا بما في الحديث من الإتيان بثلاثمائة و ستين شوطا، و كيف كان فقد ألحقها المصنف

بالطواف الأخير و حكم بسقوط الكراهة بهذا الاعتبار، للنص و الفتوى، أو ان استحبابها لا ينفي الزائد، فيزداد على الثلاثة أربعة، كما عساه يشهد له ما في الغنية من انه قد روى: انه يستحب ان يطوف مدة مقامه بمكة ثلاثمأة و ستين أسبوعا، أو ثلاثمأة و أربعة و ستين شوطا، بل حكاه غير واحد عن ابن زهرة و عن المختلف نفي البأس عنه. و في الدروس: «و زاد ابن زهرة أربعة أشواط حذرا من الكراهة و ليوافق عدد أيام السنة الشمسية).

الثالث- يمكن ان يكون مراد المصنّف «قدّس سرّه» من إلحاق الزيادة بالطواف الأخير، و الحكم بسقوط الكراهة كونه تعبدا باعتبار إتيانه بثلاثمائة و ستين شوطا، لانه أمرنا الشارع به، فتأمل.

و اما احتمال مشروعية الثّلاثة طوافا منفردا فهو بعيد جدا.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا لقول الصادق عليه السّلام في حسن معاوية بن عمار: (إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم عليه السّلام فصل ركعتين و اجعله اماما، و اقرء في الأولى منهما سورة التوحيد قل هو اللّه أحد، و في الثانية قل أيّها الكافرون). إلخ «1».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 71 من أبواب الطواف الحديث 3.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 398

و من زاد على السبعة سهوا أكملها أسبوعين و صلّى الفريضة أو لا؟ و ركعتي النافلة بعد الفراغ من السعي (1) و ان يتدانى من البيت (2) و يكره الكلام في الطواف بغير الدعاء و القراءة (3)

(1) أما الأول- و هو لزوم تكميل السبعة باسبوعين فيما إذا زاد على السبعة شوطا واحدا، فيدل عليه صحيح أبي أيوب، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل طاف بالبيت

ثمانية أشواط طواف الفريضة؟ قال: فليضف إليها ستا ثم يصلي أربع ركعات «1» و صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام في كتاب علي عليه السّلام إذا طاف الرجل بالبيت ثمانية أشواط الفريضة و استيقن ثمانية أضاف إليها ستا. «2» و خبر على ابن أبي حمزة قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام و انا حاضر عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط؟

فقال: نافلة أو فريضة؟ فقال: فريضة، فقال: يضيف إليها ستة. إلخ «3». الى غير ذلك من الاخبار المأثورة عنهم عليهم السّلام، و قد تقدم تفصيل الكلام عن هذه المسألة في صدر المبحث ابتداء من صفحة (337) و من أراد الاطلاع عليه فليراجعه.

(2) و قد صرح به غير واحد، معلّلا بأنه المقصود، فالدنوّ منه أولى.

(3) لخبر محمد بن فضيل عن محمد بن علي الرضا عليه السّلام: (في حديث) قال:

طواف الفريضة لا ينبغي ان يتكلم فيه إلا بالدعاء و ذكر اللّه و تلاوة القرآن قال: و النّافلة يلقي الرّجل أخاه فيسلّم عليه و يحدّثه بالشّي ء من أمر الآخرة و الدنيا لا بأس به «4» لكن هذا الحديث- كما ترى- يختص بالفريضة.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 13

(2) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 10

(3) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 15

(4) الوسائل ج 2 الباب 54 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 399

[أحكام الطواف]
اشارة

أحكام الطواف الثالث: في أحكام الطواف، و فيه اثنا عشر مسألة:

[الأولى الطواف ركن من تركه عمدا بطل حجه]

الأولى الطواف: ركن من تركه عمدا بطل حجه (1)

و لكن في الجواهر: (يمكن القطع بمساواة النافلة لها في أصل الكراهة و ان كانت أخف خصوصا بعد معروفية المرجوحية في المسجد بكلام الدنيا، و لعله لذا أطلق المصنف و غيره الكراهة، بل زاد الشهيد كراهية الأكل و الشرب و النتاب و النمطي و الفرقعة و العبث و مدافعة الأخبثين و كل ما يكره في الصلاة غالبا و لا بأس به.) و على كل حال فلا ينبغي الإشكال في جواز الأمور المزبورة في الطواف، و يدل عليه ما عن علي ابن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الكلام في الطواف و إنشاد الشعر و الضحك في الفريضة أو غير الفريضة أ يستقيم ذلك؟ قال: لا بأس به و الشعر ما كان لا بأس به منه «مثله خ ل» «1». نعم ورد النهي عن إنشاده في المسجد إلا ما كان منه دعاء أو حمدا أو مدحا للنبي صلّى اللّه عليه و آله أو إمام أو موعظة.

(أحكام الطّواف)

(1) ما افاده المصنّف «قدّس سرّه» من بطلان حجّه فيما إذا ترك الطواف عمدا مما لا ينبغي الكلام فيه من حيث الفتوى، انما الكلام في دليله و مدركه و استدل

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 54 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 400

..........

لذلك- مضافا الى عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه، و قاعدة انتفاء المركب بانتفاء جزئه- بفحوى صحيح علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل جهل ان يطوف طواف الفريضة؟ قال: ان كان على وجه جهالة في الحج أعاد و

عليه بدنة «1» و خبر علي بن أبي حمزة قال: سئل عن رجل جهل ان يطوف بالبيت حتى رجع الى أهله قال: ان كان على وجه الجهالة أعاد الحج و عليه بدنة «2» لأولوية العالم من الجاهل بالإعادة و بما في رسالة المحكم و المتشابه في حديث قال: و أما حدود الحج فأربعة، و هي:

الإحرام، و الطواف بالبيت، و السعي بين الصفا و المروة، و الوقوف في الموقفين و ما يتبعهما و يتصل بهما، فمن ترك هذه الحدود وجب عليه الكفارة و الإعادة «3».

تحقيق الكلام في هذه المسألة يتوقّف على ذكر جهات إحداها: ما إذا ترك الطواف عمدا. و ثانيتها: ما إذا تركه جهلا. و ثالثتها:

ما إذا تركه نسيانا اما الكلام في الجهة الثالثة فسيجي ء عند تعرّض المصنّف له (ان شاء اللّه تعالى) أما الكلام في الجهة الأولى فمحصّله انه لا ينبغي إشكال في وجوب الإعادة عليه، و لكن لا لأجل ما ذكر و هو ان لزوم الإعادة مع الترك عمدا أولى من الإعادة مع الترك جهلا- الّذي هو مورد صحيح علي بن يقطين المتقدم- فيلحق العمد بالجهل، بل لأجل ان الالتزام بعدم البطلان مع الترك عمدا مع الالتزام بكونه جزء مما لا يجتمعان

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 56 من أبواب الطواف الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 56 من أبواب الطواف الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 401

..........

مضافا الى انه يمكن ان يقال عدم ثبوت المفهوم، لصحيح علي بن يقطين و نحوه مما دل على وجوب اعادة الحج إذا ترك الطواف جهلا، بدعوى: ان المقصود منه هو انه لا يتخيّل اختصاص

لزوم الإعادة بصورة العلم بل يحكم بلزوم الإعادة و ان كان جاهلا.

و يمكن ان يقال بثبوت المفهوم له لخصوص إخراج الناسي دون العامد.

و يمكن ان يقال بثبوت المفهوم له لنفى خصوص الكفارة عن غير الجاهل من العامد و الناسي، فعليه لا ينبغي القول بان العلم كالجهل في لزوم الإعادة، بل ينبغي القول بان الجهل كالعلم في لزوم الإعادة هذا كله بالنسبة إلى الإعادة.

و اما الكفّارة فهل تثبت على من ترك الطواف عمدا أو لا، يمكن الاستدلال على ثبوتها عليه بوجهين:

الأول- قوله عليه السّلام في صحيح علي بن يقطين و خبر علي بن أبي حمزة المتقدمين ففي صدر المبحث: (ان كان على وجه الجهالة أعاد «الحج» و عليه بدنة) و هو و ان كان واردا في صورة الجهل، الا انه يحكم بثبوتها في صورة العمد عليه بالأولوية، ففي المقام يقال: العمد كالجهل عكس سائر الموارد التي يقال فيها: ان الجهل كالعمد.

و لكن فيه ما ذكرناه غير مرّة من ان التعدي محتاج الى تنقيح المناط القطعي و هو غير حاصل في الشّرعيّات، فلا بد من الاقتصار على مورد الدّليل- و هو صورة الجهل- لأن التّعدي عن مورده الى ما نحن بصدده- و هو صورة العمد- قياس غير مشروع عندنا، لاحتمال الخصوصيّة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 402

..........

الثاني- قوله عليه السّلام أيضا في رسالة المحكم و المتشابه: (فمن ترك هذه الحدود وجب عليه الكفارة و الإعادة)- و يدل ذلك ايضا على ثبوت الكفارة على من ترك توابع هذه الحدود فخرج ما خرج و بقي الباقي- و فيه: انه ضعيف سندا، فلا يمكن الاعتماد عليه، فظهر انه مع الترك- اي ترك الطواف- عمدا عليه الإعادة دون الكفارة.

و أما الكلام

في الجهة الثانية- و هي ما إذا ترك الطواف جهلا- فنقول: ان مقتضى القاعدة هو وجوب الإعادة، لأن الأصل في الجزئية- كما ذكرناه غير مرة- الركنية المطلقة ما دام لم يرد دليل تعبدي على الخلاف، و في المقام لم يرد ذلك، بل قد عرفت ان مقتضى الدليل هو الإعادة.

و أما الكفارة فهل تثبت في حقه أو لا؟ لا ينبغي الإشكال في ثبوتها عليه لقوله عليه السّلام في صحيح علي بن يقطين: (ان كان وجه جهالة أعاد و عليه بدنة).

ينبغي هنا التّنبيه على أمرين: الأول- ان في صحيح علي بن يقطين المتقدم لم يذكر اعادة الحج لقوله عليه السّلام فيه: «أعاد» فلعل المراد منه إعادة الطواف لا اعادة الحج، و لكن يمكن ان يقال: انه و ان لم يذكر فيه ذلك الا ان خبر علي بن أبي حمزة المصرح بإعادة الحجّ بقوله: (أعاد الحج) مفسر له بان المراد منه اعادة الحج، و لكن يناقش فيه بأنه ضعيف سندا.

و لكن التحقيق: دلالة صحيح علي بن يقطين على المدعى، و ذلك لعدم كون المراد

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 403

..........

من قوله عليه السّلام فيه «أعاد» إعادة الطواف، لانه لم يصدر منه طواف حتى يحكم بلزوم إعادته عليه، فالمراد منه اعادة الحج.

الثاني- انه لو ترك الطواف عمدا أو جهلا يبطل حجه هذا مما لا كلام و لا اشكال فيه انما الكلام في انه هل يبطل إحرامه أيضا أو لا؟ قال في الجواهر: «ان الظاهر عدم الاحتياج الى المحلل بعد فساد النسك بتعمد ترك الطواف المعتبر فيه، ضرورة بطلان الإحرام الذي هو جزء من النسك ببطلانه، مضافا الى خلو اخبار البيان عنه، لكن في المدارك و غيرها: احتمال بقاؤه

على إحرامه الى أن يأتي بالفعل الفائت في محله، و يكون إطلاق اسم البطلان عليه مجازا- كما عن الشهيد في الحج الفاسد، بناء على ان الأول هو الفرض، و احتمال توقفه على أفعال العمرة. بل عن الكركي في شرح القواعد الجزم بالأخير، لكن قال: على هذا لا يكاد يتحقق معنى الترك المقتضي للبطلان في العمرة المفردة، لأنها هي المحللة من الإحرام عند بطلان نسك آخر غيرها، فلو بطلت احتيج في التحلّل من إحرامها إلى أفعال العمرة و هو معلوم البطلان. و في المدارك: و هو غير واضح المأخذ، فان التحلل بأفعال العمرة انما يثبت مع فوات الحج لا مع بطلان النسك مطلقا، و دعوى استصحاب حكم الإحرام الى ان يعلم حصول المحلل و انما يعلم بإتيان أفعال العمرة يدفعها ما عرفت من ان بطلان النسك يقتضي بطلان الإحرام الذي هو جزء منه و لكن مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه خصوصا على القول بكون الإحرام نسكا مستقلا يعتبر وقوع الأفعال معه نحو الطهارة للصلاة، و لا أقل من ان يكون له جهتان، كما عساه يشهد لذلك ما تسمعه في المحصور و المصدود

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 404

..........

فحينئذ يتجه توقف التحليل على فعل الفائت و لو في السنة الآتية، لأصالة عدم التحلل بغير أداء النسك الذي وقع الإحرام له، و لكن فيه ما لا يخفى، و لعله لذا قال الكركي بالتحلل بأفعال العمرة و ان كان لا يتم إلا بدعوى الاستفادة من الأدلة: ان أفعالها يحصل بها التحليل من الإحرام مطلقا من غير فرق بين فوات الحج بفوات وقته و بين بطلانه بفوات ركنه، و لم يحضرني الآن ما يدل على ذلك، و ان

كان ظاهر سيد المدارك المفروغية منه حيث انه بعد ان ذكر ما سمعته سابقا قال: «و المسألة قوية الإشكال من حيث استصحاب حكم الإحرام الى ان يعلم حصول المحلل و انما يعلم بالإتيان بأفعال العمرة، و من أصالة عدم توقفه على ذلك مع خلو الأخبار الواردة في مقام البيان منه» و لعل المصير الى ما ذكره أحوط، و لكن قد عرفت ان الأحوط منه ايضا فعل الفائت مع ذلك و اللّه العالم).

تفصيل الكلام فيه هو انه يمكن ان يقال: ان بقاء الإحرام و عدمه في ما نحن فيه موقوف على إثبات كون الإحرام جزء أو شرطا، فان ثبت كونه جزء يحكم ببطلانه بمجرد بطلان الحج لان كل جزء جزء في نفسه و شرط لغيره من الاجزاء فبانتفاء جزء من العمل الارتباطي يبطل باقي الأجزاء من السابق و اللاحق، و ان ثبت كونه شرطا لا يمكن الحكم ببطلانه ببطلان الحج- كما لا يبطل الوضوء ببطلان الصلاة، قد تقدم ما يمكن الاستدلال به على إثبات الجزئية و الشرطية في الجزء الثاني من هذا الكتاب في ص (418) فإذا ثبت جزئيته أو شرطيته بما تقدم في المحل المزبور أو بصحيح على بن جعفر الآتي في ص 11 فهو و اما إذا شك فيمكن ان يقال بثبوت الإحرام عليه بالأصل- و هو الاستصحاب- و ذلك لتحقق

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 405

..........

أركانه من اليقين السابق و الشك اللاحق، أما الأول: فللعلم بتحقق الإحرام منه.

و أما الثاني: فللشك في بقاؤه، لاحتمال كونه جزء فارتفع ببطلان الحج فعليه ببركة الاستصحاب يحكم بثبوت الإحرام عليه و يترتب عليه آثاره.

نعم، يمكن ان يقال بعدم ترتب جميع آثار الإحرام في ما نحن فيه،

لإتيانه على الفرض ببعض ما يوجب تحلل المحرم منه و انما يحرم عليه الطيب و النساء لعدم إتيانه بمحلله و هو طواف الحج و النساء إذا لم يأت ايضا بطواف النساء.

ان قلت: ان الإحرام أمر بسيط لا يقبل التجزئة، قلت: نعم و لكن حكم المحرم هو حرمة أمور مخصوصة عليه و يحكم بارتفاع بعضها عنه لإتيانه بموجبه و يحكم ببقاء بعضها، لعدم إتيانه بما يوجب الرفع.

و لكن التحقيق انه بعد فرض بطلان الحج بترك جزء منه يكون جميع أجزاءه باطلا و منها اعمال منى، فلا تكون محللة لبطلانها، فعليه يحكم ببقائه على إحرامه بكله ثم انه يمكن ان يقال عدم جريان استصحاب بقاء الإحرام في ما نحن فيه مع الشك في جزئية الإحرام و شرطيته، ذلك لانه لو كان جزء لانكشف بطلان الجزء السابق من أول الأمر بتركه الجزء اللاحق كشفا قطعيا، لان صحته بناء عليه كانت متوقفة على الإتيان بجميع الأجزاء اللاحقة، لما ذكرناه غير مرة ان كل جزء جزء في نفسه و شرط لباقي الاجزاء، فعليه يقال برجوع الشك في مفروض المقام الى الشك في أصل وجود الإحرام فلا يبقى مجال للقول بجريان استصحاب الإحرام.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 406

..........

(إيقاظ) ان ما ذكرنا انما يتم بناء على كون اعمال الحج ارتباطية، و أما بناء على القول بكونها أعمالا مستقلة مرتبة بحسب الوجود فبترك بعضها لا يمكن الحكم ببطلان الجزء الآخر فيقع الكلام في انه هل تكون اعمال الحج ارتباطية أو لا؟؟ يمكن الاستدلال للارتباطية بما تقدم من النصوص- في صدر المبحث- الدالة على لزوم الإعادة لو ترك الطواف جهلا، لانه لو لم تكن ارتباطية لما كان تركه للطواف جهلا موجبا لإعادة أصل

الحج، و فيه: انه قد يقال ان حكمه عليه السّلام في تلك النصوص بوجوب الإعادة عند ترك الطواف جهلا أعم من ذلك، لانه كما يمكن ان يكون ذلك لأجل ارتباطية اعمال الحج، كذلك يمكن ان يكون لأجل لزوم كون جميع أعمال الحج في سنة واحدة، فهي بنفسها اعمال مستقلة و لكنها مرتبطة بهذا المعنى لا بالمعنى الأول، و ذلك نظير حج التمتع و عمرته، فإنهما عملان مستقلان، فلو بطلت عمرته صارت حجته مبولة و لا يحكم ببطلان حجه، و كذا لو لم يحج صحيحا لا يحكم ببطلان عمرته و لكن كل من عمرة التمتع و حجه مرتبطة بالآخر بمعنى لزوم الإتيان بهما في سنة واحدة حتى يجزى، فلعل اعمال الحج ايضا كذلك و ان كانت هي أعمال مستقلة، فلو كان كذلك فلا يحرم على تارك الطواف الا الطيب و النساء إذا لم يأت بطواف النساء لأن إعمال منى أحلت له باقي المحرمات بالإحرام، و كيف كان فما تقدم من استصحاب بقاء الإحرام بعد عدم ثبوت ارتباطية اعمال الحج في مفروض البحث صحيح.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 407

..........

اللهم إلا ان يقال انه لما لم يعلم ان نظر النصوص المتقدمة الواردة في اعادة من ترك الطواف جهلا هل هو الى ارتباطية الأعمال أو الى لزوم كونها في سنة واحدة و احتملنا الارتباطية، فلا محالة يقع الشك في أصل الوجود، و لا يجرى استصحاب بقاء الإحرام فتأمل.

ينبغي هنا التنبيه على أمور: الأول- انه يمكن ان يقال انه بناء على كون بطلان الحج من أصله لا تكون اعمال منى محللة فيحكم ببقاء جميع آثار الإحرام، و اما بناء على كون بطلانه من حينه تكون اعمال منى محللة لغير

الطيب و النساء فان حال اعمال منى حينئذ تكون كحال البيع المفسوخ من حينه، فان النماءات المنفصلة قبل الفسخ تكون للمشتري، بل يمكن ان يقال بمحللية اعمال منى حتى بناء على البطلان من أصله، و ذلك نظير انه لو مات الإمام في الركعة الثالثة مثلا قدم المأمون شخصا آخر منهم و لم يكن على المأمومين إعادة الصلاة لفوات القراءة، لأن الإمام تحمل عنهم القراءة فهذا الأثر باق مع ان موت الامام كاشف عن بطلان صلاته من أصله.

و لكن لا يخفى ما فيه من المناقشة و الاشكال أما أولا- فلان الحكم المذكور في الصلاة انما يكون من جهة الاقتصار على مورد الدليل و أما ثانيا- فلان عدم الإعادة في مثال الصلاة انما يكون على طبق القاعدة، لعدم ركنية القراءة، و لكن هذا بخلاف ما نحن فيه لعدم كونه كذلك لان مقتضى القاعدة هنا انه بعد بطلان اعمال

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 408

..........

منى من أصلها لا تكون محللة هذا و لا يمكن ان تكون باطلة من حينها، فإنه بعد فرض الارتباطية لا محالة يكشف عن البطلان من أصله.

الثاني- ان علي بن يقطين و خبر علي بن أبي حمزة المتقدمين في صدر المبحث الواردين في ترك الطواف جهلا يشملان الجهل الحكمي و الموضوعي للإطلاق، لتصور الجهل الموضوعي في ذلك كان يتخيل مثلا دخول الحجر في الطواف فيمشي فيه في طوافه.

الثالث- انه يمكن ان يقال انه يتحلل في ما نحن فيه بعمرة مفردة بدعوى انه و ان فوت الحج بنفسه لكن مع ذلك يصدق عليه عنوان انه فاته الحج، فيشمله ما دل على ان من فاته الحج يتحلل بعمرة مفردة الا ان يدعي انصرافه الى ما إذا

فات منه الحج على وجه غير العمد بان ضاق الوقت و اما فيما نحن فيه فهو تفويت، مضافا الى انه في المثال فاته الحج بتمامه و هذا بخلاف ما نحن فيه، لكونه اتى بكثير من الأعمال فلا يشمله ذلك الدليل فتأمل.

الرابع- ان مقتضى الاحتياط بالنسبة الى من ترك الطواف عمدا أو جهلا أن يأتي في السنة اللاحقة بما ترك من الطواف و ما بعده، لاحتمال عدم دخول فيمن فاته الحج ثم يأتي بالعمرة المفردة، لاحتمال دخوله فيه، ثم يعيد الحج.

الخامس- ان تركه للطواف تارة: يكون في الحج و اخرى: في العمرة المفردة و ثالثة: في عمرة التمتع أما في الأول فقد عرفت انه يتحلل بعمرة مفردة بناء على شمول دليل من فاته الحج للمقام و الا فيحتاط بالإتيان أو لا بباقي الأعمال في العام

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 409

..........

القابل في ذي الحجة ثم بالعمرة ثم اعادة الحجّ و أما في الثاني: فلا يتصور فيه الفوت لتوسعة وقت العمرة إلى آخر العمر، و أما في الثالث: فينقلب حجه الى الافراد و يحجّ بذلك الإحرام و يخرج به عن الإحرام، ثم يعتمر عمرة مفردة، و هل يجزى ذلك عن حجة الإسلام أو لا؟ فيه كلام موكول الى محله.

الخامس- بقي الكلام فيما يتحقّق به التّرك قال في الجواهر: (نفي المسالك و في وقت تحقّق البطلان بتركه خفاء، فان مقتضى قوله عليه السّلام: «من تركه ناسيا قضاه و لو بعد المناسك» ان العامد يبطل حجّه متى فعل المناسك بعده، و قد ذكر جماعة من الأصحاب: انه لو قدم السّعي على الطّواف عمدا بطل السعي و وجب عليه الطواف ثم السّعى، فدل على عدم بطلان الحج بمجرد تأخر

الطّواف عمدا، و يقوى توقف البطلان على خروج وقت الحج و هو ذو الحجة لأنه وقت لوقوع الأفعال في الجملة خصوصا الطواف و السعي، فإنه لو أخرهما عمدا طول ذي الحجة صح، و غاية ما يقال: انه يأثم و قد تقدم، و في حكم خروج الشهر انتقال الحاجّ الى مكان «محل خ ل» يتعذر عليه العود في الشهر، فإنه يتحقق البطلان و ان لم يخرج هذا في الحج، و أما العمرة فإن كانت عمرة تمتع كان بطلانها بفواته عمدا متحققا بحضور الموقفين بحيث يضيق الوقت إلا عن التلبّس بالحج و لما يفعله و ان كانت مفردة فبخروج السنة ان كانت المجامعة لحج القران أو الافراد، و لو كانت مجردة عنه فإشكال، إذ يحتمل حينئذ بطلانها بخروجه عن مكة و لما يفعله، و يحتمل ان يتحقق في الجميع بتركه بنيّة الإعراض عنه و ان يرجع فيه الى ما يعدّ تركا عرفا، و المسألة موضع اشكال، و قد سبقه الكركي

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 410

و من تركه ناسيا قضاه و لو بعد المناسك (1)

الى ذلك في حاشية الكتاب قال: مما يشكل تحقيق ما به يتحقق ترك الطّواف، فإنه لو سعى قبل ان يطوف لم يعتد به. و ان أحرم بنسك آخر بطل فعله- صرح به في الدروس- و يمكن ان يحكم في ذلك العرف، فإذا شرع في نسك آخر عازما على ترك الطواف بحيث يصدق الترك عرفا حكم ببطلان الحجّ، أو يراد خروجه من مكة بنية عدم فعله ناقش في ما ذكر صاحب الجواهر «قدّس سرّه» بقوله قلت: لا يخفى عليك ما في ذلك كله بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا من جواز تأخير طواف حج

التمتع و سعيه اختيارا طول ذي الحجة على كراهية شديدة، و دونها تأخر طواف حج الافراد و القران و سعيه- كما سمعت الكلام في ذلك مفصلا- بل الظاهر من القائل بعدم الجواز إرادة الإثم دون البطلان، فحينئذ يراد بالترك في حج التمتع و القران و الافراد عدم الفعل في تمام ذي الحجة، و في عمرة التمتع عدمه الى ضيق وقت الوقوف بعرفة و في العمرة المفردة المجردة إلى تمام العمر، بل و كذا المجامعة في حج الافراد و القران بناء على عدم وجوبها في سنتهما، و الا فالمدار على تركها في تلك السنة فهو ركن في هذه المناسك جميعها تبطل بتركه فيها على الوجه المزبور مع العلم و العمد).

السادس- ان الظاهر- كما أفاده صاحب الجواهر «قدس سره»- خروج طواف النساء عن ذلك، و ان أوهمه ظاهر العبارة لكن هو غير ركن فلا يبطل النسك بتركه حينئذ من غير خلاف كما عن السرائر لخروجه عن حقيقة الحج.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا، بل في الجواهر: (بلا خلاف معتدّ به أجده فيه، بل عن الخلاف و الغنية

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 411

..........

الإجماع عليه. إلخ» و استدل لذلك بأمور:

الأول- رفع الخطأ و النسيان.

الثاني- صحيح هشام بن سالم سئل الصادق عليه السّلام عمن نسي طواف زيارة البيت حتى رجع الى أهله؟ فقال: لا يضره إذا كان قد قضى مناسكه «1» و صحيح علي ابن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام سأله عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده و واقع النساء كيف يصنع؟ قال: يبعث بهدي ان كان تركه في حج يبعث به في حج و ان كان تركه

في عمرة بعث به في عمرة، و يوكل من يطوف عنه ما تركه من طواف الحج «2».

الثالث- الإجماع، و لكن لا يخفى ما في الوجه الأول و الثاني و كيف كان فما عن الشيخ من البطلان في غير محله فلا وجه لما حكى عنه من حمل الطواف في صحيح هشام ابن سالم على طواف الوداع و في صحيح علي بن جعفر على طواف النساء مستشهدا له بخبر معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام رجل نسي طواف النساء حتى دخل اهله؟ قال: لا تحل له النساء حتى يزور البيت، و قال: يأمر من يقضي عنه ان لم يحج فإن توفي قبل ان يطاف عنه فليقض عنه وليّه أو غيره «3» و ذلك أما أوّلا: فلأنه- كما ترى- لا دلالة فيه على ذلك ضرورة: اختصاص السؤال و الجواب فيه بطواف النساء من غير تعرض لغيره، و أما ثانيا: فلانه لا معارضة بين الاخبار حتى نحتاج الى حمل حديث الأول على طواف الوداع و الثّاني على طواف النساء، و كون خبر معاوية بن

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 412

..........

عمار واردا في نسيان طواف النساء لا يمكن جعله شاهدا لورود صحيح علي بن جعفر في ذلك ايضا. و أما ثالثا: فلكونه ضعيفا من حيث السّند، فلا عبرة به، فعليه لا يبقي مجال لجعله شاهدا للجمع بين الاخبار.

ثم انه أغرب من ذلك ما وقع له في محكي الاستبصار فإنه قال: باب من نسي طواف

الحج حتى رجع الى أهله، ثم أورد حديثي علي بن أبي حمزة و علي بن يقطين المتضمنين اعادة تارك الطّواف جهلا و نحوه ما وقع له في التهذيب من الاستدلال على حكم الناسي بالحديثين المتقدمين و ذلك لورودهما في مورد الجهل، و لا وجه لحملهما على النسيان، فلا تجب الإعادة إلا على الجاهل دون النّاسي، كما صرح به هو في غير الكتابين، بل عنه في الخلاف دعوى الإجماع عليه فضلا عن تصريح غيره. و ما في كشف اللثام من ان الجهالة تعمّ النّسيان و السؤال في الثاني- و هو حديث علي بن أبي حمزة- عن السهو و ظاهره النسيان فيه ما لا يخفى من المناقشة و الاشكال.

ان قلت: انه ورد في بعض النسخ متنه هكذا: «انه سئل عن رجل سهى ان يطوف بالبيت حتى رجع الى أهله؟ قال: إذا كان على وجه الجهالة أعاد الحج و عليه بدنة «1» فعليه يمكن ان يقال: ان ذلك مطابق لما ذهب اليه الشّيخ «رحمه اللّه تعالى» لما فيه من التعبير بالسّهو.

قلت: أولا- انه و ان كان متنه في بعض النسخ على النّحو المزبور إلا انه في بعض النّسخ الآخر خلافه، و هو: «جهل» لا: «سهى» كما تقدم سابقا.

______________________________

(1) أشار إليه في الوسائل ج 2 الباب 56 من أبواب الطواف في ذيل الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 413

..........

و ثانيا- انه و ان عبر في صدر الحديث بالسهو و لكنه عبر في ذيله بقوله عليه السّلام:

(إذا كان على وجه الجهالة).

و ثالثا- فلأنه يؤيد النسخة التي فيها «جهل» صحيح علي بن يقطين المصرح فيه بالجهل.

رابعا- انه يمكن ان يراد من السهو فيه السهو عن الحكم حتى يكون جاهلا، بعبارة

اخرى: ان المراد من النسيان ليس نسيان الموضوع بل نسيان الحكم الذي هو جهل طار، فحينئذ يتطابق صدر الحديث و ذيله.

و خامسا نقول: ان عمدة الدليل هو صحيح علي بن يقطين المصرح فيه بالجهل و هو يكفينا و لا حاجة الى خبر علي بن أبي حمزة لكونه ضعيفا سندا، فلا عبرة به.

ينبغي هنا التّنبيه على أمور: الأول- انه يمكن المناقشة في الاستدلال على مقالة المشهور بصحيحي هشام و علي بن جعفر المتقدمين، أما في صحيح هشام فلانه يمكن ان يقال بظهور قوله: (نسي طواف زيارة البيت) في طواف الوداع أو النساء، لقوله عليه السّلام فيه: (إذا كان قد قضى مناسكه) لكون طواف الحج من المناسك و المفروض قضاؤه لها، فعليه يكون الطواف الذي نسيه إما طواف الوداع، لكونه ايضا طواف زيارة البيت، و إما طواف النساء لانه كما يستفاد من بعض الاخبار خارج عن الحجّ لكن يصح إطلاق طواف زيارة البيت عليه.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 414

..........

الا ان يقال ان مراده من قوله: (ان كان قد قضى مناسكه) غير هذا الطواف و كيف كان فيمكن ان يقال انه ليس في هذا الحديث ظهور في إرادة طواف الحج بل هو مجمل ان لم نقل بظهوره في الخلاف، فتأمل.

و أما صحيح علي بن جعفر فلاختلاف نسخه بحسب الذيل فذيله على ما في الجواهر هكذا: «ما تركه من طواف الحج» فهو بناء على هذه النسخة و ان كان صريحا في مقالة المشهور و لكن صحة هذه النسخة غير معلوم لاحتمال تمامية نسخة الوسائل، و ذيله على ما في الوسائل هكذا: (ما تركه من طوافه) و هذا كما يحتمل ان يكون المراد منه طواف الحج كذلك يحتمل ان

يكون المراد منه طواف النساء.

إلا ان يقال ان المراد من العمرة في قوله عليه السّلام فيه (و ان كان تركه في عمرة) هو عمرة التمتع فعليه يتعين كون المراد منه طواف الحج لا طواف النساء، لأن عمرة التمتع ليس فيها طواف النساء لكنه لم يثبت كون المراد منها عمرة التمتع إلا ان يدعي ظهوره فيه و تم ذلك، ان قلت: انه عبر في صدره بطواف الفريضة فيكون المراد منه طواف الزيارة. قلت: انه و ان كان كذلك إلا انه يطلق ذلك في الاخبار على طواف النساء.

الثاني- ان القول بان المقصود منه ترك جنس الطواف بان لم يأت بطواف أصلا فهو خلاف الظاهر، لكون الظاهر منه ترك طواف بالخصوص، فهو إما طواف الحج و اما طواف النساء.

الثالث- ان الظاهر عدم الفرق بين طواف الحج و طواف العمرة، كما سمعت به

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 415

..........

في صحيح علي بن جعفر.

الرابع- ان الأحوط ان لم يكن أقوى إعادة السعي معه- كما صرح به في الدروس- و لعله لفوات الترتيب المقتضي لفساد السعي، كما دل عليه صحيح منصور ابن حازم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف بين الصفا و المروة قبل ان يطوف بالبيت؟ قال: يطوف بالبيت، ثم يعود الى الصفا و المروة، فيطوف بينهما «1» اللهم إلا ان يدعي اختصاص ذلك بما قبل فوات الوقت، و قد يستدل على عدم لزوم إعادته في مفروض المقام- مضافا الى الأصل و السكوت عنه في خبر الاستنابة و غيره- بخبر منصور بن حازم قال فيه: سألته عن رجل بدء بالسعي بالصفا و المروة؟ قال: يرجع فيطوف بالبيت أسبوعا، ثم يستأنف السعي، قلت: انه فاته؟ قال:

عليه دم الا ترى انك إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك ان تعيد على شمالك «2» بدعوى: ظهوره فيه، لاقتصاره على وجوب الدم مع الفوات فيدل على عكس ما تقدم، و لعله لذا لم يتعرض الأكثر إعادة السعي.

لكن قد يقال ان الصحيح الأول ظاهر و لو بترك الاستفصال فيه في وجوبها، و اما الخبر المزبور فلا ينافيه: أما أولا- فلكونه ضعيف سندا. و أما ثانيا- فلان غايته السكوت، و الا فإيجاب الدم لا ينافي وجوبها، بل لعل سكوته عن الأمر به اتكالا على إطلاق الأمر بها في الصدر، و التشبيه بالوضوء الذي لا يختص بحال الاختيار في الذيل فتدبر.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 63 من أبواب الطواف الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 63 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 416

و لو تعذر العود استناب فيه (1)

الخامس- انه إذا ترك الطواف نسيانا و تردد في كونه من حجه أو من عمرته التمتع فعليه أن يأتي بطواف و عمرة، و ذلك لأنه ان كان ذلك من حجه كان عليه طواف و ان كان ذلك من عمرته فقد انقلب حجه الى الافراد و خرج عن إحرامه بالحج، و عليه ان يعتمر عمرة مفردة، فيعلم إجمالا إما عليه العمرة و اما عليه طواف الحج فعليه أن يأتي بكليهما.

هذا كله إذا كان ناسيا و اما إذا كان جاهلا فليس عليه قضاء الطواف بل عليه العمرة لانه إما تركه من الحج أو من العمرة فلو تركه من الحج فقد عرفت بطلان حجه و يتحلل بعمرة مفردة بناء على شموله دليل من فاته الحج و لو تركه من العمرة فقد انقلب حجه الى الافراد، فعليه العمرة

المفردة فعلى اي حال عليه ان يأتي بالعمرة المفردة، فيحرم احتياطا. ثم يأتي بالعمرة لاحتمال كونه محلا بان كان ترك طواف العمرة فقد تحلّل بالحجة المفردة.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا بل عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه، و يدل عليه قوله عليه السّلام في صحيح علي بن جعفر المتقدم: (و يوكّل من يطوف عنه).

ثم لا يخفى ان مقتضى إطلاقه جواز الاستنابة للناسي إذا لم يذكر حتى قدم بلاده مطلقا كما أفاده في المدارك و لكن الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» اعتبروا العذر احتياطا. و يمكن ان يكون وجه ذلك ما ذكرناه غير من ان الأصل يقتضي المباشرية و ما قيل: ان المنساق من إطلاق الصّحيح ما هو الغالب من حصول التعذّر بعد الوصول الى بلاده و فحوى ما تقدّم من وجوب صلاة ركعتي الطواف بنفسه لو

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 417

و من شكّ في عدده بعد انصرافه لم يلتفت (1) و ان كان في أثنائه فإن كان شاكّا في الزّيادة قطع و لا شي ء عليه (2) و ان كان في النّقصان استأنف في الفريضة (3)

نسيهما، بل و فحوى ما ستعرفه في طواف النّساء من اشتراطها بالتّعذر أو التعسّر ان قلنا به و لكنها لا يخلو من المناقشة و الاشكال.

(1) بلا خلاف فيه لقاعدة الفراغ، لشمول دليلها لما نحن فيه.

(2) هذا هو المعروف بين الأصحاب، بل في الجواهر: «بلا خلاف محقق أجده فيه. إلخ» و يدل عليه- مضافا الى أصالة عدم الزيادة و البراءة من الإعادة- صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر أ سبعة طاف

أو ثمانية؟ فقال: أما السبعة فقد استيقن و انما وقع وهمه على الثامن فليصل ركعتين «1» و لكن لا يخفى انه انما يتم إذا كان الشك عند الركن قبل ان ينوي الانصراف، لأنه إذا كان قبله يرجع الشك فيه الى النقصان المقتضي لتردده بين محذورين: الإكمال المحتمل للزيادة عمدا، و القطع المحتمل للنقيصة كذلك.

و قد نوقش فيه في المدارك بمنع تأثير احتمال الزيادة و ناقش فيه صاحب الجواهر بقوله: (هو مبني على مختاره و ستعرف ضعفه) و كيف كان فقد تقدم الكلام عن مضرية احتمال الزيادة و عدم مضريتها (في ص 375) و من أراد الاطلاع عليه فليراجعه.

(3) هذا هو المعروف بين الأصحاب، بل نسبه في المدارك: الى المشهور، بل في محكي الغنية: الإجماع عليه. و يدل عليه- مضافا الى ما ذكر- جملة من النصوص منها:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 35 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 418

..........

1- صحيح منصور بن حازم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة؟ قال: فليعد طوافه، قال: ففاته؟ فقال: ما أرى عليه شيئا «1».

2- خبر ابى بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل شك في طواف الفريضة؟ قال: يعيد كل ما شك. إلخ «2».

3- خبره الآخر قال: قلت له رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة أم ثمانية؟ قال: يعيد طوافه حتى يحفظ «3».

4- خبر احمد بن عمر المرهبي عن ابي الحسن الثاني عليه السّلام قال: قلت رجل شك في طوافه فلم يدر ستة طاف أم سبعة؟ فقال: ان كان في فريضة أعاد كل ما شك فيه و

ان كان نافلة بنى على ما هو أقل «4».

5- صحيح الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في رجل طاف فلم يدر ستّة طاف أو سبعة؟ قال: يستقبل «5».

6- خبر صفوان أو حسنه قال: سألته عن ثلاثة دخلوا في الطّواف، فقال: واحد احفظوا الطواف، فلما ظنّوا انهم قد فرغوا، قال واحد منهم: معي ستة أشواط، قال: ان شكوا كلهم فليستأنفوا، و ان لم يشكوا و علم كل واحد منهم ما في يديه فليبنوه «6» و رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب و كذا الّذي قبله، و رواه أيضا

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 8

(2) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 12

(3) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 11

(4) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 4

(5) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 1

(6) الوسائل ج 2 الباب 66 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 419

..........

بإسناده عن إبراهيم بن هاشم عن صفوان قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام ثم ذكر مثله الا انه قال: (قال واحد: معي سبعة أشواط، و قال الآخر: معي ستة أشواط، و قال الثالث: معي خمسة أشواط) الى غير ذلك من الاخبار المأثورة عنهم عليهم السّلام يقع الكلام في أمور: الأول- ان مقتضى اخبار المقام هو عدم صحة طواف الواجب مع الشك في أثنائه. و أما ما عن رفاعة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام انه قال في رجل لا يدري ستة طاف أو طاف سبعة؟ قال: يبني على يقينه «1» فلا ينافي أخبار المقام، لعدم كونه صريحا في الطواف الواجب

و هو مطلق قابل للتقييد، و أما ما عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف بالبيت فلم يدر أ ستة طاف أو سبعة طواف فريضة؟

قال: فليعد طوافه، قيل: انه خرج وفاته ذلك؟ قال: ليس عليه شي ء «2». و نحوه صحيح معاوية بن عمار «3» فأيضا لا ينافي ما تقدم بناء على كون المراد من الفوت فيه هو الفراغ و هو حينئذ مطابق لما عرفته من ان مقتضى قاعدة الفراغ الصحة، و لكنه ينافيه ما سيأتي «ان شاء اللّه تعالى» في الأمر السادس، فالمتحصل من الاخبار هو ان شك بعد الفراغ لم يعتن به، و ان شك في الأثناء أعاد.

هذا و لكن يعارضها ما عن منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

اني طفت فلم أدر أ ستة طفت أم سبعة، فطفت طوافا آخر؟ فقال: هلا استأنفت؟

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 10

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 420

..........

قلت: طفت و ذهبت، قال: ليس عليك شي ء «1» يمكن الجمع بينه و بينها بما يلي:

1- حمل هذا الحديث على الطواف المستحب و فيه: انه لو كان كذلك لما كان مجال لقوله: «هلا استأنفت».

2- ان يقال: ان المراد من قوله عليه السّلام: «ليس عليه شي ء» نفي الكفّارة دون غيرها و فيه انه بإطلاقه ينفي كلّ شي ء و كونه في مقام بيان حكمه من الإعادة و عدمها فالإعادة ايضا منفيّة بذلك.

و لكن يمكن الجمع بينه و بينها بان يقال: انه بعد ان حصل له الشك أتى

بشوط و لذا قال عليه السّلام: «هلا استأنفت؟» فقال: اني: «طفت و ذهبت» فيكون المراد منه استيناف أصل الطواف لا الإتيان بشوط فقط، فان تم هذا الجمع فهو، و الا فلا بد من رفع اليد عنه، لمخالفته للنصوص و الفتاوي و ضرورة الفقه.

الثاني- انه هل يبطل طوافه بمجرد الشك أو لا بل له التروّي كما انه ورد في باب الصّلاة التّروي عند الشّك و عدم بطلان عمله بمجرد حصوله؟؟ قد يقال بالثاني، لأنه و ان لم يرد في اخبار المقام ما يدل على التروي، لكنه محقق للموضوع و هو الشك المستقر فيتروى لان يحصل له العلم أو يستقر له الشّك الّذي هو المنصرف إليه الإطلاق فإن استقرّ الشّك تحقق الموضوع و يحكم ببطلان عمله و الا فلا، فتأمل.

الثالث- انه هل يعتبر في كل شوط في أثناء الأشواط ان يكون عدده معلوما عنده بعد حصوله أو لا، بل اللازم ان يكون مجموع الطواف معلوما عنده بان علم

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 421

..........

بإتيان سبعة أشواط؟ و المتعين هو الأول، لأن المضي على الشك مبطل في هذا المقام.

الرابع- انه إذا شك بين السّبع و الثّمان بعد الطّواف فهل يمضي على طوافه أولا؟ مقتضى صحيح الحلبي و هو: قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر أ سبعة طاف أم ثمانية؟ فقال: أما السبعة فقد استيقن و انما وقع وهمه على الثامن فليصل ركعتين «1» هو عدم الاعتناء به.

نعم إذا شك في ان ما بيده هل هو السابع أو الثامن، فقيل بوجوب الإعادة عليه، لعدم تمكنه من الإتمام، لأنه ان

رفع اليد عن هذا الشوط احتمل النّقصان، و ان أتمه احتمل الزّيادة، فالأمر دائر بين المحذورين: احتمال الزيادة العمدية و احتمال النقصان العمدية و كلاهما مضران، و قد تقدم تقريب عدم مضرية احتمال الزيادة العمدية في المقام و تقريب مضريّة احتمال الزّيادة في ص (375) فراجعه.

نعم قد عرفت دلالة بعض اخبار الباب على ان الشّك في النّقيصة في الأثناء يوجب البطلان، و لكن يمكن ان يقال بانصرافه الى الشك بالنسبة إلى شوط تمام فعليه يتجه القول بعدم وجوب الإعادة عليه في مفروض المقام لكون الشك فيما نحن فيه في جزء الشوط لإتمامه فعليه ان يتمّ شوطه هذا.

لكن الظاهر إطلاق الاخبار فليس في البين انصراف أولا، و على فرض ثبوته فبدوىّ ثانيا، فلا عبرة به في تقييد الإطلاق، فعليه يتّجه حينئذ القول ببطلان طوافه و وجوب الإعادة عليه، فتدبر.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 35 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 422

..........

الخامس- انه ذهب المفيد «رحمه اللّه تعالى» الى ان الشاك في أثناء الطواف يبني على الأقل و يتم، و لعل نظره «رحمه اللّه تعالى» في ذلك الى ما مضى من حديث منصور بن حازم الذي قد عرفت ان اللازم توجيهه أو الى ان المراد مما في الاخبار من انه لو شك اتى بعد ذلك بالطواف هو الإتيان بالشوط المشكوك بان يكون المراد من الطواف الشوط، فإنه أيضا يطلق عليه الطواف تسمية الجزء باسم الكل.

لكن التحقيق: ان ما في بعض الاخبار المتقدمة من التعبير بالإعادة و الاستيناف و ما في بعض الاخبار من قوله عليه السّلام: «يستقبل» صريح في ان المراد من الطواف الأشواط السبعة لا الشوط الواحد.

السادس- قد عرفت انه ورد في

بعض الاخبار المتقدمة: (ان ذلك قد فاته) فقال عليه السّلام «ليس عليه شي ء» يقع الكلام في انه هل يكون المراد من الفوت الفراغ- كما أشرنا إليه في الأمر الأول- أو المراد منه فوت وقت طواف الحج؟ و الظاهر هو الأخير فلا يصح ان يقال ان المراد منه هو الفراغ لعدم كونه فوتا، و ذلك لانه لو فرض دخوله في صلاة الطواف مثلا لا يقال بأنه فات منه الطواف، و لذا لو تذكر عدم إتيانه بالطواف امكنه العود للإتيان به ثم الإتيان بالصلاة فالفوت انما يتحقق بذهاب وقت الطواف، و وقته- على ما قرّر في محلّه- الى آخر ذي الحجة، فتحصل: انه لو حصل له الشكّ قبل الفوت فعليه الإعادة، و لو حصل له بعد الفوت بالمعنى المزبور فلا يعتنى به، و هذا- كما ترى- مناف لقاعدة الفراغ، و ذلك لان مقتضى ما عرفت انه لو شك قبل الفوت كان عليه الإعادة، و لو حصل الفراغ و التجاوز عن المحل الشرعي بالدخول

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 423

و بنى على الأقل في النافلة (1)

في المرتب الشرعي، فتأمل.

(1) ما أفاده المصنف «قدس سره» من البناء على الأقل في النافلة فيما إذا شك في عدد أشواط الطواف مما لا ينبغي الإشكال فيه، و هو المعروف بين الأصحاب بل في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه. إلخ» و يدل عليه ما رواه احمد بن عمر المرهبي عن ابي الحسن الثاني عليه السّلام قال: قلت رجل شك في طوافه فلم يدر ستة طاف أم سبعة؟ قال: ان كان في فريضة أعاد كل ما شك فيه و ان كان في نافلة بنى على ما هو أقل

«1» و خبر ابي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل شك في طواف الفريضة؟ قال: يعيد كلما شك، قلت: جعلت فداك شك في طواف نافلة؟ قال: يبني على الأقل «2» الى غير ذلك من الاخبار المأثورة عنهم عليهم السّلام.

لكن عن الفاضل و ثاني الشهيدين جواز البناء على الأكثر، حيث لا تستلزم الزيادة، كالصلاة للتشبيه بها، و للمرسل عن رجل لا يدري ثلاثة طاف أو أربعة؟ قال:

طواف نافلة أو فريضة؟ قيل: أجبني فيهما جميعا، قال: ان كان طواف نافلة فابن على ما شئت، و ان كان طواف فريضة فأعد الطواف «3» لدلالته على جواز البناء على الأكثر و ما عن حنان بن سدير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في رجل طاف فلوهم قال: طفت أربعة أو طفت ثلاثة؟ فقال أبو عبد اللّه: أي الطوافين كان طواف نافلة أم طواف فريضة؟ قال: ان كان طواف فريضة فليلق ما في يديه و ليستأنف و ان

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 12

(3) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 424

[الثّانية من زاد على السبع ناسيا و ذكر قبل بلوغه الركن]

الثّانية من زاد على السبع ناسيا و ذكر قبل بلوغه الركن قطع و لا شي ء عليه (1).

كان طواف نافلة فاستيقن ثلاثة و هو في شك من الرابع انه طاف فليبن على الثلاثة فإنه يجوز له «1».

لكن الأول: ضعيف بالإرسال. و أما الثاني: فلعدم مقاومته مع الاخبار الدالة على انه بنى على الأقل بعد معاضدتها بما تقدم.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و يدل عليه

خبر ابي كهمس قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي فطاف ثمانية أشواط؟

قال: ان ذكر قبل ان يأتي الركن فليقطعه «2» و بإسناده عن محمد بن احمد بن يحيى عن محمد بن الحسين، عن ابن فضال مثله، و زاد (و قد أجزأ عنه، و ان لم يذكر حتى بلغه فليتم أربعة عشر شوطا و ليصل اربع ركعات «3».

ان قلت: انه ضعيف سندا، قلت: انه و ان كان كذلك الا انه منجبر بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» فعليه لا يقاوم معارضته خبر عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: من طاف بالبيت فوهم حتى يدخل في الثامن فليتم أربعة عشر شوطا، ثم ليصل ركعتين «4» فيحمل بعد قصوره عن المقاومة على إرادة إتمام الشوط من الدّخول في الثّامن أو غير ذلك.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 7.

(2) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 4

(4) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 425

[الثالثة من طاف و ذكر انه لم يتطّهر أعاد في الفريضة دون النّافلة]

الثالثة من طاف و ذكر انه لم يتطّهر أعاد في الفريضة دون النّافلة و يعيد صلاة الطّواف الواجب واجبا و الندب ندبا (1)

[الرابعة من نسي طواف الزيارة حتى رجع الى اهله]

الرابعة من نسي طواف الزيارة حتى رجع الى اهله و واقع قيل: عليه بدنة و الرجوع الى مكة للطّواف (2). و قيل لا كفارة عليه (3) و هو الأصح و يحمل القول الأول على من واقع بعد الذّكر (4)

ثم انه بناء على تماميّة الخبر المزبور يقيّد به ما تقدّم سابقا من ان من زاد على السبعة سهوا أكملها أسبوعين.

(1) لما تقدم في أول مبحث الطواف من اشتراط الطّهارة من الحدث في الطواف الواجب في صحيح محمد بن مسلم قال: سألت أحدهما عليهما السّلام عن رجل طاف طواف الفريضة و هو على غير طهور؟ قال: يتوضأ و يعيد طوافه، و ان كان تطوعا توضأ و صلّى ركعتين «1» من أراد الاطلاع على تفصيل الكلام عنه فليراجع أول هذا المبحث

(2) و القائل الشيخ «قدّس سرّه» في محكي النهاية و المبسوط و ابنا البرّاج و سعيد.

(3) و القائل الحلي و الفاضل و الشهيدان و غيرهم و حكى نسبته إلى الأكثر.

(4) يمكن الاستدلال للقول الأول- و هو لزوم البدنة- بوجوه:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 38 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 426

..........

الأول- ما مر من صحيح علي بن يقطين و خبر علي بن أبي حمزة المتقدمين الدالين على ثبوت الكفارة فيما إذا ترك الطواف جهلا، بدعوى استفادة حكم النسيان منهما و فيه أولا- ان الجهل غير النسيان فلا يمكن التعدي عن المورد الى غيره، و أما ثانيا- فلعدم ورود تلك الاخبار في خصوص صورة وقوع المواقعة بل مقتضاها كون ترك الطواف

موجبا للكفارة و ان لم يواقع.

الثاني- حسن معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن متمتع وقع اهله و لم يزر البيت؟ قال: ينحر جزورا، و قد خشيت ان يكون ثلم حجه ان كان عالما، و ان كان جاهلا فلا شي ء عليه. إلخ «1»، يمكن ان يقال في وجه الاستدلال به هو انه عليه السّلام اخرج العالم بقوله: (و قد خشيت ان يكون ثلم حجه ان كان عالما) و الجاهل بقوله: (ان كان جاهلا فلا بأس) المقتضي؟؟؟ لنفي الكفارة أيضا لا خصوص نفي البطلان و العقاب فبقي في البين حكم النّاسي، فيختص حكمه عليه السّلام في صدره بالكفّارة على النّاسي.

و لكن يمكن ان يقال: انه يعارضه المرسل- في من لا يحضره الفقيه- فيمن جامع و هو محرم: (و ان كنت ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي ء عليك) و الصحيح المروي في العلل في المحرم يأتي أهله ناسيا؟ قال: لا شي ء عليه انما هو بمنزلة من أكل في شهر رمضان و هو ناس).

لكن التحقيق: انه لا معارضة بينهما و بين حسن معاوية بن عمار السّابق.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 427

..........

اما أولا- فلان الصحيح و المرسل ظاهرهما ناسي الإحرام لا ناسي الطواف.

و اما ثانيا- فلانه على فرض تسليم ذلك نقول: انه لا ربط لحسن معاوية بن عمار بما نحن فيه- و التقريب المذكور مما لا مجال له، و ذلك لعدم كون المقصود مما فيه من العلم و الجهل هو العلم بالطواف و الجهل به، بل المقصود منه العلم بحرمة المواقعة على المحرم و الجهل به.

و اما ثالثا- فلانه يمكن الاستدلال بذيل

حسن معاوية بن عمار، بناء على نسخة الجواهر و هو قوله: «فلا بأس به»- على عدم ثبوت الكفارة بدعوى عموم نفي البأس للكفارة أيضا بعد جعل العلم قيدا لجميع ما تقدمه لا خصوص الثلم و الإثم، مضافا الى نسخة المدارك و الوسائل «لا شي ء عليه» بدل: «فلا بأس به» فلا معارضة بينه و بين الصحيح و المرسل حتى نحتاج الى الجمع بحمله على الندب، كما أفاده صاحب الجواهر «قدس سره».

الثالث- صحيح علي بن جعفر المتقدم قال: سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده و واقع النساء كيف يصنع؟ قال: يبعث الهدي ان كان تركه في حج، بعث به في حج، و ان كان تركه في عمرة، بعث به في عمرة و وكل من يطوف عنه ما تركه من طوافه «1» لانه- كما ترى- بظاهره يدل على ان من نسي طواف الحج و اتى أهله كان عليه الكفارة، و لكن يمكن المناقشة فيه بما يأتي:

1- ان هذا الشخص انما ترك طواف الحج- بناء على تمامية كون المراد من

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 428

..........

قوله: (طواف الفريضة) طواف الحج- و لم يترك طواف النساء، فعليه ان قلنا بكون الترتيب بين الطوافين واقعيا صح القول بثبوت الكفارة عليه، و الا لأشكل ذلك، لحصول حلية النساء له- بناء عليه- بطواف النساء، لاختصاص اشتراط الترتيب بحال الذكر.

اللهم الا ان يقال: ان مقتضى القاعدة الأولية كون الترتيب واقعيا إلا إذا قام دليل تعبدي على خلافها، و لم يرد دليل فيما نحن فيه على كونه ذكريا فتأمل.

2- ان المستفاد من اخبار الكفارات اختصاصها بحال العمد غير الصيد فعليه يمكن

ان يقال بتقييد صحيح المزبور بصورة حصول التذكر بعد النسيان و حصول المواقعة بعد الذكر، بل ظاهر قول المصنف «قدس سره»: (بحمل القول الأول على من واقع بعد الذكر) قبول عبارة القائل لذلك، فتخرج المسألة حينئذ عن الخلاف، و لكن لا تقبل عبارات بعض الأصحاب ذلك، و كيف كان فبعد هذه المسألة تحتاج إلى الدقة و التأمل.

تذييل ان الاخبار المتقدمة لم تشتمل على البدنة فلا دليل على كون الكفارة- بناء على ثبوتها- البدنة الا خبري علي بن يقطين، و علي بن أبي حمزة، و حسن ابن عمار المشتمل على الجزور، لكن قد عرفت الإشكال في الاستدلال بها للمقام، و أما صحيح علي بن جعفر فالمذكور فيه الهدى و حمله على البدنة غير ظاهر.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 429

و لو نسي طواف النساء جاز ان يستنيب (1)

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه نصا و فتوى، بل الإجماع بقسميه عليه).

انما الكلام في جواز ذلك اختيارا- كما نسب الى المشهور- أولا بل يختص بما إذا لم يتمكن من الإتيان به بنفسه و بمباشرته؟ يمكن الاستدلال للأول بعدة اخبار منها:

1- صحيح الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل نسي طواف النساء حتى رجع الى أهله؟ قال: يرسل فيطاف عنه. إلخ «1».

2- صحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل نسي طواف النساء حتى دخل اهله قال: لا تحل له النساء حتى يزور البيت و قال: يأمر من يقضي عنه ان لم يحج فإن توفي قبل ان يطاف عنه فليقض عنه وليه أو غيره «2».

3- صحيحة الآخر عنه

عليه السّلام قال: قلت له: رجل نسي طواف النساء حتى رجع الى أهله؟ قال: يأمر من يقضي عنه ان لم يحج، فإنه لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت «3» مقتضى إطلاق هذه الاخبار هو جواز الاستنابة في حال الاختيار.

و لكن يمكن ان يقال بالثاني، لصحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في رجل نسي طواف النساء حتى أتى الكوفة؟ قال: لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت، قلت: فان لم يقدر؟ قال: يأمر من يطوف عنه «4» و صحيحة الآخر عنه عليه السّلام قال: سألته عن رجل نسي طواف النساء حتى رجع الى أهله؟ قال: لا تحل له النساء حتى يزور البيت، فان هو مات و ليقض عنه وليه أو غيره، فاما ما دام حيا فلا

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 11

(2) الوسائل ج 2 الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 6

(3) الوسائل ج 2 الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 8

(4) الوسائل ج 2 الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 430

..........

يصلح ان يقضى عنه، و ان نسي الجمار فليسا بسواء ان الرمي سنه و الطواف فريضة «1» و أنت ترى انه رتب الحكم- و هو جواز الاستنابة- في الحديث الأول على عدم القدرة و في الحديث الثاني صرح بنفي الصلاح من ان يقضى عنه:

مضافا الى انه قد ذكرنا غير مرة ان مقتضى القاعدة الأولية المباشرية ما دام لم يثبت بالدليل الخاص جواز الاستنابة، و ذلك لعدم كون فعل الغير فعلا للمكلف حتى يكون عدلا للفعل المباشري- كما هو واضح- و لو بنحو المسبب التوليدي، فجعل النيابة عدلا لفعل المكلف

يحتاج إلى مؤنة زائدة ثبوتا و إثباتا و بدون الدليل على تشريعها يكون مقتضى الأصل عدم صحتها و عدم فراغ ذمة المكلف بفعل الغير، كما لا يخفى. و الإطلاق في جميع الواجبات الشرعية يقتضي المباشرية، كما يقتضي العينية و التعينية و النفسية و التوصلية.

هذا مضافا الى إمكان دعوى انصراف المطلقات الى خصوص صورة عدم القدرة لأنه عليه السّلام- كما ترى- أمر في الحديث الأول لمعاوية بن عمار الّذي استدلّ به للقول الثاني- و هو عدم جواز الاستنابة في حال الاختيار- بان يطوف بنفسه، و لكن لما فرض السائل عدم القدرة على الإتيان بالطواف بنفسه قال: يأمر من يطوف عنه.

هذا و لكن التحقيق هو جواز الاستنابة حتى في حال الاختيار، لإطلاق الصّحاح المتقدمة في صدر المبحث، و اما دعوى الانصراف ففيها ما لا يخفى أما أولا فلعدم ثبوت الانصراف في البين، و اما ثانيا فلانه على فرض ثبوته فبدوى، فلا عبرة

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 431

..........

به في تقييد الإطلاقات، لعدم كونه كالقرينة الحافة بالكلام الذي هو الضابط في الانصراف الصالح للتقييد.

و اما صحيح الأول لمعاوية بن عمار المتقدم هنا الذي استدل به على عدم جواز الاستنابة في حال الاختيار، فلا ينهض للدلالة على الخلاف، لان عدم القدرة فيه مفروضة في كلام السائل، و اما كونها دخيلة في جواز الاستنابة فغير معلوم.

و اما صحيحة الآخر الذي استدل به ايضا على عدم الجواز ففيه: انه لا يدل على التفصيل بين صورة الاختيار و الاضطرار، و انما غاية ما يدل عليه بناء على القول بدلالة نفي الصلاح في قوله عليه السّلام: (فلا يصلح ان يقضي عنه) على

نفي الاجزاء هو ان الطواف كالصوم في عدم قبوله النيابة في حال الحياة، و لو مع عدم القدرة على المباشرة و هذا- كما ترى- خلاف الإجماع و ضرورة الفقه، للدليل على تشريع الاستنابة في تمام الحج عند عدم القدرة كقوله عليه السّلام في بعض الاخبار المتقدمة في باب النيابة (فليجّهز رجلا) و نحوه، فكيف بخصوص الطواف، فعليه لا يمكن الأخذ بظاهره.

و اما تقييده بصورة القدرة و الاختيار فمحتاج الى ورود دليل مقيد له و لو ورد الدليل كذلك فهو بنفسه دال على عدم جواز الاستنابة مع الاختيار من دون احتياج اليه و كيف كان فلم يثبت ذلك الدليل فيتعين حمله على الكراهة فتأمل.

و لكن قد يقال: ان صحيح معاوية بن عمار المتضمن لقول السائل: (قلت:

فان لم يقدر) بناء على عدم دلالته على عدم جواز الاستنابة مع الاختيار لكون فرض

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 432

..........

عدم القدرة في كلام السائل، و لكن قد يقال بنهوضه مقيدا لصحيحة الآخر المتضمن لقوله عليه السّلام: (و اما ما دام حيا فلا يصلح ان يقضي عنه) لا خصيته منه فتأمل.

يمكن ان يقال بجواز الاستنابة إذا كان تركها حرجيا، و الا فلا و ذلك لان مورد الاخبار هو رجوعه إلى اهله و من الواضح انه حينئذ رجوعه إلى مكة لإتيان الطواف بنفسه يكون غالبا حرجيا عليه و يكون ذكر الرجوع الى أهله في الاخبار للإشارة إلى لزوم العسر و الحرج، لا ان له خصوصية، فالأخبار منصرفة إليه فمهما كان ذلك حرجيا عليه سواء وصل الى أهله أو لا جاز له الاستنابة لقاعدة نفى العسر و الحرج و إذا لم يكن كذلك فلا فعليه من قال بجواز الاستنابة مع عدم القدرة

لعله ليس المراد منه عدم القدرة عقلا، بل المراد منه هو لزوم العسر و الحرج الزائد على العسر و الحرج الموجود في طبيعة السفر الى الحج و المراد مما في صحيح معاوية بن عمار المتقدم المتضمن لقول السائل (قلت:

فان لم يقدر.) ايضا ذلك فتدبر.

و لكن التحقيق: خلاف ذلك لجريان قاعدة نفى العسر و الحرج فيما إذا كان نفس الواجب حرجيا، و اما في المقام فليس كذلك، لعدم كون نفس الطواف المباشري حرجيا و انما الحرج في مقدمته و هو الرجوع و ليس وجوب المقدمة شرعيا حتى ينفى بقاعدة نفي العسر و الحرج، فالتحقيق: انه لا فرق في الحكم بجواز الاستنابة بين لزوم العسر و الحرج و عدمه و يجوز مطلقا فتأمل.

الثاني- انه هل يختص جواز الاستنابة بما إذا رجع الى أهله أو يعم ما إذا تذكر في الطريق؟؟ يمكن ان يقال بالثاني، لأن ما في الاخبار من رجوعه إلى أهله

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 433

..........

انما هو في كلام السائل فلا يمكن تقييد الحكم به لعدم الخصوصيّة له. نعم لا يمكن الحكم بجواز الاستنابة اختيارا حتى ما إذا كان في مكة أو خرج قليلا منها.

و لكن يمكن المناقشة فيه بأنه و ان كان رجوعه إلى أهله مذكورا في كلام السائل الا ان اخبار المقام وردت في خصوص هذا الفرض و لم يرد خبر مطلق حتى يقال بعدم تخصيصه الاخبار، لكون القيد في كلام السائل فالتحقيق اختصاص الحكم بالرجوع إلى أهله، لاحتمال الخصوصية، فالتّعدي من المورد الى غيره محتاج الى تنقيح المناط القطعي و هو- كما ذكرناه غير مرّة- غير حاصل في الشّرعيّات.

ينبغي هنا بيان أمور: الأول- ان الظاهر اختصاص إجزاء الاستنابة بما إذا لم

يكن الترك عمدا، و أما معه فالأصل يقتضي الرجوع بنفسه، فتأمل.

الثاني- ان ظاهر ما تقدم من الاخبار هو وجوب طواف النساء في الحج و ان كان قد طاف طواف الوداع، مضافا الى ان طواف الوداع مستحب و اجزائه عن الواجب محتاج الى دليل معتبر و لم يثبت ذلك، و لكن يمكن الاستدلال لذلك بخبر إسحاق بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: لولا ما منّ اللّه به على الناس من طواف الوداع لرجعوا الى منازلهم، و لا ينبغي لهم أن يمسوا نسائهم. «1» و قد أفتى بكفايته عنه علي بن بابويه- على ما حكى عنه في الجواهر.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 434

و لو مات قضاه وليه وجوبا (1)

يمكن المناقشة فيه: أما أولا- فلكونه ضعيفا سندا فلا عبرة به.

و اما ثانيا- فلعدم مقاومته للمعارضة مع الاخبار المتقدمة الدالة على لزوم الإتيان بطواف النساء بنفسه أو بنائبه.

و اما ثالثا- فلاختلاف نسخه، لأنه في نسخة الوسائل: «طواف الوداع» كما انه جاء فيها ايضا: «طواف النساء» «1» و في نسخة الكافي: «طواف النساء».

مضافا الى ما ذكره صاحب الجواهر بقوله: (مع إمكان اختصاصه بالعامّة الذين لا يعرفون وجوب طواف النساء و ارادة المنّة على المؤمنين بالنسبة إلى نسائهم غير العارفات، و كون المراد ان الاتفاق على فعل طواف الوداع سببا لتمكن الشيعة من طواف النساء، إذ لولاه لالزمتهم التقيّة بتركه غالبا) و على كل حال فلا يجزى طواف الوداع عن طواف النساء، فلا تحل له النساء بدونه حتى العقد سواء كان المكلف به رجلا أو امرأة، و يحرم حينئذ عليها تمكين الزوج، كما تقدّم ذلك كله في

أحكام الإحرام، فتدبر.

(1) ما أفاده المصنف «قدّس سرّه» من وجوب قضاء طواف النّساء على وليّه عنه لو مات مما لا ينبغي الإشكال فيه و قد نفى عنه الخلاف و يدلّ عليه الاخبار المتقدمة بل ظاهر قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار: (فإن توفي قبل ان يطاف عنه فليقض عنه وليه أو غيره) هو اجزاء فعل الغير عنه و ان لم يكن باستنابة من الولي، فتدبر.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 435

[الخامسة من طاف كان بالخيار في تأخير السعي]

الخامسة من طاف كان بالخيار في تأخير السعي إلى الغد (1) ثم لا يجوز مع القدرة (2)

(1) أما جواز تأخير السعي لرفع التعب و نحوه بل الى الليل فمما لا اشكال فيه و هو المعروف بين الأصحاب و استدل لذلك بصحيح محمد بن مسلم قال: سألت أحدهما عن رجل طاف بالبيت فأعيا، أ يؤخر الطواف بين الصفا و المروة؟ قال: نعم «1».

و صحيح عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يقدم مكة و قد اشتد عليه الحر فيطوف بالكعبة و يؤخر السعي الى ان يبرد؟ فقال: لا بأس به، و ربما فعلته، و قال: و ربما رأيته يؤخر السعي إلى الليل «2» و رواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن احمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن عبد اللّه بن سنان مثله الى قوله: «و ربما فعلته» الا انه قال: «يقدم مكة حاجا. إلخ».

(2) أما عدم جواز تأخير السعي إلى الغد مع القدرة فمما لا ينبغي الإشكال فيه و قد صرح به جماعة من الأصحاب و استدل له بصحيح العلاء

بن رزين قال: سألته عن رجل طاف بالبيت فأعيا أ يؤخر الطواف بين الصفا و المروة إلى غد؟ قال: لا «3» و نحوه غيره من الاخبار و هو كما ترى ظاهر في عدم جواز تأخيره إلى الغد، كما صرح به غير واحد من الأصحاب، بل قد نفى عنه الخلاف الا من المصنف، و دليله غير ظاهر في قبال صحيح العلاء المانع من ذلك فيمن طاف فأعيا، سوى الأصل المقطوع، و الإطلاق المقيد بما عرفت، و يمكن ان يكون نظره بما تقدم (و ربما رأيته يؤخر

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 60 من أبواب الطواف الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 60 من أبواب الطواف الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 60 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 436

[السادسة يجب على المتمتع تأخير الطواف و السعي حتى يقف بالموقفين، و يأتي مناسك يوم النحر]

السادسة يجب على المتمتع تأخير الطواف و السعي حتى يقف بالموقفين، و يأتي مناسك يوم النحر (1)

السعي إلى الليل) لكونه دالا بناء على ظهوره في دخول الغاية على جواز فعله في الليل الداخل فيه مسماه اجمع حتى يتحقق صدق اسم الغد، و كيف كان فلا عبرة به بعد الصحيح المزبور المعتضد بالشهرة.

نعم الظاهر اختصاص المنع بتأخيره إلى الغد، و اما التأخير إلى آخر الليل، فلا بأس به للأصل ان لم يكن ظاهرا لإطلاق السابق، فلو طاف قبل طلوع الفجر متصلا به و سعى بعد طلوعه صح لعدم كونه تأخيرا إلى الغد- كما هو واضح- هذا كله مع القدرة و أما مع الاضطرار: فلا ينبغي الإشكال في الجواز، كما صرح به غير واحد من الأصحاب لعدم الدليل على مشروعية الاستنابة في هذا الفرض، فتدبر.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) قديما

و حديثا بل في الجواهر: «بلا خلاف محقق معتد به أجده، بل الإجماع بقسميه عليه، بل نسبته إلى إجماع العلماء كافة. إلخ» و يدل عليه- مضافا الى ما عرفت- خبر ابي بصير قال: قلت: رجل كان متمتعا و أهل بالحج؟ قال: لا يطوف بالبيت حتى يأتي عرفات، فان هو طاف قبل ان يأتي منى من غير علة فلا يعتد بذلك الطواف «1» و مفهوم الموثق و الصحيح الآتيين

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب أقسام الحج الحديث 5؟؟؟

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 437

و لا يجوز التعجيل الا للمريض، و المرأة التي تخاف الحيض و الشيخ العاجز (1)

و من هنا ظهر ضعف ما حكى عن بعض متأخري المتأخرين من جواز ذلك مطلقا استنادا إلى إطلاق بعض النصوص، كصحيح علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل المتمتع يهل بالحج ثم يطوف و يسعى بين الصفا و المروة قبل خروجه إلى منى؟ قال: لا بأس به «1» المقيد بما أشار إليه المصنف و غيره.

(1) لموثق أو صحيح إسحاق بن عمار قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المتمتع إذا كان شيخا كبيرا أو امرأة تخاف الحيض يعجل طواف الحج قبل ان يأتي منى؟

قال: نعم من كان هكذا يعجل. إلخ «2» و خبر صفوان بن يحيى الأزرق عن ابى الحسن عليه السّلام قال: سألته عن امرأة تمتعت بالعمرة إلى الحج ففرغت من طواف العمرة و خافت الطمث قبل يوم النفر أ يصلح لها ان تعجل طوافها طواف الحج قبل أن تأتي منى؟ قال: إذا خافت ان تضطر الى ذلك فعلت «3»، و خبر إسماعيل بن عبد الخالق قال: سمعت أبا عبد اللّه

عليه السّلام يقول: لا بأس ان يعجل الشيخ الكبير و المريض و المرأة و المعلول طواف الحج قبل ان يخرج إلى منى «4» و حسن الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس بتعجيل الطواف للشيخ الكبير و المرأة تخاف الحيض قبل ان تخرج إلى منى «5» فما عن ابن إدريس من عدم جواز التقديم مطلقا واضح الضعف نحو ما سمعته من بعض متأخري المتأخرين من الجواز مطلقا الذي هو طرف الإفراط معه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب أقسام الحج الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب أقسام الحج الحديث 7

(3) الوسائل ج 2 الباب 84 من أبواب الطواف الحديث 9

(4) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب أقسام الحج الحديث 6

(5) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب أقسام الحج الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 438

..........

ينبغي هنا التنبيه على أمور: الأول- انه هل يجوز تقديم الطواف و السعي في حج التمتع في صورة العذر مطلقا أو لا بد من الاقتصار على العناوين الخاصة المشتملة عليها اخبار المقام؟؟

و الأقوى في النظر هو الثاني، لاحتمال الخصوصية إلا إذا حصل القطع بالمناط أو قام الدليل على جواز التسرية.

الثاني- انه قد يقال بكفاية مطلق العذر في جواز تقديم الطواف و السعي على الوقوفين لذيل ما رواه احمد بن محمد قال: سمعت أبا الحسن الأول عليه السّلام يقول:

لا بأس بتعجيل طواف الحج و طواف النساء قبل الحج يوم التّروية قبل خروجه من منى و كذلك من خاف امرا لا يتهيأ له الانصراف إلى مكة ان يطوف و يودع البيت، ثم يمر كما هو من منى إذا كان خائفا «1» و

فيه: انه بعد الإغماض عن سنده: ان ظاهر قوله عليه السّلام فيه: (ان يطوف و يودع البيت) هو طواف الوداع، و كون المراد من قوله عليه السّلام: (ثم يمر كما هو من منى) هو الذهاب إلى منى للمبيت لا الذهاب إليها للأعمال و اما صدر الحديث فهو كما ترى غير مختصّ بصورة العذر و الاضطرار لكونه مطلقا.

الثالث- انه لا تصح دعوى كون المراد مما في الاخبار من جواز تقديم الطواف و السعي هو تقديمهما على اعمال منى بعد الوقوفين، لكونها خلاف ظاهرها.

الرابع- انه يلزم الاشكال من القول بما تقدم و هو جواز تقديم الطّواف و السعي

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 64 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 439

..........

في حج التمتع على الوقوفين عند تحقق العناوين الخاصة المشتملة عليها اخبار المقام:

و هو ان ما يستفاد من ظاهر اخبار المقام مناف لما ذكرناه غير مرة من توسعة وقت الطواف و السعى إلى آخر ذي الحجة، فعليه ان رفعنا اليد عن ذلك صح ما تقدم منا هنا تبعا للمشهور، و الا فلا، و ذلك لأنه إذا كان الواجب هو صرف الوجود، و موضوعه صرف الوجود من الوقت لم يتحقق الاضطرار بوجود العذر في أول الوقت بدون استيعابه الى آخره و من المعلوم ان الحيض لا يستغرق جميع الوقت من أوله إلى آخر ذي الحجة و كذلك لا يكون الكبر مانعا بواسطة ازدحام الناس لعدم دوام ازدحامهم الى آخر ذي الحجة.

ان قلت: انه يمكن ان يفرض له مانع مستوعب لتمام الوقت بان لا تتمكن من الطواف لأجل الحيض من يوم النحر الى آخر أيام التشريق و فرض انه بعد أيام التشريق لا يمهلها جمالها

حتى تطوف بالبيت إذا انقطع حيضها.

قلت: المانع على هذا ليس هو الحيض، بل المانع هو الحيض و عدم امهالها الجمال و ما أنكرنا تحقق الاضطرار على الإطلاق و انما الكلام في ما ذكر في الاخبار من الاضطرار لأجل الحيض أو الكبر و نحوهما و نقول: انه كيف يمكن ان يتصور استغراقه لجميع الوقت حتى يتم ما ذكر.

ان قلت: ان المانع مركب من الحيض مثلا و عدم إمهال الجمال و بذلك كله حصل الاضطرار.

قلت: هذا انما يصح بناء على القول بان موضوع الحكم، هو مطلق الاضطرار

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 440

..........

دون خصوص العناوين الخاصة و لكن الأمر ليس كذلك لعدم كون المستفاد من الاخبار ذلك، و المشهور لا يلتزمون به و بالجملة: فرض حصول الاضطرار بواسطة الحيض أو الكبر و نحوهما الموجب لتقديم الطواف و السعي مشكل.

و التحقيق في مقام الجواب عن هذا الاشكال هو ان يقال: ان نفس الاضطرار بالحيض أو الكبر أو المرض في أول الوقت- و هو أيام التشريق- و ان لم يكن مستوعبا لجميع الوقت الا انه موضوع لجواز التقديم تعبدا، فيجوز له التقديم على ذلك الوقت و التأخير عنه الى ان يرتفع المانع مع بقاء ذي الحجة مضافا الى انه يمكن ان يقال: ان الكبر و نحوه بما هو موضوع لجواز التقديم و لا معنى لانكشاف الخلاف فيه، فتأمل.

(جواز تقديم طواف النّساء على الوقوفين و عدمه) الخامس- انه يمكن ان يقال بجواز تقديم طواف النساء على الوقوفين في حال الضرورة لما رواه احمد بن محمد (عن محمد بن عيسى خ ل) عن الحسن بن علي، عن أبيه، قال: سمعت أبا الحسن الأول عليه السّلام يقول: لا بأس بتعجيل طواف

الحج و طواف النساء قبل الحج يوم التروية قبل خروجه إلى منى، و كذلك من خاف أمرا لا يتهيأ له الانصراف إلى مكة: ان يطوف و يودع البيت، ثم يمر كما هو من منى إذا كان خائفا «1».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 64 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 441

..........

و لا يخفى ان قوله عليه السّلام: (لا بأس بتعجيل طواف الحج و طواف النساء قبل الحج) و ان كان دالا على جواز ذلك حتى في حال الاختيار، إلا انه يقيد: إما بدعوى جعل ذيله قرينة على عدم جواز تقديمه في حال الاختيار، أو تسالم الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم»، أو الاخبار الدالة على عدم جواز تقديم الطواف و السعي اختيارا بدعوى: كون المراد من الطواف جنس الطواف لا خصوص طواف الحج، أو ما دل من الاخبار على عدم جواز تقديم طواف النساء على الوقوفين اختيارا.

مضافا الى انه يمكن الاستدلال على جواز تقديم طواف النساء اضطرارا بما دل على جواز تقديم الطواف و السعي على الوقوفين اضطرارا بدعوى بان المراد منه جنس الطواف لا طواف الحج خاصة فتأمل.

و كيف كان فقد ذهب الحلي- رحمه اللّه تعالى- الى عدم جواز تقديم طواف النساء في حال الاضطرار، و قد ذكر لذلك وجوه:

الأول- الأصل، و فيه انه مقطوع بما عرفت.

الثاني- ان وقت طواف النساء موسع فيأتي به بعد رفع الاضطرار فلا يجوز تقديمه. و فيه: انه يمكن ان يقال انه مخالف للفرض الذي هو الضرورة الموجبة لعدم القدرة على الإتيان به مطلقا على ما هو ظاهر ذيله.

الثالث- ان طواف النساء قابل للاستنابة فيه. و فيه: انه قد عرفت مرارا أن الاستنابة على خلاف الأصل، و

لا تجوز ذلك إلا في مورد قام الدليل على جوازها و لم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 442

..........

يرد ذلك إلا في صورة النسيان خاصة و إلحاق الضرورة به قياس غير مشروع عندنا.

نعم يمكن التعدي إذا حصل القطع بالمناط و عدم مانع عن الجعل و انا لنا ذلك لما ذكرناه غير مرة انه لا سبيل لنا الى ذلك لقصور عقولنا عن ادراك الملاكات و موانعها فالتعدي عن المورد قياس، و هو ليس من مذهب أهل الحق.

الرابع- خبر إسحاق بن عمار عن المفرد للحج إذا طاف بالبيت و بالصفا و المروة أ يعجل طواف النساء؟ قال: نعم انما طواف النساء بعد ما يأتي منى) و فيه: أولا انه يدل على جواز تقديمه اختيارا، و اما اضطرارا فلا دلالة فيه على عدم الجواز، و ثانيا- انه خصص بما ذكر.

الخامس- خبر علي بن أبي حمزة قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل يدخل مكة و معه نساء قد أمرهن فتمتعن قبل التّروية بيوم أو يومين أو ثلاثة، فخشي على بعضهن الحيض فقال: إذا فرغن من متعتهن و أحللن فلينظر إلى التي يخاف عليها الحيض فيأمرها فتغتسل و تهلّ بالحجّ من مكانها، ثم تطوف بالبيت و بالصفا و المروة، فإن حدث بها شي ء قضت بقيّة المناسك و هي طامث فقلت: أ ليس قد بقي طواف النساء؟ قال:

بلى، قلت: فهي مرتهنة حتى تفرغ منه؟ قال: نعم، قلت: فلم لا تتركها حتى تقضي مناسكها؟ قال: يبقى عليها منسك واحد أهون عليها من ان يبقي عليها المناسك كلها مخافة الحدثان، قلت: ابى الجمال ان يقيم عليها و الرفقة؟ قال: ليس لهم ذلك تستعدي عليهم حتى يقيم عليها حتى تطهر و تقضي

مناسكها «1».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 64 من أبواب الطواف الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 443

..........

و فيه أولا: انه ضعيف سندا فلا عبرة به.

و ثانيا: ان أعراض الأصحاب «قدس سرهم» عنه مانع عن العمل به.

و ثالثا: ان ظاهره مخالف لما هو المتفق عليه، لظهوره بحسب المتن في قدرتها على الإتيان بطواف النساء بعد الوقوفين كما هو المستفاد منه بحسب الذيل.

و رابعا: انه ظاهر في عدم الجواز، و اما غيره فصريح في الجواز فيتعين رفع اليد عنه، لما ذكرناه غير مرة من ان حكومة النص على الظاهر من اجلى الحكومات.

مضافا الى ما ورد في الصحيح عن أبي أيوب الخزاز قال: كنت عند ابي عبد اللّه عليه السّلام فدخل عليه رجلا ليلا، فقال له: أصلحك اللّه امرأة معنا حاضت و لم تطف طواف النساء؟ فقال: لقد سئلت عن هذه المسألة اليوم، فقال: أصلحك اللّه أنا زوجها و قد أحببت أن أسمع ذلك منك، فأطرق كأنه يناجي نفسه و هو يقول:

لا يقيم عليها جمالها، و لا تستطيع ان تتخلف عن أصحابها، تمضي و قد تم حجها «1» فإذا جاز ترك طواف النساء عند الاضطرار فجاز تقديمه بطريق أولى.

و لكن مع ذلك قد يقوى في النظر عدم جواز التّقديم- اي تقديم طواف النساء اضطرارا- تبعا للحلي- «رحمه اللّه تعالى» لأدلة الترتيب، و مقتضاها كون الترتيب واقعيا.

و أما ما مرّ من حديث احمد بن محمد فصدره الشاهد على المدعي مطلق غير مقيد بصورة الاضطرار، و مفاده جواز التقديم مطلقا، كما ان مفاد أدلة الترتيب عدم جواز

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 59 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 444

..........

التقديم مطلقا فيقع بينهما التعارض، و

لم يعمل أحد بإطلاق صدر حديث احمد بن محمد الدال على جواز التقديم مطلقا، لكونه خلاف الإجماع و ضرورة الفقه، مضافا الى ضعف سند الحديث و عدم معلومية الانجبار.

و أما القول بإرادة جنس الطواف من الاخبار الدالة على جواز تقديم الطواف و السعي اضطرارا فغير معلوم، لان الظاهر منه هو طواف الحج.

و أما صحيح أبي أيوب الخزاز ففيه أولا- انه غير مربوط بالمقام، لحصول الاضطرار لها بعد الحج لعدم امهالها الجمال.

و ثانيا- انه- كما ترى- يدل على جواز ترك طواف النساء للاضطرار لا تقديمه بل دلالته عليه ممنوعة أيضا، لاحتمال إرادة التأخير، فتدبر.

و ثالثا- انه لا عبرة به و ذلك لإمكان القول بصدوره تقية لما فيه من اطراقه عليه السّلام و تفكره و مناجاة نفسه المشعر بالتقية.

مضافا الى انه يمكن الاستشهاد به لعدم جواز تقديم طواف النساء و ان وقته موسع الى آخر العمر فلا يتصور فيه الاضطرار بالحيض و الكبر و المرض، فتأمل و اللّه الهادي إلى الصواب.

السادس- انه لو قدم طواف الحج و سعيه اضطرارا و كذلك لو قدم طواف النساء فهل يحل له الطيب بطواف الحج و النساء بطواف النساء أولا؟؟ قد تقدم الكلام عن ذلك مفصلا في مبحث مواطن التحليل في ذيل صفحة (280) و قلنا هناك بعدم حصول التحلل منهما لو قدما على الوقوفين، لانصراف الأخبار الدالة على التحليل عن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 445

..........

الطواف المتقدم، و من أراد الاطلاع على تفصيل الكلام فليراجع المحل المزبور.

السابع- انه إذا قدم طواف الحج و سعيه و طواف النساء- بناء على جوازه في حج التمتع في حال الاضطرار- فهل يجزيه أو لا؟ قد يقال بعدم الاجزاء لعدم إتيانه بحجج التمتع بواسطة

عذره على الكيفية المقررة و الظاهر: انه لا ينبغي الإشكال في اجزائه، لأن ما أتي به هو حج التمتع غاية الأمر ان في حج التمتع يقدم الطواف و السعي على الوقوفين عند الاختيار، و يؤخر عند الاضطرار لأجل الدليل.

الثامن- انه لو قدم طواف الحج و سعيه لأجل العذر، ثم تبين الخلاف، فيقع الكلام في انه هل يجزيه أو لا؟؟ يمكن ان يقال بعدم الاجزاء لان موضوع الحكم على ما هو ظاهر الدليل العنوان الواقعي و انكشف خلافه فلا يجزيه إلا ان يقال بان هذه العناوين بنفسها موضوعة لجواز التقديم- كما أشرنا إليه في ذيل الأمر الرابع- فحينئذ يحكم بالاجزاء، و قد يقوى في النظر هذا القول بالنسبة إلى الحيض لاشتمال اخباره على خوف الحيض الظاهر في كونه موضوعا، فتأمل.

التاسع- انه تقدم في صفحة (410) أن طواف النساء خارج عن حقيقة الحج و لا يكون جزء له، و لا بأس بتفصيل الكلام عن ذلك، فنقول: انه يمكن الاستدلال على عدم كونه جزء للحج بصحيح أبي أيوب الخزاز المتقدم لانه ورد فيه سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة حاضت و لم تطف طواف النساء، قال الامام فيه: لا يقيم عليها جمالها، و لا تستطيع ان تتخلف عن أصحابها تمضي و قد تم حجها «1»، و بما

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 59 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 446

..........

ورد عن معاوية عن ابي عبد اللّه عليه السّلام انه قال في القارن: لا يكون قران الا بسياق الهدي و عليه طواف بالبيت، و ركعتان عند مقام إبراهيم، و سعى بين الصفا و المروة و طواف بعد الحج و هو طواف النساء، و

أما المتمتع بالعمرة إلى الحج فعليه ثلاثة أطواف بالبيت و سعيان بين الصفا و المروة «1».

يمكن الاستدلال على كونه جزء للحج بما مر في حديث علي بن أبي حمزة من قوله عليه السّلام يبقى عليه منسك واحد أهون عليها من ان يبقى عليها المناسك مخافة الحدثان «2» و ما مر من قوله في صحيح معاوية بن عمار- بعد بيان الإتيان بطواف النساء- (ثم قد أحللت من كل شي ء و فرغت من حجك كله.) «3».

و لكن يمكن المناقشة فيهما: أما (في الأول) و هو حديث علي بن أبي حمزة ان إطلاق المنسك على طواف النساء لا يدل على كونه جزء، لكونه بمعنى العبادة، و لا شك في ان طواف النساء منسك- أي عبادة- فلا يدل ذلك على كونه من مناسك الحج.

و أما في الثاني- و هو صحيح معاوية بن عمار-، فلاحتمال كون المراد منه ان ان طواف النساء مخرج عن الحج، لا انه جزء للحج و يكون نظير السّلام على القول بعدم كونه جزء للصلاة، و اما الحديثان المتقدمان فهما صريحان في عدم كونه جزء

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 64 من أبواب الطواف الحديث 5

(3) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب زيارة البيت الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 447

و يجوز التقديم للقارن و المفرد (1) على كراهية (2)

للحج فلا يقبلان الأخيران للمعارضة معهما، فلاحظ و تأمل.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب قديما و حديثا، بل في صريح الغنية الإجماع عليه، و يدل عليه صحيح حماد بن عثمان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مفرد الحج أ يعجل طوافه أو

يؤخره؟ قال: هو و اللّه سواء عجله أو أخره «1» و موثق زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المفرد للحج يدخل مكة يقدم طوافه أو يؤخره؟

فقال: سواء «2».

(2) لما قيل من خبر زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن مفرد الحج يقدم طوافه أو يؤخره؟ فقال: يقدمه، فقال رجل الى جنبه: لكن شيخي لم يفعل ذلك كان إذا قدم أقام بفخ حتى إذا رجع الناس الى منى راح معهم، فقلت له: من شيخك؟ فقال علي بن الحسين عليهما السّلام، فسألت عن الرجل فإذا هو أخو علي بن الحسين لأمه «3» إلا انه كما ترى- مضافا الى ضعفه- دلالته على عدم الكراهة أوجه، و أما اخبار التسامح فلا يمكن إثبات الكراهة بها، لما ذكرناه غير مرة من اختصاصها بالمستحبات و التعدي عن موردها الى المكروهات فمحتاج الى الدليل و هو مفقود.

مضافا الى ما تقدم منّا غير مرّة من عدم تماميّة الاستدلال بها حتى في المستحبات لعدم إمكان إثبات الحكم بها، لأن غاية دلالتها هي ترتب الثواب الموعود على العمل لا الحكم.

فقد ظهر مما تقدم ضعف ما ذهب اليه ابن إدريس من عدم جواز تقديم الطواف

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب أقسام الحج الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب أقسام الحج الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب أقسام الحج الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 448

[السابعة لا يجوز تقديم طواف النساء على السعي لمتمتع و لا لغيره اختيارا]

السابعة لا يجوز تقديم طواف النساء على السعي لمتمتع و لا لغيره اختيارا (1)

على الوقوف للقارن و المفرد.

و اما استدلاله على ذلك بالأصل و الاحتياط للإجماع على الصحة مع التأخير بخلاف التقديم ففيه ما لا يخفى، أما في

الأول: فلكونه مقطوعا بما عرفت، و أما في الثاني: فلمنع الخلاف فيه من غيره.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب قديما و حديثا، بل في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به غير واحد، بل يمكن دعوى تحصيل الإجماع عليه.»

مضافا الى جملة من النصوص- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، في حديث قال «. ثم اخرج الى الصفا، فاصعد عليه و اصنع كما صنعت يوم دخلت، ثم ائت المروة فاصعد عليها و طف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا و تختم بالمروة، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شي ء أحرمت منه الا النساء، ثم ارجع الى البيت و طف به أسبوعا آخر، ثم تصلي ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام ثم قد أحللت من كل شي ء و فرغت من حجك كله و كل شي ء أحرمت منه «1» و ثم للترتيب قطعا.

2- مرسل احمد بن محمد قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام: جعلت فداك متمتع زار البيت، فطاف طواف الحج، ثم طاف طواف النساء، ثم سعى؟ قال: لا يكون

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب زيارة البيت الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 449

و يجوز مع الضرورة و الخوف من الحيض (1)

[الثامنة من قدم طواف النساء على السعي ساهيا أجزأه و لو كان عامدا لم يجزه]

الثامنة من قدم طواف النساء على السعي ساهيا أجزأه و لو كان عامدا لم يجزه (2)

السعي الا من قبل طواف النساء، فقلت: أ فعليه شي ء؟ فقال: لا يكون السعي إلا قبل طواف النساء «1» و نحوهما غيرهما من الاخبار المأثورة عنهم عليهم السّلام.

(1) قد نفى عنه الخلاف، بل في المدارك: (انه مقطوع به في كلام الأصحاب) و استدل لذلك- مضافا الى نفي الحرج و فحوى

ما تقدم من نظائره- بموثق سماعة بن مهران عن ابي الحسن الماضي عليه السّلام قال: سألته عن رجل طاف طواف الحج و طواف النساء قبل ان يسعى بين الصفا و المروة؟ فقال: لا يضره يطوف بين الصفا و المروة و قد فرغ من حجه «2» بعد حمله على حال الضرورة جمعا بينه و بين غيره، و لكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط في ذلك و لو بالاستنابة، لأنه يحتمل عدم الجواز، لأصالة عدم الاجزاء مع مخالفة الترتيب و بقائه في الذمة و بقائهن على الحرمة، فتدبر.

(2) أما عدم اجزاء طواف النساء لو قدم على السّعي مع العمد فمما لا ينبغي الإشكال فيه، لانه لولا ذلك لم يصح القول باشتراط الترتيب، و أما اجزائه لو قدم عليه مع الجهل و النسيان، فاستدل له بموثق إسحاق بن مهران المتقدم.

لكن يمكن ان يقال بالمعارضة بين الموثق و ما دل على التّرتيب، و يمكن الجمع بينهما بحمل دليل الترتيب على الاستحباب، و يمكن الجمع الموضوعي بالتفصيل بين

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 65 من أبواب الطواف الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 65 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 450

[التاسعة قيل لا يجوز الطواف و على الطائف برطلة]

التاسعة قيل (1) لا يجوز الطواف و على الطائف برطلة [1] (2)

العامد و غيره.

و لكن التحقيق: انه لا معارضة بينهما حتى نحتاج الى الجمع، لعدم شموله العامد من أول الأمر لأنه منصرف الى غيره، و العامد لا يفعل ذلك، لعدم حصول التعبد و التقرب له به، كما افاده صاحب الجواهر.

(1) و القائل الشيخ في محكي النهاية.

(2) لخبر يحيى الحنظلي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تطوفن بالبيت و عليك برطلة «1» و

خبر يزيد بن خليفة قال: رآني أبو عبد اللّه عليه السّلام أطوف حول الكعبة

______________________________

[1] و البرطلة «بضم الباء و التاء و إسكان الراء و تشديد اللام المفتوحة» قلنسوة طويلة كانت تلبس قديما» هذا على ما في المدارك.

و عن العين و المحيط و القاموس: «أنها المظلة الصيفية».

و عن الجوالقي: «انها كلمة نبطية و ليست من كلام العرب.

و عن ابى حاتم عن الأصمعي: «أن البربر و النبط يجعلون الظاء المعجمة طاء مهملة فيقولون: «الناطور» و هو الناظور بالمعجمة، فكأنهم أرادوا ابن الظل.

و عن ابن جنى في سر الصّناعة: «ان النبط يجعلون الظّاء طاء» و لذا قال:

البرطلة و انما هو ابن الظّل. و عن الأزهري «انها في قول ابن الظّلة» و لكن الجميع كما ترى و الأول هو المعروف «على ما في الجواهر».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 67 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 451

و منهم من خص ذلك بطواف العمرة نظرا الى تحريم تغطية الرأس (1).

و على برطلة، فقال لي بعد ذلك: قد رأيتك تطوف حول الكعبة و عليك برطلة لا تلبسها حول الكعبة، فإنها من ذي اليهود «1» و رواه الصدوق «رحمه اللّه تعالى» بإسناده عن صفوان، الا انه ترك قوله: «قد رأيتك».

تفصيل الكلام فيه انه هل يحرم لبس البرطلة على الطائف، أو يكره له، للتعليل في ذيل الخبر الثاني: «انه من ذي اليهود» و على فرض الحرمة هل هي حكم تكليفي أو وضعي.

و التحقيق: انه لا مجال لهذه الأبحاث، و ذلك لورود هذا الحديث بالنسبة إلى نفس لبس برطلة، و لا ربط له بالطواف و اما الحرمة فلا يستفاد منه للتعليل المشتمل عليه الخبر المزبور بل لا يمكن الحكم بالكراهة

أيضا به، لعدم ثبوت سند معتبر له و انجباره بعمل الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) غير معلوم، و لا يصح ان يقال أيضا بالكراهة، تمسكا بدعوى: التّسامح، لما عرفت ما فيه غير مرة.

(1) إذا كان في طواف العمرة لا الحج أو كان في طوافه و لكن قدم الطواف حرم عليه حينئذ لبس البرطلة، و ذلك لعدم تحلله بعد عن حرمة تغطية الرأس، و لكن لا يخفى عدم اختصاص ذلك بها بل يحرم تغطية رأسها بغيرها ايضا، و لكن لا يبطل طوافه به كما هو واضح.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 67 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 452

[العاشرة من نذر ان يطوف على اربع]

العاشرة من نذر ان يطوف على اربع قيل (1) يجب عليه طوافان و قيل (2) لا ينعقد النذر، و ربما قيل بالأول إذا كان الناذر امرأة اقتصارا على مورد النقل (3).

(1) و القائل الشيخ في التهذيب، و محكي النهاية و المبسوط، و القاضي في محكي المهذب، و ابن سعيد في محكي الجامع، و اختاره الشهيد في اللمعة، و نسبه ثانيهما إلى الشهرة.

(2) و القائل ابن إدريس و تبعه غيره.

(3) قال في الجواهر (. لم أجده لمن تقدم على المصنف نعم في المنتهى: «و مع سلامة هذين الحديثين- يعني خبر السكوني و خبر أبي الجهم الآتيين- عن الطعن في السند ينبغي الاقتصار على موردهما و هو المرأة و لا يتعدى الى الرجل) تفصيل الكلام في ذلك هو انه (تارة): يتكلم في هذه المسألة بالنسبة إلى أصل صحة الطواف على اربع- أي يديه و رجليه- و (أخرى): في صحة نذره كذلك.

أما الكلام على الأول فمحصله: انه قد يقال بعدم إمكان الحكم ببطلانه و ذلك لانه كما

يحتاج القول بصحّته الى الدّليل كذلك يحتاج القول ببطلانه اليه و أما دعوى كون المتعارف في جميع الأعصار و ما صدر عن الأئمة عليهم السّلام و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله هو الطواف على الرجلين لا على اليدين و لا على يد واحدة و لا على أربع، فلا يدل على عدم مشروعيّة غيره فان كون الطواف على الرجلين أمر جار على طبق الطبع الاولى في كل انسان ففعلهم بهذا النّحو لا يدل على وجوب الطواف كذلك، نعم ورد

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 453

..........

الدليل على عدم جواز الطواف جالسا و هو ما عن يحيى الأزرق عن ابي الحسن عليه السّلام قال: قلت له: اني طفت أربع أسابيع و أعييت، أ فأصلي ركعاتها و أنا جالس؟ قال:

لا، قلت: فكيف يصلي الرجل صلاة الليل إذا أعيى أو وجد فترة و هو جالس؟ قال:

فقال: تستقيم ان تطوف و أنت جالس؟ قلت: لا، قال: فتصليهما و أنت قائم «1».

و لا يخفى ان هذا الحكم مختص بمورد الفرض- و هو الطواف جالسا- فلا يمكن التعدي إلى غيره، و أما القول بإمكان التعدي بتنقيح المناط، فلا يمكن المساعدة عليه لانه غير قطعي، و غاية ما يحصل منه هو الظن بالحكم، و لا دليل على اعتباره، فلا يخرج هذا الوجه عن كونه قياسا غير مشروع عندنا، لاحتمال خصوصية في الطواف جالسا.

مضافا الى انه يمكن ان يقال: ان مقتضى إطلاق أدلة الطواف جوازه و لو على اليدين أو على أربع، لعدم الاستفادة من لفظ: (الطواف) سوى الدور في حول البيت بأي نحو كان، و لا دليل على اشتراط كونه على الرّجلين.

و لكن الإنصاف انصراف الاخبار الى الطواف على الرجلين، و

القدر المتيقّن هو مشروعيّة هذه الكيفيّة من الطّواف دون غيره، و قد ذكرناه غير مرّة من ان العبادات توقيفية و لا بد من ثبوت مشرعيّتها من جانب الشّارع، و كيف كان فيكفي نفس الشّك في المشروعيّة في القول بعدمها، و لم يرد دليل على مشروعية الطواف على اربع أو على اليدين أو على يد واحدة فعليه يتعين صحة الطواف ان يكون على الرحلين

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 79 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 454

..........

و أما الكلام على الثاني- و هو صحة نذره كذلك- فنقول: انه (تارة):

يتكلم فيه على ما يقتضيه القاعدة و (أخرى): على ما تقتضيه الاخبار.

أما على الأول فمحصله: انه لا ينبغي الإشكال في بطلان نذره كذلك، لتعلقه بهيئة غير مشروعة، و هل الباطل حينئذ الهيئة الخاصة أو الطواف رأسا؟ و في كشف اللثام: «تحتملهما عبارة السرائر و القواعد و غيرهما، و الأول هو المحكي عن المنتهى فعليه طواف واحد على رجليه، إلا ان ينوي عند النذر انه لا يطوف إلا على هذه الهيئة فيبطل رأسا».

و لكن التحقيق: انه لا يصح القول في مفروض المقام بصحة نذره بالنسبة إلى أصل الطواف و بطلانه بالنسبة إلى الكيفية، لتعلق النذر بالطواف- كما هو المفروض- بهذه الكيفية و المنذور أمر مقيد، و لم يثبت مشروعية الطواف بهذه الكيفية، إذ هو كمن نذر الصلاة على هيئة غير مشروعة.

و أما على الثاني فنقول: ان مقتضى اخبار المقام هو عدم انعقاد نذرها بالنسبة إلى الهيئة الخاصة و انعقاده بالنسبة إلى أصل الطواف، و لا بأس بذكرها، فنقول منها:

خبر السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: في امرأة نذرت

ان تطوف على اربع؟ قال: تطوف أسبوعا ليديها، و أسبوعا لرجليها «1» و منها خبر ابي الجهم عنه ايضا عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السّلام انه قال: في امرأة نذرت ان تطوف على اربع؟ قال: تطوف أسبوعا ليديها، و أسبوعا لرجليها «2».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 70 من أبواب الطواف الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 70 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 455

..........

ينبغي هنا التنبيه على أمور: الأول- لا يخفى انه ليس المراد من قوله عليه السّلام في الخبرين: (تطوف أسبوعا ليديها و أسبوعا لرجليها) هو انها تطوف أسبوعين أسبوعا على رجليه و أسبوعا على يديه لانه لم يأت بلفظ «على» بل اتى باللام، فالمعنى بناء عليه انها تطوف أسبوعين على رجليه بنحو المتعارف (أحدهما): لرجليها و (ثانيهما): ليديها.

الثاني- ان هذين الحديثين و ان كانا دالّين على خلاف ما تقتضيه القاعدة لاقتضائها بطلان النذر، لكونه تقييديا و متعلقا بهيئة غير مشروعة و على فرض صحّته ليس الإتيان باسبوعين على رجليه وفاء له بذلك النّذر، لما عرفت من كونه تقييديّا، لكن مع ذلك لا بد من الأخذ بهما من باب التعبّد.

الثالث- ان لزوم الأخذ بالخبرين من باب التعبد انما يتم إذا صح سندهما أو انجبار ضعفهما بالعمل، كما نسب الى المشهور الإفتاء بمضمونهما.

و اما القول بان مستندهم مقتضى القاعدة بدعوى تحليل النذر الى نذر أصل الطواف و نذر الهيئة الخاصة ففيه ما لا يخفى.

الرابع- انه إذا ثبت صحة سندهما أو تحقق الانجبار بالاستناد نلتزم بمفادهما تعبّدا في خصوص المرأة لاحتمال الخصوصيّة فيها و التعدّي عن موردهما- و هو المرأة- إلى غيره- و هو الرّجل- قياس و الأولويّة القطعيّة غير

ثابتة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 456

[الحادية عشر لا بأس ان يعول الرجل على غيره في تعداد الطواف]

الحادية عشر لا بأس ان يعول الرجل على غيره في تعداد الطواف، لأنه كالامارة (1).

(1) و استدل لذلك بخبر سعيد الأعرج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الطواف أ يكتفي الرجل بإحصاء صاحبه؟ فقال: نعم «1». و خبر الهذيل عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يتكل على عدد صاحبه في الطواف أ يجزيه عنهما و عن الصبي؟ فقال: نعم ألا ترى أنك تأتم بالإمام إذا صليت خلفه فهو مثله «2».

ينبغي هنا بيان أمور: الأول- ان مقتضى إطلاق الحديثين جواز الاكتفاء بإحصاء الغير و لو كان فاسقا و سواء كان أمره بالحفظ أو لا.

الثاني- انه ذهب المصنف «قدس سره» الى ان إحصاء الغير كالامارة و فهم منه صاحب الجواهر ان المصنّف فهم من الحديث عدم الموضوعيّة لإحصاء الغير لكونه من باب الامارة و لو بإفادة الظّن فيكفي في عدد الأشواط الظّن كعدد ركعات الصلاة للحديثين المتقدّمين لا بقوله: «الطّواف بالبيت صلاة» و ذلك لان صاحب الجواهر قال بعد ذكر الخبرين: (و لعل مبنى الخبرين ما أشار إليه المصنّف «قدّس سرّه» من غلبة حصول الظّن باخبار المخبر الذي هو امارة غالبا. نعم لو لم يحصل منه ظنّ لم يكن به عبرة و عمل على حكم الشّك الّذي قد عرفته سابقا و حينئذ فلا يعتبر فيه التعدّد و لا الذّكورة و لا غير ذلك إذ المدار على ما عرفت.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 66 من أبواب الطواف الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 66 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 457

و لو شكا جميعا عولا على أحكام المتقدمة «للشك» (1)

لكن في المدارك- بعد

ان ذكر: ان إطلاق النص و كلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في الحافظ بين الذكر و الأنثى، و لا بين من طلب منه الطائف الحفظ و غيره- قال: «و هو كذلك. نعم، شرط فيه البلوغ و العقل، إذ لا اعتداد بخبر الصبي و المجنون، و لا يبعد اعتبار عدالته للأمر بالتثبت عند خبر الفاسق» و فيه: ان خبر المميز و الفاسق قد يفيدان الظن، بل الخبران ظاهران في عدم اعتبار العدالة).

الثالث- انه لا ينافي ما ذكرنا ما تقدم في بعض النصوص من قوله عليه السّلام: (حتى تثبته- أو حتى تحفظه) لإمكان القول بان الظن إثبات له و حفظ خصوصا بعد الخبرين المزبورين اللذين قد يقوى اعتبار حكم الصلاة هنا بملاحظة الثاني منهما- و هو خبر هذيل المذكور- فيه الائتمام المشعر باتحاد حال الصلاة مع الطواف.

الرابع- ان ما ذكرنا انما يتم بناء على انجبار الحديثين بعمل الأصحاب و الا فلا مجال لما ذكر، فيتعين حينئذ الرجوع الى ما تقتضيه القاعدة من عدم كفاية إحصاء الغير بل لا بد من الاطمئنان.

(1) من البناء أو الاستيناف، و ان شك أحدهما دون الآخر كان لكل حكم نفسه، كما يرشد اليه خبر صفوان المتقدم: (عن ثلاثة دخلوا في الطواف، فقال واحد منهم: «احفظوا الطواف» فلما ظنوا انهم قد فرغوا قال واحد منهم: «معي سبعة أشواط» و قال الآخر: «معي ستة أشواط» و قال الثالث: «معي خمسة أشواط» فقال: «ان شكوا كلهم فليستأنفوا و ان لم يشكوا و علم كل واحد منهم ما في

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 458

..........

يديه فليبنوا» «1».

و ربما احتمل ان المراد البناء على الأمر المشترك، كما إذا شك أحدهما بين خمسة و ستة و الآخر

بين ستة و سبعة فيبنوا على الستة نحو ما يقال في شك الامام و المأموم فيما إذا كان بينهما رابطة و قدر مشترك تفصيله على ما ورد في الوسيلة في صفحة (105) طبع الحديث في طهران (إذا عرض الشك لكل من الامام و المأموم، فإن اتحد شكهما عمل كل منهما عمل ذلك الشك، كما انه لو اختلف شكهما و لم يكن بين شكيهما رابطة- كما إذا شك أحدهما بين الاثنتين و الثلاث، و الآخر بين الأربع و الخمس ينفرد المأموم و يعمل كل منهما عمل شكه- و اما إذا كان بينهما رابطة و قدر مشترك، كما إذا شك أحدهما بين الاثنتين و الثلاث و الآخر بين الثلاث و الأربع، فإن الثّلاث طرف شك كل منهما يبنيان على ذلك القدر المشترك، لان ذلك قضية رجوع الشّاك منهما الى الحافظ حيث ان الشاك بين الاثنتين و الثلاث معتقد بعدم الأربع و شاك في الثلاث، و الشاك بين الثلاث و الأربع معتقد بوجود الثّلاث و شاك في الأربع، فالأول يرجع الى الثاني في تحقق الثّلاث، و الثّاني يرجع الى الأول في نفي الأربع، فينتج بنائهما على الثلاث، و الأحوط مع ذلك إعادة الصلاة. إلخ) فيمكن ان يقال بذلك فيما نحن فيه وجه التنظير انه يمكن ان يقال: ان من يقول: «معي خمسة» قاطع بنفي السبعة و انما الشّك بين الخمس و الست، فيرجع اليه الآخران في نفي السّابع، و من قال: «معي سبعة» قاطع بان ما في يده ليس الخامس فيرجع اليه الآخران في ذلك فيثبت البناء

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 66 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 459

[الثانية عشرة طواف النساء واجب في الحج]

الثانية عشرة طواف النساء

واجب في الحج (1)

على الستة و فيه ما لا يخفى لكون الحكم في المقيس عليه ثبت بالتعبد برجوع كل من الامام و المأموم إلى الآخر و لم يثبت ذلك في مفروض المقام فالتعدي عن المورد الى غيره قياس مع الفارق البين، فتدبر.

و في كشف اللثام- على ما أفاده في الجواهر: (لو صح خبر هذيل أمكن القول بان لا يعتبر شكه إذا حفظ الآخر- كصلاة الجماعة- و قد عرفت ان المدار على حصول الظن بالعدد، فان كان أخذ به، و الا عمل على مقتضى حكم الشك السابق).

(1) يدل عليه جملة من النصوص المأثورة عنهم عليهم السّلام- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: علي المتمتع بالعمرة إلى الحج ثلاثة أطواف بالبيت، و سعيان بين الصفا و المروة، و عليه إذا قدم مكة طواف بالبيت، و ركعتان عند مقام إبراهيم عليه السّلام، و سعى بين الصفا و المروة، ثم يقصر و قد أحل هذا للعمرة و عليه للحج طوافان، و سعى بين الصفا و المروة، و يصلي عند كل طواف بالبيت ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام «1».

2- صحيح منصور بن حازم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: على المتمتع بالعمرة إلى الحج ثلاثة أطواف بالبيت و يصلي لكل طواف ركعتين، و سعيان بين الصفا و المروة «2».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 8

(2) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 460

و العمرة المفردة (1)

3- صحيح الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: انما نسك الذي يقرن بين الصفا و المروة مثل نسك المفرد ليس بأفضل

منه الا بسياق الهدي، و عليه طواف بالبيت، و صلاة ركعتين خلف المقام، و سعي واحد بين الصفا و المروة و طواف بالبيت بعد الحج «1».

4- حسن معاوية عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: المفرد عليه طواف بالبيت، و ركعتان عند مقام إبراهيم، و سعى بين الصفا و المروة و طواف الزيارة و هو طواف النساء و ليس عليه هدى و لا أضحية. «2» الى غير ذلك من النصوص المأثورة عنهم عليهم السّلام.

(1) ما أفاده المصنف «قدّس سرّه» من وجوب طواف النساء في العمرة المفردة- المسماة بالمبتولة- مما هو المعروف بين الأصحاب بل في الجواهر: (بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل عن المنتهى و التذكرة و الإجماع عليه.) و يدل عليه خبر إسماعيل بن رياح قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن مفرد العمرة عليه طواف النساء؟ قال:

نعم «3» و صحيح محمد بن عيسى قال: كتب أبو القاسم مخلد بن موسى الرازي الى الرجل يسأله عن العمرة المبتولة هل على صاحبها طواف النساء العمرة التي يتمتّع بها الى الحج؟ فكتب: أما العمرة المبتولة فعلى صاحبها طواف النساء، و أما التي يتمتع بها الى الحجّ فليس على صاحبها طواف النساء «4».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 6

(2) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 13

(3) الوسائل ج 2 الباب 82 من أبواب الطواف الحديث 8

(4) الوسائل ج 2 الباب 82 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 461

..........

و اما خبر إبراهيم بن عبد الحميد عن عمر أو غيره عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال:

(المعتمر يطوف و يسعى و يحلق؟ قال: و لا

بد له بعد الحلق من طواف آخر «1» و ان عم المتمتع بها أيضا الا انه مخصص بما عرفت و ما ستعرفه «ان شاء اللّه تعالى».

و لكن يعارضها عدة اخبار- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا دخل المعتمر مكة من غير تمتع و طاف بالكعبة و صلّى ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام و سعى بين الصفا و المروة فليلحق بأهله ان شاء «2».

2- و صحيح صفوان بن يحيى قال: سأله أبو حارث عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج و طاف و سعى و قصر، هل عليه طواف النساء؟ قال: لا انما طواف النساء بعد الرجوع من منى «3».

3- مرسل يونس رواه قال: ليس طواف النساء إلا على الحاج «4».

4- خبر ابي خالد مولى علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن مفرد العمرة، عليه طواف النساء؟ قال: ليس عليه طواف النساء «5».

و لكن التحقيق: ان هذه الاخبار لا تنهض للمعارضة مع الاخبار المتقدّمة الدّالة على وجوب طواف النّساء في العمرة المفردة.

اما الأول- و هو صحيح معاوية بن عمار- فلانه يمكن ان يقال: انه غير

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 82 من أبواب الطواف الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب العمرة الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 82 من أبواب الطواف الحديث 6

(4) الوسائل ج 2 الباب 82 من أبواب الطواف الحديث 10

(5) الوسائل ج 2 الباب 82 من أبواب الطواف الحديث 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 462

دون المتمتع بها (1)

صريح في وحدة الطواف، إذ يحتمل انه طاف ما يجب عليه و صلّى لكل واحد ركعتين بل ربما قيل ان ظاهر ذلك-

على ما أفاده صاحب الجواهر قدس سره- هذا أولا.

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 4، ص: 462

و ثانيا: قد يقال انه وارد في مقام بيان ان المعتمر عمرة مفردة ليس مرتهنا بالحج و له الخروج من مكة، فليس له إطلاق من جهة ما نحن فيه لكنه بعيد. و ثالثا: فلان تسالم الأصحاب على خلافه مانع عن الاعتماد عليه.

و أما الثاني- و هو صحيح صفوان بن يحيى- فلاحتمال ارادة قوله الأخير و هو: (انما طواف النساء عليه) لا الأول مضافا الى تسالم الأصحاب على خلافه الموجب لخروجه عن حيز دليل الاعتبار.

و اما الثالث- و هو مرسل- فلانه ضعيف سندا و غير منجبر بعمل الأصحاب (قدس سرهم) مضافا الى انه مخصص بما عرفت.

و اما الرابع- و هو خبر ابى خالد- فلما ذكر في الثالث. و من هنا ظهر ضعف ما ذهب إليه الجعفي من عدم وجوبه فيه فتدبر.

(1) أما عدم وجوب طواف النساء في العمرة المتمتع بها فمما لا ينبغي الإشكال فيه و هو المعروف بين الأصحاب، بل في الجواهر: (بلا خلاف محقق أجده فيه و ان حكاه في اللمعة عن بعض الأصحاب، و أسنده في الدروس الى النقل، لكن لم يعين القائل، و لا ظفرنا به و لا أحد ادّعاه سواه، بل في المنتهى لا اعرف به خلافا، بل عن بعض الإجماع على عدم الوجوب، و لعله كذلك، فإنه قد استقر المذهب عليه الآن و قبل الآن.

إلخ) و يدل عليه- مضافا الى النصوص المتقدمة- جملة من الاخبار- منها:

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 463

..........

1- صحيح زرارة بن أعين قال: قلت

لأبي جعفر عليه السّلام: كيف أتمتع؟ قال:

تأتي الوقت فتلبي بالحج، فإذا دخلت مكة طفت بالبيت، و صليت ركعتين خلف المقام، و سعيت بين الصفا و المروة و قصرت و أحللت من كل شي ء و ليس لك ان تخرج من مكة حتى تحج «1».

2- صحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام إذا فرغت من سعيك و أنت متمتع فقصر من شعرك من جوانبه و لحيتك، و خذ من شواربك و قلم أظفارك و أبق منهما لحجك، فإذا فعلت ذلك أحللت من كل شي ء يحل منه المحرم و أحرمت منه، و طف بالبيت تطوعا ما شئت «2».

3- خبر عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: طواف المتمتع ان يطوف بالكعبة و يسعى بين الصّفا و المروة و يقصر من شعره فإذا فعل ذلك فقد أحل «3» الى غير ذلك من الاخبار المأثورة عنهم عليهم السّلام.

و لا يعارضها خبر سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه عليه السّلام قال: إذا حج الرجل فدخل مكة متمتعا فطاف بالبيت و صلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السّلام و سعى بين الصفا و المروة و قصر فقد حل له كل شي ء ما خلا النساء لانه عليه لتحلة النساء طوافا و صلاة النساء «4» لكونه ضعيفا سندا فلا عبرة به، و لا يخفى أنه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الإحرام الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب الطواف الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب الطواف الحديث 2

(4) الوسائل ج 2 الباب 82 من أبواب الطواف الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 464

و هو لازم للرجال

و النساء (1)

لا يقبل حمله على ارادة حج التمتع لما فيه من وقوع التقصير من المتمتع بعد الطواف و السعى و ليس ذلك إلا في العمرة، إذ لا تقصير بعدهما في الحج، على ان قوله:

«فدخل مكة متمتعا. إلخ» كالصريح في ان المراد منه هو القدوم الأول دون الرجوع إليها من منى فتدبر.

(1) ما أفاده المصنف «قدس سره» من لزوم طواف النساء للرجال و النساء مما لا ينبغي الإشكال فيه، و هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل في الجواهر: «بلا خلاف معتد به أجده فيه بل عن المنتهى و التذكرة الإجماع عليه في الجملة و يدل عليه- مضافا الى الأصل و إطلاق قوله تعالى (فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ) و الرفث هو الجماع بالنص الصحيح الوارد في تفسيره و ما دل على حرمة الرجال عليها بالإحرام، و قاعدة الاشتراك الا فيما استثنى- ذيل حديث إسحاق بن عمار المتقدم (. لا تحل لهم النساء حتى يرجع فيطوف بالبيت أسبوعا آخر بعد ما سعى بين الصفا و المروة و ذلك على النساء و الرجال واجب) «1» و الظاهر ان هذا الذيل جزء للحديث و يدل على ما أفاده المصنف ايضا صحيح علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الخصيان و المرأة الكبيرة أ عليهم طواف النساء؟ قال: نعم عليهم الطّواف كلهم «2» و ما رواه حفص بن البختري عن العلاء بن صبيح و عبد الرّحمن بن الحجّاج و علي بن رئاب و عبد اللّه بن صالح كلهم يروونه عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: المرأة المتمتعة إذا قدمت مكة، ثم حاضت تقيم ما بينها و بين

التّروية، فإن طهرت طافت بالبيت

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب الطواف الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 465

و الصبيان (1)

و سعت بين الصفا و المروة، و ان لم تطهر الى يوم التروية اغتسلت و احتشت، ثم سعت بين الصفا و المروة، ثم خرجت إلى منى، فإذا قضت المناسك و زارت بالبيت طافت بالبيت طوافا لعمرتها، ثم طافت طوافا للحج، ثم خرجت فسعت، فإذا فعلت ذلك فقد أحلت من كل شي ء يحل منه المحرم إلا فراش زوجها فإذا طافت طوافا آخر حل لها فراش زوجها «1».

(1) ما أفاده المصنف «قدس سره» من لزوم طواف النساء للصبيان مما لا ينبغي الإشكال فيه، و هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» لشمولهم الإطلاق كشموله للبالغين- على ما قرر في محله-، بل عن المنتهى و غيره الإجماع على وجوبه على الصبيان.

و لا يخفى ان الحكم لا يختص بالصبي المميز بل يعم ما إذا كان الصبي غير مميز إذا أحرم به وليه، و الا لم يصح إحرامه فلا يفيد الحرمة، فيطوف الولي بالصبي غير المميز و يستنيب في الصلاة عنه لانه يفهم من الاخبار الواردة في حج الصبي- قد تقدم ذكرها في الجزء الأول من هذا الكتاب عند ذكر حج الصبي- انه يقوم بما يمكن قيامه- كالطواف و السعي و الوقوف و نحوها- و يفعل الولي عنه بما لا يمكن ان يقوم به- كالتلبية- و من أراد الاطلاع على اخبار الباب فليراجع المبحث المذكور.

و أما الصبي المميز فيطوف و يصلي مباشرة بنفسه، و كيف كان فلو تركه و لم يطف الولي بغير المميز أو تركه

المميز بقي على حكم إحرامه الى ان يطوف بعد بلوغه أو

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 84 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 466

و الخناثى (1)

يستنيب حيث يجوز له ذلك- كما صرح به غير واحد- لإطلاق أدلة التحلل به و احتمال ان إحرامه لا يقتضي حرمة النساء، لأنه تمريني لا تشريعي في غير محله، لظهور الأدلة في كونه بحكم إحرام البالغ كظهوره في كونه كذلك بالنسبة إلى سائر المحرمات.

(1) ما أفاده المصنف «قدس سره» من لزوم طواف النساء على الخناثى مما لا ينبغي الإشكال فيه و هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» أما الخنثى المشكل فلم يرد دليل خاص بالنسبة إليها في طواف النساء لكنها بناء على عدم كونها طبيعة ثالثة فلا إشكال في البين، و أما بناء على كونها طبيعة ثالثة فيكفي في وجوبه عليها إطلاق مثل قوله تعالى «وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ» المفسر في بعض الاخبار بطواف النساء و هو ما رواه احمد بن محمد قال: قال أبو الحسن عليه السّلام: في قول اللّه عز و جل:

«وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ» قال: طواف الفريضة طواف النّساء «1» و ما رواه حماد ابن عثمان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عز و جل «وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ» قال طواف النساء «2».

(بقي هنا شي ء) و هو انه هل يكون وقت طواف النساء وقت طواف الحجّ أولا بل هو موسع و قد وقع الخلاف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» في ذلك، قال في كشف اللثام: (لم ينصّ أكثر الأصحاب على آخر وقته و ظاهرهم انه كطواف الحج) و في

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب

2 من أبواب الطواف الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب الطواف الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 467

..........

الكافي- على ما هو المحكي عنه- (ان آخر وقته آخر أيام التشريق) و في المبسوط:

(يطوف للنساء متى شاء من مقامه بمكة و يجوز ان يريد مقامه بها قبل العود إلى منى) قد يقوى في النظر جواز الإتيان بطواف النساء بعد ذي الحجة لاقتضائه إطلاق روايات المقام لان الروايات المأثورة عنهم في المقام غير متعرضة لتحديد آخر وقته.

ان قلت: ان قوله تعالى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ) يمنع عنه. قلت: انه لا يمنع عنه، لعدم كون طواف النساء جزء للحج، و لذا لا يحكم بفساد الحج بتركه- على ما أشرنا إليه في المباحث السابقة. في صفحة (410- 445).

ان قلت: ان مقتضى اخبار البيان كونه من واجبات الحج و ان لم يكن تركه موجبا لفساد الحج، فعليه إذا كان من واجباته و أفعاله تعين الإتيان به في أشهر الحج لظاهر الآية المتقدم على إطلاق الاخبار قلت: انه و ان كان كذلك الا ان مقتضى ظاهر بعض الاخبار المتقدم على ظاهر الاخبار البيانية عدم كونه من أفعال الحج- و قد تقدم ذكره في الأمر التاسع في صفحة (445)- و على ذلك لا يمكن الالتزام بتوقيت وقت طواف النساء بذي الحجة، لعدم كونه خاليا عن الإشكال فتأمل.

(إيقاظ) ان الطواف ركن في الحج بمعنى ان تركه عمدا موجب لبطلانه- كما أشرنا إليه في أول مبحث الطواف- و لكن لا يخفى: انه يغاير الركن في باب الصلاة الذي تبطل الصلاة بتركه و زيادته و لو سهوا، و هنا لا يبطل الا بالترك العمدي، لأن معنى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 468

..........

الركن

في الحج هو ان تركه عمدا موجب لبطلانه دون غيره، و أما ترك بعض اعمال الحج فلا يوجب للبطلان حتى لو كان عن عمد و اختيار فهو في الحقيقة ليس جزءا للحج بل واجب في واجب، لأن الجزئية تنافي القول بعدم البطلان مع تعمد تركه.

انتهى «و للّه الحمد و الشكر» ما أردت إيراده في هذا الجزء و أسأله تعالى التوفيق لإتمام الجزء الخامس من هذا الكتاب، قد وقع الفراغ منه على يد مؤلفه العبد الفاني:

محمّد إبراهيم الجنّاتي في [20- شهر ربيع الثاني- من سنة 1388 هج] و يتلوه الجزء الخامس من أول مبحث السعي ان شاء اللّه تعالى و الحمد للّه أولا و آخرا و صلّى اللّه على محمد و آله الطاهرين

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.